في الثالث عشر من الشهر الجاري عقد اجتماع لندن لنواة مجموعة أصدقاء الشعب السوري، وكان مؤتمر جنيف٢، المفترض أن يكون مؤتمرا للسلام، في قلب المحادثات مع المعارضة. وفي ٢٢ من هذا الشهر نفسه سيناقش وزراء خارجية أوربا الموضوع ذاته، قبل أن يطرحوه مع المعارضة من جديد في الثامن من الشهر القادم للمرة الألف.
لكن بينما يؤكد الجميع، الدول والأمم المتحدة والمنظمات الدولية، أنه لا يوجد حل للأزمة السورية خارج مؤتمر جنيف، أي إلا الحل السياسي، يستجمع نظام الأسد كل ما لديه من براميل حارقة وقنابل وصواريخ ومدفعية ميدان، مفتتحا جنيف قبل أوانه، للقضاء على مواقع المعارضة، وايقاع أكبر ما يمكن من القتلى والجرحى بين المدنيين، وتعميم لغة المجازر والمذابح اليومية، كما حصل أمس في حلب، من دون أن يحرك أحد من الدول أو المنظمات الدولية ساكنا، بينما يموت كل يوم عشرات السوريين، أطفالا ونساءا وكبار سن، من الجوع والبرد ونقص الدواء والمرض.
ما كنا نخشاه قد تحقق بالفعل. أصبح جنيف ورقة التوت التي تخفي عورة سياسات دولية لا نبالغ إذا قلنا أنها مشاركة في الجريمة وضالعة في تشجيع نظام الأسد، بسبب صمتها وتخليها عن مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والسياسية، على المضي في مشروع القضاء على ثورة الشعب بتعميم سياسة الإبادة الجماعية والإرهاب والقتل المنهجي والتدمير المنظم للبيئة الطبيعية للمجتمع.
إقرار مبدأ الحل السياسي والدعوة لتطبيق مباديء جنيف واحد لا يمكن أن تبرر سياسة الخنوع والرضوخ للأمر الواقع، ولا ينبغي أن يعني تبني خيار المفاوضات صرف النظر عن الانتهاكات الخطيرة التي تقوم بها الطغمة الإجرامية في دمشق. وقبول النظام بالمشاركة في جنيف٢ لا يجعل من انتهاكاته المستمرة لحق الحياة سواء أجاء ذلك بالقصف العشوائي للأحياء والمدن لقتل السكان وإرهابهم، أو بتجويع السكان لتركيعهم، أو لجميع الحقوق الأخرى الإنسانية، أمرا طبيعيا ومشروعا، لا يستحق الإدانة ولا أي رد فعل، كما كما يبدو الآن على الدول والمنظمات الانسانية التي أذعنت للأمر الواقع.
كل يوم يسقط فيه صاروخ، أو تصيب فيه قذيفة السكان المدنيين، فتقتل أبناءهم وتدمر بيئة معيشتهم وتجبرهم على الفرار والنزوح، يشكل اغتيالا للحل السياسي، وتقوض حظوظ مؤتمر جنيف في أن يكون بالفعل مؤتمرا للسلام، ويحوله إلى غلالة، هدفها التغطية على استمرار الحرب العدوانية المعلنة من قبل طاغية تحول إلى دمية في يد المصالح الأجنبية، على شعب أعزل فقد أي أمل بالخلاص، وترك لمصيره أمام جلادين قساة وعنصريين طائفيين لا يفهمون إلا لغة القوة والقتل والدمار.
لن يكون لأي اجتماع للسلام في جنيف معنى أو قيمة، ولا ينبغي على المعارضة أن تشارك في أي حوار جديد حول مؤتمر جنيف٢ قبل أن تتحمل الدول الراعية وغير الراعية له مسؤولياتها، وتقف بقوة أمام استمرار النظام في تعميم الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان السوري، واستغلال الظروف البيئية الصعبة لإنزال أقسى العقوبات الجماعية بالشعب، وكذلك قبل أن تقوم بواجبها في ردع من وصفتهم منظمات حقوق الانسان بالضالعين في جرائم ضد الانسانية.
اللهم إلا إذا كانت الدول الكبرى والصغرى ترى أن قبول نظام القتلة في دمشق بالمشاركة في مؤتمر جنيف٢ يجعله يستحق مكافآة خاصة، ويمكنه من شرعنة الاستمرار في الانتهاكات الخطيرة لحقوق شعبه وقتل المدنيين بالجملة، من دون مساءلة.
من دون موفف حاسم من الدول والأمم المتحدة يوقف نزيف الدم السوري البريء، ويضع حدا لعسف نظام مارق وإجرامي، لن يكون هناك لا جنيف١ ولا جنيف٢، وإذا حصل وتم عقده بالضغط والقوة فلن يكون مؤتمر صلح وإنما جنازة كبيرة للسلام.