إن طرح تعريف شامل ومحكم للحياة هو أمر بالغ الصعوبة، تفيدنا ظاهرة الحياة بمقدرتها على التلاؤم مع الظروف المتبدلة للمحيط، إن التنوع الكبير للأصناف الحية والتعدد الواسع للبيئات الخاصة بمختلف الأصناف يدلان على أن الحياة تستطيع التكيف مع أنماط كبيرة ومتباينة من الظروف، يستطيع النوع الإنساني بدوره مواجهة أشكال منوعة من الظروف البيئية، لقد تطور الإنسان فعلاً للعيش في الغابات الاستوائية والصحاري الجافة والسهوب الجليدية وذرى الجبال حيث ينخفض الضغط الجوي إلى نصف قيمته عند سطح البحر، يمكن للأجسام البشرية أن تتحمل تغيراً في درجات الحرارة الداخلية بدءاً من 30 وحتى 40 درجة مئوية، كان بمقدور البكتريات التي ظهرت منذ ثلاثة آلاف مليون سنة تحمل تغير في درجات الحرارة المحيطة بحوالي 70 درجة، تعيش بعض المتعضيات الدقيقة في برك في القطب الجنوبي تبقى سائلة عند درجة حرارة 45 تحت الصفر المئوي بسبب أملاح الكالسيوم المنحلة، بينما تحيا متعضيات أخرى في درجة حرارة 90 مئوية في الينابيع الحارة في يلوستون، تتواجد أصناف من البكتريا على ارتفاعات ينخفض الضغط الجوي عندها إلى عشر قيمته عند سطح البحر، بينما تعيش كائنات حية أخرى في قيعان المحيطات وتحت ضغوط تصل إلى مئات أضعاف الضغط الجوي المعتاد، على الرغم من أن الطاقة الشمسية هي الطاقة المباشرة الداعمة للحياة فقد اكتشف العلماء عام 1980 مستوطنات لحيوانات غريبة تعيش في أعماق المحيطات حيث الظلمة الدامسة متجمعة حول الفوهات البركانية، تبيّن للعلماء أن عمليات الاستقلاب عند هذه الحيوانات ترتكز على الحرارة المنبعثة من البراكين وعلى كبريت الهدروجين الذي تستخدمه البكتريا الداخلة في حلقات التغذية عند قيعان المحيطات يساوي الضغط هناك 250 ضعف الضغط الجوي عند سطح البحر.
تستطيع بذور الحشائش الإنتاش والنمو في أجواء بسيطة يدخل الأوكسجين والفحم والآزوت والهيدروجين ضمن تركيبها، كما يمكن لبعض الحشرات وهي كائنات بالغة التعقيد العيش لدى انخفاض الضغط حتى عشرة بالمئة من قيمته المألوفة، يعني ذلك أن بمقدور الكائنات المذكورة العيش والتطور في أجواء الكواكب الأخرى وتشكل بذلك تهديداً لأجواء تلك الكواكب إذ إن انتشارها قد يقضي على أصول حياتية مغايرة سائدة هناك، هذا ما حمل العلماء على تعقيم مركبات الفضاء ورواد الفضاء الذين هبطوا على القمر، كذلك حرص العلماء على اختبار رواد الفضاء العائدين من القمر إذ كان من الممكن أن يؤدي نقلهم لصنف حي غريب إلى القضاء على كل أشكال الحياة على الأرض. إن نقل المتعضيات الحية الدقيقة هو أمر في منتهى الخطورة فبعد وصول الأوروبيين إلى هاواي عام 1778 قضى أكثر من نصف سكان تلك المناطق في غضون نصف القرن التالي وكذلك 95% من السكان الأصليين لجزيرة غوام بسبب التلوث البيولوجي الذي نقله الأوروبيون معهم، إن تلاقي الأصناف الحية المتباينة قد لا يكون لقاء داعماً في كل الأحوال وقد يكون داعماً في بعض الأحوال، قد لا تعتمد أشكال الحياة المتقدمة على جنس معين كالثدييات إذ لا يوجد ما يمنع من تصور حضارة كونية متقدمة انحدرت عن الحشرات أو حتى عن الزواحف كما صور فيلم الخيال العلمي E.T الذي وصل إلى الأرض وقد تطور عن الزواحف.
تُبنى الكائنات الحية من وحدات أساسية هي الخلايا، إن لكل خلية برنامج حياة وموت خاص بها.
اكتشف العلماء مؤخراً أن كل خلية حية تحمل مورثة انتحار، إن فُعّلت هذه المورثة تقتل الخلية نفسها وتلتهم الخلايا المجاورة بقاياها، إن انتحار الخلايا أمر ضروري لاستمرار العضوية، نذكر مثلاً أن خلايا الشبكية في العين تتصل بخلايا الدماغ عن طريق سلسلة من خلايا تنمو بين الشبكية وبين المخ، إن لم تستطع إحدى الخلايا التعشق بالسلسلة أو إن احتلت مكاناً غير المكان الملائم لها فلابد لها أن تنتحر كي تُفسح المجال للخلايا الأخرى أن تستمر وتلعب دورها، اكتشف العلماء في نوع من الديدان 131 خلية تُقْدم على الانتحار وحددوا البروتين المحفز للانتحار والمورثة التي تضمه.
إن هناك تشابهاً كبيراً بين مورثات الانتحار في مختلف الكائنات الحية.
تساءل العلماء عن نوع الإشارة التي تتلقاها الخلية والتي تدفعها إلى قتل نفسها كذلك عن الآلية التي تنفذها الخلية في موتها المتعمد.
بينت دراسات الخلايا العصبية في المخ على أن الخلايا تتلقى الإشارات من خلايا أخرى في صيغة جزيئات متخصصة وأن هذه الإشارات تكبح مورثات الانتحار وتمنعها من النشاط، يعني ذلك أن كل خلية تصدر تعليمات إلى الخلايا الأخرى بالامتناع عن الانتحار وتتلقى من الخلايا الأخرى تعليمات مشابهة، إن توقف دفق هذه التعليمات إلى إحدى الخلايا، تُقدم الخلية على الانتحار، اكتشف العلماء أن في الثدييات عدداً من الجزيئات المرتبطة بالظاهرة، يتصل كل جزيء بمورثة منفصلة يحث عدداً من هذه الجزيئات الخلية على الانتحار، بينما تنهاها عن ذلك جزيئات أخرى، إنْ سيطرت الجزيئات الأخيرة على عمل الخلية فإن أي رسالة انتحارية تتلقاها الخلية تؤول إلى الإهمال، أما إن سادت مورثات الانتحار فإن أي إشارة انتحارية تدفع الخلية مباشرة للانتحار، اكتُشفت مؤخراً الجينة P53 وهي من النوع الذي يحول دون انتحار الخلية، لربما أن الأورام تنجم عن أمثال هذه الجينة التي تعيق انتحار الخلية، بالتالي فإن الأورام لا تنجم عن التكاثر المفرط للخلايا بل عن عدم انتحارها.
على العكس، إن أقدمت الخلايا على الانتحار في وقت مبكر أي إذا سيطرت مورثات الانتحار ظهرت أمراض من نوع مختلف كداء باركنسون ومرض ألزيهايمر، اكتشف العلماء أن يد الجنين تكون في شكل مضرب كرة الطاولة عند نهاية الأسبوع الخامس من الحمل، تُقدم بعد ذلك بعض الخلايا على الانتحار تاركة فراغات في أمكنتها هي الفجوات الفاصلة بين الأصابع الخمسة.
هل يصنف الذكاء في عداد الخصائص المميزة للحياة؟
قد يكون الحديث عن الذكاء صعباً كما هو الحديث عن الحياة والجمال، إن البحث عن الذكاء والحياة خارج الأرض أمران مرتبطان، إذ إن البحث لن يكون ذا مردود إن لم تحدد الآثار الممكنة والمحتملة لوجود الذكاء أو الحياة خارج الأرض، نشير هنا إلى أن اختبارات الذكاء لا تقيس إلا مهارات معينة كالرؤية والمقدرة على التحليل المنطقي، أما أن يكون المرء خلاقاً ومبدعاً وفناناً وتخييلياً، فهو أمر مختلف، لكن لابد من أخذه بعين الاعتبار في أي منظور متعدد الأبعاد لما قد ينطوي عليه ذكاء كوني مفترض، لن نستطيع من حيث المبدأ أن نقرر من كان أكثر إبداعاً وعبقرية: نيوتن أو أينشتاين، ولربما المتنبي. إنها مسألة خاطئة من حيث الأساس أن نحاول جدولة مجموعة من الأشخاص في قائمة الأكثر أو الأقل عبقرية: غاندي أوباخ أو شكسبير أو البيروني.
ينظر الكثيرون إلى خلية الأميبا باعتبارها غير ذكية، في حين أن الأفعى أذكى منها. يبدو الكلب أكثر نباهة من الأميبا والأفعى.
يقارب بعض الباحثين مسألة الذكاء بنسبة كتلة دماغ الكائن إلى جسمه وبدرجة تعقيد شبكته العصبية، يتأيد ذلك بحقيقة أن عدداً من الكائنات المائية التي تحقق هذه الروائز، تُظهر أنماطاً من تصرفات ذكية.
إنها تتصل فيما بينها وتنتشر في تعددية أشبه بما يحدث في المجتمعات البشرية، على أي حال، إن سويات من الذكاء قد تبرز وتتواجد مستندة ليس على توفر أدمغة كبيرة نسبياً لكن على توزع مدهش ومنظم لعمليات بالغة التعقيد، نلاحظ مثل هذه السويات عبر التصرف الجماعي في عالم الحشرات والذي ينطوي على أهداف ومقاصد واضحة. يوجد نوع من النمل يبني مستعمرات ترابية بارتفاع خمسة أمتار ويحفر في تلك المستعمرات دهاليز طويلة تختلف أقطارها وانحناءاتها على جهل تام منه بقوانين الهندسة والفيزياء. والنتيجة أن درجة الحرارة ونسبة الرطوبة تحافظان على سويتين ثابتتين داخل المستعمرة مهما كانت الظروف خارجها، ناهيك عن أن النمل يتدرج ببطء لدى التحول بين الطقس داخل المستعمرة والطقس خارجها، إن النمل يدرك أن الانتقال المفاجئ بين الطقسين يلحق أذيات بيولوجية كبيرة، إن أحداً منا لا يأبه للضرر الذي قد يحل به جراء التحرك بين غرفة مبردة وجوارها الحار.
أمضت الديناصورات مئة وثلاثين مليون سنة على الأرض دون أن تغير بيئة الكوكب حفاظاً على بقائها، ولولا كارثة كونية تمثلت بنيزك صدم الأرض وأحرقها منذ خمسة وستين مليون سنة لبقيت الديناصورات حتى الآن ولما كنا هنا لنتحدث عنها، أدى نشاط الجنس البشري في مئات قليلة من السنوات إلى تحويل بيئة الأرض إلى بيئة مريضة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وبعد يحق لنا أن نتساءل: هل البشر أذكى من النمل وهل البشر أذكى من الديناصورات، إن دماغ الذبابة هو الدماغ الأكثر سرعة، إن بمقدور الذبابة اكتشاف أي مصدر للخطر وتحديد موقعه بسرعة فائقة والهرب من ثم في اتجاه مناسب، يذهب بعض العلماء بعيداً إلى حد الحديث عن سلوك إجمالي للمنظومة البيئة الأرضية فيما يعرف بفرضية: الأرض كائن حي: Gaia، إن السيلكون هو العنصر الأبرز في تصنيع الحواسيب، لا يستبعد العلماء وجود نمط كوني طبيعي يقوم على السيلكون بدلاً عن الكربون، طالما أن أمراً مشابهاً قد تحقق بشكل صنعي على الأرض. ختاماً نشير إلى تقلص أبحاث الذكاء الاصطناعي، ربما بسبب الافتقار لتعريف نهائي للذكاء.