فلنبدأ
========
منـــاة:
أن مناة من الألهة الإناث ، وهى أقدم أصنام العرب. وقد كان منصوبا على ساحل البحر الأحمر من ناحية المشلل في قديد بين مكة المكرمة والمدينة المنورة –يثرب- (84). ويقال أن الذي وضعه في هذا المكان هو عمرو بن لحي الخزاعي (85). وكانت العرب جميعاً تعظم هذا الصنم وتذبح القرابين حوله ، ويقول ابن الكلبي :
( وكانت قبائل الأوس والخزرج ومن يسكن المدينة ومكة وما حولها من المناطق يعظمون مناة ، ويذبحون له ويهدون له ، كذلك عظمته قريش وقبائل خزاعة وهذيل) (86).
وكانت قبائل الأوس والخزرج اشد القبائل تعظيماً وتقديساً لهذا الصنم، فكانوا يحجون إليه ولا يحلقون رؤوسهم إلا عنده (87)، وهكذا نرى بأن العرب قد حلفوا بهذا الصنم وتسموا به مثل ( عبد منة) و(زيد مناة) و(أوس منة) (88).
وقد أختلف المؤرخين في هيئة الصنم(مناة) وشكله، منهم من قال: إن مناة هي صخرة ولذلك أنثوه لأن الصخرة مؤنثة(89) و ومنهم من قال: إن مناة صخرة، سميت بذلك لأن دماء الذبائح كانت تمنى عندها أي تهراق(90) ، وهناك من قال بأن مناة كانت صنم على هيئة وشكل قد نحت من الحجارة (91) .
ومن الرأي الذي يذكر بأن مناة كانت صخرة وكان الناس يذبحون القرابين عندها، يتضح بأن(مناة) كانت عبارة عن مذبح تهراق عنده الذبائح التي تقدم كنذور للآلهة، ويذكر العرب بأنهم عندما كانوا يذبحون الذبائح فإنهم كانوا يطلبون المطر تبركاً به(92).
ويتبين من ذلك بأن هذا المكان كان موضعا مقدسا، وقد خصص بإله ينشر السحب وينشر الرياح فتأتي الأمطار، لتغيث الناس، وأن لهذه الآلهة صلة بالبحر والماء ولذلك أقيم معبده على ساحل البحر(93)، ويرى المؤرخ جواد علي ( بأن الصخرة قد تكون مذبحاً أقيم عند الصنم (مناة) أو عند معبده لتذبح عليه ما يهل للصنم، فسمي باسمة ولذلك يمكن التوفيق بين الرأيين من كون (مناة) صخرة، وكونه صنماً...)(94).
ولم تذكر أكثر الروايات شيئاً عن معبد (مناة). ولكن المؤرخ العربي محمد بن جرير الطبري أشار في تفسيره إلى أنة كان بيتاً في المشلل(95). وهذا كلام منطقي معقول، إذ لا يعقل أن يكون(مناة)مجرد صخرة أو صنم قائم في العراء، تعبث به الرياح والشمس، ثم أن له سدنة(كهان) ولا يعقل أن تكون لصنم سدنة ثم لا يكون له بيت يؤويه .
ومن المحتمل أن يكون له(جب) أو(حفر) يلقي المؤمنون فيه هداياهم ونذورهم. إن لفظة(مناة) مشتقه من المنى والمنية وهو الموت أو القدر(96) ، ومن المنية والمنون، ومنها منى، وهو موضع في مكة يمنى فيه أي يهراق الدم فيه، وكانت(مناة) من آلهة الموت أو القدر عند البابليين وتعرف باسم ما مناتو(97).
كذلك كانت من الأصنام المعروفة عند النبط ، ورد اسمها في أقدم نقوش الحجر النبطية(98) . وكان أخر العهد لدولة الأنباط عام (106ميلادية ) ، وذلك بعد أن دمرهم الرومان وقضى على دولتهم فانحلوا واختلطوا بغيرهم من الشعوب المجاورة(99). وقد مثلت(مناة) الموت عند العرب في الجاهلية كما مثلته أيضاً عند البابليين، ولكنها لم تمثل القدر الذي تمثله (مناة) البابلية، لأن القدر قد تصوره العرب والشعراء الجاهلين رجل لا امرأة (100).
لقد ظل الصنم (مناة) محل تعظيم العرب وعبادتهم حتى فتح مكة عام (8 للهجرة- 630ميلادية – ) حيث عهد الرسول محمد إلى علي بن أبي طالب بهدمه، فهدمه وأخذ مكان له وكان فيما أخذة سيفان أحداهما لمعبد (مناة) الحارث بن أبي شمر أحد ملوك الغساسنة (101).
==========
الـــلات:
أن(اللات) من الألهة المشهورة عند العرب في الجاهلية. ويذكر ابن الكلبي أن اللات كانت على هيئةصخرة مربعة بيضاء في مدينة الطائف ، وقد أقامت عليها قبيلة ثقيف بيتاً وصاروا يسيرون إليها ويقدسونها على غرار الكعبة أو البيت الحرام ، وكان لها سدنة وحراس من هذه القبيلة ، ثم انتقل تقديس ( اللات) من ثقيف إلى قريش وجميع العرب (102).
ومن هذا يظهر بأن معبد \كعبة (اللات) الرئيسي في مدينة الطائف، مركز قبيلة ثقيف وإلى جانب هذا كانت لها معابد كثيرة ومنتشرة في مواضع عديدة من الحجاز. ويذكر بعض المؤرخين العرب أن (اللات) لم تكن مجرد صخرة ملساء ، بل كانت على هيئة صخرة ذات نقوش ، وكانت هذه الصخرة موجودة داخل بيت له أستار وسدنه على شاكلة الكعبة في مكة ، وحول هذا البيت كان هناك ثناء مقدس عند أهل الطائف ، حرم على الناس قطع الأشجار وصيد الحيوانات فيه (103) ، وكانت صخرة (اللات) حفرة يقال لها غبغب حفظت فيها الهدايا والنذور والأموال التي كانت تقدم للصنم (104).
وهناك روايات كثيرة حول مصدر واصل(اللات) ومن هذه الروايات ما يذكر بأن (اللات) من الأصنام التي أدخلها عمرو بن لحي الخزاعي على العرب، وقد أخذها من النبط - الأنباط - وكانت على شكل صخرة مربعة بيضاء مثلما كانت كذلك عند الأنباط (105)، وجاء في أخبار مكة أن (اللات) كانت في الأصل رجل من قبيلة ثقيف، وكان هذا الرجل في الزمن القديم يجلس على صخرة يبيع السمن واللبن فمات، وعندما تفقده الناس قال لهم عمرو بن لحي بأن ذلك الرجل لم يمت، ولكنه دخل في الصخرة ثم أمر بعبادتها ، وطلب أن يبنوا عليها بيتاً يسمى اللات(106) .
وهناك رواية أخرى تقول بأن صخرة (اللات) لم تكن مجرد صخرة عارية وإنما كانت على صورة وهيئة ذلك الرجل الذي دفن تحتها (107).
وهنا نحن أمام رأي يزعم أن (اللات) كان في الأصل أنسان ثم مات فلما توفي دفن في مكانه الذي كان يبيع السمن واللبن فيه ، ثم أتخذ قبره مزاراً، وقد يكون أن هذا الرجل صالحاً وذات سمعة جيده في أوساط قبيلة ثقيف ، ولهذا وبمرور الزمن صار قبره مزاراً . فهناك الكثير من القبور الأخرى التي اتخذت مزارات ، يخر عندها الناس ويتبركون بها ولهذا نهى الإسلام بعد ظهوره عن اتخاذ القبور مزارات، حتى لا تعظم وتقدس بدلاً من الله كالذي حدث عند الجاهلين ( 108) .
ولا يستبعد المؤرخ والباحث جواد علي أن تكون اللات نصباً من الأنصاب أي الأحجار التي كانت تستخدم لتقديم الذبائح والقرابين ، ثم أختلط أمرها مع الزمن على الناس فضنوا أنها صنم ، كما لا يستبعد أن تكون (اللات) من بقايا الوثنية البدائية التي تعبد فيها الأحجار حتى ولو كانت مجرد صخرة لاشكل لها .
وفي هذه الحالة تدخل عبدتها ضمن المذهب الفيتشي ((Fetichism (109)، بدليل أن بعض المؤرخين العرب القدماء قد أشادوا إلى أنه كان في صخرة (اللات والعزى) شيطانان يكلمان الناس (110) ، والاعتقاد بوجود شيطان أو روح ميت حلت فيها هو شرح لعقيدة عبادة الروح في الأشياء أي الفيتشية .
وتذكر المصادر التاريخية أن (اللات) كانت من الالهة التي أقسم بها العرب ليس بالطائف فقط وإنما في أنحاْ أخرى من شبه الجزيرة العربية ، والدليل على ذلك هو أن هناك أسماء رجال أضيفت باللات مثل : (يتيم اللات) و( زيد اللات) و(عائذ اللات) و(شيع اللات) و(وهب اللات) وما شاكل ذلك من أسماء (111) ، كما وأن الشعر العربي القديم قد ذكر جوانب أخرى من قسم العرب وتقديسهم ل (اللات) (112).
ومن جوانب ذلك التقديس ل ( اللات) هو أن أبناء قبيلة ثقيف كانوا إذا ما أقدموا على سفر توجهوا إلى بيت أو معبد اللات أولاً للتقرب إليها وشكرها على السلامة ، ثم يذهبون بعد ذلك إلى بيوتهم (113).
كما أن أبناء هذه القبيلة وغيرهم من العرب كانوا يعلقون القلائد والسيوف عليها ، وكانوا يقدمون الحلي والثياب والنفائس وما حسن وطاب في أعين الناس هدايا ونذور لها، وهذه الظاهرة هي من الظواهر العامة لدى العرب قبل الإسلام (114).
أن المصادر العربية تحتوي على عدد كبير من الروايات التي تتحدث عن أصل تسميت اللات ومن هذه الروايات ما يذكر بأن اللات أنما سميت لات من ( لوي) أن الناس كانوا يلوون عليها ويطوفون (115).
ومعنى هذا أن عباد هذه الالهة لم يكونوا يكتفون بالذبح عندها ، بل كانوا يطوفون حولها، طوافهم حول البيت في مكة . وبطبيعة الحال فأن مثل هذه التفسيرات حول أصل تسميت اللات هي من التفسيرات الكثيرة التي لا يمكن أن نثق بها.
وفي الحقيقة أن اسم (اللات) هو من الأسماء القديمة التي عرفت قبل الميلاد حيث كانت (اللات) اسم آلهة تمثل فصل الصيف عند البابليين- اللاتو- وكانت أيضاً من آلهة تدمر وآلهة الأنباط والصفويين، وكان الأنباط يعتبرونها إله الشمس(116) .
ويرى بعض الباحثين العرب بأن الأنباط اعتبروا اللات كأم للآلهة لديهم وهناك احتمال أن عبادتها قد انتقلت من الأنباط ومن القبائل العربية الشمالية إلى أهل الحجاز(117)، ويعتبر(اللات) أول الهة عربية ورد أسمها في نصوص المؤرخ اليوناني(هيرودوتس) وقد ذكر أسمها (ِAlilat) أو(Alelat) ، وكانت قد أحتلت مكانة سامية في ديانة أولئك العرب الذين سكنوا شبه الجزيرة العربية وهي تقابل الآلهة ((Minerva ، أي اثينه (Athene) عند اليونان(118).
ولقد ظلت (اللات) أهم ألهة قبيلة ثقيف حتى ظهور الإسلام، حيث تم هدم (اللات) ضمن حملة هدم تدمير أصنام العرب، وإحراق بيت أو معبد(اللات) بالنار وتم الاستيلاء على الأموال والهدايا العائدة لها من قبل أبو سفيان الذي أرسل من قبل الرسول إلى قبيلة ثقيف يدعوهم إلى الإسلام (119) .
وتشير المصادر العربية إلى أن مكان معبد أو بيت ( اللات) في موضع مسجد الطائف أو تحت منارة مسجد الطائف ( 120) ، ولا ندري أن كان إنشاء مسجد الطائف على موضع معبد ( اللات) رمزاً لحلول بيت الله محل بيت الصنم ( اللات ) وتعبيراً عن حلول الإسلام محل عبادة (اللات) الوثنية أم كان ذلك لسبب أخر ، هو وجود أسس سابقة وحجارة قديمة موجودة فاستهل الناس أقامة بناء المسجد في هذا المكان .
وقد فسر بعض المستشرقين إقامة المسجد في هذا المكان ، أنه تخليداً لذكرى الوثنية في نفوس من أسلم لسانه وكفر قلبه وليبقى أثراً يذكرهم بذكرى الهتهم القديمة (اللات) (121).
وقد ذكر الرحالة الإنكليزي ( جميس هاملتون (James Hamilton- ، الذي زار شبه الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر الميلادي ، بأن صخرة ( اللات) ، كانت ولا تزال في أيامه في مدينة الطائف ، وقد شاهدها ووصفها بأنها صخرة من الكبريت ذات شكل خماسي وأن طولها زها أثنى عشر قدما ً(122).
========
العـــزى:
أن العزى من الألهة الإناث عند العرب، وكانت موجودة قي منطقة تهامة في وادي يسمى (حرض) على الطريق المؤدي إلى العراق من مكة .وتذكر بعض الروايات التاريخية بأن عمرو بن لحي الخزاعي هو الذي أدخل عباد( العزى) إلى العرب ، وكان يقول لقومه : ( أن ربكم يتصيف باللات لبرد الطائف ويشتو بالعزى لحر تهامة)(123).
أما ابن الكلبي فقد ذكر يقول بأن الذي أوجد عبادة الصنم (العزى) هو ظالم بن أسعد من قبيلة قريش ، وهو الذي بناء عليها بيتاً وكانت تصدر منه أصوات غريبة (124).
وهناك خلاف بين الرواة العرب والمؤرخين العرب حول أسماء القبائل التي كانت تعبد (العزى)، على أنهم يجمعون أن قريش، وكنانة، وخزاعة، وجميع بني مضر كانوا يعبدونها ويتبركون بها(125)، وكانت سدنتها الذين يحرسونها هم بنو شيبان من بني سليم، حلفاء بني هاشم(126).
وحول صفات وشكل الصنم (العزى) نرى بأن هناك روايات عديدة ومختلفة. فبعض هذه الروايات ما يذكر بأن (العزى) كانت عبارة عن شجيرات في الوادي كان الناس يتقربون إليها بالنذور(127)، وهناك روايات أخرى تقول بأن صنم (العزى) كان عبارة عن حجراً أبيض ثم بني معبد عليه(128).
ونحن هنا أمام رأيين، إحداهما يقول بأن العزى شجيرات، والثاني يقول بأن(العزى) كانت حجر، ويرى المؤرخ والباحث جواد علي بأن الرأي المعقول المقبول هو أن(العزى) حجر أو صنم له بيت أو معبد ، وأمامه خزانة يضع فيها العباد المؤمنون (بالعزى) هداياهم ونذورهم لها ، كما كانوا ينحرون لها، أما الشجر أو الشجيرات فإنها أيضاً كانت مقدسة ولا بد وإنها كانت موجودة في حرم البيت، لذلك صارت محرمة لا يجوز مسها بأي سوء كان(129).
وحول ما ذكره الرواة من أنة كان في معبد (العزى) أصوات في (اللات) و(مناة) ، وكانت هذه الأصوات تكلم أو تحدث الناس، فإن جواد علي: يرى بأن مصدر هذه الأصوات قد يكون امرأة كان السادن يخفيها في موضع سري ، وهي التي تجيب عن أسئلة السائلين فينسب السادن كلامها إلى (العزى)(130) . وقد أعتمد الباحث جواد علي في بناء رأيه هذا على بعض الروايات التاريخية التي ذكرت بأن خالد بن الوليد عندما هدم معبد(العزى) بأمر من الرسول، خرجت علية من جوف المعبد امرأة حبشية عريانة وهي تصرخ ، وقتلها وأخذ ما في المعبد من حلي وهدايا(131) .
ويبدو لنا أن ما طرحة الباحث جواد علي حول هيئة وشكل(العزى) هو رأي مقبول لحد كبير ولاسيما وأن عدد من المؤرخين العرب القداماء قد أشاروا إلى أن النبي محمد عندما فتح مكة وبدأ بتحطيم الأصنام قد عهد وكلف خالد بن الوليد بقطع شجرة (العزى) وهدم البيت، وكسر الصنم أو الوثن(132).
ومن هذا يظهر بأن معبد أو بيت (العزى) كان يحتوي على صنم وأشجار وبلا شك بأن هذه الأشجار كانت موجودة في فناء المعبد. وقد كانت قبائل قريش من أكثر القبائل العربية الأخرى تعبداً واهتماماً (بالعزى)، فكانت تزورها وتهدي إليها، وتتقرب إليها بالذبائح، وذكر إبن الكلبي: بأن (العزى) كانت أعظم الأصنام عند قريش، وأن قريشاً كانت تطوف بالكعبة وتقول: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، وكانوا يقولون: هن بنات الله، وهن يشفعن إليه(133).
وقد خصصت قريش منحراً وحرم أيضاً هي حرم مكة أو الكعبة ويقول ابن الكلبي ايضاً بأن الرسول عندما كان لا يزال بعد على ديانة قومه قد أهدى (للعزى) شاة عفراء(134)، كما أن خالد بن الوليد ذكر بأن والده كان يأتي إلى معبد (العزى) ومعه الإبل والأغنام فيذبحها(للعزى) ويقيم عندها ثلاثة أيام(135).
من هذا يظهر لنا أهمية الصنم (العزى) لدى العرب ومظاهر تقديسه وقد تسمى العرب وقريش بشكل خاص (بالعزى) ، فكانت بينهم أسماء مثل: (عبد العزى) كما يبدو وأن العرب قد اعتقدوا بأن هناك علاقة ما بين اللات والعزى وربما تصوروها بأنها أم ولها ابنتان هما اللات ومناة وهذه الصلات ما بين اللات والعزى نجدها في القرآن الذي ذكر العزى بعد اللات وكذلك ترد العزى بعد اللات في جميع الروايات التاريخية مما يشير إلى وجود صلة بين اللات والعزى، ولا يستبعد أن تكون هذه الصلة بين الصنمين قد جاءت إلى بلاد الحجاز من بلاد الشام من أهل تدمر وبادية الشام والصفويين، إذ وردا وكأنهما إلهان متقابلان(136).
وهذا ما دفع بعض المستشرقين إلى القول بأن اللات والعزى أنهما يمثلان كوكبين: كوكب الصباح وكوكب المساء(137) . ويذكر بعض الباحثين بأنة كان (للعزى) عند عرب الجاهلية علاقة بالزواج فكانت الفتاة إذا طلبت الزواج نشرت جانباً من شعرها، وكحلت إحدى عينيها، وحجرت على إحدى رجليها ليلاً، وقالت عبارة معناها أنها تدعو أن تتزوج (مثل الصباح) (138) . أي قبل أن يطلع كوكب الصباح وهو العزى.
و(العزى) مثل (اللات) و(مناة) من الآلهة المعبودة عند عرب العراق وعرب بلاد الشام وعند الأنباط والصفويين. وقد ورد إسم (العزى) مرتين في المصادر المؤلفة بعد الميلاد، فقد أشار إسحاق الإنطاكي وهو من مؤرخي القرن الخامس الميلادي على إسم(العزى) في حديثة عن مدينة(بيت حور(Beth – Hur وسماها بـ(Beltis) أي (كولبتا) المذكورة في المصادر السريانية وهي أنثى كوكب، وتعني الكوكب الذي يظهر عند الصباح وهو العزى عند الجاهلين العرب(139).
وكانت عند الأنباط هي (الزهرة(Venus- (140) . وذكر بعض المؤرخين على أنها( إفروديت) أو أنها (ملكة السماء) المذكورة في سفر أرميا (141).
وقد كانت عبادة (العزى) شائعة بين عرب جنوب الجزيرة العربية أيضاً فقد جاء في نقش عربي جنوبي إسم امرأة( أمة العزى) و(أمت عزي)، كما أن أحد العرب الجنوبيين قدم تمثالاً من ذهب إلى هذه الإلهة(142).
وتذكر المصادر التاريخية أن(العزى) كانت تعبد في الحيرة وكان ملوك الحيرة يقدمون لها البشر قرابين في بعض الأحيان. وأن المنذر ملك الحيرة في النصف الأول من القرن السادس الميلادي كان يقدم إلى(العزى) الأسرى كقرابين كما أن المنذر ضحى بأربعمائة راهبة(للعزى)(143) . وذكر إسحاق الإنطاكي، أن العرب كانوا يقدمون الأولاد والبنات قرابين للكوكبة (كولبتا) فينحرونهم لها ويقصد بـ(كوكبنا، العزى)(144).
ومهما كانت الأخبار والروايات حول (العزى) متناقضة أو مختلفة فأن هذه الالهة، شكلت مع اللات ومناة ، ثلاثي آلهي ورد ذكره في القران الكريم (145) . وكان له أهمية كبيرة في عبادات العرب قبل الإسلام ، وقد استمرت عبادة (العزى) عند العرب حتى ظهور الإسلام وتهديم معابدها . وقد رافق تهديم هذا المعبد الكثير من الروايات الأسطورية التي تدلل على مكانة (العزى) الدينية لدى عبدة الأصنام من العرب (146).
==========
ذو الشـــري :
تذكر المصادر التاريخية بأنة كان للعرب ألهة سميت بأسماء أماكن معينة أهمها اثنان : ذو الشري وذو الخلصة. ولا ندري تماماً إلى أي مكان انتسب الاله (ذو الشري) ، فالمواضع التي كان لها( الشري) أسماء كثيرة من بينها ما ذكره المؤرخ ياقوت الحموي في معجم البلدان قائلاً : (والشري موضع عند مكة شعر مليح الهذلي...) (194) .
وهناك من يقول أن إسم (ذو الشري) موضع عند مكة في السراة (195). وجبال السراة هي السلسلة الجبلية التي تمتد على البحر الأحمر في الحجاز ولم تذكر المصادر التاريخية أو الروايات التاريخية أية تفاصيل عن الاله (ذو الشري) وعن صفاته وخصائصه، أما ابن الكلبي ذكر قائلاً: بأن ذو الشري الها كان لبني الحارث بن يشكر بن حبشر من الأسد) (196).
ويظهر أن المواضع التي حملت إسم ذو الشري كانت على العموم خصبة وأشبه بالواحات ومثل هذه المواضع الخصبة في بلاد العرب الجدباء لا يستبعد أن يصبح مركز عباده ، وقد ورد اسمه في الحديث النبوي وكذلك ورد بين أسماء العرب الجاهلي مثل " عبد ذي الشري (197) . وفي الكتابات النبطية ورد اسم " ذي الشري " مع اسم الآلهة " هبل " و" مناه" مما يدل على أنه من الآلهة المعروفة عند العرب (198).
وقد ذكر بعض الباحثين بأن الأنباط كانوا يعبدون الشمس عبادة خاصة ، وكان لهم في عاصمتهم "بتراء- Petra" معبد كبير لا كرامها وكانوا يدعونها باسم أخر وهو ذو الشري أي الإله "المنير" .. (199) .
وقد كان ا" ذي الشري " يعبد لدى الأنباط وهو على شكل حجر أسود خام ذي أربعة أضلاع ، يبلغ طوله أربعة أقدام وعرضه قدمين . وكان دماء ضحاياه تصب عليه أو أمامه وكانت تحته قاعدة ذهبية ، كما كان يتألف معبده كله بالذهب وبالهبات التي كانت تنذر له (200) .
===============
ذو الخلصـــة :
تشير المصادر التاريخية إلى أن الالهة " ذو الخلصة " كان ذا مكانة رفيعة تفوق مكانة(ذو الشري) في أوساط العرب الجاهلين ولربما كانت هناك منافسة شديدة بينه وبين أرفع بيت ديني عند العرب ألا وهو حرم مكة أو البيت الحرام .
وقد كان " ذو الخلصة " يسمى الكعبة اليمانية ، والبيت الحرام يسمى الكعبة الشامية (201) . وقد كان " ذو الخلصة " موجوداً في مدينة (تباله) ، بين مكة واليمن ، وكان سدنته من بني أمامه بن باهلة وكانت تعظمه وتقدسه قبيلة " خثعم" وبجيلة وأزد السراة وأقرباءهم من بطون العرب من هوازن (202) .
وتذكر الروايات التاريخية أن " ذو الخلصة " كان على شكل حجر بيضاء منقوشة عليها شكل تاج (203) . وأن الذي نصبت هذه الحجرة هو عمرو بن لحي الخزاعي ، وأن العرب كانوا يقدمون لذي الخلصة الهدايا مثل الشعير والحنطة ويصبون عليه اللبن ويذبحون له القرابين (204) .
وقد كان ل " ذو الخلصة " بيت أو معبد يحج إليه الناس ويقصدونه للاستقسام عنده بالأزلام ـ إلهام ـ وكانت له ثلاثة أقداح ـ سهام ـ وهي : الأمر ، والنهي ، والمتربص (205) .
وما عدى هذه الروايات التاريخية هناك بعض المعلومات التي تفيد بأن (ذو الخلصة) اسم للبيت الذي كان فيه الحجر . وقيل اسم البيت هو الخلصة . واسم الصنم\الحجر ذو الخلصة (206) . ولربما هذا الكلام كان فيه نوع من الصحة كما هو الحال مع " العزى " ومعبدها . وبكلمة أخرى قد يكون ذو الخلصة هو المعبد الذي يحتوي على الحجر الأبيض المنقوش . والذي هو الصنم نفسه ، ويرى المؤرخ جواد علي : بأن العرب من عبدة " ذو الخلصة " كانوا يطوفون حول كعبة أو بيت هذا الاله وكان في داخل هذا البيت صنم\حجر يدعى الخلصة (207) .
ويبدوا أن طواف العرب حول " ذو الخلصة " يشبه ذلك الطواف الذي كان يتم في مكة ، أي الطواف حول الكعبة التي كان في داخلها الحجر الأسود .
أن " ذو الخلصة " ظل قائماً ومقدساً لدى بعض القبائل العربية حتى ظهور الإسلام وبعد قيام الرسول بفتح مكة وتحطيم أصنامها ، فقد ذكرت الروايات التاريخية بأن الرسول عندما سمع ببقاء " ذو الخلصة " قام في عام (632 ميلادية) بتجهيز حملة عسكرية بقيادة جرير بن عبد الله البجلي لتحطيمه . وقد خاض البجلي وجماعته قتال شديد ضد قبائل خثعم وباهلة التي كانت تدافع عن " ذو الخلصة " وبعد الانتصار قام البجلي وجماعته بهدم " ذو الخلصة " وتم إحراق معبده بالنار وقتل من فيه من حراس وسدنته (208) .
ويرى بعض المؤرخين والباحثين العرب بأن جرير بن عبد الله البجلي لم يتمكن من هدم بنيان " ذو الخلصة " كله لضخامته وأنه أكتفي بهدم قسم من ذلك البناء وأنه هدم ودمر الأصنام التي كانت في داخل ذلك البناء أي في داخل معبد " ذو الخلصة " أما جدران هذا المعبد فقد ظلت قائمة حتى بداية القرن العشرين،
والدليل على ذلك هو أن الملك عبد العزيز آل سعود عندما أستولي على الحجاز أمر بتحطيم بقايا المعابد الوثنية وإخضاع القبائل العربية القاطنة في سراة الحجاز ، بحجة أن هذه القبائل كانت تحاول العودة إلى البدع والخرافات والتقاليد الدينية التي كانت سائدة قبل الإسلام ، وكانت بقايا معبد " ذو الخلصة " من تلك الابنية التي شملها هذا التدمير والتحطيم في هذه الفترة (209) .
وبهذا انتهت آثار معبد" ذو الخلصة " والتي ظلت قائمة منذ القرن السابع الميلادي .
==========
هُـــبل :
أن أعظم أصنام قريش التي كانت موجودة في جوف الكعبة وحولها ، وكانت من عقيق أحمر على صورة إنسان ، مكسور اليد اليمنى ، أدركته قريش كذلك فأضافوا إليه يداً من ذهب(147)، وكان منصوباً على بئر في جوف الكعبة.
وليس هناك خلاف بين المؤرخين العرب القدماء في أن (هبل) كان على هيئة إنسان رجل ، ولكن هناك خلاف حول أول من دعا إلى عبادة (هبل) ، ومصدر هذا الصنم.
فقد ذكرت بعض الروايات بأن عمرو بن لحي الخزاعي قد جاء بهذا الصنم إلى مكة من العراق من هيت منصبه على البئر الذي حفره إبراهيم الخليل عليه السلام في بطن الكعبة ليكون خزنه للبيت الحرم يلقي فيه ما يهدي إلى الكعبة ، وان عمرو بن لحي هو الذي أمر الناس بعبادته(148).
أما ابن الكلبي فيقول بأن أول من نصب (هبل)( في جوف الكعبة هو (خزيمة بن مدركة بن اليائس بن مضر القريشي) فكان يقال له هبل خزيمة أو صنم خزيمة ، وقد ورث أولاد خزيمة من بعده سدانة هذا الصنم وحراسته (149).
وعلى الرغم من شهرة الصنم (هبل) الواسعة في أوساط العرب قبل الإسلام إلا أننا لا نجد تفسيرات واضحة لمعنى (هبل) في كتب اللغة والتاريخ العربي . فقد قال البعض أن (هبل) من االهبلة ومعناها القبلة وذكرها البعض الآخر أنه من (الهبيلي) بمعنى الراهب وذكر أن (بني هبل) كانت تتعبد له (150) . وذكر انه من (هبل) ومعناها كثرة اللحم والشحم في الجسد، وما شاكل ذلك من آراء(151).
ويبدو أن أسباب هذا الخلاف في اصل تسمية (هبل) تعود إلى أنه من الأصنام المستوردة من الخارج التي حافظت على تسميتها الأصلية في بلاد العرب وما عدى هذا فإن شهرة (هبل) الواسعة لأنجد لها صدى في القرآن حيث لم يتم ذكر هذا الصنم ولو لمرة واحدة.
ولهذا فقد ذهب بعض الباحثين إلى الاعتقاد بأن هناك نوع من العلاقة مابين الصنم (هبل) الذي يعبر عن العبادات الوثنية لدى العرب ، وبين مفهوم وعظمة (الله) الذي يرمز للعبادات التوحيدية عند العرب بعد الإسلام ، ولاسيما أن فكرة الإله الواحد أو الإله العظيم كانت فكرة معروفة لدى العرب في الجاهلية.
لقد أمتاز(هبل) عن غيره من الأصنام الثلاثة الشهيرة عند العرب لبعض الطقوس والشعائر، فإلى جانب الهدايا والقرابين التي كانت تقدم له فإنه كان يستفتى في مشكلات العرب الشخصية كالزواج والولادة والسفر والعمل وغيرها من الأمور، وذلك عن طريق رمي الأقداح أو القداح،- السهام- حيث كان أمام (هبل) في جوف الكعبة سبعة أقداح – سهام-ثلاثة إغفال لا كتابات فيها وأربعة دون عليها كتابات لمختلف الأمور، وكان يشرف على هذه الأقداح رجل يسمى أمين الأقداح (152).
وإذا أراد العرب عمل شيء جاءوا إلى الأقداح ، فضربوا بها فما خرج من القداح عملوا به وانتهوا إليه (153).
ومن الروايات التاريخية الشهيرة في مجال ضرب القداح هو ما ذكر حول ضرب عبد المطلب بالقداح عند (هبل) على ابنه عبد الله والد الرسول وعندما خرج قدح –سهم- الأمر ، وطلب الصنم من عبد المطلب بذبح ابنه عبد الله ، اعترضت قريش على ذلك ، وبعد استشارة الكهنة كانت عملية الفداء والمساومة مع(هبل) وبلغ التعويض عن ذبح عبد الله بعدد من الإبل بلغ مائة حيث نحرت هذه الإبل وتركت عند (هبل)(154) .
وتشير المصادر التاريخية إلى أن (هبل) كان من الأصنام التي يأخذها العرب معهم إلى ساحات الحروب و ينادون باسمها إثناء القتال ، وهذا ما فعلة أبو سفيان بن حرب عندما اخذ معه (هبل) إلى معركة أحد التي دارت بين الرسول محمد وأصحابه وبين بعض العرب قبل إسلامهم وذلك في عام (627ميلادية) ، وفي هذه المعركة كان الرسول محمد يطلب النصر من الله في حين كان أبو سفيان بن حرب يطلب النصر من الصنم(هبل)(155) .
وعادت حمل الأصنام إلى المعارك والحروب وإشراكها مع الناس في القتال عادة قديمة معروفة عند العرب وعند غيرهم، فقد حمل العبرانيون والفلسطينيون أصنامهم معهم إلى ساحات القتال(156) .
ومثلما نجد أن ذكر(هبل) في المصادر العربية القديمة ضئيل جداً فإن ذكره لم يرد إلا في نقش نبطي واحد وجاء أسمة مع إسم الصنمين(ذي الشري) ومنوتو(مناة)(157) ويرى بعض الباحثين أن (هبل) هو نفس الإله(بعل) عند العبرانيين(158) ويرى البعض الأخر بأن(هبل) هو نفس إله الفينيقيين(هبعل) والذي كان يعتبر أكبر أصنامهم(159)
وليس هناك رأي قاطع في هذا الموضوع ولعل السبب في ذلك هو أن كافة الباحثين في ديانات العرب قبل الإسلام قد كررت نفس المعلومات الواردة في الروايات العربية القديمة بشكل خاص كما أن عدم إشارة في القرآن عن الصنم(هبل) على ما يبدو قد أدى إلى أن المؤرخين العرب القداماء لم يبذلوا جهداً في التوسع في موضوع الصنم(هبل) .
الخلاصة ان هبل هو صنم مستورد ويقابل الاله الفينيقي\العبراني بعل يعني ليس من بلاد العرب بل ولم يكن له معبد خاص به في الجزيرة العربية بل كان واحد من الاصنام المعروضة في الكعبة .. وعدم اشارة القران لهبل له مغزى ومعنى كبير يشكك في اهمية هبل !! او ربما لاسباب اخرى لا نعلمها
علما ان القران ذكر بعل ووضعه ندا لله : "اتدعون بعلا وتذرون احسن الخالقين" الصافات 125
===========
عبادات أو تقديس الأشجار والأحجار والحيوانات:
لقد قدس بعض العرب أنواع مختلفة من الأشجار والحيوانات والكهوف وينابيع المياه وغيرها من الأشياء المادية المحيطة بهم . فالأشجار وخاصة شجرة النخيل كانت تشكل عنصراً أساسياً في حياة العربي سواء كان بدوياً أو من سكنة الواحات والمناطق الزراعية حيث كان العربي يعتمد على ثمارها كغذاء رئسي ويعتمد على أجزاء أخرى منها لتغطية حاجيات وضرورات أخرى في حياته اليومية.
ومما يزيد اعتقادنا في تقديس بعض العرب للأشجار وما ذكره بعض المؤرخين العرب القدماء حول أهمية الأشجار، فقد ذكر ياقوت الحموي عن الحديبية قائلاً(هي قرية متوسطة ، سميت بيير هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله تحتها) وقد جاء في القران : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)
وقد أمر الخليفة عمر بن الخطاب بقطع هذه الشجرة بعد أن عرف بأن الناس كانت تزورها وتتبرك بها ، وذلك خوفاً من أن يقوم هؤلاء بعبادتها.
أما المؤرخ العربي ابن إسحاق فقد ذكر قائلاً : (لقد كان أهل نجران على دين العرب يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد كل سنة وإذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلوا النساء ثم خرجوا إليها فعكفوا عليها يوماً كاملاً..)
ولم تكن عبادة الشجرة مقصورة على عرب الجنوب ، فقد جاء في كتاب (أخبار مكة) (بأنه كان لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها "ذات أنواط" يأتونها كل سنة فيعلقون عليها أسلحتهم ويذبحون عندها ، ويعكفون عندها يوماً)
ومن هذا يظهر أن بعض العرب قبل الإسلام عندما عبدوا وقدسوا الأشجار ، فأنهم قد تصوروا بأن آلهة قد دخلت هذه الأشجار أو أنهم اعتقدوا بأن هناك أرواح دخلت في هذه الأشجار فأعطتها الفائدة الحيوية بالنسبة لهم وهذا النوع من العبادة أو التقديس هو ما يعرف باسم (الارواحية أو حيوية المادة Animism
وتقديس الأشجار وليس عباداتها هو من العادات العربية التي استمرت حتى ظهور الإسلام وإلى يومنا هذا.
أما بالنسبة لعبادة وتقديس الأحجار وخاصة ما كان منها يختلف عن اللون الرملي المعتاد في الصحراء، مثل الحجر الأسود، وفي بعض الأحيان الحجر الناصع البياض ، فأنها كانت من الأشياء المقدسة لدى بعض ض القبائل البدوية
ومما لاشك فيه أن العربي في البادية قد ربط بين هذه الأحجار النادرة في الصحراء وبين القوى الخفية التي تتحكم بالعالم والإنسان ، وقد تطورت عبادة الأحجار لدى العرب بحيث أن الحضر أو سكان المدن لهم آلهتهم الخاصة والتي هي صخور وكتل حجرية كبيرة ، كما هو الحال في حضرموت حيث كان بعض العرب يتعبدون لصخرة كبيرة بيضاء اللون تبدو وكأنها على هيئة إنسان ، كما وأن صنم (ذو الخلصة) كان على شكل صخرة بيضاء وكانت موجودة في (ثباله) بين مكة واليمن
وعندما نأتي على تقديس وعبادة الحيوانات فأننا نجد في القران ، بعض الإشارات حول تلك الحيوانات التي قدسها العرب قبل الإسلام ، وهناك بعض القبائل العربية كانت تسمي أبنائها بأسماء حيوانات مثل: بنو أسد ، وبنو كلب، ومثل: ثور ، وقرد، وذئب ، أو بأسماء طيور مثل: عقارب ، ونسر ، وأسماء حيوانات مائية مثل: قريش.
وهذه التسميات وغيرها وأن كانت من قبيل التفاؤل فإنها تشير إلى تقديس العرب للحيوانات هذه وما عدى هذا فإن العرب كانوا يتفاءلون بالطير كالحمامة وبنباح الكلاب ويتشاءمون من الثور الأعضب مكسور القرن ومن الغراب ، وكان العرب يتجنبون قتل الحيوانات المقدسة لديهم كما أنهم إذا مات أحد تلك الحيوانات فأنهم يحتفلون بدفنه وحزنوا عليه . وقد كانت قبيلة (بنو الحارث) إذا وجدوا غزالاً ميتاً غطوه وكفنوه ودفنوه وحزنوا عليه ستة أيام .
ويظهر أن العرب قبل الإسلام كانوا يقسمون الحيوانات إلى أقسام منها المفيدة والتي كانت ترافق العربي في حياته اليومية ، ومنها الحيوانات الضارة والتي كان يخشاها العرب ، والتي يعتقد بأنها ذات أرواح شريرة ، والحيوان المقدس لدى العرب لا يمكن أن يكون غذاء إلا في حالات دينية استثنائية نادرة ، وذلك عندما تنتعش حياة القبيلة وتجدد باشتراكها مع الإله أو القوى الخفية في قسمة هذا الحيوان حيث يكتفي الإله بروح الحيوان أو بدمه أما اللحم فيتناوله أبناء القبيلة .
وعلى الرغم من الروايات العديدة التي تذكر تقديس العرب للحيوانات ، إلا أن معلوماتنا لا تزال قليلة بخصوص ميزات تلك الحيوانات الدينية وشعائرها . وتجدر الإشارة هنا بأن العرب قبل الإسلام قد نسجوا الكثير من القصص والأساطير الخيالية ذات الطابع القدسي أو الطابع المقدس ، حول الكثير من الأشياء المادية والكائنات في الطبيعة ، إضافة إلى الأشجار والأحجار والحيوانات .
وإذا كانت بعض تلك المعبودات بالنسبة لبعض العرب في بداية تكوين الفكر الديني لديهم ، بمثابة آلهة ، فأن تطور الفكر الديني فيما بعد قد أدى إلى أن تكون تلك المعبودات صارت بمثابة وسائط بين الإنسان وبين القوى الخارجية أو المجهولة والتي تتحكم بالكون .