جميع اشكال الحياة المعروفة إستخدمت المُكونات العضوية التي بحد ذاتها وعلى حدة لاتعتبر حية، فما هو الفرق بين الحي والميت إذن؟ هل هناك شئ سري في المكونات يحول الميت الى حي؟ هذا السؤال حير الانسان منذ ازمان قديمة وكان السبب لوضعه النظريات الاولى عن كيفية ظهور الحياة والتي وصلت الينا بإسم الاديان. اليوم يقدم لنا العلماء على اغلب هذه التساؤلات اجوبة مختلفة .
انشغل العلماء بالبحث عن كيفية ظهور الحياة على الارض. عند نشوء الكرة الارضية قبل 4,6 مليار سنة كان هناك اراض بركانية صغيرة وطبقة خفيفة من الاتمسفير من الغازات البركانية التي المؤلفة من غاز الكربون وثاني اوكسيد الكربون والآزوت وماءات الكبريت والميتان والامونياك والماء ومن المحتمل ايضا وجود الهيدروجين. موجات الاشعاعات الشمسية الخطرة كانت تخترق جو الارض بدون اي مانع وكانت العواصف والبرق تسود في مناخ الارض الوليدة التي لم يكن فيها اي أثر للحياة.
غير ان موجات الاشعاعات الشمسية والبرق اعطت الطاقة للمواد المعدنية وابرتها على الدخول في تفاعلات كيمياوية انتجت مواد عضوية ومن ثم سلاسل الاحماض الامينية لتخرج من رحمها الحياة، فهل هناك مايدعم هذا السيناريو؟
الحياة ظهرت لمرة واحدة
بالضبط مالذي كان يحدث من تفاصيل في ملايين السنوات الاولى لازال يعتريه الكثير من الشك، ولكن كل المؤشرات تشير الى ان ظروف ذلك العهد لم تتكرر وكانت كافية لظهور حياة قادرة على ان تورث من جيل الى آخر وتطور لتصل الى ظهور العديد من اشكال الكائنات الحية.
ايضا من الصعب تحديد لحظة ظهور الحياة، لانه وبالرغم من تعريف العلماء لمايمكن ان يطلق عليه لقب حي فمن الصعب وضع خيطا بين ماهو حي وماهو ميت. إن ظهور الحياة من مُركبات غير عضوية الى مُركبات عضوية بسيطة الى مُركبات اعقد الى خلية قادرة على البقاء والمحافظة على الذات، لم تحدث بين ليلة وضحاها ولا بكبسة زر من قوى خارقة، وانما بتسلسل مترابط وواضح وبطئ من شئ ميت الى شئ يحتاجه الحي الى مابين الحي والميت واخيرا الى الحي. وبإختصار من شئ ميت بدون جدل الى شئ حي بدون جدل.
مراحل ظهور الحياة
ماهي المراحل التي مرت بها الحياة واين كانت الخطوة الحاسمة الي ادت الى بزوغ فجر الكائن الحي، لايعلم احد على التأكيد، ولكن يملك العلماء الكثير من النظريات بهذا الشأن. إذا نظرنا الى " الحياة" كعملية تطورية جرت على مراحل فأن العائق الاول لظهور الحياة هو تشكيل المُكونات العضوية بإعتبارها الاحجار الاولى، من المُكونات اللاعضوية السائدة في ظروف الارض الاولى. يطلق على المادة " عضوية" إذا كانت تحتوي على ذرات الفحم او ذرات الفحم والهيدروجين وهذه المجموعة من المُركبات تشكل القاعدة لنشوء مختلف المُركبات العضوية والبيلوجية المعروفة لنا على الارض.
مرحلة النشوء الاولى
في بداية العشرينات من القرن الماضي قام العالم الروسي Aleksander Oparin والمختص بالكيمياء النظرية بوضع نظرية إمكانية نشوء مُركبات عضوية بسيطة من غازات الجو وبتأثير البرق واشعة الشمس الفوق بنفسجية. عام 1953 تمكن العالمين Stnley Miler and Harold Urley من تجربة صحة هذه النظرية لاول مرة. في نظام مغلق مصنوع من الزجاج يتكون من حاوية مرتبطة بأنابيب تم تكوين بيئة تتشابه مع بيئة الارض الاولى يحتوي هواءها على الميتان والالامونياك والهيدروجين الذي كان يسبح فوق ماء مغلي، والذي يفترض ان يشابه نبع ماء حار فوق بركان بحري. شريط كهربائي ذو توتر عالي كان كافيا لنشوء الصواعق. بعد انقضاء يومين فقط تحول لون الماء الى اصفر.
التحاليل الكيميائية اظهرت ان الماء يحتوي على الحمض الاميني المسمى glycin, وهو احد الاحجار الرئيسية لبناء البروتين. بعد خمسة ايام اخرى اصبح الماء بنياً واصبح يحتوي على حمضين امينيين جديدين هما alanin and asparagin. الاخير هو حمض معقد نسبيا حسب الفورمولا C4H7NO4, وبالتالي كان كافيا لتأكيد نظرية اوبارين. لقد ظهر ان المواد العضوية الضرورية لتشكيل البروتينات والاحماض الامينية يمكن ان يتشكلوا في ظروف جو الارض الاول من المواد الغير عضوية.
العديد من العلماء اعادوا التجربة في ظروف متعددة ، مثلا الاكتفاء بموجات اشعة مافوق البنفسجية وبدون صواعق والاكتفاء بغاز ثاني اوكسيد الكربون والازوت عوضا عن الميتان والامونياك . لقد نجحت التجارب في تكوين 20 حمضا امينيا داخلا في تكوين البروتين مما يجعل من المستحيل الاعتقاد ان مثل هذه التفاعلات الكيميائية لم تحدث في ظروف الارض الاولى.
بسبب ان المواد العضوية لايمكن ان تحدث في ظروف تفاعلات إختزالية فأنه من المشكوك فيه ان يكون الجو هو رحم الحياة وانما يعتقد ان هذه التفاعلات قد جرت على الاغلب في مناطق داخلية. مثل هذه المناطق قد تكون حول المنابع الحارة المسماة "black smokers" والتي نراها بكثرة حتى اليوم في مناطق البراكين النشطة في قاع البحار.
هذه المنابع الحارة التي اكتشفت عام 1977 قرب جزر كالاباغ في المحيط الهادئ يصدر عنها كمية كبيرة من الغازات بما فيها الهيدروجين والثاني اوكسيد الكربون والميتان والامونياك. كما انه هنا توجد بيئة تفاعلات إختزالية مناسبة لظهور المواد العضوية. إضافة الى ذلك يخرج من البراكين مجموعة من العناصر المعدنية تتبللور حول فوهات البراكين مما يعطي البنية المناسبة لتقريب المُركبات العضوية من بعضها وحثها على تشكيل مُركبات اطول واعقد.
المعارضين لهذه النظرية يشيرون الى ان المُركبات العضوية الناشئة في مثل هذه البيئات ستضيع في البحر وتخف درجة كثافتها بدرجة تفقد فرصتها في بناء الحياة.
لهذا السبب يعتقد البعض الاخر من العلماء ان احجار الحياة الاساسية لم تأتي من الارض (كليا او جزئيا) وانما من الفضاء الخارجي. في هذه الحالة فأن الشهب هي الاقرب قدرة لحملها الى الارض. الجليد الارضي لايناسب لخلق المُواد العضوية لكون بنيته لاتعطي مكانا لبنية المُواد العضوية. ولكن الجليد المتوافر في الكون تختلف بنيته البللورية تماما، إذ ان بنيته البللورية ليست ثابتة(amorf). NASA, إكتشفت منذ فترة قصيرة ان جليد الكون الخارجي لاتقل جدارته عن جدارة الماء في إحتواء عملية تشكل المُواد العضوية.
العلماء يعلمون منذ زمن كافي بوجود المُركبات العضوية في الشهب والسحب الكونية. جزيئات الشهاب المسمى Halleys, مثلا تحتوي على 14% من من وزنها مُركبات عضوية. بالذات الشهاب يمكن ان يحمل في نواته المؤلفة من جليد المُركبات العضوية الى الارض. النظرية تنطلق من ان الشهب حملت المُكونات العضوية واطلقتها في " الشوربة" البحرية. ومن المثير انه تم في الفترة الاخيرة الوصول الى إكتشافين فريدين لهم اهمية كبيرة في هذا المجال الاول: إكتشاف مُركبات عضوية جديدة في الفضاء الخارجي والثاني: إكتشاف نوع جديد من الشهب القادر على حمل المُكونات العضوية ومداراته قريبة من الارض بشكل غير متوقع
الاحتمال الاخر هو النيازك التي يمكن ان تحمل معها الى مايصل الى 5% من المُركبات العضوية. وحتى اليوم يهطل على الارض يوميا 50-100 طن من الغبار الكوني والحجارة الصغيرة.
الدور المحتمل لجليد الارض
ومع ذلك فليس من الضروري ان يكون التشكل قد تم في الجليد الكوني، إذ ان البروفيسور الالماني Hauke Trinks وبعد دراسة مكثفة لجليد البحر في منطقة Svalbard, توصل الى ان جليد البحر لديه الخصائص الكافية لإعطاء المُكونات العضوية ظروف مثالية لشكيل إتحاداتها بدون الحاجة الى جليد الكون الخارجي.
قبل 4 مليار سنة كانت الارض على الاغلب باردة ومغطاة بالماء، وقوة الاشعة الشمسية لاتزيد عن ثلثها عما هي عليه الان، ولكون دوران الارض حول محورها كان اسرع مما هو عليه اليوم كان النهار والليل اقصر عما هو عليه الحال الان. وبالرغم من انه على الاغلب كانت الارض اكثر دفئا عما هي عليه اليوم ولكن وبالارتباط مع الظروف المذكورة اعلاه يجب ان يكون هناك جليد في البحر على الاقل في قسم من السنة.
ان يتشكل الجليد في قسم من السنة يعني بالذات ان يتحول قسم من ماء " الشوربة" البحرية الى البنية البللورية. هذا التحول يبدأ بالتتدريج من بللورات صغيرة تتزايد وتكبر وتمتد على مساحة اكبر من المسطح المائي. عندما تترابط اذرع البللورات مع بعضها تتشكل فيما بينها قنوات وفقاعات هوائية ومناطق صغيرة تنحصر فيها الاملاح المركزة. بالاختصار العديد من الغرف التي كل واحدة منها يمكن ان تتفاعل كمختبر صغير لخلق الاحماض الامينية في فترة درجة الحرارة الواقعة بين ناقص 2 وناقص 10 مئوية، حيث تكون اغلب هذه البنيات البللورية لها شكل الحلقة المحيطة بالمحاليل والاملاح، لتقوم البللورات الجليدية بدور الجدار الخلوي العازل.
عند تجمد الماء تضغط المحتويات وتدفع الى الفراغات بين البللورات ، وعند هبوط درجة الحرارة وصعودها تجري حركة في منطقة الفراغات الواقعة على حدود البنية البللورية، مما يؤدي الى إنتشار المُكونات والعناصر بين الفراغات عبر القنوات. حسب إستنتاجات Hauke Trinks يمكن لنواتج هذه العملية الديناميكية ان تكون قد قدمت إضافة كيميائية عضوية جديدة لمحتويات " الشوربة" . لقد اظهرت التجارب فعلا ان الاحماض الامينية الداخلة في تركيب RNA من الاسهل تشكلها وتطورها في درجات الحرارة المنخفضة.
Hauke Trinks يدعي ايضا ان شكل البللورات الجليدة يمكن ان تكون قد شكلت القالب الذي ظهر على شكله جدار الخلية الاولى، والذي كان الخطوة الاخيرة في الاتجاه الى الخلية الحية.
الناقدين لهذه النظرية يشيرون الى ضعف الاحتمال في ان تكون درجة الحرارة منخفضة بما يكفي لظهور كمية كافية من الجليد. غير ان هويكس يشر الى ان "كمية" الجليد ليس امرا حيويا إذ يكفي وجود بعض الجليد في " الشوربة" الارضية لإعطاء الحياة دفعة صغيرة الى الامام. وبالرغم من ان نشوء الاحماض الامينية هو خطوة اساسية لنشوء الحياة إلا انها تبقى خطوة واحدة في مسيرة الالف ميل.
مرحلة النشوء الثانية
الخطوة الثانية لنشوء الحياة تتطلب ان تتمكن المُركبات العضوية الاولى من الاتحاد مع بعضها لتشكل مُركبات اكثر تعقيدا، مثلا RNA. هذا الامر ممكن إذا كانت المُركبات محصورة في مجمعات محجوزة بحيث ان تركيزهم يزداد بالتتدريج وان حظهم في الاتحاد يزداد. من اجل ان يصبح هذا التفاعل فعال يجب تقريب المواد العضوية الى بعضها البعض ، كما ذكرنا سابقا عن إمكانية دور الجليد في هذه العملية، ولكن نرى ان اوبارين له وجهة نظر اخرى، إذ اعتقد ان المواد العضوية لديها القدرة على تشكيل مايشابه الجيلاتين يسمح بجمعهم الى بعض ويحصرهم.
التجارب العملية اظهرت انه إذا تم رفع درجة حرارة محلول من الاحماض الامينية الى حد تبخر ماء المحلول ومن ثم يضاف اليه الماء من جديد يتشكل دائما كريات هوائية ذات جدران من مادة مشابهة للبروتين. هذه الكريات الهوائية يمكنها ان تقوم بوظيفة " خلية"، حيث يتمكن فيها المواد العضوية من الترابط، حسب العالم Sidney Fox. مثل هذا الامر يمكن ان يحدث للماء المعزول في بحيرات صغيرة.
الاحماض الامينية "خلقت" الحياة
اليوم يعتقد الكثيرين من العلماء ان هذه الاتحادات جرت حول الجزيئات الطينية التي لها خاصية الربط والارتباط بمختلف المُركبات وتسريع الاتحادات الكيميائية بين عناصرها. العالم الامريكي Jack Szostak من مستشفى ماساتشوسيت في بوسطن الامريكية قام عام 2003 بإجراء مجموعة من التجارب لتقليد ماجرى في السنوات الاولى لنشوء الحياة.
Szostak قام بخلط انواع من الجزيئات الطينية مع RNA التي تشكل جزء من المورثات، واحماض دهنية ، التي تعتبر جزء هام من اجزاء الاغشية الخلوية . في خلال بضعة ساعات قام RNA بربط نفسه بالجزيئات الطينية وبدأت الاحماض الدهنية بإنتاج مايشابه فقاعات جدرانها تتكون من مادة تسمى fosfolipid وهي المادة التي تتكون منها جدران الخلايا، هذه الفقاعة قامت بالاحاطة بالمُكونات العضوية، لتشكل غرفة مغلقة. الجزيئات الطينية كانت جزء هاما من هذا التفاعل، إذ عندما لم يكن هناك طين جرى التفاعل ابطئ بمئة مرة.
" الغشاء" الذي نشأ اظهر قدرة على جذب احماض دهنية جديدة الى داخله وبالتالي صارت " الخلية" تنمو. عندما وصل قطرها الى 130 نانوميتر بدأت بالانقسام. الانقسام جرى بإنتظام بدون ان تفقد " الفقاعة" محتوياتها من RNA او اي من العناصر العضوية الاخرى. هذا " الخلية" التي من الممكن ان تكون قد ظهرت مثيلتها بعد فترة قصيرة من نشوء الارض هي نموذج مختبري عن احدى الطرق المحتملة والممكنة لظهور الحياة على الارض
" الخلية او الفقاعة" الناشئة ذاتيا اعطت المزيد من الفضائل الضرورية لنشوء الحياة. لقد تمكنت من إزالة معوقين آخريين في الطريق الى الخلية الحية. اولا تمكنوا من حجز وحماية المكونات الداخلية عن المحيط الخارجي، الامر الذي يضمن للمكونات الداخلية ان تنمو وتطور بدون تأثيرات خارجية غير مرغوبة. والثاني، اعطاء مكوناتها مساحة مناسبة للنمو والانقسام ضمن اطر حاجة المكونات الفردية كما نرى الامر عند الخلايا الحية.
علماء اخرين من بينهم العالم الدانماركي Steen Rasmussen العامل في مختبر لوس آلاموس الوطني في ولاية نيومكسيكو الامريكي. حاولو بطرق مختلفة إنشاء حياة في المختبر. تميزت تجارب راسموسين عن الاخرين بسعيها الى اعطاء " مخلوقاته" القدرة على بناء نفسها بنفسها. عوضا عن تزويدهم بالاحماض الدهنية الجاهزة لبناء " النفس" كان يعطيهم "طعام" يتألف من مُركبات كيميائية تتدخل في بناء الاحماض الدهنية. هذا يعني انه قبل إستخدامها تضطر " مكونات الفقاعة" على القيام بوظيفة اساسية من وظائف الخلية الحية وبالذات القيام بتفاعل كيمياوي يتتطلب طاقة لتحويل " الطعام" الى احجار بناء، تماما كما يحدث عند الخلايا الحية.
هدف التجارب التي قام بها كل من Jack Szostaks and Steen Rasmussens تهدف على المدى البعيد الى التوصل لخلق حياة كاملة. في اثناء ذلك تقوم التجارب بإعطاء فكرة انضج عن لحظة تحول المواد الداخلة في التفاعل من مواد لاحية الى الحالة التي يمكن اعتبارها " حية". من الناحية العلمية لايوجد مايدعو الى الاعتقاد بأن الحياة هي حالة سحرية او خارجة عن نطاق القوانين العامة للمادة. على العكس يمكن القول ان " الحياة" هو عندما يصل التعقيد الى نقطة حرجة. الخلية تنشأ عندما تكون مكوناتها قادرة على القيام بالتفاعلات الصحيحة وقادرة على القيام برد الفعل المناسب عند حدوث التفاعلات. تراكم هذه الافعال وردود الافعال القائمة على صفات المادة الداخلة في التفاعل الى حد كاف يصل بها الى درجة الحياة.
الحياة مجموعة من القطع المتفرقة
يوجد نوعين من الخلايا نوع يسمى eukaryota وتتألف منه خلايا جميع الاحياء عدا البكتريا و Archaea اللذان يتكونان من خلايا النوع الثاني وهو المسمى prokaryota. كائنات النوع الاول نجد ان وظائف خلاياها قد تطورت خطوات بالمقارنة بالنوع الثاني و اصبحت خارج النواة. الجينات تُنسخ ويحتفظ بها في النواة في حين تصنيع البروتين يجري في الريبوسوم اما إنتاج الطاقة فيجري في الميتاكوندري وعند النباتات نجد ان الكلوروبلاتسيرنا هي مأوى التركيب الضوئي. مع بعض تشارك هذه المكونات الموزعة في صناعة الحياة في حين كل منهم على حدة لايمكن اعتبارها " الحياة"، إذ لايستطيعون خلق الوجود الحي بدون بعضهم البعض.
من الناحية النظرية يمكن القول ان الحياة ظهرت من تجميع عدة قطع تكمل بعضها البعض، ومع بعض يشكلون الحياة. النقاط الاساسية الثلاث التي يجب ان تتحقق عند الكائن الحي ليمكن إطلاق صفة الحي عليه هي اولا: ان يتمكن من الاهتمام بنفسه، ثانيا: ان يتمكن من الانقسام وثالثا: ان يتمكن من التطور والنمو. هذه الخصائص من الممكن انها نشأت بالتوازي والى حد ما بدون ارتباط مع بعضها البعض.
البروتينات تحولت الى إنزيمات تنشط التفاعل الكيميائي وبالتالي تساعد على بناء تفاعلات اعقد او تفكك تركيبات سابقة وتحرر الطاقة. هذه الخاصية حققت قدرة الخلية على إدارة شؤونها بنفسها. حاجز الاحماض الدهنية له قدرة على إنشاء حاجز عازل الامر الذي يسمح بنشوء بيئة قادرة على النمو والانقسام. واخيرا تمكن RNA ومن ثم فيما بعد DNA من تنمية القدرة على تخزين المعلومات الوراثية ونقلها خلال عملية الانقسام والتكاثر. ومن خلال عملية الانقسام التي يشارك فيها الكودين تجري الطفرة الى تؤدي الى الانحراف عن الاصل وتحقيق التنوع.
الاوكسجين كان غازا ساماً
الكائنات الحية الاولى كانت على الاغلب تتشابه مع البكتريا الحالية. لقد كانوا يعيشون في بيئة ليس فيها اوكسجين ولم يستخدموا الاكسجين في عملية التبادل الحيوي، ولكن قبل 3,5 مليار سنة جرت طفرة في احداهم لتكون الجد الاول للبكتريا الحديثة من نوع cyanobacteria, التس ظهر لديها القدرة على القيام بعملية التمثيل الضوئي، لتصبح الاشعة الشمسية مصدر الطاقة لها والاوكسجين هو مخلفاتها.
في بعض المناطق لازلنا نستطيع مشاهدة الارض في الفترات المبكرة لظهور البكتريا الجديدة المنتجة للاوكسجين، حيث يوجد مايسمى Stromatolite, وهي عبارة عن سجادة من البكتريا. تنشأ هذه السجادة عندما تقوم cyanobacteria والتي تسمى ايضا الطحالب الزرقاء-الخضراء (blue-green algae) ، عندما تقوم بإصطياد العناصر المعدنية المحلولة في الماء وإعادة انتاج نفسها من جديد لتتراكم فوق بعضها البعض.
هذه البكتريا المنتجة للاوكسجين جلبت كارثة على الكائنات الارضية الاخرى إذ ان الاوكسجين كان غازا ساما لهم مما ادى الى موتهم، تاركين المجال للسادة الارض الجدد. في خلال 300 مليون سنة ارتفعت نسبة الاوكسجين في الهواء من 1% الى 15 %. علماء ناسا يرون ان البكتريا في ذلك الوقت بدأت بإنتاج كمية كبيرة من غاز الميتان الذي نقل معه الهيدروجين الى الفضاء في حين بقي الاوكسجين الاثقل على الارض.
وحيدات الخلايا الحقيقية الاولى ظهرت قبل حوالي 600 مليون سنة واحتاج الامر الى 75 مليون سنة اخرى لتؤسس لعصر الانفجار الكامبري. الباكتريا المسماة Carsonella ruddii تملك اقل عدد من التراتيب الاساسية إذ يصل عددها الى 159662 موزعة على 182 جين. هذا يعني انها الاقرب الى العدد الذي توصل اليه العالم George Church على انه الحد الادنى الذي لاغنى عنه للخلية الحية والذي هو 151 جين. للمقارنة يملك الانسان من 20000 جين، والتي تحتوي على ثلاثة مليارات ترتيب اساسي.
غير ان هذه البكتريا لاتستطيع التكاثر بذاتها وانما تحتاج الى مساعدة من جسم المضيف. كرد للجميل على مساعدة المضيف تقدم له احماض امينية ضرورية ولاغنى عنها للحشرة التي لاتستطيع انتاجها بنفسها. وجودها وطريقة حياتها تشير الى إمكانية إندماج حيوي لمكونين منفصلين يؤدي عمليا الى نشوء كائن واحد.
عام 2007 تمكن علماء من جامعة كوليرادو الامريكية ، على رأسهم Noel Clark وجامعة ميلانو الايطالية على رأسهم Giuliano Zanchetta من رؤية امر مثير للغاية. مركبات عضوية مثل DNA قادرة على التشكل والبقاء بإستمرار بالماء في ظروف محددة. هذا المقال تم نشره في: Nov. 23 issue of Science . هذا الامر لم يكن احد في السابق بعتقد بإمكانيته على الاطلاق، الامر الذي كان يعقد إمكانية تفسير ظهور اللولب الاميني وادى الى تقديم عشرات النظريات كما رأينا اعلاه. الان " رأى" العلماء كيف قطع من السلسلة البيبتدية يمكنها ان تقوم بإنشاء مايمكن ان يسمى بالتشكيلات الكريستالية الطافية. هذه الاشكال الكريستالية يمكنها فيما بعد ان تقوم بمد الروابط الى بعضها البعض بحرية في المحلول السائل. الباحثين يعتقدون ان مثل هذا الامر كان الجد الاول لتشكيل السلسلة البيبتدية للخلية RNA or DNA, وبذلك سارت الخطوة الاولى نحو ظهور الحياة.
الكريستال الطافي مادة بيلوجية في نفس الوقت التي تملك خصائص السوائل والاجسام المتماسكة الثابتة. مثل هذه الاجسام تستخدم في شاشات التلفزيون والكمبيوتر ، بسبب قدرتهم على سرعة اختيار التوجه حسب التغييرات الكهربائية.
هذه الكريستالات الطافية يعتقد انها كانت اصل مناسب للخلية، إذ ان لديهم مايكفي من القدرات للقيام بحركات منظمة كافية لظهور تشكيلات اكثر تعقيدا.
حتى الان لانعلم عين اليقين اي طريق اختارت الحياة لنشوءها ولكن التجارب الجارية تشير الى اننا في الطريق الصحيح للوصول الى جواب إلا إذا ظهر ان الحياة التي ستظهر معنا تختلف عن الحياة الارضية التي نعرفها.