أدلّة على صحّة نظريّة التطّور.
صورة
خلال و منذُ عهد دارونْ، ظلّ الناسُ يبحثون و يدرسون الدليل الطبيعيّ الذي يعلّمهم أكثر عن التطوّر. بعضُ أنواع الأدلّة كالأحافير، و التماثلاتِ بين الكائنات الحيّة المترابطة، استعملها دارونْ نفسُه لتطوير نظريّة الانتقاء الطبيعيّ، و لمّا تزل مستعملةً إلى يومِنا هذا.
أمّا الأنواع الأخرى من الأدلّة، مثل اختبار الحمض النوويّ، فإنّها لم تكن متوفّرة في عهد دارونْ، لكنّها تُستعملُ من قبل العلماء حاليا من أجل التعلّم أكثر حول التطوّر.
سوف نناقش في هذا المقال خمسة أنواع من الأدلّة: بقايا الكائنات الحيّة القديمة، الطبقات الأحفوريّة، التشابهات بين الكائنات الحيّة في الحاضر، التشابهات في الحمض النوويّ، و التشابهات بين الأجنّة. ضربٌ آخرُ مهمٌ من الأدلّة التي درسها دارون و لمّا تزل تُتدارسُ في الوقت الحاضر هو الانتقاء الاصطناعيّ، أو التربيّة.
-1بقايا الكائنات الحيّة القديمة.
صورة
عثرَ داروِنْ على أنواع كثيرة من بقايا الكائنات الحيّة القديمة، إضافةً إلى الطبقات الأحفوريّة، لاحظ دارون أحافيرَ أخرى: عظامًا، حشراتٍ في العنبر (و هو نسغُ شجرة متحجّرة)، و في الخشب المتحجّر.
نوعٌ آخرُ من الكائنات الحيّة المحفوظة التي لم يعثر عليها دارونْ مثلَ فِيَلَةِ الماموث المجمّدةِ و المحفوظةِ في الجليد.
خلال رحلته، عثر دارونْ على عظام بهضمٍ منقرضٍ، اسمه العلميّ, Megatherium فاستنتج دارونْ أن الكائناتِ الحيّةَ يمكنُ أن تنقرض ممّا يعني أنّ الحياة ليستْ ثابةً غيرَ قابلةٍ للتغيّر (و هذا ما يتنافى ما معتقدات عصره، حيث كان سائدًا الاعتقادُ بأنّ الله خلق العالمَ على نحو ثابت فكلّ ما فيه من الحياة يظل كما هو، وُجِد منذ الخلقِ و يظل إلى الأبد المترجم)، كما لاحظ دارون تماثلات بين حيوانات منقرضة و أخرى لا تزال حيّة فتساءل كيف يمكن أن تكون مترابطة.
اكتشف دارون إلى جانب العلماء في الوقت الحاضر أنّ التشابه بين الكائنات الحيّة القديمة و الكائنات الحيّة الحاضرة إنّما يُعزى إلى كون الكائنات الحيّة القديمة سلفًا للكائنات الحيّة الحاضرة، أو لكونهما معا يملكان سلفا مشتركا. على سبيل المثال: يمكن أن يكون البهضمُ سلفا محتملا لكسلانِ الأشجار الذي يوجد في وقتنا.
في الوقت الحاضر، لا تزالُ الأحافير قيدَ الدراسة لاكتشاف معلومات أكثر حول أشكال الحياة المنقرضة و علاقتها بأشكال الحياة التي لا تزال موجودة، إنّهاـ أي الأحافيرـ تقدّمُ معلوماتٍ قيّمة حول التطوّر و حول كيفيّة تشكّل الحياة. على غرار ما كان في عهد دارون، يستطيع العلماءُ في الوقت الحاضرِ تأْريخَ هذه الأحافير و البقايا للحصول على صورة أدقّ عن الوقت الذي تطوّرت فيه مختلف الكائنات الحيّة.
نحن لا نزال نتعلّم أشياءَ جديدةً عن طريق مصدرٍ عمرُه ملايينُ السنين.
-2الطبقات الأحفوريّة.
صورة
الطبقات الأحفوريّة هي عبارة عن أحافيرَ تشكّلت في الصخور الرسوبيّة. و الصخور الروسبيّة هي صخور تجمّعت على شكل طبقات نتيجة للترسّب و ضغط كلّ طبقة رسوبيّة على أخرى، أما الرواسب، فهي ببساطة كلّ موادّ متناثرة تحطّمت لتجلب معها: قطعا من الصخور، الحصى، الرمال، الطين، الطمي، الجلاميد، كائنات حيّة ميّتة، حيوانات، نباتات، الأصداف، و الحشرات... حينما تتحّرك الرواسب و تستقرّ في مكان ما، فإنّها تودع.
حينما، و بعد مرور وقت طويل، تودعُ طبقاتٌ و طبقاتٌ من الرواسب على بعضها البعض، يضغط ثِقلُ وزنِ الطبقات العليا الطبقاتِ السفلى، مشكلا إيّاها على هيئة صخور تسمّى صخورا رسوبيّة.
أقدم الطبقات تتواجد في القاع، و الطبقات الأحدث تتواجد في أعلى الحوض الرسوبيّ.
و لأنّ الرواسب قد تتضمّن كائنات حيّة منقرضة، فإنّ الصخور الرسوبيّة قد تحتوي على الكثير من الأحافير التي كانت عبارة عن كائنات حيّة تحوّلت إلى أحافير متحجّرة، بحيث يستطيع الملاحظ أن يرى شكل الكائن الحيّ.
الشيء الذي لاحظه دارونْ خلال رحلاته، و الذي لا يزال الناس يلاحظونه إلى يومنا هذا، هو أنّ الكائنات الحيّة المتواجدة في الطبقات الرسوبيّة القاعيّة تختلفُ كثيرا عن الكائنات الحيّة التي تزال تعيش في وقتنا؛ حتى أنّ دارونْ لم يستطع تمييزها. حينما ينظر الإنسان إلى الطبقات الأعلى، إلى الطبقات الأحدث و الأحدث، تصبحُ النباتات و الحيوانات المتحجّرة مألوفة أكثر فأكثر حتى تصبح مشابهة جدا للكائنات الحيّة المتواجدة حولنا في الوقت الحاضر، كما أنّ الكائنات الحيّة تصبح أكثر تعقيدا كلّما نظرنا إلى الطبقات الأحدث.
نظرا لهذا، استنتج دارون أنّ الكائنات الحيّة لم تظل على حالة واحدة منذ بداية الأرض، و أنّها تغيّرت كثيرا، لتصبح بشكل تدريجيّ أكثر و أكثر تعقيدا. لقد لاحظ إلى جانب هذا أنّ أنواعا جديدة ظهرت، بينما انقرضت أنواع أخرى.
ينظر الإنسان إلى الطبقات الأحفوريّة لمعرفة أيّة أشكال من الحياة تطوّرت أولا، و أيّها تطوّر لاحقا.
يملك العلماء في الوقت الحاضر تقنيات لتأريخ الأحجار، مكتشفين بذلك تاريخ تكونّ كلّ طبقة. هذا يساعدنا على ضمّ جدول زمان التطوّر معا و معرفة وقت حدوث وقائع معيّنة.
-3التشابهات بين الكائنات الحيّة.
صورة
واحد من أدلّة صحّة التطوّر(الدليل على أنّ الكائنات الحيّة مترابطة، تنحدر من بعض الأسلاف المشتركة، و تتغيّر من أجل التأقلم مع أوساطها)، هو كون الكائنات الحيّة متشابة فيما بينها، و لكن ليست متطابقة. الكائنات الحيّة المتشابهة تتميّز باختلافات تساعدها على التكيّف مع أوساطها.
كثير من الكائنات الحيّة تمتلك نفس الهيئة. هيئة كلّ من الحصان، القرد و الحمار الوحشيّ مركّبة بشكل متشابه إلى حدّ كبير، لأنّها تنحدر من سلف مشترك.
مع تطوّر الكائنات الحيّة و تكيّفها، فإنّها تحافظ على بعض صفاتها و لا تفقدها كلَّها.
الاختلافات، مثل خطوط الحمار الوحشيّ، تُظهر أنّ كلّ نوع تكيّف مع بيئته الخاصّة بعد التفرّع من سلف مشترك.
أجساد كلٍّ من الأيِّل، الموظ، الحمار الوحشيّ و الحصان تتشابه فيما بينها كثيرا جدا، كما أنّها متقاربة جدا. واحد من الاختلافات الكبيرة بينها هو امتلاك الأيِّل و الموظ لقرون، بينما لا تملك الحمير الوحشيّة و الأحصنة هذه القرون. لماذا يوجد هذا الاختلاف؟
الأيِّل و الموظ يعيشان منفردين أو في جماعات صغيرة، بينما تعيش الأحصنة و الحمير الوحشيّة في قطعان كبيرة. العيش في القطعان الكبيرة يوفّر حمايّة ذاتيّة من الأعداء: من الأسهل مهاجمة فردٍ على مهاجمة قطيع كبير. لذلك، فإنّ حيوانات القطعان الكبيرة لا تحتاج إلى القرون التي تحتاج إليها أقاربها المنفردة للحماية. بالإضافة إلى ذلك، العَدْوُ و الرعيُ وسط قطعان كبيرة يصعب في حالة امتلاك قرون، إذا يكون من السهل اصطدامها بأحد أفراد القطيع.
كلّ الحشرات تمتلك رؤوسا، بطونا، صدورا، قرونَ استشعارٍ، ستة سيقان و أجنحةً. مع ذلك، كلّ نوع هو مختلف، فبينما تمتلك كلّ الحشرات أجنحةً، بعضها يملك أجنحة صغيرة، أو غير ذات فائدة بسبب الأوساط التي لم تساعدها على تطوير أجنحة مفيدة، أو لكون أجنحتها أصبحت معيقة للنجاة.
كلّ الطيور تمتلك ريشا، مناقيرَ و أجنحةً، لكنّها مختلفة لأنّ الطيور اضطرّت أن تتكيّف مع أوساط مختلفة، مثل الأصابع المكفّفة عند طيور المياه ( الأصبع المكفّفة هي الأصابع المرتبطة بغشاء جلديّ، و هو يكون عند الطيور التي تعيش على الماء مثل الإوز المترجم)، لكنّ طيور البرّ تفتقد هذا النوع من الأصابع.
على مستوى أبعد، الحمير الوحشيّة و الأسماك على حدّ سواء تمتلك أعينا. الضفادع و قردة البابون تمتلك أعمدة فقريّة. بشكل عامٍّ، كل كان السلف المشترك أبعد زمنيّا، كلما كانت الصفات المشتركة أقلّ بين الكائنات الحيّة. السلاحف البحريّة و السلاحف البريّة تمتلك سلفا مشتركا، لكنّ كلّ منهما بدء بالتطوّر بشكل منفصل منذ فترة طويلة. السلف المشترك للسلحفاة الصندوقيّة و السلحفاة المزركشة عاشا في فترة أقرب، لذلك فإنّ السلحفاة الصندوقيّة تشترك في صفاتٍ أكثر مع السلحفاة المزركشة من اشتراكها من السلحفاة البريّة. مدى تشابه كائنين حيّين يستطيع أن يساعد الناس على معرفة مدى ترابطهما.
يكون من السهل أكثرَ ملاحظةُ التشابهات بين كائنين تطوّرا من سلف مشترك، إلى زمن قريب، كانت ملاحظةُ مدى التشابهِ على المستوى الجسديّ و السلوكيّ الطريقةَ الوحيدة لمعرفة مدى الترابط بين كائنين.
حاليا يستطيع العلماء تحليل الحمض النوويّ لمعرفة مدى ارتباط الكائنات الحيّة. كلّ مخلوق حيّ يملك حمضا نوويّا، و الذي يملك كثيرا من المعلومات حول كيفيّة بناء الجسد نفسَه.
يستطيع العلماء مقارنة الحمض النوويّ الخاص بكائنين حيّين؛ كلّما تشابه الحمض النوويّ أكثر، كلما ازداد الارتباط بين الكائنات، هذه الطريقة يمكن أن تساعدَ حينما تكون الأشكال مضلّلة، مثال على الأشكال المضلّلة: الخفافيش و الغربان تمتلك أجنحة، بينما السناجب لا تمتلك أجنحة، انطلاقا من هذا، قد يعتقد الإنسان أنّ الخفافيش أقرب إلى الغربان من السناجب، بينما العكس هو الصواب.
اختبار الحمض النوويّ هي أداة لم يحظ بها دارون أبدا، لكنّها ساعدت العلماء كثيرا للتعلّم و و اكتشاف المزيد حول التطوّر.
4-التشابهات بين الأجنّة
صورة
دراسة أحد أنواع من الأدلّة على صحّة نظريّة التطوّر يُسمىّ علم الأجنّةEmbryology ، أوْ دراسة الأجنّة، يمكننا تعريف الجنين باعتباره حيوانا لم يولد أو لم يُفقس بعدُ، أو باعتباره إنسانا صغيرا في مراحله الأولى.
أجنّة أنواعٍ مختلفة من الحيوانات مثل: الثدييّات، الطيور، الزواحف، الأسماك إلخ، غالبا ما تتشابه كثيرا بحيث يصعب التمييز فيما بينها، صفاتُ كثيرة لحيوان معيّن تظهر في جنينِ حيوان آخر من نوع مختلف، على سبيل المثال: أجنّة السمك و أجنّة الإنسان على حدٍّ سواء تملك شقوقا خيشوميّة، عند الأسماك تتطوّر الشقوق الخيشوميّة لتصبح خياشيم، بينما تختفي قبل الولادة عند الأجنّة البشريّة.
هذا يبيّن أنّ الحيوانات متشابهةٌ و أنّها تتطوّر بطريقةٍ متشابهةٍ، ممّا يعني أنّها مرتبطة بسلفٍ مشتركٍ، و بداياتٍ متشابهة، مطوّرين صفاتٍ مختلفةً، بينما تظلّ الخطّة الأساسيّة لبدايات التخلّقِ هي هيَ.
أجنّة كلّ من فرس النهر، الضفدع و الأرنب تبدو متشابهة جدا في مراحلها الأولى من التطوّر.
-5التربيّة ( الانتقاء الاصطناعي).
صورة
حينما عادَ دارونْ من رحلته على متن سفية البيجل، تحادثَ مع أشخاص قاموا بتربيّة الحمام، للاستعراض، لنقل الرسائل أو لأغراض أخرى. لاحظ دارونْ أنّ تربيّة الحيوانات (الاصطفاء الاصطناعي) تعمل بالطريقة نفسها التي يعمل بها الاصطفاء الطبيعي، كما لاحظ أنّ طرقا كثيرا من الطرق التي يستعملها المُرَبّونَ يمكن أن تحدثَ في الطبيعة أيضا و أن تفسّر لنا الطرق التي تتغيّر عبرها الكائنات الحيّة.
التربيّةُ هي انتقاءٌ اصطناعيٌّ. المربّون يختارون الصفاتِ التي يريدونها في حيوانٍ أو نبتةٍ ما، ينتقون أزواجا من الكائنات التي تملك الصفاتِ التي يرغبون فيها و يزاوجونها مع بعضها البعض لتنتج ذريّة تملك الصفات نفسَها.
مثلا: قد أختار الماعز صاحب أطول شعرٍ، البعض ذكور و البعض الآخر إناث، أقوم بفصل هذا الماعز عن بقيّة القطيع لأترك الماعز الذي انتقيتُه يتناسل فيما بينه. حينما يُنتِج هذا الماعز نسلا، سوف يكون في هذا النسل ماعز ذو شعر طويل و ماعز ذو شعر أقصر من شعر الوالدين. مجدّدا أقوم بملاقاة الماعز ذي الشعر الطويل فقط مع بعضه البعض، هذه المجموعة سوف تعطيني نسلا ذا أشعر متوسّط الطول أكثر ممّا كان عند الوالدين. سوف يمتلك هذا النسلا نسلا آخر، و سوف أختار الماعز ذا الشعر الأطول لأفصله عن النسل ذي الشعر الأقصر لأعله يتناسل مجدّدا، لو استمررتُ في القيام بهذه العمليّة لمدّة طويلة كفايةً، سوف أحصل على ماعز ذي شعر طويل جدا. هكذا يعمل الانتقاء الاصطناعيّ من أجل الحفاظ على أيّة صفة مرغوبة.
المقال الأصليّ بالأنجليزيّة: http://www.necsi.edu...ence_intro.html
المترجم: كاره النساء، بتصرّف.