الطين على الرأس رمز لآخر درجات اليأس و الحزن في الكردية و تقول الالمانية الرماد على رأسي:
كن من مختلف الاعمار و الطول و الوزن- ناصحات- نحيفات – طويلات – قصيرات - حاملات جواهر ثمينة ثقيلة احتفظن بها منذ عقد قرانهن – و اليوم لابسات اللباس الاسود مع غطاء رأس مطرز باحجار كريمة تتلألأ عندما تتحرك. نساء تلتقي بانتظام من العصر الى المغرب تتكلم دون توقف و دون ان تصغي للآخر و تقاطع باستمرار في ايصال رسالتها بالاول – يجلسن على مرتبات ثخينة ناعمة دافئة و يتأكن على وسادات مدورة طويلة و يشربن الشاي الاسود من السماوار و يأكلن الكعك و حبات عباد الشمس و البطيخ و يقذفن بالقشور على الارض.
في كل يوم خميس يفتح الحمام الشعبي ابوابه لهن. نعم يذهبن مع البعض حتى الى المرحاض العام. اتذكر كيف ان عمتي اخذتني معها مرة للحمام و انا لم اتجاوز السادسة و كيف ان النساء عاتبتها و قذفت عليها الشتائم لجلبها ولد الى حمام النساء و هي تدافع عن نفسها و تقول: ما مشكلتكن هو لا يزال طفل صغير. نعم تلتقي مرة بالسنة للبكاء على موتى العائلة و هي تجلس حول السماوار لتشرب الشاي الاسود القوي مع كثير من السكر او بالاحرى تشرب السكر مع الشاي و فجأة و تخرج احداها صور من جيبها للموتى و تضعها في الوسط و كانما بامر الهي و تبدأ النساء بالبكاء سوية و كانما هي في فرقة غنائية حزينة.
عندما دخلت البيت هذه المرة لا حظت هناك فرق في نوع البكاء و حدته. رأيت النساء تصرخ و و تحفر وجهها باظافرها الى ان سال الدم و رأيت امرأتين تغسلان جسم قديم صغير و جاف كالخشب في حوش البيت ثم لفت النساء الجسم الناعم الصلب بقماش ابيض و حملها الرجال في تابوت الى الشارع غير المبلط وسط نحيب و عويل النساء وهي ترفع الطين من الارض لتغطي به رؤوسها.
احب هذه النساء و هي تبكي و تصرخ. احب الطين على رؤوسها - احبها و الدموع تترقق من عيونها – احبها و هي تجلس مع البعض و تتكلم دون انقطاع. احب نفسها و مشيتها. احبها و هي تدعو الى الله ان يحفظنا من كل مكروه
كلما سافرنا. كلما كنت قريبا منها كنت اعلم ان الله ليس ببعيد و الملائكة حولنا.