مأزق الأسد: الانشقاقات المتصاعدة في المؤسسة العسكرية السورية
رضوى عمار
الأربعاء 1-2- 2012 تُعد المؤسسة العسكرية أحد العناصر الحاسمة في قدرة أي نظام
سياسي على البقاء ومواجهة الحركات والثورات التي تسعى نحو إسقاطه. وهي
تتسم بوضع خاص في النظام السوري، في ظل طبيعة المجتمع المتعدد الطوائف
والإثنيات. فلا شك فى أن القرار السياسي للنظام في سوريا مرتبط إلى درجة
كبيرة بمساندة القرار العسكري. ومن هنا، يتعين لنا أن نحاول فهم طبيعة هذه
المؤسسة، وحدود تأثيرها فى تطور الأحداث في الفترة المقبلة.
الشكل التنظيمي للمؤسسة العسكرية تتألف القوات المسلحة السورية من الجيش والقوات البحرية
والجوية، وتقف مهامها الرئيسية على الدفاع عن أرض الوطن وحماية الدولة من
التهديدات الداخلية.ويبلغ
عدد أفراد القوات المسلحة 300.000 فرد، وهي منظمة في ثلاثة ألوية تضم ما
مجموعه 12 فرقة: سبع منها مدرعة، وثلاث مؤللة، بالإضافة إلى الحرس
الجمهوري والقوات الخاصة. وتشمل وحدات النخبة الحرس الجمهوري الذي يتألف
من 10.000 فرد، ويخضع لسيطرة الرئيس، وهو مكلف بالتصدي لأي تهديد من أية
قوات عسكرية منشقة، والفرقة الرابعة التي تضم 20.000 فرد ويقودها ماهر
الأسد، شقيق الرئيس.
[1] كما تضم أجهزة أمن الدولة العديد من القوات الأمنية وأجهزة
المخابرات ذات المهام المتداخلة، وهي تلعب دوراً قوياً في المجتمع السوري،
فهي تعمل على مراقبة وقمع المعارضين للحكومة. ويشمل جهاز الأمن الداخلي
قوات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية والمخابرات العسكرية السورية،
ومخابرات القوات الجوية، ومكتب الأمن الوطني، ومديرية الأمن السياسي،
ومديرية المخابرات العامة. وتتألف هذه الأخيرة من 25.000 فرد يتبعون من
الناحية الرسمية لوزارة الداخلية، ولكن اتصالهم المباشر هو مع الرئيس
ومعاونيه المقربين. وهي تضم جهاز الأمن الداخلي، الذي يُعرف أيضاً باسم
جهاز أمن الدولة، والأمن الخارجي، وفرع فلسطين.
على الجانب الآخر
،هناك "الشبيحة"، وهي
ميليشيات تضم ما يقدر بنحو 10.000 من المدنيين المسلحين من قبل الحكومة.
ويلاحظ أنه من غير الواضح درجة سيطرة الحكومة المركزية على أعمال هذه
الجماعات، ذلك بالإضافة إلى الجيش الشعبي، وهو ميليشيا حزب البعث، والتي
تضم ما يقدر بنحو 100.000 فرد من جنود الاحتياط.
[2] مما سبق، يتضح صعوبة تحديد مسئولية وحدة بعينها عن فعل ما،
في ظل هذه التركيبة المعقدة. فهناك تداخل كبير بين عمل الوحدات، سواء داخل
وحدات المؤسسة العسكرية وبعضها، أو بين بعض وحداتها وأجهزة الأمن الشرطية،
فضلاً عن الكيانات الأخرى، مثل "الشبيحة" أو "الجيش الشعبي"، والتي لا
تتمتع بوضع هيراركي في المؤسسة العسكرية، رغم كون أعمالها تحسب على
المؤسسة.
تأثير الطائفية فى المؤسسة العسكرية السورية تعكس تركيبة القوات المسلحة في سوريا الطبيعة الطائفية في
المجتمع السوري. فالطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد
تُشكل نحو 11- 12% من الشعب السوري، بينما يُشكل السُنة نحو 74- 75 %.
وعلى الرغم من كون الطائفة العلوية أقلية، فإنهم يتقلدون المراكز السياسية
العُليا، ويشغلون قيادة الصفوف العسكرية والأجهزة الأمنية على نحو لا
يتناسب مع قوتهم العددية.
[3] وهنا تجدر الإشارة إلى أن التجنيد إلزامي في الجيش السوري
لكل شاب بلغ سن الثامنة عشرة، ومعظم المُجندين في المؤسسة العسكرية من
الطائفة السنية. لكن على الجانب الآخر، فإن العلويين يحتلون نحو 80-90% من
المناصب في سلك الضباط. ويرى البعض أن هذه التقديرات معقولة بالنظر إلى
تاريخ الجيش السوري في ظل حزب البعث. فبعد الانقلاب الذي قام به الحزب عام
1963، وصل تمثيل العلويين بين الضباط المعينين الجدد إلى 90%، وهؤلاء من
أصبحوا اليوم كبار الضباط.
[4] من ناحية أخرى، تُشير بعض الدراسات إلى أنه حتى في حال
سيطرة القوة العددية لطائفة السنة في الوحدات العسكرية، فإنهم يظلون
يخضعون إلى الطائفة العلوية. فعلى سبيل المثال، رغم أن معظم طياري القوات
الجوية السورية من الطائفة السُنية، فإنهم يخضعون للمخابرات الجوية التي
تسيطر عليها الطائفة العلوية.
[5] ويُلاحظ أن النظام استخدم التوترات الطائفية للحفاظ على
سيطرته على القوات المسلحة. فإلى جانب العلويين، هناك عدد آخر من الأقليات
الموالية للنظام التي تشغل مناصب عسكرية رئيسية في سوريا، مثل الدروز
والمسيحيين والشركس السنة. ويُشار إلى أن الرئيس بشار الأسد عين أحد
أتباع الطائفة الأرثوذكسية اليونانية، الجنرال داود راجحة، وزيراً للدفاع
في أغسطس عام 2011.
[6] من ناحية أخرى، اتبع النظام الأسلوب نفسه الذي استخدمه في
الفترة من 1979 إلى 1982، حيث اعتمد في تعامله مع الاضطرابات على الوحدات
التي تتكون غالبيتها من العلويين، والتي تعد حماية النظام من مهامها
الأولى. وتشمل عناصر من وحدة الحرس الرئيسي للنظام، و" فرقة الحرس
الجمهوري"، رغم أن الكثير من هذه الوحدة ظل في منطقة العاصمة للدفاع ضد
وقوع أي انقلاب محتمل، بالإضافة إلى قوات الأمن وعدد من وحدات الجيش
النظامية الرئيسية، مثل الفرقة الرابعة المدرعة، إلى جانب عناصر من "فرقة
القوات الخاصة" الرابعة عشرة، والميليشيات الموالية للنظام "الشبيحة".
ويبدو أن وحدات الجيش النظامية قد لعبت دوراً محدوداً، وهو
ما يمكن رده لقلق النظام من استعدادها لاستخدام القوة المميتة ضد المدنيين
في ضوء الطابع الطائفي للمؤسسة. كما أنه لم يتم تدريب أو تجهيز معظم وحدات
الجيش النظامية للقيام بمهام الأمن الداخلي والسيطرة على الحشود، على عكس
ما يتوافر لوحدات حماية النظام من تدريب في هذا الشأن.
[7] تأثير الانشقاقات في المؤسسة العسكرية: بدأت المؤسسة العسكرية في سوريا تشهد
انشقاقات منذ صيف عام 2011. وجدير بالذكر أن بعض هؤلاء الجنود يلوذ
بالفرار، والبعض الآخر يطلب اللجوء، كما أعلن النظام السوري عن إعدام
بعضهم. على الجانب الآخر، هناك بعض الجنود استطاعوا تنظيم أنفسهم في
كيانات لها قيادات محددة.
فقد أُعلن عن كيان "الضباط الأحرار" بقيادة المقدم حسين
حرموش، كما أُعلن عن "الجيش السوري الحر" في نهاية يوليو، بقيادة العقيد
رياض الأسعد. إلا أنه بعد اختفاء حمروش في أواخر سبتمبر، تم إعلان توحيد
كلتا المجموعتين تحت اسم "الجيش السوري الحر".
[8] ويوجد من بين المنشقين أفراد من جميع الرُتب، من المجند وحتى العميد، إلى
جانب مجموعة متنوعة وواسعة من الوحدات والتنظيمات القتالية التي تشمل
أركان النظام الرئيسية، مثل "الحرس الجمهوري" والهيئات الاستخباراتية. وقد
انشقت بعض الوحدات الصغيرة كمجموعة، كما تم الإعلان عن العديد من
الانشقاقات بحجم الكتيبة، وإن لم يتم تأكيد ذلك،
كما أن عدد المقاتلين المرتبطين بكل كتيبة غير واضح.
[9] وتُشير بعض التقديرات إلى أن
عدد الجيش السوري الحر قد تراوح ما بين 10.000 و 15.000 جندي في أكتوبر
2011، لكن البعض قدر أن عددهم أقل من ذلك في ذلك الوقت.
[10]وآخر هذه التقديرات قدمها العميد الركن مصطفى أحمد الشيخ الذي انشق
أخيراً، وقد وصلت إلى 120 ألف جندي، وذلك وفقاً لمقابلة أجرتها معه وكالة
رويترز في 13 يناير 2012.
[11] ، بينما كشفت بعض وسائل الإعلام عن أن العدد قد وصل اليوم إلى نحو 30 ألفاً فقط.
[12] ويعتمد "الجيش السوري الحر" على أسلحة صغيرة في معظمها، تضم
(بنادق ورشاشات خفيفة) وقذائف صاروخية من نوع "آر بي جي"، وبعض المدافع
الرشاشة الثقيلة، وعبوات ناسفة متنوعة. وتأتي مصادر الأسلحة من المنشقين،
إلى جانب بعض عمليات التهريب، خاصة من لبنان وتركيا، فضلاً عن الاستيلاء
على بعض العتاد خلال الاشتباكات مع قوات النظام.
وتنتشر عمليات "الجيش السوري الحر" حالياً في جميع أنحاء
سوريا، سواء في المناطق الحضرية أو الريفية. ويُلاحظ أن أكبر تجمع لهذه
القوات يوجد في المنطقة الوسطى، الذي يضم تسع كتائب أو أكثر.
[13] وتُعد الروابط داخل "الجيش السوري الحر" رخوة نسبياً، حيث
توجد القيادة والمقرات في تركيا، إلى جانب وجود مجموعة من القيادات
الإقليمية أو قيادات المنطقة مع مجموعات تابعة لها في سوريا، بالإضافة إلى
ما تُشير إليه بعض التقارير الإعلامية من وجود عنصر أو عنصرين قتاليين في
لبنان.
وتُقدم المقرات التركية توجيهاً عاماً، بينما تمارس الوحدات في سوريا تحكماً مستقلاً على عملياتها إلى حد كبير.
ويكشف الواقع عن إمكانية وجود درجة من التعاون بين الوحدات.
فقد ورد في الإعلام، وبالتحديد في شهر نوفمبر عام 2011، أن عناصر من
وحدتين في منطقة دمشق- "كتيبة أبو عبيدة الجراح" و"كتيبة معاوية بن أبي
سفيان"- قد تعاونوا في عمليات ضد قوات النظام.
وتعتمد القيادة في التواصل على الهواتف المحمولة، والبريد الإلكتروني، وموقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك.
([14]) وفي هذا الإطار، يُمكن الإشارة إلى أن عناصر الجيش الحر تتوزع على 23 كتيبة منتشرة في الأراضي السورية، ومن أهمها:
([15])
| اسم الكتيبة
| الموقع
|
1
| خالد بن الوليد
| محافظة حمص
|
2
| القاشوش
| مدينة حماه
|
3
| أبو الفداء
| شمال محافظة حماه
|
4
| معاذ الركاض
| مدينة دير الزور
|
5
| الله أكبر
| مدينة البوكمال
|
6
| حمزة الخطيب
| جبل الزاوية
|
7
| الأبابيل
| مدينة حلب
|
8
| آل الهرموش
| معرة النعمان ومحيطها ومناطق أخرى من محافظة إدلب
|
9
| معاوية بن أبي سفيان
| العاصمة دمشق
|
10
| أبو عبيدة بن الجراح
| ريف دمشق
|
11
| العمري
| درعا
|
12
| الرشيد
| الرقة
|
وتُشير وسائل الإعلام إلى أن ثقل وجود
"الجيش السوري الحر" يتركز حالياً في مدينة حمص وجبل الزاوية. كما أنه في
الفترة الأخيرة، أحكم سيطرته الكاملة تقريباً على منطقة إدلب، وتوسعت
دائرة وجوده في ريف دمشق، لاسيما في الزبداني ودوما وعبرين.
[16] ويُذكر أن هناك خلافاً بين قوى المعارضة أخيراً حول دعم
"الجيش السوري الحر". فبينما توافق المجلس الوطني السوري حول دعمه، وأُعلن
عن إنشاء مكتب ارتباط بينهما
[17]، فلا تزال هيئة التنسيق الوطنية ترفض دعمه، مؤكدة أهمية الحفاظ على سلمية الثورة التي تتناقض مع العمليات التي ينفذها.
المؤسسة العسكرية إلى أين؟ يمكن القول إنه من الصعوبة بمكان أن نشهد تحول انحياز
المؤسسة العسكرية في سوريا من نظام الأسد إلى الثوار، سواء نتيجة ارتباط
المؤسسة بقيادتها من الطائفة العلوية التي ترى مصالحها في بقاء نظام
الأسد، أو صعوبة عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، وتحقيق مصالحة بين الجيش
والشعب، بعد تورط أفراد المؤسسة بشكل فاضح وعلني في دماء المواطنين
السوريين.
وإذا قلنا إنه يوجد على الأقل واحد من كل أسرة علوية يخدم
في المؤسسة العسكرية (بالنظر إلى حجم الطائفة من مجموع حجم السكان
والمؤسسة العسكرية)، فيمكن أن نتوقع حجم مأساة الوضع في سوريا، فضلاً عن
التداخل بين مهام وحدات المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، والتي تنشط
فيها أجهزة الاستخبارات الخاصة بكل وحدة على حدة، مما يضيق من إمكانيات
اختراق صفوف المؤسسة العسكرية.
من ناحية أخرى، ما تشهده سوريا هو حالة انشقاق أفراد أو
فصائل من داخل المؤسسة العسكرية ذات الطابع الطائفي، ومن ثم فإن علاقات
القوة غير متساوية بينها، وهو ما أدى إلى تحول الطابع السلمي للثورة
السورية، بعد دخول القوى المنشقة من الجيش في مواجهة مع المؤسسة العسكرية،
وهو ما يزيد من فرص توقع الانزلاق إلى حرب أهلية.
وفي التحليل الأخير، تظل قدرة نظام الأسد على البقاء
مرهونة، إلى جانب دعم المؤسسة العسكرية والأمنية للنظام، بقدراتها على
التلاعب والمراوغة، واستغلال نقاط ضعف المعارضة السورية، الأمر الذي يمكن
تفاديه بتطوير مشروعات التنسيق بين قوى المعارضة المختلفة.