abdo ثـــــــــــــــائر
الجنس : عدد المساهمات : 68 معدل التفوق : 176 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 28/01/2012
| | الإصلاح الحقيقي لنمط التفكير انطلاقا من منظور إيمانويل كانط تقديم ومناقشة | |
الإصلاح الحقيقي لنمط التفكير
انطلاقا من منظور إيمانويل كانط
تقديم ومناقشة محمد القريشي يقتضي أمر تقديم ومناقشة مطلب: الإصلاح الحقيقي لنمط التفكير كما يؤطره إيمانويل كانط، طرح التساؤلات التالية:- ما هو السياق الخاص الذي يقدم فيه كانط مطلب الإصلاح الحقيقي لنمط التفكير؟- إلى أي حد يبقى هذا المطلب بالنسبة للواقع الراهن لعدد من البيئات والمجتمعات أمرا ملحا؟- وبالتالي ما واقع ووضعية الجهات المتوقع منها القيام بما يخدم الإصلاح المذكور لنمط التفكير؟وعليه فإن هذه المداخلة تحاول مقاربة هذه التساؤلات عبر معالجة العناصر التالية:1 ـ السياق الخاص لدعوة إيمانويل كانط للإصلاح الحقيقي لنمط التفكير.2 ـ مقاربة لعدد من الأنماط التفكيرية السائدة بعدد من البيئات والأقطار.3 ـ إبراز الدواعي الراهنة للإصلاح الحقيقي لنمط التفكير في علاقته مع الواقع الراهن للجهات المعنية بإصلاحه.4 ـ استنتاج عام.وفيما يلي تحليل هذه العناصر:1 ـ السياق الخاص لدعوة إيمانويل كانط للإصلاح الحقيقي لنمط التفكير:تندرج دعوة كانط للإصلاح الحقيقي لنمط التفكير ضمن سياق خاص ويتعلق الأمر بجوابه عن سؤال: ما هو التنوير؟ وتحديدا عبر تعريفه لمفهوم التنوير فتشخيصه لمسببات القصور وكذا الإمكانيات والآفاق التي يطرحها لتحقيق فعل التنوير، وبالتالي تجاوز القصور المشار إليه.فالتنورير حسب تأطير كانط هو خروج الإنسان من القصور[1]، ويصنف مسبباته إلى عوامل ذاتية أساسية، وإلى عوائق عامة، يوضحها الجدول التالي | معيقات ذاتية عائدة إلى الإنسان نفسه | * نشاط الأوصياء المستديم في الإبقاء على غفلة القاصرين.
* تقنين الأوصياء لعتبة تفكير وتحرك الراغبين في الإبقاء على قصورهم.
* النظم والقوانين المؤثرة سلبا على استعمال المواهب الطبيعية.
* غياب المناخ المسعف على التفكير المستنير والمفضي إلى التحرر من القصور والوصاية.
| *ا لعجز عن استخدام الإنسان لفهمه الخاص
* قبوله لوصاية الغير.
* استسلامه للجبن والكسل.
* عدم تنبيه لخيار "الخطورة نحو الرشد".
* رعايته لقصوره لدرجة تحوله إلى عادة وحالة دائمة.
والنتيجة: التطبع الدائم على الوصاية والقصور.
| وعلى مستوى الآفاق والإمكانيات التي يطرحها "كانط" لمغالبة العوائق المذكورة فإنه يصنف المعنيين إلى فئتين:*فئة أقلية تجاهد موفقة لانتزاع نفسها من القصور حتى ولو لم تتحقق شروطه العامة.*وفئة عامة الناس وهذه يستلزم تحررها وانعتاقها من القصور والوصاية، الأخذ بحرية استعمال العقل العمومي، وهو "الاستعمال الذي يقوم به شخص ما بصفته رجل فكر أمام جمهور يتكون من عالم القراء بأكمله"[2] وبهذه الآلية، وبواسطة الأسلوب المتأني يتسنى لعامة الناس المساهمة في التنوير المفضي إلى الإصلاح الحقيقي لنمط التفكير.وانطلاقا من هذا التقديم لمفهوم التنوير، ولأسباب القصور، وآفاق التحرير والانعتاق من الوصاية كما يؤطرها كانط يتجلى السياق الخاص الذي يطرح فيه كانط مسألة الإصلاح الحقيقي لنمط التفكير كثمرة لتحرر الفئة المستنيرة، ولفئة عامة الناس المسلحة بأسلوب حرية استعمال العقل العمومي كخيار مفض للتنوير.وهذا الإصلاح الحقيقي لنمط التفكير وفق ما تم تقديمه يعتبر في نظرنا قيمة حداثية ومطلبا تقتضيه الوضعية الراهنة لعدد من المجتمعات والبيئات المعاصرة كما سيتضح ذلك من خلال معالجة العناصر الموالية:2 ـ الأنماط التفكيرية بعدد من البيئات والمؤسسات:تبعا لوضعية عدد من المجتمعات الثقافية والمسلكية، ولواقعها على مستوى الجهل والتخلف، وكذا نسبة الوعي السائد بين أفرادها، ونوعية العقليات المهيمنة، والممارسات التفكيرية الشائعة، فإنه يمكن تصنيف أنماط التفكير إلى عدة أصناف ووفق الجدول التالي: | | يتفشى حيث يسود الجهل والأمية معتمدا على تفسير الخرافة تفسيرا سطحيا وساذجا، وهو تفكير دوغمائي تلقيني مغيب لقيمة الاستقراء والمساءلة الناقدة، النافذة إلى الجوهر والعمق، ويعبر عن هذه الوضعية جراتان هارتلي كما يلي: ".. إن المعرفة التامة بالأساطير كانت تقتصر على الطائفة المثقفة.. أما سواد الشعب فكان يفهمها فهما ساذجا، كان يفهمها على صورتها الرمزية الظاهرة كما كان يرويها الراوية في المواسم الشعبية الكبرى"[3].
|
التفكير الخرافي
| وهو يسود حيث لا تتوفر نظرية فكرية وفلسفية متكاملة، مثلما هو الشأن بالنسبة لـ: محو الأمية الذي قد يحصر في المفهوم الكلاسيكي: أي معرفة القراءة والكتابة والمبادئ الأولية في التربية الأساسية، في حين أن التفكير المؤطر بفلسفة فكرية متكاملة لا يقر هذا التوجه وهذا النمط لكونه يعتبر "محو الأمية" عملية فهم ناقد لموقف الناس في العالم، ووسيلة لتحرير الشخص، وميكانيزم الانتقال من الوعي البدائي إلى الوعي الناقد، ورحلة من الانتقال من ثقافة الصمت إلى المشاركة الناقدة، وإلى الانتعاق من وصاية تبعات الجهل، إنها القدرة على التصرف في العالم كإنسان حر، هكذا يرى رينيه ماهو أنه: "إذا كان تعلم القراءة والكتابة يفتح الأبواب فإن المهم هو ما وراء هذه الأبواب"[4]، وكذا ماجدر حينما الذي يؤكد بأن: "موقف الأمي لا يتغير بالضرورة إذا هو تعلم القراءة والكتابة ولن يتغير موقفه بمحاولات لملء وعيه الفارغ… في ثقافة من الصمت"[5].
|
التفكير المبني على الحل الوسط
| ويعتمد على خليط من الاتجاهات في غياب تمثل عميق وفاحص وناقد للمرجعيات والخلفيات المؤطرة لتلك الاتجاهات: ومن الأمثلة الدالة على هذا النوع: طريقة التعامل مع بيداغوجية الأهداف.
|
التفكير الترقيعي
| ومن تصريفاته أنه ينتشر حيث يفرض بصورة أو أخرى ترهيبا أو إثابة تفكير الأقلية على الأغلبية حيث تكرس الوصاية، ويجعل من الآخر آلية مطواعة ومنفذة، يقول محمد الهادي عفيفي عن هذا النمط من التفكير: "..وقد يتمثل هذا التفكير داخل الأسرة حيث يستبد رب الأسرة باتخاذ القرارات وفرضها على أعضاء أسرته، وقد يتمثل في المدرسة في جانب مديرها نحو المدرسين والتلاميذ، ومن جانب المدرسين نحو التلاميذ، بل إنه قد يتمثل في العلاقات الدولية حيث تستبد الدولة القوية الكبيرة بالدول الصغيرة أو الضعيفة"[6].
|
التفكير المبني على السلطة
| ويتميز هذا التفكير عن غيره من الأنماط التفكيرية بعدم قبوله للحقائق المطلقة، فلا يتم تبني الفكرة إلا حينما تتم مساءلتها، ويتم الاقتناع بوجاهتها وسلامتها.
| التفكير الفلسفي
| 3 ـ الدواعي الراهنة للإصلاح الحقيقي لنمط التفكير:يمكن إبراز هذه الدواعي والموجبات عبر تشخيص لوضعية المسار التعليمي عالميا وعربيا في علاقته مع وضعية عدد من العلماء، وعبر وضعية ممارسة التفكير داخل المدرسة والأسرة.1.3-وضعية توجه المعرفة والتعليم وعمل وضعية عدد من العلماء عالميا وعربيا:يلاحظ عدد من المهتمين بأنه موازاة مع التقدم المعرفي والتحسن الملموس كونيا في توفير فرص التعليم في الإنجازات العلمية والتكنولوجية، فإنه مع ذلك تتراكم العديد من الأزمات والمشاكل المزمنة مثل التلوث البيئي والصحي، وتدهور الحس الأخلاقي، وتفاقم المشاكل الحربية، والعدوان المدني، ويعبر عبد العزيز القوصي على هذه الوضعية بقوله: ".. يقال كذلك أن أكثر من 90% من العلماء والمخترعين الذين ظهروا في تاريخ العالم موجودون الآن معنا، ولكن يقال أيضا ومع الأسف الشديد أن نصف علماء العالم الحاليين يعملون في شؤون التسلح، وأن عدد هؤلاء يبلغ نصف المليون، وهذا مؤشر من مؤشرات تفجر المعرفة، غير أن استخدامها في شؤون التسلح نذير غير طيب"[7].ويلاحظ كذلك بأن العديد من الدول العربية لا زالت لم تحقق إنجاز محو الأمية بالنسبة لجميع السكان وهو ما يمكن أن يخلق فرصا كبيرة لتفشي أنماط متنوعة من التفكير لا ترقى بطبيعة الحال إلى التفكير المستنير، وموازاة مع وضعيتها هذه فإنها تخصص ما يقارب ميزانية التربية لشؤون التسلح وحتى تلك التي تكون بمنأى عن الأخطار الحربية.وبالنسبة للعلماء فإن عددا منهم إما يهاجرون في إطار هجرة الأدمغة، أو ينسحبون من واقع لا يحققون فيه ذواتهم ولا نمط تفكيرهم، وذلك تبعا لما يعبر عنه كل من: عبد الله بويطانة بقوله: ".. ووفقا لدراسة أخرى قام بها أنطوان زحلان تم تقدير عدد المثقفين العرب الذين هاجروا إلى بلدان أخرى منذ 1950 بحوالي 100 ألف، ويمثل هذا العدد 1/6 المتخرجين العرب، وحوالي 1/3 العرب الذين يحملون درجة الماجستير والدكتوراه في ميادين العلوم الطبيعية والطب والفلسفة"[8]. ومحمد زياد حمدان بقوله: ".. والبعض الثالث المؤهل يشعر بحركته أو قدرته على العمل مشلولة نظرا لأن المناخ العام ينظر لمن يعمل ويخلص كجسم غريب أو مستهجن، فيستثنى جانبا من التعاملات اليومية العادية أو يشار إليه بهزء في كل مناسبة، ولذا ترى هؤلاء الأكفاء المجمدين جالسين في مكاتبهم صابرين يتحرقون نفسيا من الداخل حرصا على لقمة العيش حينا، أو عدم توفر بدائل عملية ذات قيمة أحيانا أخرى، أو تحسبا أو تفاؤلا منهم بتغيير الظروف الإدارية للأفضل مستقبلا حينا ثالثة"[9]. 2.3-وضعية التفكير بالمؤسسة التعليمية وبعدد من الأسر:وعلى مستوى واقع التفكير بالمؤسسة التعليمية فإنه يلاحظ –في مجموعة من الأحوال- وجود عدد من المعيقات تحول وتبني تفكير مسعف لإنماء القدرات التفكيرية الحقة ومن ذلك:* افتقار المدرس إلى الأمن الاجتماعي والنفسي والمادي* إكراهات إنجاز المقرر وفق أمد محدد، وسيادة تهيئ وإعداد التلاميذ في الاختبارات وفق مواصفات غالبا ما تركز على استدعاء المعارف.* تأثيرات التربية السابقة الموجهة لأسلوب عدد من المدرسين، والتي تؤثر على درجة اعتناقهم لأسلوب تعليمي يعطي لقيمة التفكير منزلتها ومكانتها.* نقص في الإمكانيات المعينة للقيام بتعليم يعتمد على إنماء القدرات التفكيرية.وبالنسبة للأسر فإن العديد منها يعيش تحت وطأة تحقيق القوت اليومي لأفراد الأسرة، وهو ما يجعله مشدودا وبقوة لذلك الهدف دون غيره من خدمة قضايا تعليمية وبالأحرى تفكيرية.وختاما فقد كان هذا تحليلا ومناقشة لمطلب الإصلاح الحقيقي لنمط التفكير بدءا بذكر سياقه، مرورا ببسط بعض الأنماط التفكيرية، وختما بمناقشة دواعي وموجبات الإصلاح الحقيقي لوضعية التفكير الراهن.4 ـ استنتاج عام:ويتجلى مما تم بسطه وتحليله أن الوضعية الراهنة للتفكير تستدعي إشعاعا تنويريا إحلالا لقيمة التفكير المنزلة التي تستحقها باعتبارها طاقة إنسانية جديرة بالرعاية الحقة. | |
|