القانون الثالث" لنيوتن هو الأكثر شُهْرة وذيوعا وانتشارا؛ ويُعْرَف باسم "قانون الفعل وردِّ الفعل"، ومُخْتَصَرُ نصِّه هو الآتي:
إذا تفاعَل (تبادل التأثير) الجسمان A و B فإنَّ "القوَّة" التي يؤثِّر بها B في A تساوي في "المقدار"، وتُعاكِس في "الاتِّجاه"، "القوَّة" التي يؤثِّر بها A في B. إحدى القوَّتين تسمى "الفعل Action"، والأخرى تسمَّى "رد الفعل Reaction"، فـ "لكلِّ فِعْل رد فِعْل، مساوٍ له في المقدار، ومعاكِس له في الاتِّجاه".
القوَّة Force في بعضٍ من تعريفها )في الميكانيكا والفيزياء) هي أي فعل، أو تأثير، يُسَرِّع (يُعجِّل) أو يُغَيِّر سرعة جسم. وكل قوَّة يجب أن تشتمل على جانبين متَّحِدين اتِّحادا لا انفصام فيه، هما: "المقدار (أو الحجم)" Magnitude و"الاتِّجاه" Direction.
القوَّة ذاتها (من حيث مقدارها أو حجمها) التي تؤثِّر في جسمين متفاوتي "الكتلة" Mass تَجْعَل الجسم الأصغر كتلة يسير بسرعة أعظم من الجسم الأكبر كتلة. وهذا ما يَشْرحه ويوضِّحه لنا نيوتن عَبْرَ قانونٍ آخر هو قانون "القصور (العجز) الذاتي" Inertia.
متى نرى، بـ "عين الميكانيكا"، تأثير قوَّة ما في جسم ما؟ نراها إذا ما رأيْنا هذا الجسم "يُدْفَع" بعيداً عن الجسم الذي تنتمي إليه تلك القوَّة، أو "يُجْذَب" إليه.
والقوَّة المؤثِّرة يمكن أن تكون منتمية إلى "حقل" Field كمثل "الجاذبية الأرضية". إنَّ كرة تتسارع (تتزايد سرعتها) في سقوطها إلى سطح الأرض هي جسم يتعرَّض لتأثير قوَّة الجاذبية. وفي "الجسيمات"، نرى تجاذباً بين "إلكترون" و"بروتون"، مثلا، ونرى تنافرا بين "إلكترون" و"إلكترون"، أو بين "بروتون" و"بروتون".
مِمَّ يتألَّف العالَم؟ في مُخْتَصَر جواب الفيزياء عن هذا السؤال، يتألَّف العالَم، أو الكون، من نوعين من "الكوارك"، يتكوَّن منهما "البروتون" و"النيوترون".. ومن "الإلكترون" و"النيوترينو (أو النيوترين)"؛ فإذا كانت هذه الجسيمات هي "الحجارة" التي منها بُني العالَم فما الذي يجعل هذه الحجارة مُمْسِكة ببعضها بعضاً، فليس بالحجارة، وحدها، يكون البناء؟ قوى أربع هي التي تشدُّ أجزاء هذا البناء إلى بعضها بعضاً، وتُمْسِكُ بمادة الكون.
ولكنْ، ما هي "القوَّة" Force وكيف نتصوَّرها ونفهم عملها، فيزيائياً؟ إذا أنتَ قرَّبْتَ القطب الشمالي لمغناطيس إلى القطب الشمالي لمغناطيس آخر فإنَّكَ ترى أنَّ كلا القطبين دفع الآخر بعيدا عنه. لقد حَدَثَ هذا التنافر من غير أنْ يلمس كلاهما الآخر أو يتَّصل به. حَدَثَ في "طريقة خفيَّة"، نرى تأثيرها من غير أنْ نراها هي، أو نرى "القوَّة" التي تسبَّبت بهذا التنافر، بعيوننا. في هذا المثال، الذي قد يشجِّع على تفسيرات غير علمية للظاهرة، يكمن مفهوم "القوَّة" وطريقة عملها، فيزيائياً.
عَبْرَ عمل "القوى"، نرى ظواهر من قبيل: "انحلال جسيم"، و"اتِّحاد جسيمات" و"فناء متبادَل لجسيمات (متضادة)"، أي تحوُّلها إلى ما يسمَّى "طاقة خالصة" بَعْدَ، وبسبب، تصادُمها. ونرى "تغييرا ما" طرأ على جسيم بسبب وجود جسيم آخر في جواره. إنَّ "القوَّة"، في معناها الفيزيائي، هي "الأثَر" Effect الذي يتركه في جسيم وجود جسيم آخر.
مثال "التنافر المغناطيسي" أثار السؤال الآتي: كيف يمكن أنْ تؤثِّر "قوَّة" تأثيراً ملموساً في شيء من غير أنْ يكون هذا الشيء متَّصِلاً، مباشَرةً، بالشيء الذي تنتمي إليه هذه القوَّة؟ قد تجيب عن هذا السؤال، قائلاً: إنَّ للمغناطيس، مثلاً، "حقلا مغناطيسيا". غير أنَّ إجابة كهذه تُبقي السؤال بلا جواب شافٍ!
تصوَّر أنَّ شخصا تلقَّف، فجأةً، "شيئاً ما غير مرئي"، فتأثَّر بذلك إذ دَفَعَهُ تلقُّف هذا الشيء إلى الخلف. قد تفترضَ أنَّ "كرة غير مرئية" هي التي تلقَّفها، فأثَّر فيه تلقُّفها هذا التأثير المرئي. إنَّكَ لم ترَ تلك الكرة، ولكنَّكَ رأيتَ تأثيرها في هذا الشخص اللاعب.
"التأثير" و"المتأثِّر" مرئيان، في هذا المثال. أمَّا "المؤثِّر" (الكرة) فغير مرئي. إنَّه موجود بالفعل. لا نراه بعيوننا (المجرَّدة) ولكنَّنا نستدل على وجوده من خلال تأثيره المرئي في شيء مرئي.
قلنا إنَّ "القوَّة"، في معناها الفيزيائي، هي هذا "التأثير المرئي" في "شيء مرئي"، والناشئ عن "شيء مرئي". هذا التأثير إنَّما يحمله وينقله حامل، أو ناقل، هو "جسيم"، يشبه، في مثالنا، "الكرة غير المرئية".
إذا كانت "القوَّة" هي هذا "التأثير المرئي (أو الملموس)" فلا بدَّ من "جسيم غير مرئي" يحملها وينقلها، كمثل "عربة" تحمل وتنقل شيئاً (التأثير) من مكان إلى مكان. وليس "التفاعل Interaction" سوى تبادلٍ لِمَا يسمَّى "الجسيمات الحاملة القوَّة".
وفي المثال الذي أوردنا، يمثِّل "اللاعبون"، الذين يتقاذفون الكرة، "جسيمات المادة"، وتمثِّل هذه الكرة "الجسيم الحامل للقوَّة"، فما ندعوه، عادةً، "القوَّة" إنَّما هو تأثير "الجسيمات الحاملة للقوَّة" في "جسيمات المادة".
وهكذا يتضح أنَّ الأشياء (الأجسام والجسيمات) تتفاعل وتتبادل التأثير عَبْرَ جسيمات مادية متناهية في الصغر، تتحرَّك وتنتقل، من شيء إلى شيء، في الفضاء، أو الفراغ، بين هذه الأشياء.
هذه الأشياء، التي لا يتَّصل بعضها ببعض، إنَّما تتَّخذ "الجسيمات الحاملة للقوَّة" خيوطاً تتَّصل بها وتَتَّحِد، فتتفاعل، ويؤثِّر بعضها في بعض، عَبْرَ هذه الجسيمات.