مقدمة .
هناك رؤية لى تلح بإستمرار و تثبت دائما منطقيتها وعقلانيتها فى كل مناحى الحياة ..رؤية تطرح أن أفكارنا ليست وليدة عملية ذهنية محضة بواسطة العقل ..بل العقل هو وسيلة لتقبل وتمنطق الأفكار التى نريدها والتى نحتاجها .
أى أننا تحت إلحاح رغباتنا وإحتياجاتنا وحالتنا النفسية نسوق العقل للخوض فى غمار أفكار محددة محاولا أن يمنطقها ويجعل لها قبول وحضور .
نحن أيضا لا نفكر فى أمور ليس لها أى مردود نفسى وإحتياجى داخلنا ..أمور لا تشكل أى تأثير إيجابى اوسلبى فى داخلنا ..فمثلا لا يهمنا إنفجار نجم فى مجرتنا أو مجرة بعيدة عنا ولن نخوض فى البحث عن سبب هذا ..ولن يزعجنا هذا الأمر لنجعل العقل يخوض فى البحث عن سبب إنهيار النجم ..ولكن فى المقابل سيزعجنا بشدة سقوط حجر من أعلى بناية فوق رؤوسنا وسنبحث هنا إن كان سقوطه عمدا أو سهوا .
وبالمثل يكون خوضنا غمار البحث عن فكرة الإله يسير فى هذا المنحى ..فلو لم توجد حالة نفسية قلقة ومضطربة , ما شغلنا ذهننا فى محاولة إيجاد فكرة تبث الطمأنينة للنفس الملتاعة ..لو لم يكن هناك خوف وقلق وحالة نفسية غير مستقرة ما فكرنا لحظة واحدة فى قضية السببية والبعرة والبعير .
الإيمان هو عبارة عن تطويع العقل للوصول لأفكار تعطى حالة نفسية مستقرة ..الإيمان هو حل العقل البدئى للوصول لحالة من الإستقرار النفسى .
المؤمنون يمارسون قضية التبرير لمعتقداتهم الهشة بأسر العقل وتطويعه ليقدم بعض الأفكار تساق فى الحفاظ على توزان وإستقرار حالة نفسية يراد لها أن تظل هكذا .
إذن فرغباتنا وإحتاجاتنا النفسية العميقة هى التى تسوق العقل لوضع أفكار تلبى هذا الحاجات لتتحول الأفكار إلى عقيدة نجد فيها مرجعينا النفسية لنجتر منها عند الإحتياج .
يمارس العقل دور البحث عن وسائل منطقية ولو حتى كانت واهية لتثبيت الحالة النفسية التى نستأنسها ..
لا يمارس العقل المهمة المنوط بها بشكل تقليدى وساذج بل يمارس تقنيات ذهنية معقدة ومركبة هدفها النهائى هو ترسيخ الحالة السيكولوجية التى نبتغيها وهو ما سنشير إليه لاحقا .
من خلال تأملاتى فى المنظومة الدينية وأطروحاتها وجدت أن تضاريس النفسية المؤمنة شديدة الوضوح ..وأن كل ما تطرحه وتفكرفيه بل وما تناور به هو من أجل غاية واحدة ومحددة وهو الوصول لحالة من الإستقرار النفسى المنشود ..بالطبع لا يهمنى هنا إن كان هذا الإستقرار النفسى وهما أو خيالا ..ولكن كل ما يهمنى هو أن الإيمان ليس أكثر من حالة نفسية ومزاجية خاصة يبحث الإنسان الوصول إليها ليصل إلى تصوره الخاص عن الإستقرار والتوازن النفسى .
وبالرغم أن العقل لا يقدم مبررات الإيمان إلا أنه يحاول أن يتحرك فى دوائر تهدف الوصول إلى عتبات الحالة السيكولوجية المبتغاة .
سنجد فى أطروحاتى القادمة أن هناك طرق غير تقليدية يمارسها العقل لمحاولة تثبيت الإيمان الذى لا يوجد ما يثبته سوى المناورة والإلتفاف بغية بث الأمان فى ذهنية تأمل فى أن تتعلق بقشة تطفو بها على أفكار واهية هشة لا يكون لها وجود سوى رغبة إنسان بائس معرفيا فى التمسك والتشبث بها .