دراسات الاعوام الاخيرة حول الكون ادت الى ان نرى بوضوح اكبر مدى ضآلة فهمنا في هذا الامر. لم يحدث سابقا على الاطلاق ان نصل الى هذه النتيجة بوضوح كما حصل عند اكتشاف الفلكيين عام 1998 الى ان الكون يتمدد بتسارع متزايد. هذا الاكتشاف احتاج الى تفسير مما ادى الى استنتاج وجود الطاقة المظلمة. هذه الطاقة ضعيفة وسالبة (طاردة) وعلى الاقل خلال الخمسة مليارات سنة الاخيرة دفعت الكون الى التوسع بدرجات متسارعة او كما يقول الامريكان: " Naming is not the same as explaining", وهذا بالضبط مايمكن قوله عن الطاقة المظلمة. الفلكيين الفوا اسم من اجل ان يفسروا هذا التسارع في الكون، ولكن لااحد لديه اقتراح بجوهر الطاقة المظلمة.
صورة
لانكون جائرين اذا قلنا ان الظاقة المظلمة هي اكبر معضلة غير محلولة تقف امام علم فيزياء الفلك اليوم. هذه المشكلة تعتبر جدية الى درجة ان الفيزيائيين اضطروا الى ان يطرقوا طرق جديدة للغاية من اجل ان يتفادوا التعرض لعامل هذه الطاقة الغامضة عندما يكون الامر ممكن، طالما انه من غير الممكن تفسيرها.
احدى اكثر الافكار الفذة للوصول الى علم فيزياء كوني بدون طاقة مظلمة جاءت من مجموعة من الفيزيائيين الكونيين، من بينهم جورج اليس، تشارليز هيلابي، وناظم مصطفى. (George Ellis, Charles Hellaby, Nazeem Mustapha). جميعهم من جامعة كاب تاون في جنوب افريقيا. فكرتهم يتابعها العديد من الباحثين في مختلف انحاء العالم. من اجل تفادي الطاقة المظلمة كان لابد من التخلي عن مبدأ عام رئيسي يقول اننا لانملك مكانا مميزا وخاص في الكون. هذه الفكرة تسمى " مبدأ كوبيرنيك". (den kopernikanska principen). - المبدأ جرى تسميته على شرف الفلكي كوبيرني**** والذي عام 1543 قام بقطع الروابط مع طريقة التفكير الاغريقية القديمة والتي تقول ان الارض مركز الكون. كوبيرني**** جعل الشمس في المركز وحول الارض الى كوكب عادي لايملك افضلية كونية. منذ ذلك الوقت وعلى مدى 400 عام كان هذا المبدأ بدون ادنى شك اساسي في علم الفلك، اي انه لايوجد شئ خاص في تموضع الارض الكوني.
في النظرية الجديدة يجري تفسير التسارع المتزايد للكون ليس من خلال افتراض طاقة مظلمة وانما من خلال افتراض ان الارض موجودة في مكان مميز وبالذات في منطقة محلية كونية هائلة من الفراغ المحلي، حيث كثافة وجود المجرات منخفض بشكل غير طبيعي بالمقارنة ببقية مناطق الكون. هذا الامر يعطينا موضع خاص يتعارض مع مبدأ كوبيرنيك.
نحن نعلم اليوم ان هناك مناطق من الفراغ موجودة فعلا في الكون حيث توجد مجرات ومجاميع مجرية قليلة نسبياً. ولكن ذلك سيعني ان للارض موقع خاص إذ ان ذلك يقول اننا لسنا فقط في منطقة فارغة وانما ايضا قريبين للغاية من مركزها. هذا التفسير مرتبط مع الاكتشاف الذي جرى عام 1998 من ان الكون يتوسع بتسارع. هذا الامر حدث من خلال مراقبة سوبرنوفات من نوع خاص، حيث يملكون على الدوام موجة ضوئية ثابتة القوة على الاطلاق.
صورة
حسب معلوماتنا، فإن السوبرنوفات تضئ بقوة واحدة عند الانفجار ، تماما كما ان جميع اللمبات من قوة 100 وات يصدر عنها قوة الاضاءة ذاتها. هذا الامر يجعلنا قادرين استغلاله من اجل تحديد المسافة من الارض الى السوبرنوفا من خلال قياس قوة الضوء الواصل الينا، بنفس الطريقة التي نستطيع فيها تحديد المسافة الى اللمبة ذات المئة وات من خلال قياس مقدار الضوء الذي يصل الينا منها. ولكن يمكننا ايضا اجراء قياس اخر: ملاحظة الانحراف الضوئي للطيف الاحمر القادم من السوبرنوفا. الانحراف الضوئي للطيف الاحمر هو تعبير لمقدار " نمو" الكون منذ لحظة انفجار السوبرنوفا والى حين وصول الطيف الينا. مثلا إذا تمكن المراقب من ملاحظة ان جميع اطوال الموجات الضوئية القادمة من السوبرنوفا اصبحت خمسة مرات اكبر في طريقها الينا يعني ذلك ان الانفجار حدث عندما كان حجم الكون خمس ماهو عليه لحظة وصول الضوء.
صورة
هذا يعني اننا نملك قياسين: مسافة على اساس قوة الضوء وحجم الكون الذي حدث فيه الانفجار. كلا هذين القياسين يقدمان علاقة بين حجم الكون وعمره. إذا جرى تحديد المسافة الى السوبرنوفا بعشرة سنوات ضوئية عندها نعلم ان الانفجار جرى قبل عشرة مليارات سنة. كان الباحثين في السابق يعلمون ان الكون يتوسع بعد الانفجار العظيم، ولكن كان الاعتقاد انه يتوسع بسرعة متناقصة بسبب الكبح الناتج عن قوى الجاذبية بين المجرات. لهذا الامر كان اكتشاف التوسع المتسارع امر مفاجئ، شكل تفسيره تحديا هائلا.
من خلال اجراء القياس لمجموعة من السوبرنوفات من هذا النوع اكتشف العلماء انحراف عن العلاقة المتوقعة. لقد ظهر ان السوبرنوفات من نوع يملك انحراف طيف احمر معين يقع على مسافة ابعد مما كان مفترض. هذا يعني ان الضوء القادم منهم قطع طريقه بفترة اطول وبالتالي فالكون ( في علاقته مع هذه السوبرنوفا) اخذ وقتا اطول من المتوقع لينمو الى حجمه الحالي. لهذا السبب لابد ان الكون كان ينمو ببطء اكثر في السابق عما هو الحال عليه اليوم. من اجل تفسير هذا التسارع في توسع الكون كان لابد للباحثين ان يعثروا على هذه القوة التي تجبر الكون على التباعد وهي القوة التي اطلقوا عليها تعبير الطاقة المظلمة واعتبروها طاقة لها تأثيرها فقط على المسافات الهائلة ومع تزايد توسع الكون تتزايد نسبة الطاقة المظلمة من النسبة العامة للكون بمقدار نسبة التوسع، ولكن التغييرات في الابعاد يمكن تفسيرها من خلال النظرية الجديدة التي تقول اننا موجودين في منطقة محلية فارغة مع كثافة مجرية قليلة بشكل استثنائي.
توسع الكون سيجري على الدوام كبحه من خلال قوة العلاقة بين المجرات. بمعنى ان وجود كثافة مجرية عالية سيؤدي الى وجود قوة كبح عالية، وعلى العكس ستؤدي الكثافة المنخفضة الى وجود قوة كبح منخفضة. دعنا نفترض اننا موجودين بالضبط في مركز منطقة فارغة مجريا (نسبيا) ومن هذه المنطقة نقوم بملاحظة انفجار لسوبرنوفا بعيدة واقعة في منطقة ذات كثافة مجرية اعلى. عندما نستقبل الضوء القادم من السوبرنوفا سيحتوي على انحراف للطيف الاحمر اقل من المتوقع انطلاقا من التوسع الذي نقيسه في منطقتنا التي نقوم بالقياس فيها. حسب الافتراض فإن الضوء قادم من منطقة عالية الكثافة المجرية وبالتالي فهي تتوسع ببطء اكبر بكثير من منطقتنا المحلية. هذا يعني ان الضوء القادم من السوبرنوفا يجب ان يكون قد قطع وقتا طويلا في الطريق قبل ان يتمكن الكون من التوسع بالقدر الذي جعل الانحراف في الطيف الاحمر كبير.
بمعنى اخر: في القسم الاول من رحلة الطيف الضوئي من السوبرنوفا (منطقة المجرات الكثيفة) في طريقه الينا يزداد إنحرافه الضوئي ببطء بالمقارنة مع القسم الثاني من الرحلة (المنطقة الخالية من المجرات نسبيا) وحيث الضوء يتحرك في منطقة تتوسع بسرعة (وبالتالي يزداد طول الطريق). وبالعكس يمكن القول انه من اجل الوصول الى انحراف طيفي محدد يجب ان يضاف مسافة اضافية الى الطريق الذي سيقطعه الضوء ليصبح اكبر مما هو متوقع انطلاقا من حساباتنا المبنية على معطيات توسع منطقتنا المحلية الخالية من المجرات. هذا يعادل بالضبط التأثير الذي لاحظناه والذي الان يمكن تفسيره من خلال " القول " اننا نعيش في منطقة كونية خاصة بشكل استثنائي
غير ان السؤال التالي سيكون: ماهو مقدار احتمال ان نكون في منطقة خالية بشكل استثنائي؟ على مدى عدة سنوات نعلم بوجود مناطق صغيرة فارغة وتملك كثافة قليلة من المجرات ولكن، وبشكل عام، يعتبر الفلكيين ان الكون متجانس التوزيع. منذ فترة قصيرة تغيرت هذه النظرة الى حد ما، إذ ان الفلكيين اكتشفوا اكبر منطقة فارغة تمتد على مسافة مليار سنة ضوئية. غير ان النظرية التي نتكلم عنها تحتاج الى منطقة فارغة اكبر من ذلك.
في عالم الفلك النظري تجري مناقشات عن مدى امكانية إمتلاك الكون لرقعة فارغة تمتد على بضعة مليارات من السنوات الضوئية. الحسابات تشير الى ان مثل هذا الاحتمال هو واحد مرفوع الى قوة مئة. ضد هذه الحسابات يمكن القول ان الحساب الوحيد الذي جرى اجراءه فيما يتعلق الطاقة المظلمة يعطي قيمة للقوة الطاردة تصل الى عشرة قوة 120 اكبر من القوة التي نلاحظها، مما يعني انه حتى اتباع الطاقة المظلمة يملكون مشاكل رياضية.
عدا عن ذلك، فإن نظرية " المنطقة الفارغة" تملك زاوية اخرى. من حيث ان المنطقة الفارغة تتوسع اسرع من المناطق الكثيفة ، فإنها ومع الزمن ستصبح اكبر اكبر رقعة في الكون الامر الذي يزيد احتمالات ان نكون في منطقة من هذا النوع تحديدا، حسب تحليلات بعض الفيزيائيين النظريين.
لااحد ينكر الفرق بين الحسابات والمعطيات النظرية وبين الملاحظات العملية. إذا كان لابد من اخذ نظرية منطقة الفراغ بجدية لابد من العثور على ملاحظات عملية تدعمها وتؤكد اننا نعيش في منطقة استثنائية. هذا الامر غير سهل، ولكن النظرية تملك العديد من الطرق لدعم تقديراتها. احدى اهم الطرق مبنية على تحليل الاشعة الخلفية الكونية، والقادمة الينا من مختلف الاتجاهات. إذا كنا نعيش في منطقة خالية، فيسظهر بصمة ذلك في الاشعة، بحيث ان الصورة لن تكون متماثلة تماما من جميع الجهات. هذا تماما ماجرى ملاحظته، غير ان المشكلة ان البصمة يمكن تفسيرها ايضا بأن مجرتنا تتحرك بالنسبة الى الاشعة الخلفية.
صورة
الطريقة الاخرى والجديدة للغاية هي محاولة ملاحظة الاشعة الخلفية للكون من الخارج. يمكن القول ان المجموعات المجرية البعيدة تقوم بعكس الاشعة الكونية الخلفية في إتجاهنا وهذه الاشعة المع****ة ترينا كيف يجري رؤية الاشعة الخلفية للكون من مناطق اخرى في الكون، بعيدة عنا مليارات السنوات الضوئية. حتى اليوم لم تتمكن هذه الطريقة من تقديم نتائج تدعم النظرية الجديدة.
صورة
على ارضية هذا الواقع تبقى النقاشات مفتوحة. لهذا السبب ليس من المستحيل ان يظهر في النهاية ان مكونات كلا النظريتين لاتكفيان للتمسك بهما. من المحتمل ان يكون الخطأ في قواعد الانطلاق الاساسية لتحليل المعطيات القياسية لكوننا انطلقنا من قاعدة نظرية اينشتاين " نظرية النسبية العامة". في هذه النظرية تكون المعادلة من الصعوبة بحيث نضطر الى استخدام مجموعة من التعديلات والتبسيطات. لهذا السبب فإن الحسابات التي تجري على هذه القاعدة يجب الحذر منها، إذ يمكن ان ينتج عنها ارقام تؤدي الى سوء فهم، وهو امر نعلمه من المثال النموذجي لحشرة Bombus( حشرة تشبه النحلة ولكنها اكبر منها وجناحيها صغيرين بالنسبة لجسمها) التي، وحسب الحسابات النظرية، لن يمكن ان تطير. وحتى في هذه الحسابات تمت النتائج بناء على المعادلات الحسابية التي لم يكن بالامكان حلها بدقة وفقط البامبوس وحدها كانت قادرة على البرهنة على سوء المعطيات.
ترجم عن مجلة
Illustrerad Vetenskap 1/2010 s.70-73