تحية طيبة ... 8-)
أنقل لكم أجزاء مترجمة من كتاب العالم الفلكى كارل ساجان عن - كوكب الأرض ..نقطة زرقاء باهته .-
يشرح لنا العالم الكبير موقف الأرض من الكون بشكل مبسط وسلس طارحا وسط عباراته فلسفة عميقة
لفهم الكون والإنسان ..
أكون سعيدا بطرح أجزاء من الكتاب وأكون أسعد عندما أكون أول من ينقلها لكم ..
قراءة ممتعة ..
نتيجة لما تمتعنا به من مزايا مادية بفضل حياة الاستقرار أصبحنا سريعي الغضب و غير مشبعي الحاجات و لكننا لم ننسى تجوالنا لآلاف السنين صائدين ننتشر بمجموعات في الغابات و كم كان تصور الخروج المنفرد إلى الصيد يثير السخرية لدينا كما كان الاستقرار أيضا يسبب نفس الصدى في نفوسنا و لكن لماذا نذهب بحثا عن الطعام إذا كنا نستطيع أن نجعله يأتي إلينا؟ فاستأنسنا النبات و دجّنا الحيوان . . .
ربما تكون حياتنا و حياة أجدادنا منذ آلاف السنين مدينة باستمرارها لزمرة صغيرة مفعمة بالقلق و التوتر و التّوق الشديد لاستكشاف الأراضي المجهولة و العوالم الجديدة , فهكذا أضفنا رومانسيتنا على الأماكن النائية عندما سمعنا أغنية طفولية منسية تتردد من نهاية الطرق المفتوح , و هكذا صيغ لنا إغراء المجهول من خلال الانتخاب الطبيعي كعنصر جوهري في بقائنا و استمرارنا.
كان العالم المعروف لليونان و الرومان هو أوروبا و جزء بسيط من آسيا و أفريقيا يحيط بها محيط لا يمكن اجتيازه و كانوا يلتقون بسفرهم بكائنات أدنى منهم يسمونهم الهمج و أعلى منهم يسمونهم آلهة و هذه الآلهة تعيش فوق الجبال أو تحت الأرض , في البحر أو في أعالي السماء و تبعث رسائل للبشر و تتدخل بشئونهم و تتزوج منهم و مع تزايد الاكتشافات بدأت المفاجئات فالبربر لديهم مهارات الإغريق و اليونان و أفريقيا و آسيا أكبر مما تصوّروا و المحيط يمكن اجتيازه و اكتشفوا ثلاث قارات جديدة و أكثر ما كان يحبطهم هو أنهم لم يجدوا أية آلهة.
منذ 11500 سنة حصلت أول هجرة بشرية إلى العالم الجديد بسبب تنامي قمم القطب الجليدي التي أدت إلى ضحالة مياه المحيطات فأصبح الوصول سيرا من سيبيريا إلى ألاسكا ممكنا , بعد مرور ألف عام و صلنا إلى تييرا دل فويجو و قام مغامرين أندونيسييّن باستكشاف الجزء الغربي من المحيط الهادي قبل كولومبوس بفترة طويلة جدا و اجتاز اسطول الينك المحيط الهندي من الصين و طاف المصريون و الليبيون حول أفريقيا و لاحقا في القرنين الثامن و التاسع عشر تسابق المستوطنون الأوروبيون , شرقا و غربا , تجارا و مستكشفون , لاستكشاف قارتين كبيرتين و تحدي المجهول (كانت جديدة بالنسبة للأوروبيين ).
و يبدو أن الاستكشاف و تسخير الطبيعة ليست حكرا على عرق أو لون دون غيره بل هي موهبة طبيعية يشترك فيها أفراد الجنس البشري فمنذ ظهورنا على هذا الكوكب منذ بضع ملايين من السنين و نحن هائمين على وجوهنا نطوف في جميع الاتجاهات . أما الآن فقد سكنّا كل قارة و أبعد جزيرة من القطب إلى القطب ,من قمة إفرست إلى البحر الميت و فوق قيعان المحيطات و أحيانا في مسكن ارتفاعه 200ميل , فهل أخذنا مكان الآلهة التي اعتقدنا أنها تسكن أعالى السماء؟
أن الهجرات البشرية على هذا النطاق الواسع لن تتوقف عن الحدوث و لكن هذه المرة ستكون بسبب الحروب و الاضطهاد و المجاعات , و خاصة مع ما سيشهده مناخ الكوكب من تغيرات . سنظل نتمتع باستكشاف المجهول و الذهاب إلى أماكن غريبة فتيارات البشر ستستمر بالتدفق في هذا الكوكب و لكن البقاع التي نقصدها الآن مأهولة و نعلم أنها مسكونة ببشر لن يتعاطفوا مع و ضعنا , كيف ستكون حالنا عندما نهاجر إلى أماكن ربما غير مأهولة بالحياة؟
عندما نظر أجدادنا الأوائل إلى السماء و راقبوا النجوم وجدوا خمسا منها ليست مجرد أضواء معلقة بليدة بل كانت تتحرك بصورة معقدة و لافتة للنظر و على مدى شهور تتجول و تصنع حلقات و الآن نطلق عليها اسم الكواكب (Planets ) و هي الكلمة اليونانية الدالة على (المتجولين) و أثناء اكتشافنا كوكب الأرض أصبحنا نعلم أن الأرض هو أحد العوالم التي تدور حول الشمس بسبب الجاذبية و أحد مليارات الكواكب الموجودة في منظومات شمسية أخرى تشكل درب اللبانة و هكذا فإننا محاطين بمحيط كوني جديد و كبير جدا و لكن هذه المرة ليس من المتعذر عبوره كما كان سابقا.كل هذه العوالم التي لا تحصى , إنها تدعونا إليها و تعدنا بفرص لا تحصى.
استطعنا تحقيق أمور مذهلة عبر العقود القليلة الماضية منذ بدء الطيران الناجح بين الكواكب في 1962م فقامت آلاتنا بالتحليق في فضاء ما بين الكواكب و الهبوط على ما يزيد عن سبعين عالما جديدا و فحصنا جميع نقاط الضوء تلك الممتدة بين عطارد و زحل , و التي أذهلت أجدادنا بتجوالها , فحصا دقيقا و تجولنا بين المتجولين و عثرنا في تلك العوالم على هضاب بركانية يبدو بجوارها أعلى جبل على الأرض قزما و وجدنا وديانا لأنهار قديمة على كوكبين و مما يثير الدهشة أن أحدهما حار جدا و الآخر بارد جدا , و كوكب عملاق يسيل في باطنه هيدروجين معدني يمكن أن يسع ألف كوكب مثل الأرض , و مكان آخر مغطى بالسحب يتكون غلافه الجوي من أحماض و حرارة سهوله الواسعة أعلى من نقطة انصهار الرصاص و , وجدنا أسطح قديمة هي سجلات لعملية التشكل العنيف للمجموعة الشمسية , و عوالم جليدية لاجئة , و منظومات الحلقات بنماذجها الرائعة في رسم توافقات الجاذبية , كل هذه العوالم تدور بصمت حول الشمس.لقد بدأنا نفهم كوكب الأرض على نحو أفضل عندما كشفنا عن حقيقة تلك الأضواء التي تتلألأ في سماء الليل و استطعنا معرفة أصول كوكبنا و أنفسنا من خلال اكتشاف ما قد يكون ممكنا أن يتعرض له عالمنا مقارنتا مع ما أصاب عوالم أخرى.
أمضت بعثة الروبوت في سفينة الفضاء فايكنج التي بدأت في 1976م عاما على المريخ و فحصت صخوره الضخمة المستديرة و كثبانه الرملية و سمائه الحمراء اللون و وديان أنهاره القديمة و الجبال البركانية العالية فضلا عن التعرية الريحية العنيفة و صفائح منطقته القطبية و قمريه و هما:(Phobos ) أي الخوف و (Deimos ) أي الرعب(حسب تسميات هال ) و بالرغم من الفحص الدقيق لم نتأكد من وجود حياة عليه بشكل كامل.
استطعنا أن نتحرك عبر أرجاء المجموعة الشمسية و أرسلنا أربع سفن فضاء إلى خارجها. يبعد كوكب نبتون عن الأرض مسافة تزيد بمليون مرة على بعد مدينة نيويورك عن ضفاف نهر بج و لكننا على عكس أولائك الذين هاجروا من ضفاف نهر بج إلى نيويورك على خطى أقاربهم الذين سبقوهم , ليس لدينا أي أقارب بعيدين على سطح هذا الكوكب أو رسائل من لاجئين أو هاربين تساعدنا على فهم هذه البقاع.
كل ما لدينا بيانات رقمية بثها بسرعة الضوء روادنا الآليين تخبرنا أن هذا العالم يختلف بكل مظاهره عن عالمنا غير أننا نواصل البحث عن سكان
فالحياة تبحث عن الحياة
هدف هذا الكتاب هو فحص تلك المزاعم المنتشرة حول تفرد عالمنا و نوعنا و مركزيته بالنسبة لهدف الكون ثم القيام بمغامرة عبر أنحاء المنظومة الشمسية و بعدها تقييم الأسباب التي يرسل رواد الفضاء على ضوئها. انه إدراك جديد يلحق بنا ببطء , حول موقعنا و نظرتنا للكون و حول أن أهم العوامل التي يتوقف عليها مستقبل الإنسان يقع بعيدا عن كوكب الأرض بالرغم من كتمان دعوة الطريق المفتوح.
يتبع .... :-x