حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 الأحزاب السياسية وأزمة الانتقال الديمقراطي بالمغرب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abdo
ثـــــــــــــــائر
ثـــــــــــــــائر
avatar


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 68
معدل التفوق : 176
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 28/01/2012

الأحزاب السياسية وأزمة الانتقال الديمقراطي بالمغرب                                                                            Empty
22022012
مُساهمةالأحزاب السياسية وأزمة الانتقال الديمقراطي بالمغرب

الأحزاب
السياسية وأزمة الانتقال الديمقراطي بالمغرب






زين العابدين حمزاوي


المقـدمـة


لقد شهدت السنوات الأخيرة تراكما مهما في
الكتابات المهتمة بالانتقال الديمقراطي الذي عاشته عدة دول، وهو الأمر الذي قـد
يسمح بظهور فرع جديد في علم السياسة يسمى
transitologie*
La. ويرى الأستاذ [1]Guy Hermet أن الانتقال الديمقراطي
يعتبر براديغما حديثا في علم السياسة، ظهر سنة 1975 موازاة مع التجربة الإسبانية[2].
وإذا كان الانتقال الديمقراطي كمفهوم لم
يتبلور إلا حديثا في علم السياسة، فإن وجوده كحدث سياسي أقدم من ذلك بكثير، إذ على
سبيل المثال، بالنسبة لفرنسا ابتدأ الانتقال الديمقراطي سنة 1787، ولم يتمم إنجازه إلا سنة 1900، وذلك
من خلال تدعيم الجمهورية الثالثة. وفي إنجلترا ابتدأ الانتقال الديمقراطي مع إصلاح القانون الانتخابي سنة 1832، ولم ينجز
بصورة كاملة إلا سنة 1918 مع العمل بنظام الاقتراع العام[3].من
هنا، يمكن القول أن الجديد بالنسبة للانتقال الديمقراطي ه
و علاقته بالزمن، بحيث إذا كانت عملية
الانتقال الديمقراطي تتطلب قرنا ونصفا في الديمقراطي
ات الرائدة، فإنها لا تستمر في الأنظمة الجديدة إلا خمس أو ست سنوات[4].



فالانتقال الديمقراطي يعتبر مسلسلا حقيقا للتغيير يتم بواسطته
الانتقال من وضع سياسي إلى آخر يدخل تغييرات على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية
وعلى المؤسسات القائمة والفاعلين السياسيين. "ويعتبر الانتقال الديمقراطي عملية معقدة وصعبة كشفت التجارب أنها تتطلب
تضحيات كبيرة، وتسببت في مقاومات وصراعات بين القوى القديمة والجديدة، وبين مراكز
النفوذ وشبكات المصالح، الأمر الذي يفرض على الأطراف تقديم عدد من التنازلات
والتفاوض على مجموعة من التوافقات"[5].
كما يفيد بكوننا أمام كيفية جديدة لوعي المجال السياسي، وأمام أسلوب جديد لممارسة
السياسة والسعي إلى السلطة[6].
ويستعمل مفهوم الانتقال الديمقراطي لوصف
التحولات الجذرية التي تقع في نظام سياسي يتميز بطبيعته الشمولية، وهذه التحولات
قد تأخذ أشكالا متعددة، وتتم على مستويات مختلفة، حسب تجارب الانتقال الديمقراطي التي عرفتها بعض المجتمعات في الربع الأخير من
القرن الماضي[7]
. كما يمكن وصف
الانتقال الديمقراطي بكونه مسلسلا يتم فيه
العبور من نظام سياسي مغلق ولا يسمح بالمشاركة السياسية، أو تكون فيه الحقوق
المرتبطة بالمشاركة السياسية مقيدة، إلى نظام سياسي مفتوح يتيح مشاركة المواطنين
ويتيح تداول السلطة[8].



فالأساس في
عملية الانتقال الديمقراطي هو الانفتاح
المتزايد على المجتمع وعلى القوى الفاعلة فيه، وعلى مطالبه الأساسية المتصلة بثلاث
مجالات: الديمقراطي ه، حقوق الإنسان والاقتصاد، وهذا مقابل تخلي النظام السياسي عن
احتكار السلطة ومركزة القرارات في دوائر ضيقة وفق منهجية لا تتأسس على فلسفة
النقاش العمومي والتفاوض والتوافق، بحيث يتيح للإرادات المختلفة أن تظهر، والطاقات
الفردية والجماعية أن تنطلق وتعبر عن نفسها[9].
ونتيجة ذلك هي إدماج كل الطاقات والموارد البشرية الوطنية في المشروع النهضوي وهو
ما يعتبر مكسبا وإثراء له، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، السماح بحدوث حركية اجتماعية
تتولد عنها حركية سياسية بالمعنى الذي يفيد بحصول تغييرات على مستوى بنية المجتمع،
وهو الأمر الذي يعتبر مؤشرا قويا على حصول تغيير سياسي حقيقي سواء على مستوى
منظومة القيم أو المنظومة القانونية والمؤسساتية.



وإذا أردنا
تصنيف أشكال الانتقال الديمقراطي، فيمكن حصرها في ثلاثة:



الانتقال
التوافقي الذي يتميز بحصول توافق بين السلطة القائمة والقوى الحية أو قوى التغيير؛



الانتقال
الاستردادي، حيث تقوم السلطة القائمة، وبسرعة، بتحويل مطالب الشعب لفائدتها؛



الانتقال
الجبري، حيث أن السلطة القائمة، وبعد رفضها السابق للتغيير، ينتهي بها الأمر، ومن
دون حصول قناعة لديها، إلى الرضوخ للتغيير[10].



وقد شكل مشروع
الانتقال الديمقراطي أحد الرهانات
المركزية لحكومة التناوب بقيادة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، إلا أنه بالمقابل لم
يشكل رهانا ملكيا واضحا. وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن "الملك الراحل
الحسن الثاني قد تحدث عن التناوب والعفو العام والمصالحة وعن إنقاذ المغرب من
السكتة القلبية ..، والملك الحالي تحدث عن المجتمع الديمقراطي الحداثي وعن المفهوم الجديد للسلطة، ولم يتحدثا
عن الانتقال الديمقراطي كمشروع اجتماعي
يستلزم في الحالة المغربية، وفي كل حالة أخرى، إصلاحا دستوريا حقيقيا وتغييرات
جذرية على المستويين الاقتصادي والسياسي[11].



وتعتبر التجربة
الإسبانية في إنجاز الانتقال الديمقراطي مثالا نموذجيا، مع العلم أن تحقيق هذا المشروع
الطموح لم يتطلب إلا ست سنوات (من 1976 إلى 1982). وتجدر الإشارة هنا إلى أنه حين
تطول عملية الانتقال أكثر من اللازم، فإنها تفشل، لأنها تتيح الفرصة لمراكز النفوذ
القديمة لإعاقة التجربة ومقاومتها، خصوصا وأنها تكون في الغالب الأعم مراكز منظمة
ومهيكلة، كما تصيب قوى التغيير بالضعف والوهن والإحباط، الشيء الذي يجعلها تتراجع
وتقدم تنازلات غير مقبولة. كما تفقد الحماس الشعبي المرافق عادة للبدايات[12].
إذن، وليتحقق الانتقال الديمقراطي ، لا يجب أن تكون هناك عوائق تعرقل مسار التحول[13].
والمقصود بالعوائق هنا، كل الفاعلين والمؤسسات والعوامل والوضعيات التي تحول دون
وصول التحول إلى مداه[14].



ولتوضيح الصورة
أكثر، يمكن القول أن الانتقال الديمقراطي يطرح ثلاثة أسئلة: الانتقال من أين؟ وإلى أين؟
ثم كيف؟ والسؤال الثالث هو المرتبط بأجرأة هذا الانتقال وبالأجهزة والآليات
الفاعلة فيه. وهذه الأخيرة متعددة، نجد على رأسها الأحزاب السياسية، وذلك بالنظر
للدور المحوري الذي أصبحت تلعبه في الأنظمة الديمقراطي ة.



وبالنظر إلى
الفشل الذي يعتري، إلى حد الآن، مشروع الانتقال الديمقراطي بالمغرب، فالأكيد أن العلة في ذلك يمكن ملامستها
على مستوى الفاعلين والآليات السالفة الذكر. وبناء عليه، فإن الإشكالية التي سنسعى
لمعالجتها في هذه الورقة تتحدد فيما يلي: ما هي الظواهر والسلبيات والممارسات التي
تشكل، على مستوى الأحزاب السياسية المغربية، عوائق للانتقال الديمقراطي ؟ وبتعبير
آخر، إلى أي حد تحمل الأحزاب السياسية في ذاتها عوائق الانتقال الديمقراطي ؟ هذا
ما سنسعى لمقاربته أولا على مستوى بنية وهيكلة الأحزاب، وثانيا على مستوى ممارستها
السياسية.



عوائق الانتقال
الديمقراطي على مستوى بنية وهيكلة الأحزاب



تعتبر العلاقة
بين الديمقراطي ة والحزب السياسي علاقة متميزة، تطبعها التفاعلية والحتمية. ومن
ثم، لا يمكن للديمقراطية أن تترسخ كمنظومة شمولية في حالة غيابها أو ضعفها على
مستوى المنظومة الحزبية. وبالتالي، فإن إصلاح ودمقرطة هذه الأخيرة يعتبر مدخلا
أساسيا ومحوريا في مقاربة دمقرطة هياكل ومؤسسات الدولة وبنيات المجتمع، ومن ثم في
إنجاز أي مشروع نهضوي طموح مثل الانتقال الديمقراطي . فما هو واقع وتجليات أزمة الديمقراطي
ة داخل الأحزاب المغربية؟



أزمة الديمقراطية
الداخلية والمبادرة الملكية لإصلاح الأحزاب



لقد عرف المغرب
عقب الاستقلال حياة سياسية صاخبة وغنية، شكلت الأحزاب السياسية فيها عنصرا فاعلا
محوريا، وذلك بالنظر للقوة والمصداقية التي كانت تتوفر عليها. وبعد الإعلان عن
حالة الاستثناء سنة 1965، طال الأحزاب السياسية تهميش وإقصاء من الحياة العامة دام
إلى حدود انطلاق المسلسل الديمقراطي . إلا أنه منذ مطلع الثمانينات، أخذ الضعف
والوهن يدب في الهيكل الحزبي المغربي. وإذا كانت أسباب ذلك متعددة، فإن أهمها، على
الأرجح، تتعلق بتعطيل منهجية العمل الديمقراطي داخلها، وهو الأمر الذي ظلت عليه إلى
أن جاءت المبادرة الملكية بإصلاحها.



أزمة الديمقراطي
ة الداخلية



لا يمكن الحديث
عن أحزاب سياسية فاعلة وفعالة إلا إذا كانت تجعل من الديمقراطي ة منهجية لا محيد
عنها[15].وبتعبير
آخر، لا يمكن للأحزاب أن تتبنى قضية الديمقراطي ة إذا كانت هذه الأخيرة غائبة أو
ضعيفة الوجود على مستوى الهياكل الداخلية للأحزاب.



وما يسجل على
الحزب السياسي المغربي هو انغلاق بنيته التنظيمية وعدم الانفتاح ليس فقط على
المجتمع وطبيعة التحولات التي يعرفها، وإنما على النقاشات الداخلية، سواء كانت
فردية أو جماعية، وهي الظاهرة التي ارتبط بها منطق الإقصاء والإقصاء المضاد، الأمر
الذي يترك تأثيرا سلبيا على إنتاج الأفكار والمفاهيم[16].
هذه الإشكالية
عبر عنها الأستاذ عبد الحي مودن بالقول أنه لا يجب أن نناقش الطريقة التي يسير بها
الأمير دولته أو إمارته، ولكن أيضا الطريقة التي يسير بها الفاعلون السياسيون إماراتهم،
إذ لا يمكن رفع شعار الدولة الديمقراطية بدون أن تسود الديمقراطية إمارات الفاعلين
السياسيين. لا يمكن مطالبة الدولة باحترام القانون في الوقت الذي لا تحترم فيه
التنظيمات السياسية نفسها قوانينها[sup][17][/sup].



فمن الواضح أن تطوير ممارسة حزبية فاعلة وبناءة قادرة على المساهمة
إيجابيا في إنجاح مهام الانتقال الديمقراطي رهينة أساسا بأسلوب الممارسة الداخلية
للأحزاب، وربح معركة التغيير الديمقراطي الذاتي[sup][18][/sup].
فلا يمكن أن نطمح إلى تطوير المجتمع وإصلاح الدولة بآليات تعاني خصاصا ديمقراطيا
ذاتيا، وهي ذاتها في حاجة إلى إصلاح وتقويم هيكلي. ويعزي الأستاذ عبد اللطيف أكنوش
غياب اعتماد الأسلوب الديمقراطي لحل
المشاكل العالقة داخل الأحزاب المغربية إلى هيمنة الثقافة المخزنية على سلوك
قيادييها، رغم أنهم ما فتئوا يشتكون منذ الاستقلال من النموذج الثقافي المخزني
الذي يسيطر على سلوكيات الحكم، ويحول دون قيام قواعد قارة وشفافة للتعامل السياسي.
فالأجواء التي تخيم على هذه الأحزاب في حياتها اليومية، هي نفسها تلك التي يصادفها
الباحث في الدراسات التي تتخذ أجواء البلاطات موضوعا لها[sup][19][/sup].



إن الأحزاب المغربية التي رفعت راية التحديث على مدى العقود التي أعقبت الاستقلال،
وجدت نفسها تغرق في أساليب إدارتها لشأنها الداخلي من صميم ما ظلت تندد به وتعيبه
على نظام الحكم الشمولي. لقد أصبحت تنتج نفس أنماط التعاطي البيروقراطي
والديماغوجية والاستئثار بالرأي، وتعمل من أجل الهيمنة والحفاظ على الوضع
الاجتماعي القائم[sup][20][/sup].



فلا يمكن تصور
تحديث البنية الحزبية ودمقرطتها إذا لم تنجح في تبني برنامج للتأهيل السياسي، ورفض
مفهوم المواطنة الامتيازية للقادة وتقرير حالات التنافي بعدم الجمع بين المهام،
وتجذير المراقبة وتطوير آليات التخليق[21].
فكلما غاب الوضوح الفكري والمناخ المساعد على الخلق والإبداع، يتقدم الموروث
الثقافي والاجتماعي التقليدي ليملأ الفراغ. وهكذا، تشيع ثقافة الولاء والنصرة حول
القيادات التي تحتكر المنافع المادية والرمزية داخل الحزب[22].
وبهذا تصبح معايير القيادة والمسؤولية داخل الحزب تتمثل في القدرة على المناورة
والتفاوض لكسب المواقع، واللعب على المتناقضات والاستقواء بالدولة على الخصم
الحزبي وتشويه صورته، وليس القدرة على إنتاج الأفكار والتصورات والبدائل
والمبادرات التي تصب في مجرى الصالح العام[23].



لقد أدى انغلاق
التنظيم السياسي وعدم تجديده الداخلي إلى ندرة المناضلين ووضوح اللاتسيس لدى فئات كبيرة
من الشعب، فضلا عن انعدام المسؤولية الأخلاقية لتدبير الشأن السياسي، وظل المرشح
مرتبطا في الوعي السياسي بإعطاء الوعود والرشاوى، وارتبطت السياسة بصيانة
الامتيازات المادية، كما فشل الخطاب الحزبي في الانسلاخ عن الشرعية التاريخية
وبناء شرعية ترتكز على واقعية سياسية من شأنها التأثير على المواطن المهتم
بمتطلباته اليومية الباحث عن تلبيتها[24].



ومن تبعات هذا
الواقع، يلاحظ أن لغة الجمود أمست الأسلوب الطاغي على الفعل الحزبي بالمغرب، بحيث
يبدو الحراك السياسي الغائب الأكبر عن الأحزاب بكل أطيافها السياسية، وأمسينا، والحالة
هذه، أمام نوادي سياسية مغلقة، كما ظلت عقدة الزعيم غير قابلة للحل إلا بوفاته أو
عن طريق الانشقاق عن الحزب الأم[25]،
ليعيد الحزب الجديد إنتاج نفس الحلقة المفرغة من منظومة القيم التي تعلل بها
لتبرير انشقاقه.



فالمفروض في الأحزاب السياسية أن تكون نموذجا ومثالا لاحترام قواعد
الممارسة الديمقراطي ة، بحيث يجب أن تكون قنوات الترقي في الهرمية التنظيمية للحزب
مفتوحة أمام كل الطاقات، وتكون الانتخابات الدورية والمؤتمرات العامة الآلية
الأساسية لتجنيد النخبة القيادية في الحزب، وكذا في عزلها وإحلال نخبة أخرى محلها،
بالإضافة إلى تحديد التوجهات العامة للحزب. وبهذا الصدد، لا يسعنا إلا تأكيد
الموقف الذي يفيد بكون الحزب المغربي يمتاز بجمود بنياته الداخلية حيث لا يسمح
بتحقيق طموح سياسي داخله، فمن يوجد في القواعد السفلى لا يستطيع التسلق إلى
الأجهزة القيادية إلا في بعض الحالات النادرة
[26].


إن الجمود الذي يطال دورة النخبة الحزبية يحكم على الآلاف من المناضلين
بالبقاء في الظل، الأمر الذي يتسبب في تعطيل كفاءاتهم وقدراتهم، وهو ما يعتبر
خسارة للدولة والمجتمع ككل وليس للأحزاب فقط.



المبادرة الملكية لإصلاح الأحزاب


إن الوضع الذي آلت إليه الأحزاب، أدى إلى طرح مسألة تخليق الحياة السياسية
والحديث عن تأهيل المجال السياسي المغربي، هذا المطلب، وإن كان حزبيا، فأن عدم
تجسيده والتوافق عليه، حوله إلى مكسب ملكي، وانحصر الإصلاح في المؤسسة الحزبية دون
غيرها، باعتبارها الجهاز الذي يجسد الأزمة[27].



إن الحديث عن إصلاح
الأحزاب المغربية مرتبط، في جوهره، بالعلاقة بين الفاعل المركزي المتمثل في
المؤسسة الملكية والمكونات الحزبية، ضمن تصور تظهر في خضمه السلطة السياسية مسيجة
ببنيات الحكم ومقوماته المركزية[28].
وفي هذا الإطار، أضحى إصلاح الأحزاب مطلبا ملكيا، وهو ما يستشف من خلال الخطب
الملكية في مناسبات مختلفة، نذكر منها خطاب 13 أكتوبر 2000 بمناسبة افتتاح الدورة
الأولى من السنة التشريعية الرابعة، وخطاب 12 أكتوبر 2002 بمناسبة افتتاح الدورة
الأولى من السنة التشريعية الخامسة. كما تجدر الإشارة إلى أن الملك محمد السادس قد
طالب في خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2000 المجتمع السياسي "بتأهيل أدواته
وتجديد هياكله وتغيير أساليب عمله وإيلاء العناية القصوى للقضايا اليومية المعيشية
للمواطنين، بدل التنابز بالألقاب وجري البعض وراء مصالح أنانية فردية وأشكال من
الشعبوية المضرة بكل مكونات هذا المجتمع السياسي الذي ننتظر منه النهوض الكامل
بوظيفته الدستورية المتمثلة في تربية وتأطير المواطنين"[29].



وقد جاء الخطاب
الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة بتاريخ 14 أكتوبر
2005، ليبين أن مشروع قانون الأحزاب كان بمبادرة ورغبة ملكيتين، حيث جاء فيه:
"وستكون مصادقتكم، في مستهل هذه الدورة، على قانون جديد للأحزاب، الذي دعونا
إلى وضعه"[30]،
مضيفا: "وذلكم هو النهج القويم، الذي أعمل جاهدا على توطيد أركانه، مؤكدا غير
ما مرة، ومن أعلى هذا المنبر، على إعادة الاعتبار للهيئات السياسية، اقتناعا منا
بأنه لا ديمقراطية فعلية وملموسة إلا بأحزاب قوية ومسؤولة.. ومن ثم كان حرصنا على
تقويتها، من خلال توفير إطار قانوني متقدم، يكفل لها الديمقراطية في التأسيس
والتنظيم والتسيير"[31].



في هذا الإطار،
جاء مشروع قانون الأ
حزاب الذي يهدف إلى "ترشيد وتخليق العمل السياسي
بصفة عامة، والحياة الحزبية بشكل خاص". مع الإشارة إلى أن هذا المشروع قد ثار
حوله جدل واسع، وعلى سبيل المثال أورد رأي الأستاذ عبد الله ساعف الذي خلص فيه إلى
أن مشروع قانون الأحزاب يؤشر على التسرع في مأسسة منطقة تطالب أكثر من المناطق
الأخرى بالمزيد من النضج، داعيا إلى ترك الحياة السياسية تستمر بشكل طبيعي، مادام
أن هناك فرزا طبيعيا يتم على مستوى القاعدة الاجتماعية التي تحكم على الأحزاب
وتقيم أداءها. كما أكد على انعدام الحاجة الماسة لقانون ينظم الحياة الحزبية، وعلى
كون قانون من هذا النوع لا ولن يمثل لحظة قوية في الحياة السياسية، مادام التقنين
الحقيقي هو التقنين الذاتي الذي يحسم الأمور في نهاية المطاف[32].



وبهذا الصدد،
فإن المفارقة التي تسجل على القانون رقم 36.04 المتعلق بالأحزاب السياسية تتمثل في
أنه بدل مبادرة الأحزاب إلى إصلاح وتحديث النظام السياسي، يلاحظ أن هذا الأخير هو
الذي يأخذ المبادرة للدعوة لإصلاح الأحزاب وتكييفها مع متطلبات الظرفية. وهذا مؤشر
ذو دلالة عميقة، فهو ينذر بالقصور الذي صار يميز الأحزاب السياسية، وبتحولها إلى
قوى غير فاعلة وعلى درجة لا يستهان بها من العجز والسلبية. إنه علامة على وجود خلل
بنيوي في الحياة السياسية وتحجر في القوى السياسية، من شأنه تعطيل مشروع الانتقال الديمقراطي
، لأن مشاريع الإصلاح والتغيير تعتبر ترجمة صادقة لموازين القوى، وحاليا تعتبر
الأحزاب فاقدة للمقومات اللازمة لإنجاز المشروع التاريخي للإصلاح والتغيير. ومن
أهم هذه المقومات نذكر الثقل والسند الشعبي الذي يعتبر الدعامة الأساسية لأي مشروع
من هذا القبيل، لأن أي إصلاح هو عبارة عن إعادة نظر في موازين القوى القائمة، وهو
ما يعني، بطبيعة الحال، إعادة النظر في مسألة تكتسي حساسية قصوى وهي منظومة القيم
والامتيازات القائمة. وأعتقد أن هذه هي الواجهة الحقيقية لأي إصلاح، وفي نفس
والوقت العقبة الحقيقية لأي إصلاح.



ومن جهة أخرى،
وبغية تعميق الطابع الإشكالي للمسألة، يدفعنا القانون المذكور إلى طرح التساؤلات
التالية: هل تعتبر المقاربة القانونية وحدها قادرة على حل أزمة الأحزاب السياسية
بالمغرب؟ أم أن الإشكال أعمق من ذلك بكثير وعلى درجة كبيرة من التعقيد، إذ لا
يتعلق فقط بقصور في البنية القانونية المؤطرة لنشاط الأحزاب، وإنما يتعداه ليصبح
قصورا في القيم والمبادئ والأخلاق المؤطرة للسلوك السياسي سواء لدى النخبة
السياسية أو لدى المواطن العادي؟ ثم ألا يعني قانون الأحزاب الجديد تأجيل مسألة
الإصلاحات الهيكلية في النظام السياسي، وذلك على اعتبار أن الأحزاب السياسية غير
جاهزة لهذه النقلة النوعية، ولازالت أمامها سنوات من التصحيح وإعادة الهيكلة؟ وفي
الأخير، ألا تعبر المبادرة الملكية لإصلاح الأحزاب السياسية عن رغبة المؤسسة الملكية
في تحويل الأحزاب إلى متراس ديمقراطي وشعبي قوي يكون سندها ودعامتها ضد الأخطار
المحتملة للطموحات السياسية للجيش، كما عودنا في الماضي، وضد الحركات الراديكالية
والشعبوية بمشاربها المختلفة؟



عقم التعددية
الحزبية



لقد كان المغرب
من بين دول العالم الثالث القليلة التي تبنت في وقت مبكر التعددية الحزبية، هذه
التعددية التي ظلت إلى حدود الستينات والسبعينات من القرن الماضي منطقية وعقلانية،
من خلال اعتبارها انعكاسا لضرورات سياسية وقوى اجتماعية محددة. "كما أن
متابعة الانشقاقات الأولى التي عرفتها الحركة الوطنية تظهر أن هذه الانشقاقات كانت
بمثابة ردود فعل اجتماعية تخضع للقوانين الاجتماعية[33].
فهذه الانشقاقات كانت نابعة من تطور المجتمع الذي تتحرك في نطاقه، لم تكن انشقاقات
مصنوعة ، وإنما كانت نتيجة حقيقية لتطور المجتمع[34].



إلا أن
المفارقة التي تسجل هنا هي أنه مع انطلاق المسلسل الديمقراطي الذي من المفروض أن يضع الديمقراطي ة على سكتها
الصحيحة، وأن يرقى بالممارسة والسلوك السياسي، بزغت ظاهرة التطور غير الطبيعي
للتعددية الحزبية، بحيث أخذت الأحزاب في التناسل إما من فراغ، أو من خلال اللجوء
لآلية الانشقاق، إلى الحد الذي صارت هذه التعددية تشكل عبئا على الحياة السياسية
وشاهدا على التطور السلبي الذي تم على هذا المستوى. ففي إطار هذه التعددية، صارت
الأسماء والألوان والرموز تتكدس إلى الحد الذي أصاب هذا الجانب من الحقل السياسي
بالتخمة والتضخم، وهو ما لا يمكن اعتباره ظاهرة صحية بقدر ما يعتبر تجسيدا لأزمة
وعي وسلوك وثقافة وقيم.



فحاليا، يوجد
بالمغرب 38 حزبا، وهو العدد الذي يفرض علينا طرح السؤال التالي: هل هذا العدد من
الأحزاب يدل على وجود عدد مماثل من البرامج السياسية والمشاريع المجتمعية؟ وهل هذه
الأحزاب تعتبر تجسيدا لمصالح وقيم وآمال 38 طبقة اجتماعية؟



إن التعدد
الضروري للبناء الديمقراطي والمفيد للتنمية والتقدم هو الذي ينطوي على تعدد حقيقي
في الاجتهادات والتصورات السياسية، بحيث يكون الهدف من تأسيس حزب جديد هو تقديم
برامج واقتراحات جديدة مغايرة لما تطرحه الأحزاب القائمة، وهذا يدخل في إطار
التنافس المشروع الذي يعطي أفكارا جديدة ويشجع على الابتكار ويخلق الدينامية التي
تفتح باب التطور[35].



ومن العيوب
التي تسيء للتعددية نجد تفاقم النزعة الانشطارية داخل الأحزاب السياسية والتي لا
يوجد ما يبررها، في غالب الأحيان، سوى ضعف الحوار أو انعدامه، والعجز عن التدبير الديمقراطي
للاختلاف الطبيعي في الآراء وطغيان نزعة
الإقصاء[36]،
في حين أن المطلوب في العمل الحزبي هو أنه بدل سيادة لغة الإقصاء والتهميش، يجب أن
تسود ثقافة الاختلاف التي تعتبر ركنا أسياسيا من أركان التدبير المجتمعي[37].
وفي هذا الإطار، يلاحظ أن الانشقاقات أصبحت أحد المعالم المميزة للمشهد الحزبي
المغربي، وهو الأمر الذي ساهم في إضفاء المزيد من الابتذال على تعدديتنا الحزبية.
وإذا بحثنا في الخلفيات المغذية لظاهرة الانشقاق هذه، نجد أنها تنحصر في ثلاثة
أقسام:



الانشقاقات ذات
المرجعية الانقسامية؛



الانشقاقات ذات
المرجعية الانفصالية؛



الانشقاقات
المدبرة[38].



وفي ظل هذا
الواقع، تضعنا الوتيرة العالية لتناسل الأحزاب أمام مشهد تبدو فيه التعددية
الحزبية عبارة عن ترجمة لتعددية في الطموحات السياسية لقادتها أكثر منها تعددية
سياسية أو إيديولوجية، تعددية لا تترجم الانتماءات الطبقية بقدر ما تترجم إرادات
احتلال مواقع الصدارة والزعامة.



زيادة على ما
ذكر، فإن المشهد الحزبي المغربي يعرف تعددية حزبية لا تعددية سياسية، على اعتبار
أنه لا يمكن تمييز خطاب وبرامج مجموعة من الأحزاب عن أحزاب أخرى، مع ضرورة الإشارة
إلى بعض الاستثناءات التي تجعل بعض الأحزاب، وهي قليلة، مميزة من حيث الخطاب
والبرامج والتوجهات والأهداف[39].
ففي التجارب الديمقراطي ة، تتطابق التعددية الحزبية مع التعددية السياسية، بحيث
يكون الحزب تأطيرا لتوجه سياسي معين وقوة اجتماعية متميزة، الأمر الذي يسمح بخلق
نوع من التباين بين حزب وآخر، سواء على مستوى إيديولوجيته أو استراتيجيته
السياسية. وفي هذا الإطار، يرى الأستاذ محمد ضريف أن التعددية الحزبية بالمغرب
تتميز بطابعين:



الطابع التسيبي
والذي يلمس من خلال تعدد عدد الأحزاب؛



الطابع الوهمي
لهذه التعددية[40].



كما يعزي غياب
التعددية السياسية إلى عاملين:



طبيعة الثقافة
السياسية التي تهيمن عليها ثقافة الإقصاء المتبادل بين الفاعلين عوض ثقافة
الاختلاف، وحيث يدعي كل فاعل أنه يمثل الشعب؛



طبيعة الخطاب
الحزبي، حيث أن ما يجمع الأحزاب المغربية هو فئوية الممارسة وشعبوية الخطاب، إذ
يوجد تشابه بين خطابات الأحزاب وبرامجها[41].



بناء على ما
سبق ذكره، يمكن القول أن الأحزاب المغربية لا تتوفر، في أغلبها، على إيديولوجية
واضحة المعالم يستقل بها كل حزب عن غيره من الأحزاب، إذ رغم اختلاف التقارير
الإيديولوجية، فإنها تغترف في آخر المطاف من نفس المعين الإيديولوجي، الأمر الذي
يسمح بنعت هذه التعددية الحزبية بكونها شكلا من أشكال التوحد الإيديولوجي، نظرا
لتقارب الأفكار والبرامج لعدد كبير منها[42].



زيادة على ذلك،
نجد هشاشة التحالفات وعدم خضوعها لمنطق عقلاني، الأمر الذي لم يسمح بتشكل تقاطبات
سياسية محورية ومن ثم تكون تحالفات تخضع لمنطق سياسي مقبول تكون نتيجته وضع برامج
سياسية منسجمة ورؤى إصلاحية موحدة، ومن ثم بروز مشاريع مجتمعية واضحة ومحددة تسهل
على المواطن الاختيار العقلاني. هذا، مع الإشارة إلى أن الخطاب السياسي يوهم بوجود
أقطاب سياسية كبرى ومنسجمة تتجسد في الكتلة والوفاق والوسط.



ولتفنيد هذا
الخطاب، يمكن القول أن الكتلة الديمقراطي ة لم تصل قط إلى مستوى القطب المنسجم،
كما بينت الممارسة، أنها ليست إلا آلية توظف في تكتيك سياسي ظرفي وضيق الأفق،
زيادة على دخولها في حالة من التعطل وانعدام الفاعلية. ومن الأمثلة على ضعف وهشاشة
هذا الكيان السياسي، نذكر الصراع الذي نشب بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي
عقب انتخابات 2002 التشريعية حول الطرف الذي يجب أن يعين منه الوزير الأول، وقبل
ذلك فشل المشرح المشترك، زيادة على الخلافات التي سجلت بين مكوناتها بخصوص
التعديلات الدستورية (1992 و 1996)، كما أن حالة من التشظي طالت مكونات الكتلة،
حيث طالت الانشقاقات كل من الاتحاد الاشتراكي الذي انشق عنه حزب المؤتمر الوطني
الاتحادي وتيار الوفاء للديمقراطية، ومنظمة العمل التي انشق عنها الحزب الاشتراكي الديمقراطي
، وحزب التقدم والاشتراكية الذي انشقت عنه جبهة القوى الديمقراطي ة.



أما الوفاق،
فلم يكن في حقيقة الأمر إلا وسيلة من وسائل التكتيك الانتخابي، ولم يكن ترجمة لا
لضغوط قواعد الأحزاب المكونة له، ولا تعبيرا عن بنية سوسيو/اقتصادية محددة، ولا
تفعيلا لمشروع مجتمعي واضح. "فافتقاد هذه الأحزاب لتربة اجتماعية أو سياسية
تمكن من الجزم بأنها كانت منبعا لمشروع سياسي متكامل لديها، يجعل من المغالاة
اعتماد "مرجعياتها" كمنظومة فكرية تعكس هذا المشروع[43].



وبالنسبة لما
يسمى بأحزاب الوسط، فأهم ملاحظة تسجل عليها هي كونها لا تختلف من حيث النشأة
والنشاط والدور السياسي الذي لعبته عن الأحزاب التي كونت "الوفاق
الوطني". ومن ثم يمكن القول أن الأمر لا يعدو أن يكون ترجمة للرغبة الملكية
المعلن عنها في شتنبر 1996، حيث أعرب الملك الراحل الحسن الثاني عن أمله في رؤية
بروز فضاء جديد في الحقل السياسي المغربي بين اليمين والمعارضة. كما يمكن لهذا
التصنيف أن يجد تفسيره في نظرية توزيع الأدوار، مثلما سبق أن طلب من التجمع الوطني
للأحرار سنة 1981 أن يلعب دور المعارضة بعد انسحاب النواب الاتحاديين من البرلمان[44].



عوائق الانتقال الديمقراطي على مستوى الممارسة السياسية للأحزاب


تعتبر الأحزاب
مدرسة للتنشئة السياسية وجهازا للعمل السياسي وخزانا يمد الدولة بالأطر البشرية و
المرتكزات النظرية والفكرية الكفيلة بتحديد وتفعيل المشاريع التي تسعى إلى
الارتقاء بالشأن العام إلى مراتب متقدمة. ومن ثم، فكلما اعترى الأحزاب سلبيات مثل
القصور في الرؤية وعدم الوضوح في الخيارات، انعكس ذلك سلبا على أداء ومردودية
أجهزة صناعة القرار. فالحزب أصبح الفاعل السياسي المحوري في الأنظمة السياسية
الحديثة، الأمر الذي يحتم على هذا الجهاز أن يكون في مستوى تطلعات مجتمعه تنظيما و
تأطيرا وممارسة. وبهذا الصدد، وارتباطا بموضوع الدراسة، حاولت رصد أوجه القصور
وعدم الوضوح لدى الأحزاب في غياب المقاربة الاستراتيجية وضعف الأداء وأزمة
المشاركة السياسية.



غياب
المقاربة الاستراتيجية



يعتبر نجاح
الانتقال الديمقراطي مرتبطا بوضوح الرؤية
والتصورات وآليات وإجراءات التنفيذ، بمعنى إحداث قطيعة مع القيم والممارسات التي
ظلت طاغية على اللعبة السياسية، خصوصا منها المقاربات ذات الطابع التكتيكي
والخاضعة للإكراهات الظرفية والتي تبرز على شكل منحنيات تارة صاعدة وتارة أخرى
نازلة، في حين يفترض أن يأخذ خط الإصلاح والتنمية والتطور مسارا تصاعديا لا يعود
للنقط التي سبق وأن عالجها، الأمر الذي يسمح بتكوين تراكمات ومكتسبات لا يمكن أن
تعرف الانتكاسات والتراجعات.



فمن المؤكد أن
بناء دولة الحداثة والديمقراطي ة عملية تاريخية واجتماعية متعددة ومتداخلة الأبعاد
والمداخل، إذ يصعب ترجيح أولوية المدخل الاقتصادي على المدخل الاجتماعي والمدخلين
معا على المدخل السياسي، بالنظر لتكاملها البنيوي، لإنجاز تصور شمولي يقطع مع
التصورات الإصلاحية الجزئية أو القطاعية[45].



والانتقال الديمقراطي
، بحكم التجارب الدولية الناجحة، يعتبر مشروعا للانتقال بالإنسان والمؤسسات من وضع
معين إلى وضع أرقى منه، إنه مشروع اجتماعي نهضوي متكامل، تمكنت من خلاله عدة دول
من أجرأة مشاريع التنمية والتطور والإصلاحات الهيكلية مع ما يصاحب ذلك من تحسن
ملموس في وضعية المواطن المادية والمعنوية، والرفع من أداء المؤسسات القائمة.
"فالمشروع المجتمعي يعتبر بمثابة البوصلة التي ترشد خطط العمل ومجالات النشاط
والتوجهات، والتي تحدد كذلك الأهداف، وبدونه تبدو المشاريع جميعها جزئية متقطعة
ودون خط رابط"[46].
إلا أن المغرب مازال، إلى الآن، بعيدا عن هذا النوع من التفكير، من جهة لأنه حديث
عهد بالسياسات العامة، ثم لأن الحقل السياسي المغربي حقل غير تنافسي لا يسمح
ببلورة مشاريع مختلفة، ثم إن المغرب يعرف غلبة التدبير التكتيكي والظرفي في سلوك
الفاعلين[47].
إن الطابع المتردد والإصلاحات غير المكتملة وضبابية الاختيارات الديمقراطي ة
واضطراب الأهداف، تعتبر عوامل تخلق مناخا "يميع" صدقية ومصداقية الحديث
عن المشروع المجتمعي، إن الذي أنقذ مشاريع مجتمعية في أنحاء عديدة من العالم
–إسبانيا نموذجا- هو ارتباطها بانتقال ديمقراطي منطقي، متكامل وشمولي[48].
ومن الأمثلة البارزة على سيادة التدبير التكتيكي الظرفي، والتي تمارس تأثيرا محددا
على مسألة الانتقال الديمقراطي ، نجد المسألة الدستورية والتراضي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الأحزاب السياسية وأزمة الانتقال الديمقراطي بالمغرب :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الأحزاب السياسية وأزمة الانتقال الديمقراطي بالمغرب

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: