مقدمة
إنسان "بلتداون" هو جزء من أشهر عمليات الاحتيال في تاريخ العلم ، ففي عام 1912 اكتشف "تشارلز داوسون" أول جمجمة من إجمالي اثنتين في محجر في بلتداون- ساسكس (انكلترا) بدا كأنها تعود لإنسان بدائي Primitive hominid ، عرف فيما بعد بالاسم العلمي "ايوانثروبس داوسوني" Eoanthropus dawsoni ، و قد احدث اكتشافه هذا ضجة كبيرة. فكان يساير التوقع بأنه هو "الحلقة المفقودة" فبدا كمزيج من إنسان حديث و قرد بحاجب يعود ل "هومو سايبينس" و فك بدائي .
و بمرور السنوات و مع العثور على المزيد من الاحافير تعود لإنسان بدائي ، أصبح إنسان "بلتداون" حالة شاذة بلا مكان في شجرة العائلة البشرية. وأخيرا بحلول عام 1953 ظهرت الحقيقة أن إنسان "بلتداون" كان مجرد خدعة ، و انه كائن لم يوجد من الاساس.
قصة الخدعة
تسلسل زمني لتاريخ الخدعة للمساعدة في اظهار الاحداث الاساسية :
1856 --- اكتشاف الانسان النياندرثالي
1856 --- اكتشاف ( درايوبيثكس فونتاني Dryopithecus fontani)
1859 --- اصدار كتاب ( أصل الانواع ) لتشارلز داروين
1863 --- فضح تزوير محجر ( مولان كينيون - فرنسا )
1869 --- اكتشاف اول احافير ( هومو سابينس) في كهف ( كرو مانيون - فرنسا )
1871 --- اصدار كتاب ( انحدار الانسان ) لتشارلز داروين
1890 --- اكتشاف انسان جافا ( هومو ايريكتس)
1898 --- اكتشاف احافير ( قالي هيل - انجلترا) ( تم نفي اثريتها لاحقا)
1903 --- اكتشاف اول ضرس لانسان بكين في الصين ( هومو ايريكتس )
1907 --- اكتشاف انسان هايدلبيرج في المانيا ( هومو هايديلبيرجينسيس Homo heidelbergensis)
1908 - 1911 --- "داوسون" يكتشف اول احافير "بلتداون"
1909 --- "داوسون" يلتقي " تيلهارد دي شاردين"
1912 فبراير --- "داوسون" يخاطب " ودوارد" بشأن جمجمة "بلتداون" الاولى
1912 يونيو --- "داوسون" و "ودوارد" و "تيلهارد" ينشئون فريق للتنقيب
1912 يونيو --- الفريق يكتشف ضرس فيل و اجزاء من جمجمة
1912 يونيو --- اكتشاف عظم الجمجمة الجداري الايمن و عظمة الفك
1912 نوفمبر --- ينتشر الخبر في الصحافة
1912 ديسمبر --- التقديم الرسمي لانسان "بلتداون"
1913 اغسطس --- اكتشاف السن النابي من قبل " تيلهارد"
1914 --- اكتشاف اداة مصنوعة من عظم فخذ فيل
1914 --- اكتشاف انسان تالقاي - استراليا ، و يعد مؤيدا لانسان بلتداون
1915 --- اكتشاف جمجة بلتداون الثانية من قبل "داوسون" ( على حسب افادة "ودوارد" )
1916 --- وفاة "داوسون"
1917 --- "ودوارد" يعلن اكتشاف جمجمة بلتداون الثانية
1921 --- اكتشاف انسان روديسيا
1924 --- "دارت" يكتشف (اوسترالوفيتكس)
1925 --- "ايدموندز" يصرح بوجود خطأ جيولوجي في اكتشاف "بلتداون" لكن تقريره يتم تجاهله
1929 --- اكتشاف اول جمجمة لانسان بكين
1934 --- اكتشاف رامابيثيكس
1935 --- اكتشاف العديد من الاحافير التي ترجع لانسان بكين ( 38 فردا)
1935 --- اكتشاف انسان سوانكومب
1937 --- "مارتسون" يهاجم تقدير عمر انسان "بلتداون": مستشهدا بتقرير "ايدموندز"
1941 --- فقدان احافير انسان بكين في تحرك عسكري
1943 --- تطوير فحص المكون الفلوري
1948 --- اصدار ( الرجل الانجليزي المبكر) من قبل "ودوارد"
1949 --- فحص الفلور يظهر حداثة انسان بلتداون
1951 --- "ايدموندز" يعلن عدم وجود مصدر جيولوجي لاحافير حيوانات بلتداون
1953 --- كل من " فاينر" و " لي جروس كلارك " و " اوكلي" يكشفون الخدعة
في عام 1856 تم اكتشاف أول احفورة تعود للإنسان "النياندرثالي" و معها بدأ السباق نحو اكتشاف المزيد من احافير السلف البشري ، و مع مضي نصف القرن التالي كانت الاكتشافات تتم في أنحاء أوروبا و آسيا و لم يتم العثور على أي منها في بريطانيا ، و في عام 1912 حانت اللحظة لتشرق الشمس على علم الاحاثة البريطاني فقد تم العثور على بقايا احفورية بشرية تعود للعصر البليوسيني في محاجر "بلتداون" في ساسكس- انجلترا ، و في الفترة بين 1912-1915 تم العثور على : جمجمتين ، سن نابي ، فك "ايوانثروبس" ، أداة مصنوعة من سن فيل ، أسنان حيوانية أخرى .
و لكن كان هناك الكثير من الغموض يحيط ببعض اللحظات الحاسمة لتلك الاكتشافات ، فقد تحدث "داوسون" بخصوص الجمجمة الأولى مع "ارثر ودوارد" ( المسئول عن قسم التاريخ الطبيعي في المتحف البريطاني ) دون تحديد وقت الاكتشاف بعد الادعاء انه قد تم العثور عليها من قبل بعض العمال "منذ بضع سنوات" ، كما كان العثور على الجمجمة الثانية في 1915 غير محددا بعد أن صرح "داوسون" بان "صديقا" قد ساعده دون تحديد هويته أو موقع الاكتشاف.
كانت ردات الفعل في الوسط العلمي متفاوتة ، فعلماء الاحاثة البريطانيين كانوا متحمسين بالاكتشاف ، بينما نظراؤهم الأمريكيون و الفرنسيون كانوا متشككين بل إن بعضهم كان معارضا بشدة ، و يعود الاحتجاج إلى انه كان يبدو بوضوح أن الفك و الجمجمة يعودان لحيوانين مختلفين و أن العثور عليهما بالقرب من بعضهما كان مجرد صدفة فحسب ، و كانت الفترة بين 1912-1917 مليئة بالتشكك حتى تم إعلان العثور على الجمجمة الثانية "من قبل ودوارد بعد موت داوسون" وعندها أصبح حدوث تلك الصدفة مرتين أمرا غير وارد فتراجع الكثير من المعارضين عن شكوكهم .
و جدير بالذكر أن في ذلك الوقت كانت الاحافير البشرية البدائية قليلة جداً و كان واضحاً أن "هومو نياندرثالس" و "هومو ساسيبينس" هما متأخران زمنياً و لا بد من وجود إنسان أكثر قدما و قربا من القرود ليكون "الحلقة المفقودة" ، و مواصفات ذلك الإنسان كانت مجهولة و كل الاحتمالات كانت واردة , و إنسان "بلتداون" كان بشكل ما يلاءم ذلك التوقع مما أعطاه بعض المعقولية.
و لكن هذا المعقولية لم تصمد خلال العشرين سنة اللاحقة , فتم العثور على احافير إنسان بدائي و أخرى أكثر حداثة مثل اكتشاف "اوسترالوفيتيكس" و إنسان "بكين" و "هومو ايريكتس" ، و رغم ذلك ظل الكثيرون يؤيدون نظرية إنسان "بلتداون" أمثال سير "آرثر كينت" و الذي ظل من اكبر مؤيدي إنسان "بلتداون".
و خلال الفترة بين 1930 و 1950 تم تهميش إنسان "بلتداون" بشكل كبير و لاحقا تم تجاهله ، و المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي صنفه في صمت بأنه خليط من احافير إنسان و قرد ، و أصبح يعد حالة شاذة بل تغاضى العديد من المؤلفين عن ذكره في كتبهم و في اقتباس ل "شيروود واشبورن" : ( اذكر أني كنت أكتب أطروحة عن تطور الإنسان في عام 1944 و قمت ببساطة بترك إنسان "بلتداون" بعيداً ؛ يمكنك أن تستوعب تطور الإنسان دون ان تحاول أن تقحم "بلتداون" فيه )
و أخيراً في 1953 تم إعلان أن "بلتداون" لم يكن جزءا من سلف الإنسان و انه لم يكن مجرد استنتاج خاطئ ، بل كان قضية تزوير متعمد.
تزوير الاحافير
اتضح من تحليل الأحداث و التسلسل الزمني للاكتشافات بأنه لم يكن هناك أي احافير مهمة بمحجر "بلتداون" ، فكان يتم "زرع" تلك الاحافير هناك ليتم العثور عليها لاحقا ، و بعد كشف الخدعة قام سير "كينيث اوكلي" بإجراء فحوصات متقدمة على الاحافير ووجد التالي:
جمجمة "بلتداون" الأولى تعود للقرون الوسطى بعمر حوالي 620 سنة
جمجمة "بلتداون" الثانية تعود لنفس فترة الأولى
فك الجمجمة الأولى هو فك قرد "اورانج اوتان" و عمره 500 سنة
السن النابي يعود لشمبانزي من العصر البليستوسيني
سن الفيل كان احفورة أصلية
سن فرس نهر كان احفورة أصلية
و في الأصل كان يعتقد أن الجمجمة كانت قطعة واحدة و لاحقاً في عام 1989 تم اكتشاف انه تم استعمال جمجمتين مختلفتين و كانتا تعودان لقبيلة "الاونا" الهندية في أمريكا الجنوبية حيث كانتا اكثر سماكة من عموم سكان الارض و هو أمر نادر تختص به تلك القبيلة، و تم التأكيد القطعي بأصل الفك لقرد الاورانج اوتان في عام 1982. و غير ذلك فقد تم تعريض العظام لمعالجات خاصة لجعلها تبدو أثرية ، فوضعت في محلول يحتوي علي الحديد لصبغها ( الاحافير عادة تمتص الحديد الموجود في التربة) و قبل ذلك تم تعريضها لحمض الكروميك لتحويل محتوى العظام المعدني لجبس حتى تتلقى الحديد بصورة أفضل ، السن النابي تم صبغه بمحلول "فان دايك البني" ، تم نحت عظم الفك حتى يلاءم الجمجمة و كسر مكان المفصل بحرص حتى لا يتم التحقق من عدم تلاؤمه للجمجمة ، تم نحت السن النابي لإظهار نوع من التلف الطبيعي و تم ترقيعه بعلكة! كما تم ملئه بالرمل حتى يبدو ملائما لموقع العثور عليه بنهر "اوس".
اكتشاف الخدعة
مع بعض الاستثناءات فلم يقترح احد ما أن الاكتشافات كانت جزءا من خدعة إلا حتى النهاية ،و بداية النهاية أتت مع ظهور تقنية جديدة لتحديد الأعمار الجيولوجية وهي اختبار"امتصاص الفلور"، فبعد إخضاع احافير "بلتداون" لهذا الاختبار عام 1949 ظهر أنها حديثة العهد نسبيا ، و رغم ذلك تم قبولها على أنها صادقة ففي عدد مجلة "نايتشر" لعام 1950 كتب "اوكلي" :
(مع بعض الاستثناءات فنتائج اختبار الفلور قد زادت بشكل ملحوظ احتمال أن يكون الفك و الجمجمة يعودان لكائن واحد ، و العمر الحديث نسبيا الذي يظهره ملخص الأدلة يقترح بأن إنسان "بلتداون" عوضا أن يكون إنسانا بدائيا مبكرا فربما يكون إنسانا متخصصا أكثر حداثة تتطور بانعزال مقارن ، و هكذا يمكن إرجاع غرابة الفك و سماكة الجمجمة لتطورات ثانوية أو بدائية.)
في عام 1925 كان عالم الجيولوجيا "اف اتش ادموندز" قد أشار إلى أن "داوسون" قد اخطأ في تقدير العمر الجيولوجي للتربة في "بلتداون" فقد كانت احدث مما افترض "داوسون" ، و في عام 1951 نشر مقالة يشير إلى عدم وجود مصدر مقبول لتلك الاحافير فالتربة لم تكن تعود للعصر البليوسني.
و في يوليو 1953 تم عقد مؤتمر دولي لعلماء الاحاثة تحت رعاية مؤسسة وينر - جرين في مدينة لندن ، و من خلال النقاشات لم يعر إنسان "بلتداون" أي اعتبار فلم يكن يتفق مع المنظومة الكلية ، و في ذلك الاجتماع خطرت لعالم الاحاثة "جاي اس فاينر" احتمالية كون إنسان "بلتداون" مجرد خدعة متقنة و بمجرد طرح تلك الفكرة كان من السهل بعدها اكتشاف الخدعة. يذكر "رونالد ميلار" في كتابه "رجال بيلتداون" :
(تم إحضار الأسنان و فحصها من قبل العلماء الثلاثة [ جاي اس فايرنر - كينيث اوكلي - ويلفيرد لي جروس كلارك ]و تمت عندها رؤية دليل التزوير مباشرة ، فالضرس الأول و الثاني كانا متآكلين بنفس الدرجة و الأسنان السفلية كانت متآكلة من الجانب الداخلي أكثر من الجانب الخارجي ، و التآكل كان بالاتجاه الخاطئ ؛ أطراف الأسنان كانت حادة ؛ سطح العض على الضرسين لم يكن متوافقا ،و كان احتمال أن تكون الأسنان قد تبدل موقعها بعد موت إنسان بلتداون في الاعتبار لكن الفحص بأشعة اكس اظهر أن الجذور كانت متمركزة بشكل صحيح و عارض ذلك صورة إشعاعية سابقة من عام 1916 حيث كان تساويها في الطول و الموقع غير طبيعيا.)
( فحص سطح الضرس تحت المجهر أثار الرعب في العلماء حيث لاحظوا خدوشا متقاطعة تشير إلى استعمال مادة كاشطة ، و يقول "لي جروس كلارك" :( كانت الخدوش شديدة الوضوح لدرجة التساؤل عن كيفية الفشل في التعرف عليها منذ البداية ؟) و يجاوب ببساطة معبرة " لأنه لم يحاول احد العثور عليها فلم يفحصها احدهم و هو يتوقع وجود تزوير أو تحايل متعمد" )
و يبرز السؤال هنا عن كيفية الاخفاق في اكتشاف هذه الخدعة و كيفية نجاحها في خداع الوسط العلمي ، و الأسباب كانت:
المصادر الموثقة : تزداد احتمال نجاح الخدع عندما يبدو أنها موثقة من سلطة ما ، فعموما لا يتوقع احد ان ينسج شخص محترف في حقل ما خدعة ، و التجربة أثبتت أن هذا التوقع لا يصدق دوما.
عدم الكفاءة : رغم كون الفريق المكتشف صاحب شهادات موثقة و ممتازة فلم يكون كفؤاً في التعامل مع احافير إنسانية ، فخبراتهم كانت في مجالات أخرى ،و المتحف البريطاني ( وردوارد و بايكرفت) قام بأخطاء عديدة في إعادة التركيب و الاستنتاج و المختص الوحيد ) جرافتون ايليوت سميث) كان صامتا بشكل غريب بخصوص بعض الأخطاء.
بدائية الأدوات التحليلية : كانت الأدوات المستخدمة في ذلك الوقت شديدة البدائية فالاختبارات الكيميائية و تقنيات تحديد التواريخ لم تكن قد تطورت بعد ، تحليل تفاصيل تآكل الأسنان لم يكن قد اكتمل ، المعلومات البسيطة حول الجيولوجيا كانت اقل تفصيلا ، أهمية التحديد الدقيق لمنشأ الاحافير لم يكن مقدراً ؛ و باختصار كان علماء الاحاثة في عام 1915 أكثر قابلية للخداع.
مهارة التزوير : في ذلك الوقت لم تكن احافير الإنسان البدائي متوفرة غير بعض الاحافير النياندرثالية و كانت مسألة أعادة تركيب تاريخ التطور البشري أمرا مفتوحا ، و جاء إنسان "بلتداون" ليوافق إحدى التوقعات البارزة ، و المزور كان يعلم بالضبط ما هي الاختبارات التشريحية و الاحاثية التي ستخضع لها العينات.
ملاقاة التوقعات النظرية : السبب الأساسي لانطلاء الخدعة هو أنها تلاءمت بشكل جيد جدا مع نظريات ذلك الوقت ، فكان "بوول" قد انتقد ،خطأ، أن يكون النياندرثال قريباً من الخط الأساسي للإنسان البدائي ، و "ايليوت سميث" افترض أن الدماغ و الجمجمة الكبيرة قد تطورا أولا ، و ترجيح "سولاس" لحدوث التطور بشكل متجزئ و متقطع و أن الأسنان تطورت قبل الفك البشري ، و افترض "ودوارد" و آخرون أن الأدوات الحجرية البدائية تدل على إنسان بدائي ذكي ظهر في بريطانيا ، و بذلك يكون إنسان "بلتداون" بجمجمته الكبيرة و فكه المشابه للقرود و أسنانه الحديثة يتطابق مع التصور النظري.
حياة سحرية : اتصفت الخدعة بحياة سحرية ، فالعديد من الإشارات على التزوير كان يمكن اكتشافها لولا وجود بعض الأخطاء البسيطة في الإجراءات ، فكان يمكن اكتشاف تزوير الفك إذا خضع لكشف عن المواد العضوية فخضعت الجمجمة فقط للفحص و كانت مكوناتها المعدنية كافية للنجاح . الصورة الإشعاعية كانت ذات جودة رديئة حتى بالنسبة لذلك الوقت ، و طبيب الأسنان "لين" كان قد أشار إلى عدم توافق التآكل الشديد للسن النابي مع تجويف اللب الكبير و الذي كان يشير لصغر عمره ،و لكن تم تفسير ذلك بافتراض حدوث تكوين ثانوي للعاجين و تماشى ذلك مع رداءة أشعة اكس المستخدمة. و لم يتم ملاحظة نمط التآكل الخاطئ على الأضراس و لم يتم حتى فحصها بواسطة المجهر.
من هو المزور؟
عند اكتشاف الخدعة لم يكن هناك متهم واضح و لم يعترف احد بهذه العملية ، و على مر السنين الماضية ظهرت العديد من التكهنات عن هوية الفاعل و تشكلت لائحة مبهرة من الأسماء المتهمة بالتورط في هذه الخديعة مصاحبة بالكثير من الأدلة الظرفية أو الدوافع الخفية أو التصرفات المريبة ، و شمل قرابة 30 كتاب العديد من هذه الاتهامات ضد أولئك المتهمين. ( من اشهرهم السير آرثر كونان دويل مؤلف شخصية "شيرلوك هولمز")
المتهمون الاساسيون في وقت اكتشاف الخدعة كانوا :
تشارلز داوسون : كان هاوياً لعلم الآثار و عالم جيولوجيا و مختص بالتحف و جامع احافير للمتحف البريطاني ، كان الشخص الأصلي الذي بحث بجدية عن احافير في محجر "بيلتداون" ، و في 1912 اكتشف هو و "ودوارد" الجمجمة الأولى و في 1915 اكتشف الجمجمة الثانية ، توفي في 1916 بعد اكتشافه بفترة قصيرة.
ارثر سميث ودوارد : المسئول عن قسم التاريخ الطبيعي بالمتحف البريطاني ، كان صديقا لداوسون ، تخصصه علم احاثة الأسماك ، كان "دبليو بي بايكرافت" يعمل تحت إمرته و كان مسئولا عن قسم الانثروبولوجيا في حين انه مختص بعلم الطيور ، لم يكن أي منهما على دراية بعلم تشريح الإنسان و ذلك ما ساعد على نجاح الخدعة.
بيير تيلهارد دي شاردين : كان صديقا لداوسون و قسا يسوعيا ، و عالم احاثة و عالم لاهوت ، شارك في اكتشاف إنسان "بكين" و إنسان "بيلتداون" ، اشتهر بنظريات دينية جلبت له تكفيرا من الكنيسة الكاثوليكية.
الاساطير و المفاهيم الخاطئة
يعد انسان "بلتداون" محورا للعديد من المفاهيم الخاطئة والاساطير و الكثير منها يتم تكراره و ترويجه باجتهاد من قبل الخلقيين ، فقد اصبح انسان بلتداون هراوة ذات شعبية للاعتداء على نظرية التطور ، ومنها:
تم تدبير الخدعة لخلق ايمان بتطور الانسان : هذا ادعاء يكرره الخلقيون كثيرا وهو غير مرجح ، فنحن لا نعلم بالتأكيد من هم اصحاب تلك الخدعة و بالتالي لا نستطيع ان نجزم بدوافعهم وراء هذه الخدعة ، و لكنه من المؤكد ان غرضهم لم يكن اقناع الناس بأن الانسان تطور من القرد ، فلم نكن بحاجة لهذه الخدعة ليقتنع الوسط العلمي بتطور الانسان من جد مشترك مع القرد فقد توصل الى هذا الاجماع من قبل عن طريق الدليل التشريحي و وجود احافير ماقبل بشرية ( نياندرثال ، انسان هيدلبيرج ....الخ ) ؛ لكن نتيجة ظهور هذه الخدعة كانت توفير دعم لفرضية حول مسار هذا التطور البشري و التي كانت تقول ان الدماغ الكبير قد ظهر اولا ، ومن الاغلب ان هذا كان جزءاً من الدافع الاساسي وراء تدبير هذه الخدعة.
تم منح 500 شهادة دكتوراة حول انسان بلتداون :' هذا الادعاء يظهر في مراجع الخلقيين ، ففي " اصل البشرية " ل "جاري باركر" يذكر هذا الادعاء دون ذكر مصدر ، و في " خلاف العظام : تقييم خلقي لأحافير الانسان " ل "ام ال لوبينو" يذكر انه يقال انه تم منح 500 شهادة لكن لا يذكر مصادر. وهذا الادعاء هو بوضوح خاطئ جداً ، فعندما نلحظ العدد القليل من شهادات الدكتوراة التي يتم منحها في مجال علم الاحاثة حاليا و كذلك العدد الاقل منها الذي تم منحه قبل 80 سنة بالاضافة الى تمايز مواضيع الابحاث يصبح حتى عدد مثل نصف دزينة امرا مبالغا فيه ، يذكر " جون رايس كول " انه في العشرينات كان يتم منح شهادتين فقط كل عام في علم الانسان في الولايات المتحدة في مختلف المواضيع. و من غير الواضح ما هو مصدر هذا الادعاء و ما اذا كان اختلاقا صريحا او مجرد نقل خاطئ من احد المصادر. يذكر "ميلار" في كتاب " رجال بلتداون" ( تمت كتابة مئات من المقالات [حول انسان بلتداون]) و هو تقدير معقول ، و في " ملخص التاريخ " ل " اتش جي ويلز " يذكر ( اكثر من مئة كتاب و كراسة و مقال تم كتابتها [حول انسان بلتداون] ) ، و يذكر "كوينستيد" اكثر من 300 مصدر في 1936 حول الاحافير البشرية البدائية في " الكاتالوج الاحفوري". و هناك مقالة في مجلة "الطبيعة" في 1956 تصف اجتماع الجمعية الجيولوجية لكشف الخدعة فتقول : ( من المتفق عليه ان قطع الجمجمة هي بشرية و ليست ذات اثرية كبيرة ، و ان الفك يعود لقرد ، و انها لا تحمل اي اهمية تطورية ، اكثر من 500 مقال تم كتابتها حول انسان بلتداون ، ان صعوده و هبوطه هو مثال مفيد للدوافع البشرية و للأذى و الخطأ ) ، و من المرجح ان باركر قد فهم المقالات articles على انها اطروحات dissertations و ان لوبينو اعتمد على كلام باركر ، و تظل الحقيقة مجهولة.الاطروحة المعروفة الوحيدة التي ناقشت انسان بلتداون : أسلاف ام شواذ : دراسات في تاريخ علم الاحاثة الانسانية الامريكي 1915-1940 تطور الانسان ، لألفريد اوغست ديسيمون ، دكتوراة جامعة ماساتشوستس 1986 - AAT8612030
المصادر والمراجعات الخارجية
مقال لصاحبه : ريتشارد هارتر home.tiac.net/~cri ، تم الحصول على موافقة الكاتب مع الحفاظ على حقوقه
مترجم بتصرف من موقع توك اوريجنز http://www.talkorigi...s/piltdown.html
للمزيد من التفاصيل و مصادر الكاتب الاصلي الرجاء الرجوع الى http://www.talkorigi...own.html#dawson
22
DEC
1