قبل قليل ,وأنا أتناول البيرة, صدفة, خطر ببالي لم البيرة وليس الحليب؟...والان سأجيب..
أنا لاأطيق شرب الحليب . خصوصا وهوساخن. الحليب الطازج يسبب لي إقياء وأوجاع معدة. من المؤكد أنّ البعض منكم يعاني من نفس الحالة لكن هذه الحالة ليست معممة على الجميع. هنالك الكثير من الاشخاص ليس لديهم أي مشكلة في شرب الحليب. السبب ليس مزاجي أو حرية اختيار(هذا إن وجد هكذا شيء) فقط, أنني أنا, وأمثالي, نفتقد الى طفرة هامة موجودة على كروموسوم 2.
https://2img.net/r/ihimizer/img686/7885/heinekenbeer.jpg
هنالك فيديو مشهور جدا عند الخلقيين وموجود على يوتيوب. يبدوا أنّ أحد الخلقيين يقوم بسؤال ريشتارد دوكينز عن إعطاء مثال عن طفرة مفيدة. واضع الفيديو يقوم باللعب فيه على الكومبيوتر ليظهر تلكؤ دوكينز في الاجابة. كأنّ السؤال سؤال اعجازي. ماحصل في الواقع أنّ ريتشارد دوكينز فكّر لثانيتين قبل أن يطرد المقابلين من منزله.
رضّع الثديات يعتمدون بشكل كبير على الحليب أثناء طفولتهم. الحليب يحتوي على نوع من السكريات اسمه لاكتوز(Lactose). لهضم اللاكتوز الجسم يحتاج الى تصنيع أنزيم معيّن, ولامفاجئة يطلق على هذا الانزيم لاكتييز(lactase).
جميع رضّع الثديات,بمافيهم البشر, يملكون جينات معينة تقوم بصنع ال لاكتيز ليتم هضم اللاكتوز بسهولة. وهكذا شرب الحليب لديهم لايسبب أيّة مشاكل.
يقوم الجسم بتعطيل هذه الجينات المسؤولة عن انتاج اللاكتيز بعد عمر معين. عند البشر حوالي ال4 سنوات. ولهذا لاتستسيغ معظم الثديات البالغة شرب الحليب سواء كانوا أكلة لحوم أو أعشاب. لكن مع هذا الحليب يشكل غذاء أساسيا عند الكثير من البشر البالغين. السبب أنّ هؤلاء الأشخاص طورّوا طفرة على الكروموسوم2 بحيث تمنع هذه الطفرة إيقاف انتاج اللاكتيز. لذا يتمكن هؤلاء الاشخاص من انتاج (Lactase) وبالتالي هضم سكر الحليب (lactose) بسهولة.
كيف طورا البشر هذه الطفرة؟
بالتأكيد لم يطوروها واعيين. لاأحد يقدر على تغير جيناته واعيا. يبدو أنّ جماعات البشر الذين مارسوا تربية المواشي وتهجينها هم من طوّروا هذه الطفرة. الاعتماد على المواشي جعل لديهم مصدر مهم للحليب. صدفة ونتيجة العشوائية, بعض البشر سيولدون بهذه الطفرة. فقط نتيجة أخطاء في علمية نسخ الدي ان اي. إن كانت مفيدة ستسمر وتنتشر بين الجماعة. مثلا في أوقات الجوع الشديد ربما لجأ البشر الى شرب الحليب ومن امتلكوا هذه الطفرة كانت لديهم القدرة الاكبر على شرب الحليب بدون مشاكل هضمية لذا كانوا ناجحين. ربما في أوقات المجاعات الشديدة لم يلجؤوا فقط الى حليب المواشي بل ربما الى حليب الامهات.
لاأعرف تماما الاجواء التي فضلت فيها هذه الطفرة الى الجينات العادية البشرية (التي توقف في العادة انتاج اللاكتيز). لكن يجب أن تكون تطورت نتيجة الى الانتقاء الطبيعي. لأن باقي الثديات لايمتلكون هذه الطفرة. وحتى ليس جميع البشر لديهم هذه الطفرة.
حسب ويكيبيديا, 75% من البالغين من البشر يعانون من نقص القدرة على هضم اللاكتوز الموجود في الحليب.
وحسب ريتشارد دوكينز في كتابه يقول أنّ الجماعات البشرية التالية طورت هذه الطفرة, والقاسم المشترك بينهم أنّ جميعهم كان لديهم تاريخ في تربية المواشي:
- قبائل توتسي و هوتو القديمة في راوندا
-قبائل "فولاني" في غرب افريقيا
- قبائل "سونديهي" في شمال الهند
-قبائل في شرق وشمال افريقيا
-بعض القبائل والجماعات الاوربية التي عاشت في شمال وشرق اوروبا. ريتشارد دوكيتز يعتقد أنه ربما منحدر منها (لانه لايعاني من شرب الحليب)
الجماعات البشرية التي لم تتطور الفطرة:
-الصينين
-اليابانين
-انويت (الاسكيمو)
-أغلب سكان امريكا الأصليين
-سكان جزيرة جافا وفيوجي
-سكان استراليا الاصليين
-الايرانين
-اللبنانين
-الاتراك
-التاميل (سيريلانكا)
-التونسيين
-الكثير من قبائل افريقيا الوسطى والجنوبية (زولوس و تساوناس)
هذه الجماعات لم تمر بمرحلة طويلة من تربية المواشي والرعاية بها ليطورا الطفرة. أو ربما مرة لكنها لم تكن طويلة كفاية لتشكل ضغط انتقائي على الجينوم البشري.
طبعا إن كنت تسأل عن باقي الدول العربية. فلاتستغرب. كالعادة في أي دراسة عالمية. الدول العربية غائية لعدم تواجد الاحصائيات (استثناء لبنان وتونس كما يبدو).
صورة
الألون الغامقة تدول عدم القدرة على انتاج اللاكتيز وهضم الحليب (الصين مثلا اعلى درجة) والفاتحة (الاخضر) تدل على القدرة على هضم الحليب (استراليا..ليس السكان الاصليين)
والوطن العربي :No Data . كالعادة.
لاحظو أنّ أغلب البشر يعانون من شرب الحليب عند الكبر بدرجات متفاوتة. ونحن لم نمتلك الوقت الكافي الى الان لكي يطوّر جميع البشر هذه الطفرة. نعم "كلوا من طيبات مازرقناكم" لكن دعو الحليب جانبا.
لم أسمع أبدا عن حالة طبيعية لعدم القدرة على تناول الكحول. إذا جيناتنا الطبيعة "مصممة" لهضم الكحول وليس لهضم الحليب؟ حتى أننا نحتاج الى طفرة عشوائية لكي نتناول الحليب؟
أعتذر ولكني غير قادر على شرب الحليب لسبب ,أنا, لم أرتكبه, أو حتى أساهم بقريب أو ببعيد في ارتكابه. لكن جسمي يتقبل "البيرة" بشكل جميل جدا...على الاقل أول 6 زجاجات ...
صورة