يخ المشاركة : 24 نوفمبر 2011 - 11:59 م
صورة
من الميزات الاكثر بروزاً عندنا كبشر: القدرة على التحكّم والتعامل مع الأدوات بأيدينا وسواعدنا. فبالعموم الاطراف العليا عند اشباه البشر homínidos كما عند الشمبانزي رشيقة خفيفة الحركة, وتبلغ ذروتها عند البشر.
اضافة لحركيّة اذرعنا الكبرى, الصلاحية البديعة: للبنية العضلية والتحكم العصبيّ بالايدي التي تسمح لنا بشغل أدوات بدقّة يصعب تخيلها عند أنواع حيّة أخرى.
تكيفات عديدة قد سمحت لنا ببلوغ هذه القدرة على التحكّم. إبهام متعارض { يوجد بشكل أو بآخر عند رئيسيات أخرى }, تمدّد السلاميات لتشكيل بضع اصابع طويلة, نظام عضليّ عصبيّ معقّد, كذلك بضع مفاصل متحركة بشكل خاص: كلها تسمح لنا بتنفيذ اشياء كثيرة بدءاً من العزف على الكمان وحتى تركيب صمّام قلبيّ لشخص آخر.
يتوجب التفكير بكون بضع أدوات قد سمحت بتلوين لوحات كنيسة سيتينا, أو نحت تمثال Discóbolo أو بناء محطة البحث الفضائيّ الدولية: قد ظهرت بفضل تصميم أمثل, بعمل بديع, وبالتالي وفق مخطط بناء مُسبق. مع ذلك, لا يكون هذا إلا الواقع القائم.
ولكن في الواقع سواعدنا { ذراعينا } ما هما إلّا قائمتان { رِجْلَيْنْ }, قائمتان معدلتان بشكل جيّد, لكنهما قدمان بالأول وبالآخر. يعود اصلهما الى الاطراف الأمامية القديمة عند أسلافنا اللذين قد مشوا على أربع قوائم, والتي تطورت لتناسب الانتقال { التنقُّل } عبر سلسلة من القيود التي انسحبت بطول ملايين الاعوام.
هويّة تشريحيّة
الدليل الأول على الاصل الوظائفيّ الواحد والمُشترك للأطراف: هو بشبهها التشريحيّ. لدينا ذات العظام, بتطابق تخطيطيّ وتمفصل, في الأذرع والسيقان.
متضمنة للأيدي والأقدام: توجد مختلف المكونات معدّلة وفق تحليلنا للطرف العلويّ أو الطرف السفليّ, لكن من السهل التعرُّف على هويتها, كما يمكننا رؤية الشكل التالي:
صورة
تكافؤ الهيكل العظميّ للعضو العلويّ { الى اليسار } والعضو السفليّ { إلى اليمين }.
أول إشارة إلى العمل غير المُتقن: عوضاً عن تصميم عضو جديد نوعيّ, أقوم بنسخ ما هو مصمم وأوفّر بعض العمل { هذا ما يبتكره الخلقيين كاجابات!!! }.
تشابه التاريخ التطوريّ
لا تكون اعضاؤنا العلوية معادلة لاعضائنا السفلية فقط, بل تكافيء ذات الاعضاء عند الفقاريات رباعيّة الاطراف tetrápodos. يمكننا تحديد العظام, العضلات والمفاصل بصورة تُشير لنا لأصل متشابه لا يشوبه الخطأ. فالاطراف الاماميّة لخفّاش أو لتمساح: تكون مشابهة لما نمتلكه نحن البشر, على الرغم من الفروقات الوظيفية التي تُستخدم وفقها من قبل كل كائن حيّ.
في الجدول التالي تتم مقارنة اعضاء مختلفة عليا, حيث يمكن تحديد العظام المتشابهة من لونها.
صورة
سير العمل, كامل؟؟!!
بالرغم من تعودنا على اعتبار اعضاءنا السفلية بوصفها تصميم رائع, فالواقع يقول بأنها اعضاء محدودة للغاية, وهو أمر مُتوقّع عندما عدّة التطور بنية موجودة واعطى الاصل منها لوظيفة أخرى, ولا يكون مُنتظراً من مصمم ذكي قد انتج أداة تنمّ عن تفكير مليّ.
دون التفكير بعازف بيانو , أو بعامل المطبعة أو طبيب جرّاح, ربما ينتج من النظرة الاولى بأنّ أذرعتنا تكون نتاج تصميم ناقص. مع هذا, بتحليل حدودها, سنرى – كما هو معتاد في التطور – بأنّ ما يمكننا عمله هو ثمرة الاستثمار والتعديل لشيء لأجل شيء آخر.
في المقام الأول, يكونا ذراعانا ضعيفان. لقد ضحيّنا بأغلب قوتهما من أجل اكتساب حركة أفضل. نحن من الثدييات الممتلكة أضعف أذرع عليا, الامر الذي يحدّ من قدرتنا على رفع وحمل ونقل حمولات ثقيلة. هكذا نكون بارعين جداً بالاشغال اليدوية, لكن بفعالية محدودة مع القوة المُفرطة. لهذا, من الوارد حدوث مشاكل الكسور والجروح وغيرها: ليس من نشاطات تستدعي القوة الثابتة فقط, كحال بعض انواع الرياضة والنشاطات المهنية, بل ايضاً من خلال تنفيذ بعض الاعمال العادية غير العنيفة. على الرغم من قلتها, فربما اغلبيتنا قد عانت لمرّة أو مرّات عديدة لتمزقات اربطة في المعصم أو بغيره " كمتلازمة النفق الرسغيّ Síndrome del túnel carpiano " .. كنتيجة لأيّ جهد عنيف أو طويل الأجل.
صورة
تكون تلك الاصابات الشائعة: النتيجة المُباشرة للتعديلات التشريحية التي حصلت باعضائنا الامامية للتكيُّف مع حركة أكبر وقدرة على التحكُّم والشغل. مثال آخر مثير للاهتمام, هو تمفصل الكتف: الحاصل بين رأس عظم العضد والتجويف الحقاني لعظم الكتف, وهو عبارة عن نوع من التمفصل شبه الكرويّ esferoidea, حيث يقع رأس عظم العضد نصف الكرويّ semiesférica في القسم المقعّر من عظم الكتف. يسمح هذا النوع من التمفصل بحركة بثلاث محاور فراغيّة, حيث تكون المنطقة الاكثر حركة من الجسم. التمفصل الوركيّ للعضو السفليّ { المشابه لتمفصل الكتف }: يكون كذلك شبه كرويّ. مع العلم بأنه يقع على هذه التمفصلات حمل كامل الجسم, حيث تنطوي على كثير من الأوتار والأربطة لتأكيد تماسكها وتفادي الانفكاكات { خروج رأس العظم من التجويف المفصليّ }.
تكمن المشكلة بأنها كانت الصيغة الوحيدة لتطور العضو العلويّ, التي أحرز من خلالها اشباه البشر الزيادة في حركة الكتف مقابل الورك الحوضيّ, ما ادى للتضحية بآليات تماسك أو أدوات قوّة. كمثال, بالكاد يلفّ التجويف الحقاني لعظم الكتف لرأس عظم العضدد, مقارنة مع ذات التمفصل للعضو السفليّ. هذا يقوم بانتاج ازعاجات معتادة, احدها خلع الكتف وهو ايضاً شائع أكثر مما هو مرغوب.
صورة
لا تنحصر الحدود بالعضلة – الهيكل العظمي. وهنا يحضر التحكُّم العصبيّ بأطرافنا ايضاً وهو يشي كذلك بأصلنا الرباعي الاقدام. تُثبت تجربة بسيطة كيف يكون دماغنا محضّراً لتنسيق حركات الاعضاء بذات الجانب, وهذا يوضّح فائدة كبرى بالتنقّل على أربع قوائم.
لنجرب الجلوس ورفع الساق اليمنى, بتحريك القدم باتجاه عقارب الساعة. ثم نحاول تحريك اليد اليمنى باتجاه معاكس. بشكل اوتوماتيكي, تسعى القدم لتغيير اتجاهها, دون تمكننا من تفادي هذا. فقط بعض الاشخاص, ومع فترة كافية للتدرُّب: يمكنهم تحقيق هذه الحركة. وبشكل معاكس, فيما لو نقم بتحقيق الاختبار مع القدم اليسرى واليد اليمنى, سنواجه صعوبات قليلة للقيام به. وهذا شيء لا يمكن فهمه فيما لو أنّ تصميم اعضاؤنا العليا قد حصل بصورة مستقلة عن الاعضاء السفلى.
حركة مُثلى؟!
دون أدنى شكّ, مجموعة التكيفات التي شكلت العضو العلويّ البشريّ, متضمنة التحكُّم العصبيّ الذي يسمح بحركة اصابع اليد بدقّة أكبر, تقدّم قيمة تكيفية كبرى قادتنا لامتلاك قدرة على التحكُّم بصنع الادوات مقارنة بأنواع حيّة أخرى, بما فيهم الأقرباء التطوريين لنا.
هل يقدّم هذا دليلاً على تصميم ذكي بتمييزنا عبر امتلاك أفضل أداة تحكّمية في ممكلة الحيوان؟ يكون الجواب ودون تردُّد: كلّا.
في المقام الأول, من الضروري وضع كل تكيُّف بسياق مجراه البيئيّ والبيولوجيّ, ففيما لو تكن اليد البشرية شديدة الفعاليّة لنمط حياتنا, فهذا لا يكون أكثر أهميّة من الذيل عند القندس أو المنقار بالنسبة لطائر نقّار الخشب. كل حلّ, كل بُنية, كل ميزة ماديّة أو بيوكيميائيّة: تمثل حلاً لصيغة حياة ما وسلسلة من المشاكل الملموسة بذات الوقت. تخدمنا أيدينا قليلاً عند ثقب جذوع الاشجار, كما أنّ منقار نقّار الخشب لن يحمل له أيّ فائدة عند الحاجة لعزف مقطوعة لتشاوشيسكي على البيانو!
لكن هذا ليس كل شيء, فهناك مزيد من القيود على عضونا العلويّ. ايدينا ومع كل حركيتها المدهشة, لا تكون ثمرة تصميم عظيم, بل استجابة لتكيّثف بطيء من قدم إلى دور مختلف للغاية.
لنتخيل فقط لو أن وظيفية اعضاؤنا تكون أبعد مما هي عليه: كتمديد الكوع بعيداً عن محور الذراع, القدرة على تحقيق تعارض الاصابع كلها لبعضها { وليس فقط الابهام كما هو الواقع }, امتلاك القدرة على تحقيق دوران كامل للمعصم, أو ببساطة امتلاك مفاصل اكثر بين اليد والكتف.
فهم تلك الحدود { او القيود } اضافة لسلسلة الازعاجات, عندما نفسّر العملية التطورية, اعتباراً من بُنى قائمة: فقد تمّ انتقاء التكيفات التي سمحت بتحقيق تحسين – مهما بدا صغيراً – عبر الحركة والقدرة على التحكّم بالاذرع عند كائنات قد بدأت المشي المنتصب على قدميها الخلفيتين على استحياء!
يمكن وصف هذا التصميم بكونه ثمرة مخطط ذكي: تهوّر بأفضل الحالات!!. بسبب قلّة الذكاء تلك فلا يمكن انتظار مخططات أفضل, فكما يعمل المهندسون البشر بالاستعانة بمعارف وموارد ليست بالكثيرة, فهم يمتلكون قدرات كالتي يربطها الكثيرون بالمصمم الفوق طبيعي. وفيما لو لا يكون الامر هكذا, فيمكنكم رؤية الفيديو التالي والحُكم:
https://www.youtube.com/watch?v=7coUcEHxnYA&feature=player_embedded
المقال الاصل بالقسم الاجنبي
تعقيبي
إن ما تريد قوله هذه السلسلة ببساطة: حين الحديث عن مصمم ذكي لامور معقدة كأعضاء وأنظمة وبُنى, ذات المتحدثين يتغافلون عن مشاكل بكل هذه الانظمة والبُنى لا يُعقل ان تصدر عن مصمم ذكي, والموضوع أعلاه يوضح أمر غاية بالاهمية وربما يحتاج نقاش واستفاضة أكبر: فأنا شخصياً اعتبر عدم قدرة الانسان على التحكم بتنظيف ظهره بشكل جيد لوحده: تصبّ بجوهر الموضوع أعلاه مثلاً!
أول موضوع بعد عودة المنتدى .. واشكر كل المساهمين بهذه العودة :-? 8-)
0
الحاصل في العالم العربي الآنْ .. ثورات ت