من القمر نصل إلى المجالات البلورية الشفافة وإلى عالم الصفاء الذي لا يعرف الفساد: هنا الحركة دائرية، وأقصد أنها مكتملة كالشكل الكروي.
ك. ب.: هو ذلك التصوُّر للآخرة الذي سيضعه كوبرني**** وغاليلو في مأزق؟
ج. د.: نعم، لقد حطما بشكل بسيط ونهائي كل منظومة الاعتقادات ال****موغرافية (المتعلقة بمظهر الكون وتركيبته) والميتافيزيقية التي كانت مقبولة حتى ذلك الوقت! لقد كان الأمر بمثابة ثورة ثقافية حقيقية. أولاً ذهب العالمان ضدَّ الحسِّ العامِّ حينما قالا بعدم دوران الشمس حول الأرض وإنما العكس. إذا لم نعد نؤمن بما نرى، أليس من الحريِّ بنا أن نشك في كلِّ شيء؟ وبعد ذلك اكتشف غاليلو شوائب على الشمس وجوبيتر وفينوس. وإذن فالفساد يطال حتى المجالات العليا؟ وهكذا لم يعد موجودًا ذلك الحد الذي اخترعته القرون الوسطى بين عالم أرضي وعالم سماوي. فلم يعد هناك قطيعة بين دائرة الصفاء ودائرة الفساد وإنما بين عالم مرئي محسوس وعالم غير مرئي متخفٍّ. وهذا يعني إعادة نظر في كثير من الأشياء! ودون أن ننسى أنَّ نيوتن قد تمكَّن من تفكيك الضوء بينما كان معتبرًا كإشعاع من الله لا غير. وحينئذ أصبح كل البناء الجغرافيو-ديني للسماء محلَّ إعادة تفكير.
ك. ب.: ومع ذلك لا تزال تدور فكرة الجنة بعد غاليلو؟
ج. د.: أقول بالأحرى إن الأرض هي التي لا زالت تدور وليس الجنة إذ أصبح من الصعوبة تخيُّلها. وقد سبق للوثر أن كتب: "مثلما لا يعرف الأطفال في بطون أمهاتهم إلا الشيء القليل عن مولدهم، فكذلك لا نعرف سوى القليل عن الحياة الأبدية". أما فيما يخص تعاليم مجلس ترينت فنقرأ: من المستحيل أن نفهم اليوم عظمة تلك الأمور (الجنة) إذ لا يمكنها أن تظهر لعقولنا. ينبغي أن نكون قد دخلنا في بهجة الربِّ، وعند ذاك نكون كالمغمورين والمجللين من كل جهة بتلك البهجة وتكون رغباتنا قد تحققت كلها".
ك. ب.: هل تجاوز تجسيد الجنة هو طريقة ما للتوفيق بين العلم والدين؟
ج. د.: بل هو السبيل الوحيد الممكن!
ك. ب.: ثم أخذت المشعل ديانة التقدم...
ج. د.: ولدت فكرة التقدم في القرن الثامن عشر واتضحت معالمها مع الفيلسوف ليبنتز ثم سيطرت إبان القرن التاسع عشر. ومع تقدم التعليم والتثقيف والعلم سيأتي التقدم الأخلاقي الذي سيحسِّن الحياة على وجهه هذه الأرض، كما نأمل. أتذكر أنَّ بيار لورو، الرجل الذي نحت كلمة "اشتراكية"، قد كتب: "ستتحقق الجنَّة على الأرض". وكان الوضعيون ينظرون إلى أنفسهم، هم أيضًا، على أنهم من عوامل التقدم على الأرض، وهو تقدم كان لديهم كشكل من أشكال الدين. وقد بشَّرت الماركسية بدورها بالسعادة التي ستكتشفها الإنسانية بفضل المجتمع اللاطبقي. وفي النهاية ربما يكون الفكر المادي واحدًا من التحولات المتعلقة بتصوُّر الجنة الأرضية والحنين إليها.
أجرى الحوار: كارولين برون
ترجمة: حميد زنار
منشور في موقع الاوان بتاريخ : السبت 31 كانون الأول (ديسمبر) 2011
0
الحاصل في العالم العربي الآنْ .. ثورات تقتلع كل طغيانْ!