ابوشديد ثـــــــــــــــائر
الجنس : عدد المساهمات : 111 معدل التفوق : 291 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 15/12/2011
| | متى تعرّف الفكر العربي على مفهوم الثورة؟ | |
| | متى تعرّف الفكر العربي على مفهوم الثورة؟ |
|
|
|
| تاريخ النشر 27/09/2011 03:50 AM
|
| | ناظم عودة* على الرغم من وجود صيغة كلمة " ثورة" في المعجم العربي وجذرها، إلا أنها تخلو من الإشارة إلى أي مضمون سياسيّ، وإنما ظلت تدور في دائرة معنى: الثأر في الغالب. ولذلك استعار العرب مفهوم الثورة - بمضامينه السياسية كغيره من المفاهيم من الغرب، ومن الخطاب السياسيّ الفرنسيّ على وجه الدقة. وهو معنى أكثر تطوراً من المعاني التي تضمنها المعجم العربيّ. وتعرّف العرب على مبادئ الثورة الفرنسية، من خلال كتاب: محاكمة مدحت باشا، الذي عرّبه يوسف كمال حتاتة وصدر هذا التعريب بمصر. وانطوى على حديث مسهب عن مطلب الحرية، من قبيل: الحرية تحدد للإنسان حدوده، وتعرفه موقفه من الهيئة الاجتماعية ... وهي التي أوصلت الحكومات المتمدنة إلى درجة الرقي. وانطوى الكتاب كذلك على نقد الحكم الأوتوقراطي العثماني، الذي استغلّ الدين شعاراً للاستبداد.
هذا يعني أنّ العرب تعرفوا على هذا المفهوم في نهايات الدولة العثمانية وبدايات المرحلة الكولونيالية. وبالفعل، كانت ثورة الشريف حسين بن علي تتويجاً لذلك الحراك الشعبي الثوري ضد الامبراطورية العثمانية. ولعلها كانت الثورة الوحيدة في ذلك الوقت التي وضعتْ في مقدمة أهدافها تحرير البلاد أولاً من تلك الهيمنة. ولكن بعد ذلك، في نهاية الحقبة الكولونيالية، جرى إفراغ المفهوم من مضمونه الأساسيّ، وشحنه بمضمون يسوّغ " الفردية" في الحكم، ويضفي عليه شرعية شعبية. نشأ مفهوم الثورة، كما قلت، في صفوف العرب الذين تمردوا على الاستبداد العثمانيّ، ثم في صفوف العرب الذين قاموا الاستعمار الأجنبي لبلدانهم. ثم قفز هذا المفهوم ليجد نفسه أداة جاهزة بأيدي نخبة من السياسيين من ذوي الخلفيات العسكرية والمتطلعين للوصول إلى سدّة " الحكم". وظل مفهوم " الثورة" مجرد استعارة عسكرية لمفهوم الانقلاب. فسمي انقلاب 23 يوليو 1952 بمصر ثورة ضد النظام الملكي، وانقلاب 14 تموز 1958 في العراق ثورة ضد النظام الملكي أيضاً، ثم توالت التسميات في ليبيا وسوريا والعراق. وفي ظل هذا الاستبدال الزائف، جرى إعدام منظومة المفاهيم التي أنتجها رواد اليقظة العربية ممن قرأوا الواقع العربي قراءة دقيقة وواعية، فمفهوم " الاستقلال" في السياسة والاقتصاد والثقافة، الذي أنتجه عقل اليقظة العربية مدعوماً بحراك شعبي قوي، لم يُنْجَز بشكل كامل في المرحلة التي أُطْلِقَ عليها تسمية" الحكم الوطني" التي جرى فيها تدمير مفهوم " الاستقلال" بشكله الناجز، وذلك بتحوّل النظام السياسيّ في الوطن العربيّ إلى واجهة لاحتلال مقنّع سياسياً واقتصادياً وثقافياً، احتلال يتخفى بأقنعة " المعاهدات" و" المصالح الاقتصادية" و" العلاقات الثقافية" وسوى ذلك من المفاهيم الزائفة.
لم يستند حكم الدكتاتوريات العربية على أية فلسفة رصينة للحكم، تستمدّ شروطها وشرعيتها من الواقع والتطلعات الشعبية، وإنما استندتْ على جملة من الشعارات الآنية والانفعالية والعاطفية. فبعد نكبة فلسطين، تحوّل الخطاب السياسيّ العربيّ إلى خطاب يدعو إلى " التحرير" متغاضياً عن شروط " التحرير" ومتجاوزاً شروط بناء مجتمع حديث يؤمن بالتطور العلمي والفكري. وفي مقابل ذلك، فإنّ الثقافة العربية وقعتْ فريسة وهم شعارات المرحلة الدكتاتورية، فرددتْ، بعمى مطبق، الشعارات السياسية التي لم تعبّر عن وعي قادر على قراءة الواقع واستيعاب متطلبات المجتمع العربي وحاجاته إلى التحرر والتحديث.
إنّ الفكر العربي في مخاضه التكويني في القرن التاسع عشر، وجد نفسه يتأثر على نحو قوي بالأفكار والمبادئ النقدية الجذرية، التي كانت جزءاً من الخطاب الفكري والسياسي المصاحب للثورة الفرنسية، وعندما أراد أن يتمثل هذه الأفكار التي آمن بها، اصطدم بواقع آخر غير واقع الثورة الفرنسية؛ واقع فرضته السياسة العثمانية قبل إعلان الدستور وبعده، تلك السياسة الرامية إلى إطفاء جذوة التفكير النقدي سياسياً واجتماعياً وثقافياً. كانت الثورة الفرنسية 1789 التي أثّرت في الفكر العربي تأثيراً واسعاً، إذ استلهم المفكرون من مبادئها القدرة على ممارسة النقد السياسي للحكم المطلق الذي قامت عليه الدولة العثمانية. وكان أمين الريحاني ( 1876-1940) من بين أهم المفكرين ممن تأثروا بالفكر الذي انطوت عليه تلك المبادئ، فوضع كتاباً عن تلك الثورة: موجز تاريخ الثورة الفرنسية، واستلهم مبادئها ونمط الفكر الذي صاحبها فكشفت كتاباته عن ذهنية نقدية جذرية في ميادين السياسة والاجتماع والفكر والأدب. وربط بين تقدّم الأمم ونيل حقوق الإنسان التي ترجمها الدكتور أيوب ثابت، قال في الريحانيات:
وأول حقوق الإنسان: الحرية، حرية الفكر وحرية القول وحرية العمل... وأول أسباب الرقي في الأمم: الحرية الاجتماعية والحرية السياسية والحرية الدينية. وأول دلائل الحياة الحرة الراقية أن يتمتع أفراد الأمة على السواء بهذه الحقوق الطبيعية. ولعلّ مفهوم الحرية الذي انتقل إلى الفكر الغربي من مبادئ الثورة الفرنسية، كان يهيئ العقل العربي لإجراء حلحلة للجمود الفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي.
مطلب الحرية هذا، كان مطلباً انطولوجياً للفكر العربي الذي وجد نفسه ينازع: الاستبداد العثماني، ونمط الحكم المطلق، وانسحاق الإرادة الشعبية ومطالب حقوق الإنسان بالتضييق على الحريات الاجتماعية والسياسية والفكرية من لدن السلطة العثمانية. إن أهم نتائج تداول مبادئ الثورة الفرنسية والفكر المصاحب لها، هو يقظة المفكرين العرب إلى وجوب ( تعريب) و ( أسلمة) تلك المبادئ، وكان هذا مطلباً من مطالب الوعي بـ: الهوية. وفي طليعة الداعين إلى التوفيق بين تلك المبادئ ومبادئ الإسلام، جمال الدين الأفغاني، الذي اطلع على الثورة الفرنسية ومبادئها كما يقول رئيف خوري من خلال انضمامه إلى: الحركة الماسونية في مصر أيام الخديوي توفيق، والتحق بالمحفل الاسكتلندي ظناً منه أن الماسونية حركة تحريرية، ولا يزال هناك اعتقاد إلى اليوم بأن الماسونية لها يد قوية في كل الثورات، ومنها الثورة الفرنسية.
هذه القضية، بحثها في وقت متأخر جرجي زيدان في كتابه: الماسونية، في فصل خاص تحت عنوان: الماسونية والثورة الفرنسية.
* كاتب عراقي مقيم في السويد
|
|
| |
|