سوريا والحل الدبلوماسي
الإتحاد الاماراتية
GMT 0:43:00 2012 الثلائاء 14 فبراير
var addthis_config = {data_ga_property: 'UA-810927-2',"data_track_clickback":true, ui_language: "ar"};
حمد المنصوريقد يكون من محاسن بن علي أنه "فهم" التونسيين مبكراً بعد أن خرجوا في ثورة
عارمة ضد نظام حكمه، فآثر ألا يريق أنهار الدماء في صراع لم يكن ليهدأ إلا
بسقوطه. وكان أقرب إلى الاقتناع بقول الشابي شاعر بلاده "إذا الشعب يوماً
أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر". ولكن القذافي ومثله الأسد وغيرهما
الذين اختزلوا الأوطان في ذواتهم على مر التاريخ لا يوجد في قواميسهم غير
لغة البطش وسفك الدماء، فلم يعترفوا أصلاً بإرادة الشعب في تغيير واقعه،
وظنوا أن قمع الثورات الشعبية بالقتل والترهيب كفيل بإخمادها ووأدها..
فلقي القذافي مصيراً مأساويّاً بعد أن أُذيق من نفس الكأس الذي جرع شعبه
منه، فيما الأسد لا يزال يمعن في القتل والتنكيل متوهماً أنه سيظفر بالنصر
في نهاية الأمر.
إن الصراع في سوريا بين الشعب الذي يريد التحرر من طاغيته أكثر تعقيداً في
حال تدويله من الصراع الذي دار في ليبيا لإزاحة القذافي. لقد كان هناك شبه
إجماع دولي على ضرورة الإطاحة بنظام القذافي إلا من بعض الدول الأفريقية
الموالية له. أما في حالة نظام الأسد، ونظراً للموقع الجغرافي السياسي
المهم، وتحالفات النظام الوطيدة مع القوى الإقليمية والدولية الكبرى مثل
إيران وروسيا، فإن تدويل الصراع لن يكون بالأمر اليسير، وهذا ما ظهر
جليّاً في "الفيتو" الروسي والصيني المزدوج في مجلس الأمن لإجهاض قرار
أممي بشأن إدانة النظام السوري، ومقترح مشروع جامعة الدول العربية لحل
الأزمة في سوريا.
إن ما لا يعرفه النظام السوري وحلفاؤه هو أن مناوراتهم في تعطيل المبادرات
وإفشال مهام بعثات المراقبين، والتذرع بوجود مؤامرة خارجية على البلاد، مع
الاستمرار في ترويع وإبادة سكان المدن والقرى والبلدات الثائرة لن يجدي في
إخماد الثورة الشعبية في البلاد، ولن يغير شيئاً من حتمية قرار الشعب
بتغيير النظام. ولكن النظام موغل في غيه ومصمم على ترسيخ بقائه وإن كلفه
الأمر إبادة كل شعبه.
إن مجموع القرارات التي صدرت عن اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في
القاهرة مساء أول من أمس بإنهاء بعثة المراقبين العرب، ودعوة مجلس الأمن
لتشكيل قوات سلام عربية أممية مشتركة للإشراف على تنفيذ وقف لإطلاق النار
في سوريا، وتقديم الدعم المادي والسياسي للمعارضة السورية، ووقف جميع
أشكال التعاون الدبلوماسي مع ممثلي نظام الأسد، لهوَ أضعف الإيمان، وقد
جاء بعد فشل جميع مبادرات التهدئة والمناشدات لوقف قتل المدنيين.
إن الدول العربية مطالبة بتصعيد إجراءاتها ضد النظام السوري وتضييق الخناق
عليه، ودراسة جدوى ومحاذير إمداد الجيش السوري الحر بالسلاح والعتاد،
وخاصة أن تقارير عديدة تشير إلى أن حلفاء النظام مثل إيران و"حزب الله"
والميليشيات المسلحة في العراق ترسل إمدادات من الأفراد والمسلحين والعتاد
لدعم النظام في قمع الانتفاضة الشعبية.
وهناك شبه إجماع عربي على عدم جدوى تدويل المعركة ضد نظام بشار على شاكلة
النموذج الليبي.. كما أن هناك تخوفاً رسميّاً عربيّاً من تحول الصراع إلى
حرب طائفية واسعة وإبادة شاملة قد يستخدم فيها النظام أسلحة غير تقليدية
في حال إمداد المعارضة بالسلاح، وخاصة أن المعارضة المسلحة لم تجتمع حتى
الآن تحت لواء واحد.
إذن هل تكفي القرارات التي اتخذتها الجامعة العربية لحقن دماء الشعب
السوري، خاصة مع تردد العرب في تدويل الأزمة وتخوفهم من تداعيات تسليح
المعارضة. لقد أصبح الحل الدبلوماسي والحصار الاقتصادي والعمل على عزلة
النظام سياسيّاً هي الحل "الأنسب" و"الأسهل" عربيّاً، ولكن هذه الحلول لن
تلجم ضراوة النظام ضد شعبه ولن تقيد يديه عن ممارسة المزيد من القتل
والتنكيل.