التأثير السرياني على أسلوب القرآن
للمحترم ألفونسو منكانا (دكتوراه في اللاهوت).
(مستشرق من أصل مشرقي سرياني شرقي"آشوري".المترجم)
لقد حل الوقت بالتأكيد لتطبيق النقد على القرآن بالطريقة ذاتها التي تنتقد فيها النصوص العبرانية والآرامية للكتاب المقدس اليهودي وعلى يونانية النصوص المقدسة اليونانية.و إن غضضنا النظر عن وجود تلميحاتٍ مقارِنةٍ أحيانا من قبل القليل من الباحثين المعروفين, فإن العمل النقدي الشامل الوحيد في هذا الموضوع ما زال هو ذلك الذي لنولدكةNöldeke (مستشرق شهير. المترجم) والمطبوع في عام 1860. ومن الجدير بالذكر أنه في النسخة الجديدة من عمل نولدكة الكلاسيكي والتي قام بصياغتها شوالي و بيركستراسرSchwally and Bergsträsser - والتي تحتوي على أشارات مفيدة إلى عدد مذهل من الكتب والمخطوطات المطبوعة العربية- فإن هذان المنقحان لم يجدا من المناسب أن يكررا التلميحات النقدية والمقارنة للنص المقدّس نفسه. من الممكن أيضا تجميع معلومات مهمة أيضا من دراسة كلاسيكية أخرى لنولدكة : Neue Beiträge.
قد كتبت دراسة حديثة جدا عن القصص التاريخية في القرآن مؤخرا من قبل جاي هوروفيتزJ. Horovitz (1) . وقد احتوى الفصل الخاص بالأسماء الأعلام ( الصفحات: 85-155) على الكثير من المعلومات المستقاة من الكتب وحسب, ولكن في اعتقادي انه اعتمد كثيرا في بعض المواضع على التقليد أسلامي و على ما يسمّى بالشعر الجاهلي وشعر المخضرمين. مهملا النقوش العربية الجنوبية و النقوش الأخرى. و أنا أعتقد أنه ليس لدينا نموذج موحد نستطيع أن نعطيه ببساطة صفة الشعر الجاهلي, كما أضم صوتي إلى صوت ماركوليوث Margoliouth (2) في أن الشعر الجاهلي بكل نسخه مهزوز و غير مستقر, وأن القرآن هو أول كتاب عربي بصدق نمتلكه اليوم. ومن المناسب هنا أن أكرر ما كتبته عن هذا الموضوع في عام 1920(3) :
" إن من غير الممكن من موقعنا اليوم أن نعرف كيف كان شكل الشعر العربي قبل القرن السابع. و المؤلفات الشعرية العديدة المعروفة باسم" الشعر العربي المبكّر" و الممثلة بصورة رئيسية بالمفضّليّات و المعلّقات والحماسة والجمهرة تمتاز بكونها محاطة بضباب ما قبل التأريخ والأسطورية, و نحن نستطيع أن نؤكد ونحن في وضعنا المعرفي الحالي أنه وحتى تتسلط أضواء أكبر فإنه من الصعب أن تكون (الأشعار الجاهلية) موضع دراسة مثمرة".
بما أننا نعتقد أن القرآن كان الكتاب العربي الأول (4), فمن الضروري أن يكون مؤلفه قد أضطر إلى مواجهة صعوبات جمّة. لقد اضطر إلى تبني كلمات و تعابير جديدة لأفكار جديدة, وذلك في لغة لم تضبط بعد بأي قواعد أو نحو معجمي. وقد منعته احتمالية عدم فهم ما يعنيه من أن يصوغ العديد من الكلمات الجديدة. وكانت أفضل وسيلة لإيصال أفكاره الجديدة هي استخدام كلمات مفهومة من قبل سامعيه و موجودة في لغة قريبة للغته والتي قد أصبحت لغةً كنسية ودينية لقرون قبل ولادته و قد انتشر أتباعها في محيطه و في كل اتجاه في مجتمعات منظمة جدا وهي الأبرشيّات (منطقة جغرافية يديرها دينيا اسقف او مطران. المترجم) والأديرة. وهذا سبب كون أسلوب القرآن مختلف عن أسلوب أي كتاب عربي كلاسيكي آخر.
و بهذا الخصوص كان لمؤلف القرآن الكثير من المصداقية والاصالة, و كانت الصعوبات اللغوية التي وجاهها أكثر إشكالا من تلك التي واجهها بولس و المبشّرون المسيحي الأول و الذين اضطروا للتعبير عن أفكارهم الجديدة بلغة هوميروس . تسند لغة هوميروس أدبيات جيدة, وهذه ميزة لم يمتلكها القرآن. كما أن الكتّاب المسيحيين الأوائل قد تركوا في دراساتهم مميزات في الأسلوب تدل بوضوح على بلدهم الأصلي, والذي لم يكن أثينا القديمة بل فلسطين الهلنسيّة (ذات الثقافة اليونانية) السورية, كذلك أظهر مؤلف القرآن غرائبيات في الأسلوب تطبع عمله بشكل يجعله مختلفا عن اللغة العربية الكلاسيكية المعروفة لدينا من القرن الثامن صعودا, وهو شكل لغة مكتوبة ,تحت تأثير أدبيات أقدم و أكثر تثبيتا. هذه الأدبيات الأقدم و الأكثر تـثبيتا هي, في حكمنا, بلا شك سريانية (اللغة الشائعة في العراق والشام قبل الاسلام ولغة الكنائس الشرقية هناك. المترجم) أكثر من أي شيء آخر.
من بين الباحثين المعاصرين الذين تعاملوا مع مسألة الكلمات الأعجمية الموجودة في القرآن يجدر بنا ذكر فرانكل Fraenkel وكتابه De Vocabulis in ant. Arab. carm. et in Corano peregrinis, 1880 و دفوراك Dvorak وكتابه Ueber die Fremdwörter im Koran من مطبوعات أكاديمية فيينا . وإن لم اشر بكثرة إلى هذان الباحثان فهذا ببساطة لأنني أكره تكرار الهوامش بلا داعي, ولكن يجب أن أذكر أنني لا اعتبر كل استنتاجاتهم غير قابلة للدحض بصورة دائمة , وخصوصا في ما يتعلق بالمؤلف الثاني . معلومات مفيدة أخرى يمكن تحصيلها من هنا أو هناك من مؤلف أي صديقي A. Siddiki وهو Studien über die Persischen Fremdwörter im Klass. Arabisch, 1919 .
في ما يخص الكتّاب المسلمين, فإن عدد من تعامل منهم مع موضوع الكلمات القرآنية المتفرقة ذات الأصل الأعجمي ليس بالقليل, وليس هنالك حاجة لذكرهم بالاسم. ومن بين الذين حاولوا جمع مثل هذه الكلمات بأسلوب منظم نوعا ما سنشير إلى تاج الدين السبكي وأبي الفضل ابن حجر. إلا أن ناقد الديانة الإسلامية الأفضل-جلال الدين السيوطي, والذي خصص فصلا خاصا للموضوع في كتابه الشهير الإتقان في علوم القرآن(5) قد طغى بشهرته عليهما., وقد كتب في الموضوع رسالة قصيرة ودقيقة بعنوان "متوكّلي"(6). ويجب أن نشير إلى أن المعرفة الضيقة التي يمتلكها الكتّاب المسلمون باللغات الساميّة الأخرى غير العربية قد أدت إلى أن تكون استنتاجاتهم غير معتمد عليها بشدة و مضللة. ويجب على الناقد أن يتخذ جانب الحذر في تعامله مع مؤلفاتهم, والتي هي على الأفضل جيدة فقط كمقدمة تاريخية للموضوع الذي هو تحت الفحص.
أنا على اقتناع من أن دراسة متعمقة في نص القرآن بشكل مستقل عن المعلّقين المسلمين سوف تثمر عن حصاد وافر و معلومات جديدة. المتطلب الوحيد المطلوب هو أن يكون الناقد متسلحا بقدر كبير من المعرفة بالسريانية والعبرانية والأثيوبية. مع ذلك, وفي رأيي أن السريانية هي أكثر فائدة بكثير من العبرانية أو الأثيوبية وذلك لأن السريانية, على ما يبدو, لها تأثير أكبر على أسلوب القرآن . التأثير العبراني الوحيد على النص القرآني والذي استطعت اكتشافه يحمل علامات العبرانية الكتابية والتي هي موجودة مسبقا في البشيطا السريانية (لترجمة سريانية قديمة للكتاب المقدس. المترجم). كما أن من حقنا أن نبالغ في تقصّينا, من خلال الدراسات القرآنية , عن العناصر الكتابية الأسطورية النابعة من التراث الشعبي اليهودي فنلتفت إلى فكرة أن هذه القصص كانت موجودة مسبقا في بعض الكتب الأبوكريفية (أي غير المعترف بقانونيتها من قبل اليهود. المترجم) المنتشرة بين أتباع الكنيسة السريانية في جنوب سوريا وفي الجزيرة العربية. و في هذا الربط نستطيع أن نقول ببعض الثقة انه بأخذنا الرقم مئة كقدر للتأثيرات الأجنبية على أسلوب ومصطلحات القرآن فأن الإثيوبية ستمثل حوالي 5% و العبرانية حوالي 10% , و اللغات اليونانية واللاتينية حوالي 10%, والفارسية حوالي 5% والسريانية حوالي 70%.
في الصفحات التالية سوف نناقش بشكل مختصر قائمة أولية لكلمات تحمل شيئا من التأثيرات السريانية على غرائب اللغة في القرآن. يجب أن يتم فحص القائمة بحرص, وذلك لأنه إن ثبتت نقاط النقاش فإن ذلك سيغير بشكل كبير مقدارا عظيما من الاستنتاجات حول القرآن والتي نبعت بشكل أساسي من المؤلفين المسلمين والذين نبغ أفضلهم بعد مائتي سنة من الأحداث.
يمكن تحديد التأثير السرياني على أسلوب الكلام في القرآن تحت عناوين ستة منفصلة:
أ- أسماء الأعلام
ب- المصطلحات الدينية
ت- الكلمات الشائعة
ث- قواعد الإملاء
ج- تركيب الجمل
ح- الإشارات التاريخية لأحداث خارجية.
لأجل الاختصار وتوفير حيز الكتابة سوف لن نضيف أي تلميحات نقدية إلى كلمات تبدوا جليّة و واضحة حتى بالنسبة إلى العين غير الخبيرة (7) . و نشير إلى أننا سوف نحاول وضع استنتاجات منطقية لما سيجيء في هذه الصفحات في نهاية القائمة الثانية من الكلمات والتي ستنشر في القريب العاجل.
في ما يتعلق بأصول ومصادر الكلمات الشائعة فإنه من الصعب بالتأكيد التحديد و بدقة لا بأس بها إن كانت كلمة عربية معينة مستخدمة في القرآن مشتقة مباشرة من السريانية أو العبرانية أو اللغات الأثيوبية أو غير مشتقة من أي منهم على الإطلاق. هنالك آلاف الكلمات المعجمية الراسخة و التي هي متطابقة في كل الكلمات الساميّة, و لا يمكن لأي مختص ذو مسؤولية أن يدعي أن أي منها مشتق من هذه اللغة السامية أو تلك . و هذا ينطبق بشكل خاص على الألفاظ البدائية مثل:"رأس" و "يد" ,..الخ . مثل هذه الكلمات تنتمي إلى جذر سامي مشترك موجود في كل اللغات الساميّة. بالنسبة للكلمات التي هي ليست بدائية أو مشتركة بين كل اللغات السامية ولكنها موجودة في بعض منها فقط, وغير موجودة في الأخرى, فلقد وجدت أن من الجدير ذكر الاعتبارات التالية:-
أ- بالنسبة لكل الكلمات التي يشك في اقتباسها , سواء أكانت مشتقة أو جامدة, يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار: أولا, النزعة المعجمية والنحوية لهذه اللغة السامية أو تلك وأن نرى ملائمة الكلمة القرآنية في ذلك الموضع, ثانيا, الشكل الأقرب الذي تمثله الكلمات القرآنية بالمقارنة مع الكلمات المقابلة الموجودة في هذه اللغة السامية أو تلك.
ب- بالنسبة لكل الكلمات الجامدة يجب علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار تـاريخ وجغرافيا و طوبوغرافيا الأرض, لهذا الشعب الساميّ أو ذاك, ونختبر درجة تناغم الكلمة القرآنية مع هذه المعايير.
ت- مع الكلمات المشتقة بصورة كاملة يجب علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار أي الشعوب الساميّة قد حصّلت أولا حضارة و لغة مكتوبة, وأي منها كان محتملا لها أن تؤثّر بشكل مباشر على لغة الحجاز في هذا الفرع من فروع الأدب أو ذلك, سواء أكان ذلك التأثير بسبب ظروف موجبة للأمر أو بسبب القرب من الحجاز
للحصول على نظرة عامة على العلاقات المتبادلة التي تربط اللغات الساميّة بعضها ببعض, لا يحتاج العمل التالي توصية خاصة من عندي: كتاب رايت Wright"القواعد الشاملة للغات السامية", كتاب بروكلمان Brockelmannالمعنون Grundriss وكتاب زمرن Zimmern المعنون Verg. Gram. d. Sem. Sprachen والعمل المعروف لنولدكة Nöldeke حول الموضوع.
1- أسماء الأعلام
.
الأسماء الشخصية للشخصيات الكتابية الموجودة في القرآن هي مستخدمة في شكلها السرياني. مثل تلك الأسماء يشمل تلك التي لسليمان وفرعون وإسحق و إسمعيل و إسرئيل و يعقوب و نوحا و زكريّا و مريم. الأسماء الكتابية الأخرى المستخدمة في الأسفار المقدّسة اليهودية تمتلك نفس التهجّي في السريانية والعبرية. الأسماء التالية تحتاج بعض التفسير.
سليمان و فرعون. الاسمان العبرانيان هما שלמה (ش ل م ه) و פרעה (ف ر ع ه)( تقرآن : شلوموه و فِرعه. المترجم )مع حرف هه he العبراني في النهاية , وبالنسبة لسليمان, مع حرفي علة , لذلك فكلمتي سليمان وفرعون العربيتان (مع حرف نون في النهاية) في القرآن لا يمكن أن تكونا قد جاءتا إلا من الشكل السرياني للاسمين ( ش ل ي م و ن ) و (ف ر ع و ن ) الشكل الأثيوبي للاسم الأخير مشكّل بحركة كسر تحت حرف البهpe ). الألف ما قبل الأخيرة في التلفظ الحديث لسليمان هو إضافة متأخرة لكتّاب القرآن. ويجب علينا هنا أن نشير إلى أن الواو ما قبل الأخيرة للاسم السرياني مفقود أيضا في العديد من الكتب القديمة, ويظهر الاسم ك (ش ل م ن ) في المخطوطات المكتوبة قبل عصر محمد. أنظر المخطوطات السريانية في المتحف البريطاني تحت تسلسل Brit. Mus. Syr. MS. Add., 14, 602 ff., 82a and 84b (8). تعود المخطوطة نفسها إلى نهاية القرن السادس أو بداية القرن السابع الميلادي على أبعد تقدير.(الأبجدية العبرية لا تتضمن رموزا تمثل أصوات العلة, لا الطويلة ولا القصيرة. أما السريانية فهي مثل العربية عموما في استخدام حروف العلة للأصوات الطويلة والحركات للأصوات القصيرة. مع ذلك كتبت ما يقابل الحروف السريانية من الأبجدية العربي بغير تحريك كما جاءت في المقال الأصلي. المترجم).
إسحق. هنا نجد أيضا أن كلمه إسحق العربية هي بلا شك مأخوذة من السريانية (ء ي س ح ق)وليس من العبرانية יצחק (ي ص ح ق) أو ישחק (ي ش ح ق)(مع حرف يود العبراني) (9).
إسمعيل وإسرائيل. نفس الملاحظة تنطبق على إسمعيل وإسرائيل. فإسمعيل وإسرائيل القرآنيان ( مع أو بلا همزة) هما (ء ش م ع ي ل)و (ء س ر ي ل ) أو (ء س ر ء ي ل)السريانيان وليس ישמעאל (ي ش م ع ء ل)و ישראל (ي ش ر ء ل). وللحصول على مصادر تبين وجود نقوش عربية تحمل اسم "إسمعيل" , أنظر مؤَلف هوروفيتز Horovitz , Koranische, الصفحة 92 و مؤَلف هارتمان Hartmann المعنون Arabische Frage, الصفحات 182, 252.
يعقوب. إن شكل اسم يعقوب هو إلى حد ما أكثر ميلا للسريانية منه إلى العبرانية (ي ع ق و ب), ولكنه في العبرانية יעקב (ي ع ق ب)بحركة فتح patah عبرانية و بلا حرف علة طويل و حركة فتح سريعة كما في العربية والسريانية, ومن المحتمل بشدة أن هذا يشكل شكلا أكثر حداثة لطريقة التلفّظ بالاسم.
نوح. الكلمة العبرانية כח (نُح) هي بعيدة عن طريقة التلفظ القرآنية نوعا ما, بينما نوح هي نفس (ن و ح)السريانية والأثيوبية بالضبط.
زكريّا. هنا أيضا , زكريا العربية هي (ء ز ك ر ي ا) السريانية مع حرف ألّف السريانيalaph و ليس الشكل العبراني مع حرف هه hé , أو الأثيوبي زاكارياسZakarias (المأخوذ من اللغة اليونانية).
مريم. لاحظ الفرق بين أول صوت علة في الكلمة, مَر(بالفتح) بالعربية والسريانية و مِر(بالكسر) في النص الماسوري. يجب أن يُلاحَظَ أنه طِبقاً لماسورا ("الماسورا" هو النص العبراني المُبَيّن بالحركات وطريقة التلفظ. المترجم) ترجوم أونكيلوس Targum of Onkelos ( (10) على سفر الخروج(15: 20), كان مَريم (بالفتح) أيضا طريقة ترجومية للتلفظ (الترجوم هو الترجمة الآرامية المبكرة لكتب العهد القديم وهنا الترجوم هو لأحد أسفار التوراة. المترجم). في الإثيوبية كلا المقطعين اللفظيين كانا طويلين , ماريام .
ليس هنالك اسم كتابي واحد في كل القرآن يلفظ بطريقة تلفّظ عبرانية. فيما يتعلق بالأسماء: اسمعيل وإسرائيل وإسحق ربما سنشير إلى أن شذوذها عن طريقة التلفّظ العبرانية هو الأكثر إثارة للاهتمام لأن مؤلف القرآن (أو منقّحه) ينحى إلى نزعة معاكسة لمنحى اللغتين العربية والعبرانية وذلك بإتباع طريقة التلفّظ السريانية بدلا عن ذلك. فمن المعروف أن الفعل المضارع المذكر الغائب يبدأ بحرف" يود yodh" العبراني (ياء) في كلا اللغتين العربية والعبرانية وهذه اليود تسبق الأسماء المذكورة أعلاه في العبرانية, و لكان أكثر طبيعية لو كان شكل الاسمين العربي يَسمَعيل أو يَسحَق مع ياء ,على سبيل المثال, من كونه إسمعيل وإسحق بألف والذي هو شكل سرياني استخدم من قبل السريان للتوفيق بين الحفاظ على اكبر قدر من طريقة التلفّظ الأصلية للعبرانيين مع كون الفعل المضارع المذكر الغائب في لغتهم مبدوءا بحرف "نون nun" وليس "يود"(= ياء. المترجم) كما في العربية والعبرانية.
حقيقة مدهشة أخرى ناشئة من كل الكلمات أعلاه هو طريقة تلفّظها. أنا حاليا مشغول بدراسة التأريخ المبكر للمسيحية في شبه الجزيرة العربية كتكملة لبحثاي المعنونان "الانتشار المبكر للمسيحية في آسيا الوسطى "و " الانتشار المبكر للمسيحية في الهند", المنشوران في عامي 1925 و 1926 تباعا. من تلك الدراسة يمكن أن يلاحظ المرء أن معظم المسيحيين الذين من الممكن إيجادهم في أطراف الحجاز وجنوب سوريا كانوا ينتمون إلى المجتمع اليعقوبي (عقيدة مسيحية تقول بطبيعة واحدة للمسيح هي الطبيعة الإلهية وأنه ليس بشرا بأي حال وهي عقيدة الأقباط والأرمن والأحباش وبعض السريان. المترجم) و ليس إلى النسطوري (عقيدة مسيحية تقول بأن اللاهوت حل في يسوع بعد ولادته ولذلك لا تعتبر مريم أما لله وهي عقيدة معظم السريان في العراق والجزيرة إلى وقت قريب. المترجم). وكانت الحال كذلك حتى منتصف القرن التاسع الميلادي عندما أمكن لمثقف مسلم مدافع عن الإسلام أن يكتب :" من يمكن إيجاده بين العرب غير بقية من اليعاقبة والملكيين "(11) ( التيار الرئيسي للمسيحية في العصور القديمة المتمثل بالارثذوكسية والكاثوليكية. المترجم).
ونحن الآن نجد أن التلفظ للأسماء الأعلام العربية المذكورة آنفا هو ذلك الذي للنساطرة وليس الذي لليعاقبة . فالأخيرين يقولون إسموعيل ishmo'il وإسرويل isroil وإسحوق Ishok..إلخ, وليس إسمعيل وإسرائيل وإسحق, كما يظهرون في القرآن.
يبدو أن العالم اليوناني الروماني ممثل باسمين فقط: ذلك الذي للنبي يونان والذي يظهر ك "يونس", وذلك الذي للنبي إيليّا والذي يكتب اسمه"إلياس", ومرةً ك"إل ياسين" لأجل الحصول على القافية (يس: 130), من المحتمل جدا, مع ذلك, أن هذان الاسمان قد حملا من قبل السريان المسيحيين و أنهما قد أخذا مباشرة منهم, والحقيقة أن العديد من رجال اليعاقبة والنساطرة والملكيين والموارنة السريان قد تسموا بأسماء إما يونانية محضة أو أنها ذات نهاية يونانية فقط.عدد مثل هؤلاء الرجال يعد حرفيا بالآلاف. وكمثال على ال"سين" النهائية يمكن أن نشير إلى أن العديد من السريان كانوا يسمون يوحنّاس بدلا من يوحنّا و متيّاس بدلا من متّاى و توماس بدلا من توما..الخ(يونس القرآنية جاءت من اللفظ اليوناني لاسم هذا النبي في العبرانية وهو "يونه" حيث أضيف صوت "س" كعادة اليونانيين فصارت "يوناس" وانتقلت بعد ذلك الى القرآن. نفس الشيء حدث لاسم النبي إيليا العبراني فقد تحول إلى إلياس في القرآن من خلال اللفضة اليونانية. المترجم.)
إن مما يثبت أن وجهة النظر التي بيناها هي وجهة النظر الصحيحة هو حقيقة انه في اللغة السريانية الفلسطينية يكون شكل الاسمين : إلياس Ilyas(12)و يونُس yunus (12), كما هو في القرآن. في الأثيوبية يظهر كلا الاسمين أيضا ك"إلياس ويونُس" , لكن وجود لفظة ذي النون التي يطلقها القرآن على يونان(الأنبياء: 87), يزيد من احتمالية اعتقادنا بأنه أخذ الاسم أيضا من السريان.
بتطبيق الطريقة السريانية في أسماء الأعلام سوف نتمكن من أن نسلط الضوء على بعض الأشكال الغريبة للأسماء المستخدمة في القرآن. يشير القرآن الموجود بين أيدينا إلى يوحنا باستخدام الشكل الغريب يحيى. وأنا اعتقد, بشكل يتفق مع ما يعتقده مارغوليوث Margoliouth (14), أن الاسم هو بكل تأكيد يوحَنّان السرياني. ظهرت الكلمة في القرآن المبكر و غير المنقط ك والتي يمكن قراءتها" يُحَنَّى" أو" يُحَنَّان" أو" يَحيَى" ومن ثم تبنّى القرّاء المسلمون الذين لا يعرفون أي لغة غير العربية الشكل المغلوط "يحيى". وأنا لا يمكن لي إلا أن اختلف مع لزبارسكي Lidzbarski (15)في قوله أن هذا الاسم المثيل للفضول هو اسم عربي قديم.
بالنسبة لكلمة "عيسى" (الاسم الممنوح إلى يسوع في القرآن), فقد كان كما يبدو مستخدما عصر محمد, ولا يبدو من المحتمل أنه قد صيغ من قبله. حَمَل ديرٌ في جنوب سوريا, قرب منطقة الغساسنة العرب, في عام 571 ب.م اسم "عيسانية", بمعنى, " لأتباع يسوع(عيسى)" بما معناه المسيحيين. راجع المخطوطة ضمن قائمة المخطوطات السريانية في المتحف البريطاني تحت تسلسل fol. 84b of the Brit. Mus. Syr. MS. Add., 14, 602 و التي تعود إلى نهاية القرن السادس أو بداية السابع الميلادي على الأبعد(16).. لا نتيجة للبحث وراء طريقة التلفّظ المندائي "أيسو 'Iso " (17) وذلك لكون" العي(ع)" يلفظ في المندائية ببساطة كهمزة. ويذكرنا التلفّظ المندائي نوعا ما باسم "أيسو 'Iso ", والذي مثّل اسم يسوع في الإنجيل المارقيوني (مارقيون هو صاحب عقيدة مسيحية مختلفة مبكرة. المترجم9 المستخدم من قبل السوريين.,(18)
2- المصطلحات الدينية
اشتقت كل المصطلحات الدينية الموجودة في القرآن تقريبا من السريانية. وتحت هذا الصنف سوف نُضمِّن مصطلحات مثل
كاهن: من (ك ه ن ا),(الصور: 29 والحاقة: 42 ).
مسيح: من (م ش ي ح ا),(آل عمران: 45 وما بعدها).
قسّيس: من (ق ش ي ش ا)(19) (المائدة: 82).
دين: من (د ي ن ا), بمعنى الحساب الأخير,(الفاتحة: 4 وما بعدها).
سَفَرة : من (س ف ر ا), بمعنى كَتَبة,(عبس: 15).
مَثَل: من (م ت ل ا), مثل يضرب لغاية تبشيرية(20), مستخدم بكثرة في القرآن.
فرقان: من ( ف و ر ق ن ا), بمعنى تخليص(20), (البقرة: 3, وما بعدها).
طاغوت: من (ط ع ي و ت ا),بمعنى خطأ أو خيانة,( البقرة: 256 وما بعدها).
ربّاني: من (ر ب ن ا),بمعنى مدرك, مختص (دكتور),( المائدة: 44 و 63).
قربان: من (ق و ر ب ن ا),بمعنى أضحية,(المائدة: 27 وما بعدها).
قيامة: من (ق ي م ت ا), مستخدم بكثرة في القرآن.
ملكوت: من (م ل ك و ت ا), بمعنى مملكة السماء,(الأنعام: 75 وما بعدها).
جنّة: من (گ"g"- ن- ت- ا), بمعنى الحديقة و من ثم السماء. مستخدم بكثرة في القرآن.
ملاك: من (م ل ا ك ا), بمعنى وتستخدم بشكل مفرد أو جمعا وبكثرة.
روح القدس: من (ر و ح – ق و د ش ا), (البقرة: 87).
نفس: من (ن ف ش ا), مستخدم بكثرة في القرآن.
وقر: من (ي ق ر), بمعنى تمجيد الله(الفتح:9)
آية: (ء ت ا), بمعنى علامة , جملة. (مستخدم بكثرة في القرآن)
الله: من (ء ل ه ا), (التلفّظ النسطوري القديم كان ألّاها allaha),يبدو أن الكلمة قبل الإسلامية المستخدمة للإشارة إلى المعبود تظهر بالشكل" إله".
صلّى: من (ص ل), ومشنقتها "صلاة" من , بمعنى صلاة.
صام: من (ص م), ومشنقتها " صيام" من .
خطئ: من (ح ط ا), ومشنقتها" خطية" من .
كفر: من (ك ف ر) , بمعنى أنكر الإيمان.
ذَِبْح: من ( د ب ح ا), بمعنى تضحية.(الصافات: 107)ٍ
تجلّى: من ( ء- ت- گ"g"- ل- ي) , بمعنى أظهر نفسه.(الأعراف:143)
سبَّح: من (ش ب ح), بمعنى مجّد الله..
قدّس: من (ق د ش), بمعنى مجّد الله (البقرة: 30)
حَوب: من (ح و ب ا), بمعنى جريمة (النساء: 2)
طوبى: (ط و ب ا), ليتبارك!, حالة بركة ونعمة (الرعد: 29).
يلاحظ اعتماد القران على المصطلحات الدينية السريانية في التعبيرات الفقهية, مثل" نورٌ على نور" في النور: 35 (حيث أتت كلمة نور من (ن و ه ر ا), وفي الاقتباسات والإستلهامات شبه الكتابية , كقصة الجمل وسم الخياط( الأعراف :40), حيث أتت جمل مثل (گ"g"- م- ل-ا)في إنجيل متّى(19: 24), وفكرة تسبب الله في الموت والحياة (النجم: 44) حيث "أمات" و"أحيا" جاءت مثل (ء م ي ت) و (ء ح ي ) (في سفر صموئيل الأول (2: 6)حيث أتت العبرانية بالصيغة الثانية. نفس الشيء ينطبق على الأحداث والحقائق الكتابية مثل "طوفان" (الأعراف: 133 و العنكبوت: 14) من (ط و ف ن ا) . و "صَلب" من (ص ل ب), كما جاء في شأن المسيح (النساء: 157). وفي هذا النوع من التأثيرات سندخل كلمة "منّ" مِن (م ن ا)(21) (البقرة: 57 , الأعراف: 160, طه: 80) , "سلوى" من (س ل و ي) (نفس المواضع), "أسباط" من ( ش ب ط ا). صنف آخر من" التَسَريُن" يوجد في الكلمات السريانية المترجمة حرفيا, وضمن هذه سوف نحسب الكلمة الشائعة "رسول" من (ش ل ي ح ا), و "كلمة" (كلمة الله) من (م ل ت ا).
اعتقد أن القائمة أعلاه, والتي من الممكن إنكار مصادرها السريانية, هي صغير جدا.و يمكن للقائمة أن تزداد بإضافة كلمات أخرى, ولكن المفردات أعلاه كافية لأغراض القائمة الأولى. المصطلحان القرآنيان الوحيدان اللذان يكشفان عن تأثير عبراني هما المصطلحان التقنيان "توراة" و"تابوت"(22) (البقرة: 248, طه: 39). نفس الشيء يمكن أن يقال بشأن الكلمة الآرامية المتأخرة "جَهنُم" , والتي تفتقد لحرف الميم في اللغة السريانية الكلاسيكية. تعتبر كلمة "مثاني" في الحجر: 87 والزمر: 23 غامضة , وارتباطها مع مشناه (المشناه هو التراث الديني الشفهي الذي دونه الربانيون تعليقا على التوراة وغيرها من الأسفار المقدسة وهو جزء من التلمود. المترجم)) ممكن جدا لكنه غير مؤكد. على جانب آخر "حَبر" , مختص, هي سريانية وعبرانية في نفس الوقت, مع تغيير طفيف في المعنى. إن التأثير اليهودي على المفردات الدينية في القرآن تافه حقا.
بالرغم من العلاقات القوية والحميمة بين الحبشة والحجاز, وهي علاقات قويت ( إن نحن صدّقنا ما يقوله المؤرخون المسلمون حول الموضوع) عندما لجأ المسلمون الأولون إلى النجاشي, ملك الحبشة, فقد كان التأثير الديني الإثيوبي الوحيد على أسلوب القرآن هو في استعمال كلمة حواريين," أي رسل المسيحية". من الممكن أن تكون كلمة "صحف" قد استلهمت من الكلمة الأثيوبية المقابلة.
هنا يجب أن تشير أيضا , كما فعلنا في حالة أسماء الأعلام القرآنية, أن التلفّظ بالمصطلحات الدينية السريانية أعلاه, هي تك المستخدمة في أوساط النساطرة وليس اليعاقبة. فالأخيرين يقولون فرقونfurkon وليس فرقان furkan, و قشيش (قسيس) kashish وليس قشّيش kashshish (مع شدّة), الخ.
3-الكلمات العامة
قرآن: من (ق ر ي ن ا), كلمة سريانية تقنية معناها محاضرة في النصوص المقدّسة’ أو قراءة (23)
حسبان: من (ح و ش ب ن ا), بمعنى تعداد (الأنعام: 96, الكهف: 40و الرحمن: 5)
مهيمن: من (م ه ي م ن ا), بمعنى مؤمن(المائدة: 48, الحشر: 23)
نون: من (ن و ن ا), بمعنى سمكة (الأنبياء: 87)
طور: من (ط و ر ا), بمعنى جبل(طه: 80 و أمثلة أخرى)
تبر: من (ت ب ر), بمعنى غَلَب, دَمَّر(الفرقان: 39)
شانئ : من (س ن ء ا), بمعنى كاره (الكوثر: , أيضا المائدة: 2و 8)
برية (في ما يتعلّق ب) الخلق من (ب ر ي ت ا)(البينة: 6,و7)
أقنى: من (ء ق ن ي),بمعنى يسبب, يتملّك.(النجم: 48)
حنان: من (ح ن ن ا), بمعنى لطف. (مريم: 13)
أم القرى (بمعنى حاضرة المطرانية) من (ء م ا ), (الأنعام: 92)
أبّ: من إبّا أو أبّا ibba or abba, فاكهة (عبس: 31).مسك من مُشك mushk (المطففين: 26),(يحتمل أن تكون الكلمة من أصل فارسي, ولكنها انتقلت عبر السريانية). مقاليد, من قِليد kelid , مفتاح(الزمر: 63), (الكلمة من أصل فارسي, إلا أنها انتقلت إلى القرآن من خلال السريانية. الدليل هو حرف القاف). إستبرق, من إستَبَرغ istabarg, حرير مقصّب (الإنسان 21),(الكلمة , كما يبدو, من مصدر مشكوك فيه, ولكنها انتقلت إلى القران عبر السريانية) (24)
العديد من الكلمات أعلاه هي سريانية بحتة وليس هنالك أي كمية من الاستناد المعجمية أو النحوية من الممكن, في حكمنا, أن تنجح في تعريب "نون", و "طور", و"مهيمن". الخ. أتفق مع ما يذهب إليه فراينكل من أن كلمة "أساطير" في هي نفسها الكلمة السريانية (ء ش ت ر ا), بمعنى كتابة,أو وثائق, أي مادة مكتوبة" لأن معنى "خرافات, قصص" الممنوح إلى الكلمة من قبل المفسرين المسلمين هو معنى أعطي عبثا وهذا أسلوب يستعملونه لإعطاء معنى لعبارة لم يستطيعوا فهمها, وهو ليس مستند لا إلى معنى أصلي للجذر ولا إلى مقارنة مع اللغات الساميّة الأخرى(25).
كلمة سريانية أخرى في القرآن هي "الرحمن", من (ر ح م ن ا), و يثبت العمل المكتشف حديثا " كتاب الحميريين"(26) أن الكلمة كانت مستخدمة في اليمن قبل عصر النبي.
الشكل الفلسطيني من السريانية ممثل في القرآن بكلمة "صِدّيق"- (ص د ي ق), بمعنى رجل مستقيم عادل, ومشتقاتها. في اللغة السريانية الكلاسيكية يكون الحرف الأول "زين" ولكنه في العبرانية "صادِه"
يُمثّّل العالم اليوناني الروماني بشكل غير مباشر بالكلمات الثالثة التالية والتي تشير إلى مصطلحات تقنية رسمية للعملة والوزن والقياس: "دينار"(آل عمران: 75) denarius , "درهم" (يوسف: 20) drachm و "قنطار"(آل عمران: 75) Kintar , هذه الكلمات لا أهمية لها, ومن المحتمل جدا أن تكون "دينار" و"قنطار" قد دخلت إلى القرآن من خلال كلمة سريانية وسيطة هي (د ي ن ا ر ا)و (ق ن ط ر ا). هذا ما قد حدث حقيقة لقرطاس(الأنعام: 7, 91)Χάρτης (خَرتوس khartos), والتي يكاد يكون مؤكدا دخولها إلى القران عبر الكلمة السريانية (ق ر ط ي س ا). من الممكن أن يقال نفس الشيء عن قسطاس(الإسراء: 35, الشعراء: 182), ميزان, قياس, مع ذلك, فتهجّي ξέστης (كِستوس kestos) هو اقرب إلى الشكل العربي, مع "سين" نهائية منه إلى اللفظة السريانية المقابلة (ق س ت ا),. من جانب آخر , ماذا عن القاف في أول الكلمة والتي هي سريانية بالتأكيد؟ إن الكلمة مع ذلك تمثّل مصطلحا تقنيّا للوزن كما يستخدم في الشرق الأوسط والأدنى, وقد كتبها مؤلف القرآن كما كانت تلفظ في أيامه من قبل السريان الفلسطينيين, ربما. هل من الممكن أن يقال نفس الشيء بشأن سندس من σάνδυξ (سَندُس sandus) , قماش ذو لون أحمر؟(الكهف: 31...الخ).
نعتقد أن من الممكن جدا أن تكون كلمة إبليس مشتقة من , من خلال التباس بين حرف الدال والألف في أول الكلمة من قبل القرّاء الأولين, أو من قبل مؤلف القرآن. هذا غير مستحيل بصورة مطلقة مع بعض الأشكال القديمة من الحرفين أعلاه. الربط بين الكلمة والفعل" بلس" هو ربط مصطنع, وإن قبل به, فسوف يرمي بنا إلى شكل من التسميات غير عربي بل وغير سامي من الممكن له أن يحير الناقد. الأكثر إدهاشا هي الكلمة المستخدمة بكثرة "جن" , والتي ترتبط بشدة مع الكلمة اللاتينية ,. كلمات مدهشة بشكل مقارب هي "قلم", والتي تذكرنا ب κάλαμος ,(كالاموس kalamos), وكلمة سِجِل (الأنبياء: 104), والتي أخذت بلا شك من σιγιλλιον , (سِجِلُم sigilliom)من خلال الكلمة السريانية (س ي گ ي ل ي و ن) . الكلمات التي تستخدم للتعبير عن الأحجار الكريمة مثل مرجان (الرحمن: 22) و ياقوت (الرحمن: 58), هي أسماء عالمية , وقد تكون مأخوذة إما من السريانية أو من اليونانية , والأغلب أنها أخذت من السريانية.
كمثال للعلاقات المثيرة للفضول والتي كثيرا ما توجد بين اللغات السامية, ربما نلمح إلى أن من الممكن أن يكون ل" سوط" (الفجر: 13)- إن أُخذت بمعنى تدفّق,’ طوفان"- بعض الارتباط بالكلمة الإثيوبية سُوطا. يعطي المفسرون مع ذلك للكلمة معنى " آلة جَلد, جَلدات" من السريانية (النسطورية) سَوطا(27) . ربما بإمكان الكلمة أن تُقارن مع الكلمة السريانية شُبتا (التلفظ النسطوري هو شَوتا), "معدن منصهر".
مثال آخر للنتائج المثيرة للفضول والتي تظهر من المقارنة اللغوية بين اللغات السامية نجده في الجذر "فَتَحَ" (الشعراء: 118, السجدة: 28) والذي يبدوا انه يحتوي معنى تمتلكه الكلمة في اللغة الأثيوبية وهو "تحكيم, حُكم".(28)
كما في حالة المصطلحات الدينية , فإن قائمة الكلمات العربية العامة الممثلة في, أو المشتقة من السريانية من الممكن أن تزداد بالعديد من الكلمات الأخرى.
لا توجد لغة أخرى ممثلة في القرآن. هنا كما في القائمة السابقة, التلفّظ لكل الكلمات السريانية هو نسطوري وليس يعقوبيا.
4- قواعد الإملاء
هنالك كلمات عديدة في القرآن يفضح إملاءها تأثيرا سريانيا. الظواهر التالية في قواعد الإملاء سوف تكون كافية لأغراضنا.
أ- "حيوة", حياة من (ح ي و ت ا), "صلوة" , صلاة من (ص ل و ت ا). الخ.
ب- حذف ألف الإطالة, استجابة لحرف العلة السرياني "زَكَفا", مثال/ "بنت" عوضا عن بنات, وذلك تحت تأثير الكلمة السريانية . كل مثل هذه الكلمات مجموعة بدون ألف في المخطوطات القديمة من القرآن.
ت- إبقاء "الياء" في الأفعال المعتلّة عندما يرافقها ضمائر متصلة, مثل "إجتبيه" (النحل: 121, بمعنى اجتباه (السريانية ( گg""- ب- -ي- -ه- ي)). تكتب الياء عوضا عن الألف في كل المخطوطات القديمة للقرآن في الحالات المذكورة أعلاه, و هذا من غير شك تم تحت تأثير سرياني.
ث- كلنا نعلم أن في أقدم مخطوطات القرآن أخذت نقاط غليظة محل الحركات القصيرة (وأحيانا الطويلة). اعتقد أن تلك النقاط قد اقتبست بلا شك من اﻟﭘُﻬﱠﻤِسpuhhames أو المُكزه mukze السريانية المازورائيّة والتي تقوم بنفس الغرض في الكلمات الصعبة أو الغامضة.
5-تركيب الجُمَل
(أ)
هنالك جملة (في القرآن) يشير فيها استخدام "كلّ" إلى تعبير سرياني شهير وذلك باستخدام ( ك ل), وهو تعبير غريب تماما عن اللغة العربية .
تقول:- " وَكُلاً نَقُصُ عَلَيكَ مِن أنباءِ الرُسُلِ ما نُثَبّتُ بِهِ فُؤادَكَ" , هذه ال"كل" تفضح عن "كل" سريانية تستخدم في الجمل السريانية ذات المعنى والتركيب القرآني. مثال(29) / ( ك- ل-ه گ"g"-ي-ر د-ن-ح-ت ل-ش-ي-و-ل د-ن-ح-ا م-ي-ت-ا) .
لغرض مواجهة صعوبة الآية, قام المفسّرون بالكثير من التنازلات: يقول الطبري (تفسير الطبري, 12., 87) أن البصريين يعتقدون أن كل هي في محل نصب مفعول به لأنها مصدر ل"نَقُصُ",(وهذا مصدر غريب عجيب!), ولكنه يشير إلى رأي يقول أن الكلمة هي "إضافة", و هذا غير دقيق بشكل واضح. نفس الشيء يمكن أن يقال عن رأي الزَمَخشَري (الكشّاف, صفحة 637) في أن كلمة نبأ تُفهمُ بعد "كُل". يؤكد النيسابوري (الغرائب, 12, ص. 90) والبَيضاوي( الأنوار, 1, ص. 582, طبعة بولاق, 1296 للهجرة) نفس الشيء عن الكلمة. إن مما يثبت أن التوجه لاعتبار "كل" إضافةً هو هُراء, هو حقيقة أن أ- لا يوجد مصطلح آخر للإضافة. ب- أن وجود الألف والتنوين بعد "كل" يستبعد وجود أي إضافة تماما.
(ب)
هنالك جملة يستعمل فيها اسم الإشارة بعد الضمير مباشر, كما يتم استعماله في السريانية وليس في العربية. تقول سورة البقرة: 85:- "ثُم أنتُم هؤلاءِ تقتُلونَ أنفُسَكُم". إن استخدام "هؤلاء" فريد جدا ويدل على تأثر ب" هَلَين halain" سريانية. إن استخدامَ أسماء الإشارةِ بدون ضمائر متبوعة بفعل يعززه اسم الإشارة, هو استخدام سرياني وليس عربيا.
ليس لدى الزمخشري (الكشاف ص. 87) سبب مناسب لوجود هذا التركيب الغريب. يتملّص البيضاوي (الأنوار 1, ص. 95) من صعوبة حل المعضلة بإعطاء مثال لاسم إشارة (انتَ ذاكَ), ومن الواضح أن هذا المثال غير متعلّق بالموضوع. يقتبس الطبري (التفسير1, ص. 314) من أبي جعفر, لكي يثبت أنه يُفهَمُ وجود حرف النداء "يا" أو كلمة مثل "قََوم" بعد "أنتم",. ويشير إلى وسائل أخرى غير مفيدة حقيقة (لفهم النص). يعتقد النيسابوري .(.الغرائب 1 ص. 328) أن "أنتم" هي مبتدأ وأن هؤلاء هي "خبر", وذلك بحشر كلمات مثل "بعد ذلك", و يقتبس من أقوال الكوفيين لأجل أثبات أن الضمير قد حل محل الاسم الموصول بشكل لا يفهموه.
(ج)
هنالك جملة جاءت فيها كلمة "شيء" متأثرة ب (م د م) السريانية(بمعنى شيء ما), و مستعملة في معنى لا تحكمه قواعد اللغة العربية. تقول سورة(الممتحنة: 11): وَإنْ فاتَكُمْ شَيءٌ مِن أزواجِكُمْ إلى الكُفَّارِ". أعتقد أن إشارة كلمة "شيء" إلى إنسان هو استخدام غير عربي تماما, ويكشف عن تأثّر ب "مِدّايِم middaim " السريانية والتي تستخدم للعاقل (ن-ش-ا م-د-م). هذه ال"شيء" تمثّل صعوبة لا يمكن التغلّب عليها بالنسبة للمفسّرين والذين يقومون في سبيل حلّها بمحاولات لا جدوى منها. لتجنب الوقوع في المعضلة غيّر ابن مسعود (في كتاب الزمخشري, الكشاف ص. 1475) "شيء" إلى "أحَد" , اعتقد البيضاوي (الأنوار 2, ص. 516) أنها "شيء" تشير إلى مهور الزوجات (شيء من مُهورِهِنَّ), ومن الواضح أن هذا معارض للنص. التفّ الطبري (28, ص. 49) حول المعضلة و تحدّث فقط عن المهر. يقول النيسابوري (الغرائب 28, ص. 45) أن "شيء" تعني هنا "أحد" ولكنه كما فعل البيضاوي فإنه أيضا يذكر حقيقة أنه قد تشير إلى مهور الزوجات, ثم أنه في النهاية يذكر رأي بعض اللغويين في أن "شيء" تستخدم هنا للتوكيد أو للسخرية . هذا التفسير غير المعتاد نجده أيضا لدى الزمخشري و البيضاوي.(in loc.)
(د)
يوجد في القرآن جمل عديدة تكون غيها الكلمة العربية المستخدمة غير ملائمة للمعنى المطلوب ضمنا, ولكن عند المقارنة مع ما يقابلها في السريانية يصبح معناها الصحيح واضحا, مثال على ذلك: تقول السورة الفتح: 12:وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً. لقد ترجمت كلمة "بور" قد ترجمت ك"تافه, مغشوش" أو "أناس لا يُحسَبون" وهذه الترجمة لا تصلح للنص. ولكن ألا تصلح الترجمة السريانية لكلمة "بور" و التي تعني "جاهل, طائش"؟ و يبدو أن نفس المعنى يلائم كلمة "بور" في سورة الفرقان: 18.
(ه)
نجد في سورة ص: 3 عبارة:" َفَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ". فلنعترف بصراحة أن "لات" هي كلمة غريبة مستهجنة في اللغة العربية, وقد كتب العديد من الصفحات حولها من قبل المفسّرين والنحويين المسلمين من غير أن يستطيعوا أن يوسعوا مجال معرفتنا إطلاقا. أعتقد أن من المؤكد أن أنها (لات) هي (ل ي ت)السريانية , لا يوجد, ما وُجد, وهي تقليص ل (ل-ا ء-ي-ت). هذا هو رأي السيوطي (المتوكلّي ص. 54) و بعض الكتاب المسلمين الآخرين(30). في بعض المخطوطات القديمة للقرآن يكون تهجّي الكلمة "لت" أو "ليت", و قد أضيف حرف الألف كحرف علة طويل أو كانت تعويضا للياء من قبل القراء المتأخرين.
الإشارات التاريخية الأجنبية
(أ)
في سورة الكهف: 83 هنالك ذكر للأسطورة المشهورة عن الإسكندر الأكبر. توَجّه الفاتح المقدوني أولا غربا فوجد الشمس تغرب في عين حمئة , ثم ارتحل شرقا فاكتشف أن تحت الجبلين اللذان كان واقفا بينهما يعيش قوم لا يكادون يفقهون قولا. فتوسلوا لاسكندر من اجل أن يبني ردما بينهم و بين شعب شرير يسمى " ياجوج وماجوج". استجابة لطلبهم بنى الاسكندر جدارا من زبر الحديد عبر الفتحة ما بين الجبلين, صاهرا إياه ليكون كتلة صلدة من المعدن, ومقويا إياه بصب القطر المنصهر فوقه.
توجد سيرة الاسكندر في لغات عديدة, في اليونانية (لكاتبها سودو-كاليسثينيس Pseudo-Callisthenes حوالي عام 200 ب. م) , وفي اللاتينية (لكاتبها جوليوس فاليريوس Julius Valerius حوالي عام 340 ب.م, وتلك التي ل"ليو كبير الشيوخ" Leo the Archpresbyter من القرن الحادي عشر), وفي الأرمنيّة (مجهولة التاريخ, ولكنها مترجمة عن اليونانية غالبا), وفي السريانية (كتبت في بدايات القرن السابع و ولكنها معروفة في بداية القرن السادس), وفي الإثيوبيّة (مجهولة التاريخ, ولكنها كتبت بعد الغزو العربي بقرون), وفي القبطية (حوالي القرن التاسع). النسخ المتأخرة تتضمن الفارسية والتركية و" ميرابيليه ديكتو" mirabile dictu الملايوية والنسخة السيامية.
حسب علمنا, تعتبر دراسة نولدكة Noldke للسيرة الأسكندر الأفضل من نوعها( 31), وقد كتبها بعد إصدار النص السرياني للقصة على يد بَج Budge(32). مع ذلك, فنحن نعلم من أعمال يعقوب السروجي , أن القصة كانت معروفة جيدا في الأوساط السريانية قبل 520 ب. م . من بين كل تلك الشعوب التي كانت السيرة معروفة لهم بشكل أو بآخر كان السريان و الإثيوبيون الوحيدين الذين بإمكانهم أن يؤثروا على القرآن,. ولكن بما أننا لا نمتلك دليلا على ان الإثيوبيين قد علموا أي شيء عن القصة في عصر النبي(33) , فهذا يستبقي لنا السريان فقط , كمصدر ربما قد استمد منه النبي , مؤلف القرآن, المعلومات. قد يعزز هذا الرأي إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما يلي:
1- كل النسخ المبكّرة تكتب كلمة "جوج" فقط ك"جوج" لكن القرآن يكتبها "أجوج"(34) -كذا- أو بشكل أعم "ياجوج" (مع ألف أو مع ياء وألف في البداية). نجد أنه في قصيدة ليعقوب السروجي كتبت في بدايات القرن السادس المسيحي عن سيرة الاسكندر وعن جوج وماجوج, تظهر الكلمة بشكل متكرر مع ألف في البداية ك" أجوجA-gog"(35). من المحتمل أن هذا التهجي السرياني قد أثر في الشكل العربي للكلمة والمستخدم في القرآن. بل أن هنالك بيتا من النص السرياني () يبدو فيه أن المؤلف قد اشتق أجوج A-gog من أجوجا Agoga =άγωγός (أجوجوس agogos), "جدول, قناة".
2- يصور الأسكندر في سودو كاليسثينيس اليونانية كوثني بينما يصبح في القرآن رجلا تقيا ورسولا لله. ربما أتت قد هذه الفكرة من السريان فقط, والذين أصبح لديه, لسبب أجهله, جهان-كوشا jahan-gusha المقدوني رسولا ونبيا لله, إن كل قصيدة يعقوب السروجي المذكورة أعلاه معتمدة على هذا الافتراض(36).
(ب)
نجد في سورة الحج: 17 كلمة "مجوس" أعتقد أن هذه الكلمة مأخوذة من (م- گ-"g"و- ش- ا) (37)السريانية وأن النبي أو مؤلف القرآن قد سمع بالمجوس من السريان وليس من اليونانيين أو الفرس أو أي شعب آخر, وذلك لأن الكلمة, وبشكل يثير الفضول, قد جاءت في القرآن لتكون في صيغة جمعٍ لمفرد مفترض لا نستطيع تخمينه بشكل مؤكّد. إن شكل الكلمة في السريانية, بالضد من اليونانية والفارسية, لا يغيّر حروفه الصحيحة عندما ينتقل من حالة المفرد إلى الجمع, وقد استخدم النبي أو مؤلف القرآن المصطلح في صيغة المفرد السرياني وليس المفرد العربي, كما قد سمعها تلفظ في عصره. لقد تم الإحساس بهذه المشكلة بشكل طفيف من قبل الكتّاب المسلمون من العصور اللاحقة لدرجة أنهم قد ابتكروا من صيغة الجمع كما استخدمت في القرآن صيغة مفرد, مجوسي(كما لو كانت "مجوس" مفردة أثنية و خاصة بأمة).
في ما يخص أصول المسميات, فقد اشتقت الكلمة السريانية نفسها من الكلمة الفارسية "مُگه mugh" ( في لغة الزند "مگُهوmughu") , بمعنى "عابد النار".
(ج)
يسمى المسيحيون في القرآن "نصارى" وأنا اعتبر أن الكلمة قد أتت من الكلمة السريانية (ن ص ر ي ا). والحقيقة انه لا توجد أي لغة عدا السريانية يسمى فيها المسيحيون "نصارى" أو أي كلمة مقاربة. بالإضافة إلى ذلك فإن كلمة "نَصرايا nasraya" السريانية تطلق حصريا على المسيحيين بدون أي إشارة إلى "الناصريين" في معظم الوثائق القديمة. لقد سُميَ الشهيد شمعون بَر سَبّاعي Simon bar Sabba'e, بطريرك المشرق الكبير(أي بطريرك النساطرة. المترجم), ب" رأس النَصرايي head of the nasraye"(38) وذلك في عام 341. سميّ كل المسيحيون "نَصرايي" في قصة حياة القديس نفسه والمكتوبة حوالي نهاية القرن الرابع(39) . نفس الاسم يطلق أيضا عليهم في أكثر من قطعة من نص من سير القديسين مؤلفة من قبل كتّاب تقع مواطنهم داخل حدود الإمبراطورية الساسانية. سُئل القديس بيثون st. pethon (قديس سرياني. المترجم) في عام 447 ب.م :"أي فائدة قد جَنَيتَها من علاقتك بالنَصرايي"(40)أي المسيحيين. أرسل قائد عسكري فارسي زرادشتي عاش قبل الغزو العربي كلمة إلى غريمه المسيحي البيزنطي لكي يقيم عيدا دينيا معينا:" لأجل اليهود والنصرايي(أي المسيحيين) الموجودين في جيشي"(41). ليس هنالك حاجة لإعطاء أمثلة أخرى. ولكننا سوف نلمّح إلى الحقيقة القائلة أنه في "سيرة يوليانوس المرتد"(امبراطور روماني اراد عبثا إحياء الوثنية و اقمع المسيحية. المترجم) استعملت كلمة نصرايي عدة مرات للتعبير عن "مسيحيين"(42) .
سواء أكان ذلك في الإمبراطورية الفارسية أو, إلى حد ما, في الإمبراطورية الروماني, فإن المسيحيين كانوا يسمَون من قبل غير المسيحيين نصرايي, وأن النبي قد أخذ الكلمة من السريان.
(د)
في سورة هود: 44 , هنالك ذكر لحقيقة تقول أن فلك نوح رسا على جبل يسمى ال"جودي". إن القليل من المختصين مستعدين لإنكار الحقيقة القائلة أن هذه الكلمة الغريبة هي (ق ر د و) السريانية, وهو الجبل الذي رسا عليه فلك نوح , حسب رواية البشيطا Peshitta من سفر التكوين والترجوم (على خلاف النسخ الأخرى من الكتاب المقدّس والذي يدعو الجبل أرارات). لذلك, نقترح أنه قد سمع النبي أو منقّح القرآن, قصة نوح وطوفانه من السريان فقط. إن قراءة "واو" بدلا من "راء"(والفرق بين الحرفين ضئيل جدا في الكتابة العربي) قد يعود إلى قارئ مبكر أو منقّح القرآن نفسه. إن تلفظ ال"كاف" الأولية "گافاً Gaf" موجود حتى أيامنا هذه لدى كل أعراب الصحراء تقريبا, والذين تكون لديهم كل كافٍ گافا. لا يوجد تفسير آخر لكلمة جودي مستحق للذكر.
(ه)
هنالك استعمال متكرر لكلمة "حنيف" والتي أذهب إلى القول بأنها مشتقة من (ح ن ف ا) السريانية, بمعنى "وثني". هذا أيضا رأي بعض الكتّاب المسلمين أنفسهم (43). في صيغتها المفردة تستعمل الكلمة كالتالي: البقرة: 135, آل عمران: 95, الأنعام:79 و 161, النحل: 120 و123, وكلها متعلقة بكون إبراهيم "حنيفا" وليس مشركا , تتعلق آل عمران: 67 بكون إبراهيم ليس يهوديا ولا مسيحيا ولا مشركا ولكنه كان حنيفا, و في النساء:124 يعتبر إبراهيم حنيفا. في يونس: 105 و الروم: 30 يؤمر النبي نفسه بأن يكون حنيفا. تستعمل الكلمة في الحج: 31 حيث يؤمر المؤمنون بأن يكونوا أحنافا وليس مشركين, و في البينة: 5 حيث يؤمرون بأن يكونوا أحنافا و أن يصلوا وقدموا الصدقات.
لا يوجد صعوبة في تقبّلي لمسألة اشتقاق الكلمة من السريانية. تكمن الصعوبة الحقيقية في حقيقة أن الكلمة مستخدمة لوصف شيء حسن في القرآن حيث تبدو هناك وكأنها تسمية أخرى لل"مسلم". لا يمكنني أن أعطي حلا جازما لهذه المعضلة , ولكنني سوف أطرح مؤقتا الاعتبارات التالية:
1- من جانب, لابد أن النبي قد سمع المسيحيين يقولون عنه أنه بما أنه ليس يهوديا ولا مسيحيا فلابد أنه حَنفا Hanfa, ومن جانب آخر لابد أنه سمع منهم أيضا أن إبراهيم أيضا كان "حَنفا": وهو تأكيد صحيح تماما. أصبحت الكلمة حنفا من خلال ربطها بالسلف العظيم إبراهيم المبجّل و المحترم من قبل كلا الطائفتين, المسيحيين واليهود حاوية, بفضل محمد, على معنى جيد و محمود. هذا هو سبب إصرار النبي على التوكيد على حقيقة أن إبراهيم لم يكن يهوديا ولا مسيحيا ولكنه كان "حنفا", وأه يتمنى لدينه أن يكون"حَنفوثا hanfutha".
2- للتعبير عن "وثنية" و"وثني" يستخدم القرآن بعض أشكال الجذر "شَرَكَ" . لقد عنى هذا الشرك دائما ارتباطا أو علاقة بمخلوقات أخرى مع الله, الإله الحقيقي’ ولم يكن إطلاقا ارتباطا مع أي إله وثني آخر’ هذا بالرغم من حقيقة أنه من أجل