حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 شقاء المؤمنين (2) الاحد 25 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: محمد المزوغي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هرمنا
Admin
Admin
هرمنا


الأهبة الثورية : مستعد فطريا
الجنس : ذكر
الابراج : الدلو
الأبراج الصينية : الفأر
عدد المساهمات : 368
معدل التفوق : 744
السٌّمعَة : 20
تاريخ الميلاد : 04/02/1960

تاريخ التسجيل : 11/12/2011
العمر : 64
الموقع : كل ساحة الحرية
العمل/الترفيه العمل/الترفيه : ثائر منذ فجر الاستبداد
المزاج : ثائر

تعاليق : نحن شعب قدره أن يواصل كفاحه على مر العصور .. لانعرف الراحة.. نحن قوم لانستسلم ابدا ، ننتصر أم نموت ..؟!

شقاء المؤمنين (2) الاحد 25 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: محمد المزوغي  Empty
30012012
مُساهمةشقاء المؤمنين (2) الاحد 25 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: محمد المزوغي

شقاء المؤمنين (2) الاحد 25 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: محمد المزوغي  Arton10431-957ff




1. جحيم المسلمين



بِحُكم تصوراتهم الغريبة وأفكارهم الناشزة والمنافية لطبيعة الأشياء،
فإن قسطا كبيرا من البشرية أوقعوا أنفسهم في أشدّ المحن ونغّصوا حياتهم
بأيديهم. إن أعظم الخطب الذي يعيشه المؤمنون متأتّ من تصوّراتهم لحياة بعد
الموت والعذابات الرهيبة التي سيقاسونها أمام الله. ولقد تفنّن المسلمون
في هذا الميدان وأصبحت لهم مهنة قارّة: ترويع الخلق وترهيبهم من وجودهم.
إذا عدنا إلى التراث الإسلامي، وتتبّعنا القرآن والأحاديث فإن حياة المسلم
يجب أن تكون في أتمّ التعاسة، وهي من البؤس والضنك وشدّة الأسى والرّعب،
بحيث إننا لا يمكن أن نُطلق عليها حتى لقب حياة. أنها مُجرّد وجود،
كالموجودات الأخرى، مع فارق جوهري هو أنه آت من عالم تَقرّر فيه مصيره
مسبقا، ويَعيش لمدة وجيزة في حالة دائبة من الرعب والجزع، خانعا تحت عنف
عباداته (الأشغال الشاقة)، يعني، كما قال ماريشال وكما قالت الباطنية،
يُجرّب الجحيم على وجه الأرض، وفي "الآخرة" بئس المصير.



لقد جاء في القرآن «وإن منكم إلاّ واردها كان على ربّك حتما مَقضيا
(مريم، 71)»، ولو شاؤوا التثبت من المصير التعيس وحالات اليأس والغمّ التي
تنتظرهم لعثروا عليها في كتب المفسّرين الذين أوّلوا هذه الآية من القرآن.
إنها مَشاهد لا تولّد في النفوس إلاّ الغبن والبؤس والرهبة. قال الطبري: «
وإنّ منكم أيها الناس إلاّ وارد جهنّم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها
قضاء مقضيا، قد قضى ذلك وأوجبه في أمّ الكتاب[1]».
في الحقيقة ليس هناك ذكر لأمّ الكتاب وإنما سياق الآية يعني أن الله ألزم
نفسه بنفسه على إيراد البشرية كلها إلى النار، هكذا بقرار اعتباطي دون
مبرّر. لكن الطبري جزع من فكرة الإلزام الذاتي لأن الله يتمتّع بكامل
الحرية ولا يخضع لأي قرار حتمي حتى وإن كان قراره الذاتي.



وفي هذا السياق أورد الطبري كلاما لِكَعب الأحبار، يُصوّر فيه الحالة
وكأنها فِلْم رُعب أمريكي: «ذَكَرُوا وُرُود النار، فقال كعب: تُمسَك
النار للناس كأنها مَتنُ إهالة، حتى يستوي عليها أقدام الخلائق بِرّهم
وفاجرهم، ثم يُناديها مُنادٍ: أن امسكي أصحابك، ودَعِي أصحابي، قال:
فيُخسَف بكلّ وليّ لها، ولَهِي أعلم بهم من الرجل لِوَلده، ويخرج المؤمنون
نَديّة أبدانهم. وقال كعب: ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة، مع
كل واحد منهم عمود له شعبتان، يدفع به الدّفْعة، فيصرع به في النار مئة ألف[2]».
كيف يمكن أن يشعر بالراحة أو يَنعم بقليل من السعادة في حياته القصيرة
إنسان مكتوب عليه مسبقا بأنه سيرد النار وسيُعلّق على جِسر في السماء مع
مليارات الخلق ثم يُخسف بهم جميعا ولا يدري بالتحديد ما مصيره؟ إن مَن
يطّلع على حكايات من هذا القيبل ـ مع تيقّنه من أنها وَعدٌ قطعه الله على
نفسه، وستَحدث في يوم ما ـ لا يمكن أن يَهدأ له بال، وستُشَلّ حركته،
ويدبّ فيه اليأس، كما دبّ في كلّ من عُجَّ دماغه بخرافات سكرات الموت
وعذاب القبر، ويتمنّى الفناء في العدم بدل أن يكون موجودا. وهذه هي فعلا
المشاعر التي تمكّنت من المسلمين منذ البداية. فقد أورد الطبري حكاية عن
رجل اسمه أبا مَيسرة «إذا آوى لفراشه، قال: يا ليت أمّي لم تلدني، ثم
يبكي، فقيل وما يُبكيك يا أبا مسيرة؟ قال: أخبَرَنا أنّا واردوها، ولم
يُخبرنا أنّا صادرون عنها[3]».



أما مُتون الأحاديث فهي لا تبخل بتصوير مصائر تعيسة من شأنها أن تُدخل
الرعب لمدى حياة كاملة في قلوب المؤمنين، وأن تقظّ مضاجعهم إلى آخر لحظة
من حياتهم الواعية. فالمؤمنون، طبقا لتلك الأحاديث، هم أوّل من ينبغي
عليهم أن يَنزَعوا تماما عن قلوبهم أي بوادر أمل في الخلاص. ويبدو أن هذا
هو مذهب الكثير من المسلمين القدماء وحتى المحدثين منهم. الغزالي في الإحياء قال إن الآمنين والمطمئنين على مصائرهم، هم «الفراعنة والجهّال والأغبياء[4]».
ذلك أن المؤمن الحق، لا ينبغي عليه أن يتيقن من شيء في حياته المقبلة، ولا
يركن إلى أي فكرة نجاة يقينيّة. وبالطبع هذا اللاتيقن الكاسح المعمّم
ينطبق على كل المخلوقات بمن فيهم الكائنات الروحانية (الملائكة) والأطفال
في البراءة، وحتى الأنبياء المعصومين، فما بالك بالإنسان العمومي. الغزالي
يقول بأنه على عكس الفراعنة والجهال والأغبياء الذين يشعرون باطمئنان فإن
«رسولنا سيد الأولين والآخرين، كان أشدّ الناس خوفا، حتى روي أنه كان
يصلّي على طفل: ففي رواية أنه سُمِع في دعائه يقول: "اللهمّ قِهِ عذاب
القبر وعذاب النار"؛ وفي رواية أخرى أنه سَمع قائلا يقول: هنيئا لك عصفور
من عصافير الجنة، فغضب وقال: "ما يُدريك أنه كذلك، والله إني رسول الله،
وما أدري ما يُصنع بي! إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا لا يُزاد فيهم ولا
يُنقَص منهم"[5]».
وفي بعض المواضع وصل الغزالي إلى حدّ تشبيه الله بالسبع، ومَاهَى بين
الخوف من أحدهما والخوف من الآخر. قال إذا «كُشِف الغطاء عُلِم أن الخوف
من السّبع هو عين الخوف من الله[6]».
يعني أن الإنسان المؤمن لا يعبد إلها رحيما بل وحشا مُخيفا، ومَصيره مرتبط
بمشيئة يجهل أطوارها وغير قادر على إدراك كنهها، لا باستدلال منطقي ولا
بِحَدس عقلاني، وبالتالي فهو كالريشة في مهب الرياح، ويقينه الوحيد هو
ألاّ يأمَن مكر خالقه إطلاقا. أنا أرى أن قولة افلوطرخس من أن كل من
يتصوّر الله ماكرا وخبيثا يجب بالضرورة أن يخشاه ويكرهه ومَن يخشى الإله
ويكرهه فهو عدوّ له، تنطبق على الغزالي وعلى كل من ذهب مذهبه من المسلمين[7].



كيف يمكن للمسلم أن يتيقن من شيء وأمره مودوع منذ الأزل بأيدي قرار
علوي اختار له ولادته وحياته وأعماله وموته دون أن يستشيره أو يُخيّره؟
وليس الإنسان العامي هو الذي يخضع لهذا المصير المجهول بل إن المصطفين من
الأنبياء غارقون مثل الجميع في العماء، ولا يدرون ما يُفعل بهم في الآخرة.
قال الغزالي إن مقام الرسول هو «مقام الخوف من مكر الله وهو أتمّ لأنه لا
يصدر إلاّ عن كمال المعرفة بأسرار الله … التي يعبّر عن بعض ما يصدر عنها
بالمكر[8]».
وتعليقا على: "إن تُعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم" الآية، يقول الغزالي
بأن النبيّ المتكلّم (المسيح) «فوّض الأمر إلى المشيئة وأخرج نفسه
بالكليّة من البَين، لعلمه بأنه ليس له من الأمر شيء وأن الأمور مرتبطة
بالمشيئة ارتباطا يخرج عن حد المعقولات والمألوفات فلا يُمكن الحكم عليها
بقياس ولا حدس ولا حسبان فضلا عن التحقيق والاستيقان». إنها الطامة
الكبرى، كما يقول الغزالي، التي قطعت قلوب العارفين. كيف لا، وهي، أي تلك
الطامة تتمثل في «ارتباط أمرك بمشيئةِ مَن لا يُبالي بك. إن أهلكك فقد
أهلك أمثالك ممن لا يحصى ولم يزل في الدنيا يعذبهم بأنواع الآلام
والأمراض، ويُمرِض مع ذلك قلوبهم بالكفر والنفاق، ثم يُخلّد العقاب عليهم
أبد الآباد، ثم يُخبر عنه ويقول (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق
القول مني لأملأن جهنّم من الجِنّة والناس أجمعين)[9]».



القرآن نفسه يُحذر الناس من مَغبّة أمان مكر الله، ويصف من يَأمن مكره
بأنه فاسق، أما أبو بكر فقد حوصل هذه الفكرة في قولة واحدة تقسِم ظهور
المؤمنين المتفائلين بدون رجعة: "لو أن إحدى قدماي في الجنة والأخرى
خارجها فلا آمن مكر الله". كيف يَأمن المسلمون مكر الله وهو الذي ترك
الشرور تحدث في هذه الدنيا لمدة طويلة، وعطّل عدالته العاجلة؟ ما الضامن
لهم من أن عدالته لن تنام في العالم الآخر، كما نامت على الشرور التي تحدث
الآن؟



الكافر والمؤمن كلاهما في نفس المستوى من اللايقين الشامل، ولا يفوق
أحدهما الآخر بأعماله الصالحة أو بطاعته. لا واحد من العبّاد، وإن طالت
طاعته، وإن كانت الخيرات كلها ميسرة له وقلبه بالكلية منقطعا عن الدنيا،
ومقبلا على الله بظاهره وباطنه، بإمكانه أن يأمن إلهه الماكر بالمرة.
فالتعبّد من المفروض أن « يقتضي تخفيف الخوف لو كان الدوام على ذلك موثوقا
به». لكن هذه الحال ممنوعة عن الإنسان العابد، ذلك لأن «خطر الخاتمة وعُسر
الثبات يزيد نيران الخوف إشعالا ولا يمكنها من الانطفاء، وكيف يؤمن تغيّر
الحال وقلب المؤمن بين اصبعين من أصابع الرحمن وأن القلب أشدّ تقلّبا من
القِدر في غَليانها. وقد قال مقلّب القلوب (إن عذاب ربّهم غير مأمون)».
مرة أخرى يتهم الغزالي بالجهل كل من يَأمن مكر الله، «فأجهل الناس مَن
أَمِنَه وهو ينادي بالتحذير من الأمن[10]».


إن كتب التراث الإسلامي تعجّ بحكايات مفزعة وقصص مريعة حدثت للمؤمنين،
وهي في الحقيقة تضرب في الصميم فكرة التقوى وتجعل منها تقريبا هوسا مرضيا.
وهذا الهوس المرضي غالبا ما يقود إلى الموت البشع. إذ أن المسلم لا يجد ما
يواسيه لا في القرآن ولا في الأحاديث، ولا يجب عليه أن يعوّل على صلواته
أو تسابيحه أو قرابينه لأنها غير مُلزمة للإله. لا يمكن أن يسعد وقرآنه
يهدّده ويتوعّده في كلّ آية، ومن أراد التثبّت من أقوالي فعليه بكتاب قتلى القرآن لأبي إسحاق الثعلبي المتوفي سنة 427 هـ، فسيجد هناك جردا من الحالات اليائسة التي قضى فيها القرآن على أتقى الناس وأشدّهم ورعا[11].



الغزالي هو أيضا يتوسّع في ذكر أشكال جدّ غريبة ومَرضيّة حتى، من
الأعمال التي يقوم بها العُبّاد الخائفون وكأنه يتلذّذ برؤيتهم في هذه
الحال التعيسة المزرية، ويَسعد بإذلالهم وتَمريغ صورتهم. أحدهم يهوي في
البؤس كل يوم، خَمس مرات، ويُفسّر بؤسه الدائم المتكرّر يوميا على هذا
النحو: «إذا توجّهتُ إلى المسجد فكأن في وسطي زنارا أخاف أن يذهب بي إلى
البيعة وبيت النار، حتى أدخل المسجد، فينقطع عني الزنار، فهذا لي في كل
يوم خمس مرات[12]».
خمس مرات من الهستيريا اليومية، من العذاب المتواصل والمتكرر. ماذا تبقّى
لهذا الشخص من فسحة زمنية وطاقة ذهنية لمباشرة أعماله، لطلب العلم،
للقراءة، لسماع الموسيقى؟



المسيح قوّله الغزالي هذا الكلام اليائس: «يا معشر الحواريّين أنتم تخافون المعاصي ونحن معاشر الأنبياء نخاف الكفر[13]».


ولا ينجو من هذا الارهاب حتى الملائكة، على ما جُبلوا عليه من طاعة
وعبادة، وأوّل مَن نُكّدت عليهم حياتهم هما أقربهما إلى الله، جبريل
وميكائيل، اللذان يذكر عنهما الغزالي أشياء تفوق الخيال في تفاهتها
وسخافتها. «لمّا ظهر على إبليس ما ظهر طفق جبريل وميكائيل يَبْكِيَان،
فأوحى الله إليهما: مَالَكُما تبكيان كل هذا البكاء؟ فقالا يا ربّ، ما
نأمن مكرك؛ فقال الله: هكذا كونا، لا تأمنا مكري[14]». وانظروا إلى هذه المهزلة:«لمّا خُلقت النار طارت أفئدة الملائكة، فلمّا خُلقوا بَنو آدم عادت[15]». وهذه الأخرى: «إن لله ملائكة لم يضحك أحد منهم منذ خُلقت النار مخافة أن يغضب الله عليهم فيُعذبهم بها».


أما الأنبياء فحالهم أتعس وأشقى من حال إي إنسان على وجه الأرض، وأودّ
أن أعرض إرهاب الإسلاميين وأهل الأديان الذين يؤمنون بهذه الخرافات، وكيف
أنهم برعوا في تعذيب الناس بشتى الوسائل. فهم يعذبونهم في الدنيا بشَريعة
القسوة، وفي الآخرة يُرهِبونهم بحتميّة العذاب الدائم. لا أجد من مبرّر
لهؤلاء الرجال إلاّ القول بأنهم مغلوبون على أمرهم بحكم تشبّثهم بقدسية
القرآن وتسليمهم بخرافات الأحاديث. إن تعاسة الأنبياء وبؤسهم ونَكدهم
الدائم قد ركّزها الغزالي في شخص النبي داود، وحكى بشأنه روايات في الإحياء
تفوق الخيال في هذيانها. إن هذا النبي الذي تصفه التوراة على أنه رجل دموي
« "أخرج أخرج يا رجل الدماء"»؛ « وساء ما فعله داود في عيني الرّبّ
(صاموئيل الثاني، 11)»، الربّ ذاته شهد له بأنه إنسان دموي ولم يسمح له
ببناء المعبد «إنك قد سفكتَ دما كثيرا وقُمتَ بحروب كثيرة، فلا تبني أنت
بيتا لإسمي، لأنك قد سفكتَ دماء كثيرة على الأرض أمامي» (سفر الأخبار، 22،
8). أقول: هذا النبيّ القاتل، يروي عنه الغزالي أشياء مستحيلة تُطّير
العقول وتفنيها في العدم[16].
قال: «بكى داود أربعين يوما ساجدا لا يرفع رأسه حتى نبَتَ المَرعى من
دموعه وحتى غطّى رأسه». أنا أتحدى أي اسلامي، ملتزم أو غير ملتزم، أن
يفسّر هذه الأقوال، وأن يُرينا بصيصا من نور العقل والحكمة في أشياء من
هذا القبيل.



أمعقول أن يبقى شخص ما ساجدا لمدّة شهر وعشرة أيام ؟ أمعقول أن يَمكث
في ذلك الوضع غير المريح باكيا حتى تَنبت الأعشاب وتغطي رأسه؟ هذا النبي
الذي قتل وسبى ودمّر وسفك الدماء، يصوّره الغزالي، كبير صنّاع الخرافات
الإسلاميين ومُروّجها ـ (والذي أسماه أحدهم صانع العقل العربي وأوّل
حكمائه)[17]
ـ وكأنه أفضل الناس وأتقاهم. فلا شغل له طوال يومه إلاّ بمراجعة خطاياه،
ولا يَهتمّ بشيء قدر اهتمامه بذكر الموت والقبر والعذاب، أو البكاء
والعويل على ذنوبه. يروي الغزالي أنهم يأتونه بالكأس مملوء إلى الثلثين،
والثلث الآخر يملأه بدموعه: «كان يؤتى بالقدح ثلثاه فإذا تناوله أبصر
خطيئته، فما يضعه على شفته حتى يفيض القدح من دموعه[18]».
لا بل إن هذا النبي السفاح، كما يصفه الكتاب المقدس لليهود، أصبح في نظر
المسلمين رجلا تقيا ورعا، بل وصل، من كثرة تقواه ومثابرته على الدعاء
والصلوات، إلى حالة واضحة من الخبل والهذيان. ذَكَر داود ذنبَه، يقول
الغزالي « فوثب صارخا واضعا يده على رأسه حتى لحق بالجبال فاجتمعت إليه
السباع. فقال: ارجعوا لا أريدكم؛ إنما أريد كل بَكَّاء على خطيئته فلا
يَستقبلني إلاّ البَكّاء … وكان يُعَاتَب في كثرة البكاء، فيقول دعوني
أبكي قبل خروج يوم البكاء قبل تخريق العظام واشتغال الحثا وقبل أن يؤمر بي
ملائكة غلاظ شداد». لقد جُنّ هذا الرجل وأصيب بالهستيريا، حتى أن سليمان
ابنه يُحضِرُ له مِنبرا ويُنادي البشر والهوامّ كي يشهدوا جنونه. يُعلن
سليمان بصوت عال: ألا من أراد أن يسمع نَوْحَ داود على نفسه فليأت. فتأتي
الهوام من الجبال وتجتمع الناس لذلك اليوم، ويأتي داود ويرقى المنبر
"فيأخذ في الثناء على ربّه فيَضجّون بالبكاء والصراخ ثم يأخذ في ذكر الجنة
والنار فتموت الهوامّ وطائفة من الوحوش والسباع والناس، ثم يأخذ في أهوال
القيامة وفي النياحة على نفسه فيموت من كل نوع طائفة، فإذا رأى سليمان
كثرة الموتى قال: يا أبتاه قد مزّقت المستمعين كل مُمزق وماتت طوائف من
بني إسرائيل ومن الوحوش والهوام». ثم يخرّ داود صاعقا مغشيا عليه. «فإذا
نظر سليمان إلى ما أصابه أتى بسرير فحمَلَه عليه». ومن لم يَفتر من هذه
الترهات فإليه هذه الأخيرة.



إن هذيان الغزالي لا نهاية له ولا جامح: «خرج داود ذات يوم بالناس
يَعِظهم ويُخوّفهم، فخرج في أربعين ألفا، فمات منهم ثلاثون ألفا وما رجع
إلاّ في عشرة آلاف». ومع ذلك فإن هذا النبيّ التّقيّ جدا، البكّاء وقاتل
الناس بعِظاته وترويعاته، لا ينسى الجواري للتمتّع بهن. قال الغزالي
مواصلا هذه الحكاية، بعد أن قَتل داود بِبُكائه ثلاثين ألفا: «كان له
جاريتان اتّخذهما، حتى إذا جاءه الخوف وسقط فاضطرب قَعَدَتا على صدره وعلى
رجليه مخافة أن تتفرّق أعضاؤه ومفاصله فيموت[19]». رهيب جدا، أليس كذلك!



2. تحطيم العقلانية وتأسيس البلاهة


أبو حامد الغزالي هذا الرجل الخرافي الذي سماه المسلمون حجّة الإسلام
والذي نَذر نفسه لمحاربة عقلانية الفلاسفة وإذا به يحشو أدمِغَتهم بشتّى
أنواع الأساطير الحقيرة، وبتخّيالاته وهذياناته التي فتّتت عقولهم
ودمّرتها تدميرا. نحن لا نعتقد في هذه الخرافات حتى وإن أقسموا لنا بأعزّ
ما عندهم، ونُجيبهم كما أجاب المعرّي: "حياة، ثم موت، ثم بعث .. حديث
خرافة يا أمّ عمرو". لا نؤمن بها قطّ لأن عقلنا يمنعنا من ذلك؛ عقلنا الذي
نشترك فيه مع سائر البشر ولا نَملك سواه للفصل بين الصواب والخطأ، بين
الحقيقة والخرافة، بين الوهم والواقع. لكن الغزالي، وجَمهرة المؤمنين
عامة، أشدّ ما يَهابونه في الدنيا، وأكثر ما يَمقتونه في حياتهم هو العقل
بالذات.



حجّة الإسلام ينصح الناس بأن يتّقوا شرّ العقل ويتفادوا مَخاطر البحث
والتنقيب، ويكتفوا مثل البُلَه (التشبيه من الغزالي)، بالإيمان الأعمى.
البله، يُعرّفهم الغزالي، بأنهم أولئك «الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم
الآخر إيمانا مجملا راسخا كالأعراب والسوادية وسائر العوام الذين لم
يخوضوا في البحث والنظر ولم يشرعوا في الكلام استقلالا ولا أصغوا إلى
أصناف المتكلمين في تقليد أقاويلهم المختلفة، ولذلك قال الرسول"أكثر أهل
الجنة البله"[20]».
وإذا كان ذلك كذلك، فالنصيحة هي أنه ينبغي تَحْبِيب البلاهة لعامة الناس
وتَركهم في وضعية دونيّة بحيث إنهم لا يَقدرون على تعلّم أي شيء، ولا
يطمحون في التحرر أو التوق إلى استعمال العقل، لأن هذه كلّها مُوبقات
مفسِدة، ومُعكّرة لِصَفو إيمانهم الأعمى. وربما لو تعمّق عامة الناس في
الأمر لثاروا ضد الدين وخرافاته المنكّلة بأحوالهم وعقولهم. وهذا هو الخطر
الذي يجب على أية حال تفاديه. الحل هو إحكام القبضة على العقول وإلجام
الناس عن التفكير، أما هو، كعلاّمة، فيُمكنه بل من واجبه أن يُسرّح
مَكَنَة صناعة الخرافات الرهيبة والقصص المرعبة، وشَحن كتبه بالترهات
والأكاذيب والهذيانات، الغث والسمين منها: المُهمّ هو إحداث الصّدمة وقَهر
القارئ. هذه هي بيداغوجيا الإرهاب التي توارثتها الأديان على مرّ العصور،
وتركت جمهور الناس في الجهل كي تَبقَى لقمة سائغة توجّهها حيثما شاءت،
وتُلوّنها بمزاجها السوداوي الظلامي. لا نعجب إذن إذا طلع علينا الغزالي
وقال إن السلف منعوا «البحث والنظر والخوض في الكلام والتفتيش عن هذه
الأمور، وأمَروا الخلق على أن يؤمنوا بما أنزل الله جميعا وبكل ما جاء من
الظواهر … ومَنَعوهم من الخوض في التأويل…[21]».



هكذا إذن، للعامّة البلاهة، وللعلماء الهذيان والترهيب: «اعلم يقينا
أن كلّ من فارق الإيمان الساذج بالله ورسوله وكُتُبه وخاض في البحث، فقد
تعرّض لهذا الخطر. ومثاله مثال من انكسرت سفينته وهو في ملطم الأمواج
يرميه موج إلى موج، فربّما يتفق أن يُلقيه إلى الساحل وذلك بعيد، والهلاك
عليه أغلب. وكلّ نازل على عقيدة تلقّفها من الباحثين ببضاعة عقولهم … فإن
كان شاكا فيه فهو فاسد الدين وإن كان واثقا فهو آمن مكر الله مغترّ بعقله
الناقص[22]».
البحث والتعمق والتشكيك هي أمور ممنوعة، بل هي مخاطر لا تُحمَد عقباها.
فالإنسان الباحث، يقول الغزالي، لا يمكنه أن ينفك من هاتين الحالتين: فساد
الدين أو الاغترار بعقله الناقص. الحلّ القويم هو تجاوز "حدود المعقول إلى
المكاشفة"، لكنه ليس بحلّ صالح للجميع لأن مقام المكاشفة نادر كنِدرة
الكبريت الأحمر[23]،
ولا يتيسّر إلاّ لخاصة الخاصة، وبالتالي فالأفضل والأيسر للابتعاد عن هذه
المخاطر هو الانضمام إلى جحافل «البله من العوامّ أو الذين شغلهم خوف
النار بطاعة الله[24]».



3. مَصير مُرعب


العامة، إذن، عليها أن تصبح بليدة الذهن وتَمكث إلى الأبد في بلادتها،
مُسلِّمة بكل ترسانة الخرافات التي يَحِيكها علماؤها دونما حق في النقد أو
التشكيك أو استعمال ولو ذرّة من العقل. يجب الإقتداء بالصحابة والاقتصار
على اتّباع السنة لأن السلامة «في الاتّباع والخطر في البحث عن الأشياء
والاستقلال[25]».
ولكن ما هو الثمن الذي يدفعه عامة المؤمنين في مقابل هذه المصادرة الكلية
لملكات تفكيرهم؟ هل ينالون الخلاص بإيمانهم؟ هل ستَقِيهم بلاهتهم تلك من
عذاب النار ومن المصير التعيس؟ هذا أبعد ما يكون على ذهنية المؤمنين
المتشائمة، على تلك الذهنية التعيسة التي تتغذى بالرعب والتعنيف. إنهم
يسحبون من العامة حقهم في التفكير لكي يُغرقوهم في تعاسة أبدية ويُمْعِنوا
في إهانتهم وترهيبهم. فالعامي الملجم عن البحث حتى وإن جاهد وكابد وذرأ
نفسه للعبادة والأعمال الصالحة، لن يكون أبدا في مأمن من المحن والكروب
الفضيعة، ولا يمكنه أن يُعوّل على صدق نواياه، وكثرة حسناته، لأن مصيره
محسوم منذ الأزل في عالم أسطوري سابق على وجوده العيني.



القصة كما يرويها التراث الإسلامي جديرة بأساطير هوميروس. اقرؤوا ما
ذكره الغزالي في الدرّة الفاخرة «لمّا قَبَض الله القبضتين اللتين قبضهما
عندما مَسَح على ظهر آدم، فكل ما جَمَعه الأول، إنما جمع من شقه الأيمن،
وكل ما جمع في الآخر إنما جمع من شقه الأيسر، ثم بسط قبضته سبحانه، فنظر
آدم في راحتيه الكريمتين وهم أمثال الذرّ ثم قال: هؤلاء إلى الجنة ولا
أبالي، فَهُم بعمل أهل الجنة يعملون. وهؤلاء إلى النار ولا أبالي فهُم
بعمل أهل النار يعملون[26]».
إذن مصير الإنسان كان قد تقرّر منذ الأزل، في لعبة تحزير بين الله وآدم،
ولا تنفع أعماله ولا طاعته ولا إيمانه في تغيير أو إصلاح أي شيء. أما إذا
جاء إلى الدنيا، فإن وضعيته الأنطولوجية لن تتغيّر مهما فعل، وبعد موتته
الأولى تأتي الموتة الثانية وهي الأشد والأقسى. ما مصيره؟ التمزّق بين
أيدي الملائكة: «تنزل عليه أربعة من الملائكة: ملك يجذب النفس من قدمه
اليمنى، وملك يجذبها من قدمه اليسرى، وملك يجذبها من يده اليمنى وملك
يجذبها اليسرى». وما وضعية الإنسان المُحتَضر؟ «ربما كُشف للميت عن الأمر
الملكوتي قبل أن يُغرغر، فيُعاين الملائكة على حقيقة عمله على ما يتحيّزون
إليه من عالمهم. فإن كان لسانه منطلقا تحدث بوجودهم، فربما أعاد على نفسه
الحديث بما رأى، وظن أن ذلك من فعل الشيطان، فسكن حتى يعقل لسانه».



ومع كل البلاء والآلام النازلة به في تلك اللحظة فإن الملائكة يواصلون
جذب نفس المحتضر «من أطراف البنان ورؤوس الأصابع والنفس تنسلّ انسلال
القذارة من السقاء، والفاجر تنسل روحه كالسفود من الصوف المبلول، هكذا حكى
صاحب الشرع عليه الصلاة والسلام[27]».
كل الأموات المحتضرين هم في الدرك الأسفل من العذاب. فعلا «الميّت يظن أن
بطنه مُلئت شوكا كأنما نفسه تخرج من خرم إبرة، وكأنما السماء انطبقت على
الأرض وهو بينها، ولهذا سُئل كعب عن الموت فقال: كغصن شوك أدخل في جوف رجل
فجذبه إنسان ذو قوّة فقطع ما قطع وأبقى ما أبقى[28]».
الحياة تعيسة جدّا أما الموت فهو أتعس وأشقى وأبشع. كيف لا والسكرة من
سكرات الموت أشدّ من ثلاثمائة ضربة بالسيف. ولا يكفّ العذاب عند هذا الحد
أو تخفّ المِحن طَرفة عين، لأن المسلمين تفنّنوا في تهويل الموت الطبيعي
حتى غدت حياة المؤمن في الأرض جحيما قبل أن يرها بأم عينه في الآخرة. إن
قدومه إلى الحياة هو ممّا ينبغي أن يندم عليه إلى الأبد، ولكن لا ينفعه
الندم لأنه في عنق الزجاجة، كما يُقال، أي في ورطة لا مخرج له منها البتة.



شقاء المؤمنين (2) الاحد 25 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: محمد المزوغي  Foi



وفي هذا الإطار أودّ أن أفتح قوسا صغيرا لكي أُدرج بعض التأملات التي
خطّها الفيلسوف افلوطرخس في كتيّبه عن الخرافة بخصوص عذابات الإنسان
المؤمن ورهبته من النهاية[29].
وكما قد يلاحظ القارئ فإن ما يقوله افلوطرخس منذ ألفي سنة في وصفه الدقيق
لتعاسة الإنسان الخرافي ومخاوفه الدائمة، تنطبق عمّا يعتقده المسلمون في
عذاب القبر ومنكر ونكير والحوض والسراط والحساب والعقاب.



قال افلوطرخس إن الموت الذي هو بالنسبة للبشر حدّ أو نهاية للحياة (περασ εστι του βιου)، ليس هو كذلك بالنسبة للمؤمن[30].
فهو يتجاوز مجال الحياة ويُمَدّد مخاوفه إلى أبعد من ذلك، حيث إنه يُعلّق
على الموت تخيالاته اليائسة ويعتبره بوّابةَ شرٍّ خالد. الإنسان الخرافي
مقتنع بأنه سيبدأ بعد الموت دورة جديدة ولا متناهية من العذابات: تَنتظره
أبواب الجحيم الرهيبة التي ستُفتَح أمامه؛ نَهر استيقس (στυγος)
الذي يقذف بأمواج ملتهبة؛ ظلمات كثيفة تعجّ بأرواح لا تُحصى وأشباح مروّعة
تُطلق صرخات مُؤلِمَة؛ قُضاة وجلاّدون؛ سراديب وكهوف عميقة، وأخيرا تُوضَع
أمامه كل آلات التعذيب الفضيعة. هكذا فإن المؤمن التعيس «لكي يتجنّب
الشرور التي يخشاها فهو يرتمي، بهذا الانتظار القاسي، بين أيدي الإله
المُنتقم[31]».



لكن الملحد، يقول افلوطرخس، في مأمن من هذا الهوس المرعب؛ فهو لا يشعر
بأي من هذه العذابات، وليست لديه تلك الوجدانات العنيفة، ولا يقع بالتالي
فريسة للاضطرابات الممزِّقة التي تسجن المؤمن في أقسى أنواع العبودية.



هذه هي فعلا حالة المسلمين كما تَرويها آثارهم الأسطورية، وكما تَوسَّع
فيها صنّاع الخرافات والترهيب من أمثال الغزالي. بعد أن بالغ في وصف
عذابات الميّت من قبيل "يُرشّح جسده عرقا وتَزورّ عيناه وتمتدّ أرنبته
وترتفع أضلاعه ويَعلو نَفَسَه ويصفرّ لونه" أضاف: «فإذا احتضرت نفس الميّت
إلى القلب خرس لسانه عن النطق، وما أحد ينطق والنفس مجموعة في صدره[32]».
وعند هذه الحال تختلف أحوال الموتى، «فمنهم من يَطعَنه الملك حينئذ بحربَة
مسمومة قد سقيت سُمّا من نار، فتقرّ النفس وتفيض خارجة فيأخذها في يده
ترعد أشبه شيء بالزئبق على قدر النحلة شخصا إنسانيا، ثم الملائكة
تُنَاوِلها الزبانية[33]».
ولكن هناك من الموتى من تخرج نفسه رويدا رويدا «حتى تنحصر في الحنجرة إلاّ
شعبة متّصلة بالقلب، فحينئذ يطعنها بتلك الحربة الموصوفة لأن النفس لا
تُفارق القلب حتى يُطعَن». الفضاعة متواصلة، والغزالي يكشف لنا عن سرّ تلك
الآلة الرهيبة التي يَطعن بها الملك الروح، أعني الحَربة المسمومة
ومفعولها الكيمياوي على جسد المحتضر. قال: «سرّ تلك الحربة أنها تُغمَس في
بحر الموت، فإذا وُضعت على القلب صار سرّها في سائر الجسد كالسمّ الناقع،
لأن سر الحياة إنما هو موضوع في القلب ويؤثر سره عند النشأة الأولى[34]».



المِحن على كلّ حال لا تنتهي حتى في خِضَمّ هذه العذابات الفضيعة، ذلك
لأن المحتضر بينما تترقّى وتَرتفع نفسه إلى الحنجرة «تُعرَض عليه الفتن،
وذلك أن إبليس قد أنفذ أعوانه إلى هذا الإنسان خاصة، واستعملهم عليه
ووكّلهم به، فيأتون المرء وهو في تلك الحال فيتمثلون له في صورة مَن سلفَ
من الأحبّاء المَيِّتين الباغين له النّصح في دار الدنيا كالأب والأم
والأخ والأخت والصديق الحميم[35]»،
ويعرضون عليه الموت على ديانات أخرى، كاليهودية أو النصرانية، أو ملّة
أخرى. واختياره الموت على احدى الديانة أو المكوث على الدين الإسلامي ليس
هو من فعله بل من فعل الله، لأن الله في عرف المسلمين كائن اعتباطي شيطاني
يتربّص بالإنسان في كلّ لحظة من حياته، لا ليساعده أو يواسيه، بل لكي يمكر
به ويختار له مصيره بدلا منه: «يزيغ الله من يريد زيغه وهو معنى قوله
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" أي لا تزغ قلوبنا عند الموت وقد
هديتنا من قبل هذا إلى الإيمان. فإذا أراد الله بعبده هداية وتثبيتا جاءته
الرحمة، وقيل هو جبريل، فيطرد عنه الشيطان ويمسح الشحوب عن وجهه فيبتسم
الميت ضاحكا لا محالة[36]».



الميّت بعد أن انتُزعت روحه عنوة، تَنتظره سفرات مُرهِقة، وعبورات
شاقة، الواحدة منها أبشع من الأخرى. فهو يَمرّ صاعدا من سماء إلى سماء،
متقهقرا في الزمن، يُشاهد شعوبا وحضارات غابرة. النفس السعيدة بعد أن
يقبضها الملائكة يَلفّونها "في حريرة من حرير الجنة"، ثم يُعرج بها إلى
السماء وهي تمرّ بـ«الأمم السالفة والقرون الخالية كأمثال الجراد المنتشر
حتى تنتهي إلى سماء الدنيا[37]».
وهنا تبدأ المسرحية، ولا تنتهي المحنة: «يَطرق الأمين الباب، فيُقال
للأمين: من أنت؟ فيقول: أنا صلصيائيل، أي جبريل. وهذا فلان معي بأحسن
أسمائه وأحبها إليه، فيقولون له: نِعم الرجل، كان فلان وكانت عقيدته حسنة
غير شك[38]».
وتستمر هذه المهزلة على نفس الوتيرة، وتتواصل بنفس الأسئلة والأجوبة
السخيفة، حتى السماء السابعة وصولا إلى سدرة المنتهى. تقولون إنه قد انتهت
الرحلة الشاقة بوصوله إلى هذه الشجرة، وسيستريح الراحل من لغوب السفر.
أبدا. تنتظره رحلة أخرى، أشقى وأتعس وأضْنى، حيث ينطلق هذا المسكين
كالصاروخ ليَجُوب الفضاء لمدة آلاف السنين، ويمرّ من تجربة إلى أخرى، ومن
بقعة إلى أخرى فيها من المناظر المفزعة، ومن العناصر العاتية المُعدمة
للحياة ما لا يتصوّره الخيال: «يمرّ في بحر من نار، ثم يمرّ في بحر من
نور، ثم يمر في بحر من برد، طول كل بحر منها ألف عام، ثم يخترق الحجب
المضروبة على عرش الرحمان وهي ثمانون ألف من السرادقات، لكل سرادق ثمانون
ألف شرافة، على كل شرافة قمر يهلل الله تعالى ويسبّحه ويقدسه[39]».
بعد هذه التجارب الرهيبة المفزعة، يصل إلى الله. وهنا تبدأ تجربة قصوى،
وهي الوقوف أمام الله للمحاسبة على أعماله، حيث «يُنادي منادٍ من الحضرة
القدسية من وراء السرادقات: مَن هذه النفس التي جئتم بها؟ فيقول: فلان بن
فلان، فيقول الجليل جل جلاله: قرّبوه فَنِعم العبد كنت يا عبدي! فإذا وقفه
بين يديه الكريمتين أخجله ببعض اللّوم والمعاتبة حتى يظن أنه هلك ثم يعفو
عنه سبحانه[40]».



إذا لم تُأخذ هذه الحكايات بمعناها الرمزي فإنها توقع في أكثر أنواع
التشبيه المُحقّرة لعظمة الإله، فهي تتصوّر الله في مكان ما من الكون،
جالس على عرشه مثل الملك، وتأتيه الرعيّة زاحفة، وهو ينهرها ويوبّخها وفي
الأخير، وبحسب مزاجه المتقلّب، يعفو عنها أو يعاقبها. هل هناك من وصف أكثر
تحقيرا للإله من هذا؟ أنا أرى أن المسلمين الذين يتباهون بتوحيدهم،
ويُردّدون عبارات من قبيل "ليس كمثله شيء"، هم بالفعل غارقون في التشبيه
والتجسيم حتى النخاع، ويصوّرون إلههم على شكل إنساني جدا. يكفي أن نُتابع
ما رواه الغزالي حتى نتبيّن أنهم يصوّرون الإله على صورة ملك أبله وساذج،
بحيث يمكن لأي إنسان حصيف أن يُحاججه، وربما أن يتغلّب عليه بفطنته
وذكائه، وأن يَتّقي مكره بأبخس الأثمان. قال: رُؤي يحيى بن أكثم القاضي في
المنام فقيل له: «ما فعل الله بك؟ فقال: وقّفني بين يديه ثم قال يا شيخ
السوء فعلتَ كذا وفعلتَ كذا». هذه أوّل الكلمات التي بادر بها إله الكون
تلك الذرة الحقيرة التي وقفت أمامه. لكن عوضا أن يعترف شيخ السوء بأعماله،
غيّر الموضوع، وأعلم الإله بخصاله التي ربّما قد نَسيها. فقال: «يا رب ما
بهذا حدّثتُ عنك. قال: فبماذا حدثت عني يا يحيى؟[41]».
وكأن الله لا يعلم ما حدّث به عنه، أو بالغ في معاتبته، أو أخطأ في وصف
ذاك الرجل بِشَيخ السّوء وتأنيبه على أفعاله القبيحة. لقد ذكّر هذا الشيخُ
الإلهَ الحكيمَ بقولةٍ أوردها عنه جَمْع من المحدثين وصولا إلى جبريل،
يقول فيها: «إني (الله) لأستحي أن أعذب شيبة شابت في الإسلام». يعني أن
الله من فوق سبع سماوات، يستحي (يخجل) أن يُعذب شيخا مات على الإسلام،
مهما فعل هذا الشيخ ومهما اقترف من ذنوب أو رذائل. أهذه هي الصورة التي
يقدمها المؤمنون الموحّدون الذين لا يتزحزحون عن توحيدهم وتنزيههم للإله؟
أهذا ما تمخّض عنه حرصهم المَرَضي على تنزيه الله، وعلى استبعاد الشركاء
عنه؟ إن المسلمين في الواقع يُنزلون الله منزلة إنسانية، بل في غالب
الأحيان أقل مرتبة حتى من الإنسانية العادية. انظروا كيف ردّ الله على هذا
الشيخ الذي ذكّره بما كان قد قاله في فترة ما ولكن نَسيه. قال: «يا يحيى
صدقت…وصدق محمد وصدق جبريل، وقد غفرتُ لك».



أنا أرى أن الإسلاميين يستبلهون البشرية، بل ويحطّمون عقولها تحطيما.
كيف يمكن أن يوصف الإله بهذه الصفات؟ كيف يمكن أن تُحَطّ إلى هذا المستوى
جلالته التي، من المفروض وبحسب أصولهم، أن يَرتَعد منها الكون بأسره وأن
تَرتجف منها الملائكة والأنبياء والولدان المطهّرون والجبال والبحار
وذرّات العالم كلّها؟ كيف يَتدنّى الإله إلى هذا المستوى؟ لا يكفي أنهم
يُرعبون الناس بعذاب القبر وبالسياحة في بحار من الظلمات والنار والبرد
والصواعق لآلاف السنين قبل أن يلاقوا الله ويُحاسبوا على كل صغيرة وكبيرة،
بل إنهم يسخرون منهم ومن الإله، لأنهم في نهاية المطاف يضعونهم أمام إله
ليس هو كما يتصورونه: إله مُنتَقص الجلالة والقدرة وحتى الحصافة. بعد أن
هوّلوا عليهم الأمر إلى حد الاضطهاد النفسي، وشبّهوا لهم الإله بالسّبع،
وإذا بهم يجدون أنفسهم أمام إله أبله وساذج، إذ يكفي أن يأتيه أحدهم
بأبيات شعر أو قليلا من البلاغة أو نُكتة، حتى يعفو عنه ويدرّ عليه من
خالص نعمه. فهذا ابن بنانة، رُؤي هو أيضا في المنام، وكان رجلا مفوّها
خطيبا، قال له الله "«أنت الذي تُلخّص كلامك حتى يقال ما أفصحه؟». قال
نعم. فطلب منه الإله أن يُسمعه شيئا من خطابته ففَعل، وقال: «أمَاتَهم
الذي خلقهم، وأسكنهم الذي أنطقهم، وسيُوجدهم كما أعدمهم، وسيجمعهم كما
فرّقهم». وفقط عن طريق هذه الخطابة الجوفاء، فإن الله، لم يُحاسبه على أي
فِعلة من أفعاله، بل قال له، حسب ما يرويه الغزالي «صدقتَ. اذهب قد غفرتُ
لك[42]».



أترك لصبر القارئ أن يتابع ترهات الغزالي، وأترك لخياله أن يتصوّر
الأحوال المرعبة جدا التي يلقاها الإنسان المشرك أو الكافر أو حتى المؤمن
الذي شاء الله أن يُدخله الجحيم. إنها أحوال مقززة، يشمئز من ذكرها أي عقل
سليم.


النتيجة التي أودّ الوصول إليها هي أن المؤمنين وليس الملحدون هم الذين
يعيشون حياة تعيسة، وهم الذين، بحسب مبادئهم، ينبغي عليهم أن يمكثوا في
رعب دائم، وأن يضعوا صوب أعينهم قولة الشاعر دانتي "أنتم أيها الداخلون
اتركوا أي رجاء".



4. رهاب ميتافيزيقي


إن إرهاب أهل الأديان استقرّ في الموضع الذي لا يمكنهم أن يقدّموا فيه
أي تفسير معقول، ولا يستطيعون بالتالي تقرير أدلة وحجج ثابتة يمكن للبشرية
أن تتحقق منها، أعني الموت وما بعدها. فهم يكتفون فقط بالكلمة والإيمان،
وكأن الكلمة تصنع الشيء، أو أن الإيمان يفيد اليقين بالشيء. قُدرتهم على
صناعة الترويع تَفتّقت في هذا المجال ونَشطت ملكة الخيال المريض عندهم
بأقصى جهدها. لكن هذا القَصر من الاستيهامات الرهيبة، الغير معزّية في
الحقيقة، هو قصر من ورق تكفي هبّة ريح حتى تطيح به وتدمره بالكامل. الشيء
الوحيد الجدير بالإنسان، حسب الغزالي هو «أن لا يكون له فكر إلاّ في الموت
ولا ذكر إلاّ له، ولا استعداد إلاّ لأجله، ولا تدبير إلاّ فيه، ولا تطلّع
إلاّ إليه ولا تعريج إلاّ عليه، ولا اهتمام إلاّ به، ولا حول إلاّ حوله،
ولا انتظار وتربّص إلاّ له[43]». فالموت هو التطهير من أدران الدنيا، التي هي في الحقيقة حلم، بينما «الآخرة يقظة .. ونحن في أضغاث أحلام[44]».
ولولا بلاهة الإنسان وحمقه لما قوي على تحمّل العيش والموت يتربّص به منذ
ولادته. قال الثوري: «بلغني أن الإنسان خُلِق أحمق ولولا ذلك لم يهنأه
العيش»، وقال أبو سعيد بن عبد الرحمان: «إنّما عُمّرت الدنيا بقلّة عقول
أهلها[45]».
لو لم يكن بين يدي العبد المسكين «كرب ولا هول ولا عذاب سوى سكرات الموت
بمجرّدها، لكان جديرا بأن يَتنغّص عليه عيشه، ويَتكدّر عليه سروره،
ويفارقه سهوه وغفلته، وحقيقا بأن يَطول فيه فكره ويَعظم له استعداده، لا
سيّما وهو في كلّ نَفَس بصدده[46]».



لماذا يُرهبوننا بظاهرة طبيعية مثل الموت؟ لماذا يُنغّصون حياة الناس
ويُدخلون الرعب في قلوبهم وكأنهم متأكدون من المصائر التعيسة والعذابات
الفضيعة التي تنتظر من لا يؤمن بدينهم؟ إن الإنسان الحصيف يعلم أن الموت
هو نهاية طبيعية للكائنات الحيّة، وأنّ مَن دخل في ذاك الطور قد فَقَد
نهائيا الإحساس والشعور والتذكّر وكل عمليات الأيض المرتبطة بالجسد. هذه
بديهية لا يمكن الشكّ فيها أبدا، إلاّ بالنسبة للمؤمنين. يقول سينيكا في
عزائه لمارسيا التي فقدت ابنها: «اعلمي جيّدا أن الأموات لا يشعرون بأي ألم[47]»،
وهذه أيضا من أكثر البديهيات يقينا لأن الألم مرتبط بالشعور الذي هو وظيفة
جسدية وتفاعل عصبي مع ما يحدث في العالم الخارجي، ومَن فقدَ الحياة فإنه
فاقد حتما لنظامه العصبي بحيث إنه من المحال أن يشعر بأي شيء. لقد مَلؤوا
العالم الآخر، الذي اصطنعوه من محض خيالهم المريض، بجميع أصناف البشاعات
والرعب. العقول السليمة تنفي هذه الأمور، وتصنفها في عداد الخرافات: «هذا
الجحيم الذي يقدّمونه لنا على أنه رهيب ـ يقول سينيكا ـ هو ليس إلاّ خرافة
(fabulam esse): الأموات لا يجب عليهم أن يخافوا
لا من الظلمات، ولا من السجون، لا من الأنهار المملوءة باللهب، ولا من
وادي النسيان. ليس هناك على الإطلاق بعد الموت، لا محاكم ولا مجرمين، ولا
طغاة جدد. هذه كلها اختلاقات الشعراء الذين يطاردوننا بأهوال عبثية[48]».



وبعد، ما هو الموت؟ إنه التحرّر من كل آلامنا ونهايتها (mors omnium dolorum et solutio est et finis)؛
بحيث إن مِحَننا لا تتَخطّاه، بل إنه هو الذي يتخطّاها لكي يُخلِصَنا إلى
ذاك النوم الهادئ الذي تَمتّعنا به قبل الولادة … لا شيء يقدر أن يَحفظ ما
فرّطت فيه الطبيعة، ولا يمكننا أن نكون تعساء حينما نصيروا معدومين».



وردّا على استيهامات الغزالي في الإحياء حول الموت وسكراته
المنغّصة لحياة كلّ من يتفكّرها، وضرورة الخوف منه، فإن مفكرا اسلاميا مثل
مسكويه يُرجع الخوف من الموت إلى الجهل بحقيقته. ذلك أن الخائف يظنّ أن
الموت «ألم عظيم غير ألم الأمراض التي ربّما تَقدّمَته وأدّت إليه .. أو
لأنه يعتقد عقوبة تحلّ به بعد الموت، أو لأنه متحيّر لا يدري على أيّ شيء
يُقدم بعد الموت، أو لأنه يأسف على ما يُخلّفه من المال والإقتناء[49]»،
لكن في رأي مسكويه، هذه كلّها ظنون باطلة لا حقيقة لها. إن الجهل بالموت
وبحقيقته هو الذي أدّى بالعلماء، كما يقول مسكويه، إلى «طلب العلم والتّعب
فيه. وتَركوا لأجله لذات الجسم وراحات البدن، واختاروا عليه النّصب
والسّهر. ورأوا أن الراحة الحقيقيّة التي يُستَراح بها من الجهل هي الراحة
بالحقيقة، وأن التعب الحقيقيّ هو تعب الجهل لأنه مرض مُزمن للنفس والبرء
منه خلاص لها وراحة[50]». الموت الطبيعي لا خوف منه لأنه في الحقيقة «تمام حدّ الإنسان[51]»،
نظرا إلى أن حدّ الإنسان هو الحيّ، الناطق المائت، وبالتالي فإن الموت هو
«تمامه وكماله». وعن طريقه يتحوّل إلى جنسه وفصوله «لأن كل مركّب لا محالة
يستحيل إلى الشيء الذي منه تَركّب. فمَن أجهل ممّن يخاف تمام ذاته ومن
أسوأ حالا ممّن يظنّ أن فناءه بحياته ونُقصانه بتمامه». النصيحة هي أنه
بما أن الموت هو اكتمال لصيروة حياة آيلة طبيعيا إلى الفناء، «يجب على
العاقل أن يستوحش من النقصان ويأنس بالتمام[52]».
أما الظنون التي تشغل ذهن المؤمن وتسجنه في بوتقة الخوف من آلام الموت
الفضيعة وسكراتها الوهمية التي تعجّ بها كتابات المسلمين، فإن مسكويه،
يردّ بأنه من الجهل بمكان الاعتقاد بأن للموت ألم عظيم غير ألم الأمراض
التي ربّما تقدّمته وأدّت إليه. والسبب في ذلك هو أن الألم «يكون للحيّ
والحيّ هو القابل أثر النفس، وأما الجسم الذي ليس فيه أثر النفس فإنه لا
يألم ولا يحسّ». النتيجة المنطقية هي أن الموت، الذي هو مفارقة النفس
للبدن «لا يُألَم له، لأن البدن إنما كان يتألم ويحسّ بالنفس وحصول أثرها
فيه، فإذا صار جسما لا أثر فيه للنفس، فلا حسّ له ولا ألم[53]».
في الوقت الذي ينغّص فيها الغزالي على المسلمين حياتهم، بذكر أحاديث سكرات
الموت الرهيبة، وبإيراد حشد من الأقوال المرعبة حول أهوال القيامة، فإن
مسكويه ينصح الناس بأن لا يخافوا الموت لأجل العقاب، لأن هذا من باب الجهل
بما ينبغي أن يُخاف منه، وخوف ممّا لا أثر له. العلاج الوحيد لهذا الجهل
هو العلم والعلم فقط، لأن «مَن علِم فقد وَثق، ومن وثق فقد عرف سبيل
السعادة فهو يسلكها، ومن سلك طريقا مستقيما إلى غرض أفضى إليه لا محالة.
وهذه الثقة التي تكون بالعلم هي اليقين، وهو حال المُستيقن في دينه
المستكمل بحكمته[54]».



من مات فإنه يتجاوز الحدود التي يكون فيها عبدا. في سلام عميق وخالد
فهو غير مُبتلى بالخوف من الفقر، بالرغبة في الثروات، بالوجدانات التي
تضايق نفوسنا وبلدغات الشهوة؛ الميّت لا يَحسد الآخرين في سعادتهم، ولا هو
مَحسود على سعادته؛ لا التشهير بقادر على أن يُسيئ إلى مسامعه؛ ولا
المستقبل المملوء مفاجاءات يشغل فكره. الميّت « في ملجئ آمن لا أحد قادر
أن يخرجه منه، ولا شيء فيه يُرهبه[55]». إن الموت، يقول سينيكا، هو أجمل اختراع للطبيعة (optimum inventum naturae)،
إمّا لأنه يُتمّم سعادتنا أو لأنه يُزيل تعاستنا. الموت في نهاية المطاف
يُعيد إرساء المساواة في كل مكان، ويُقوّم البخت الذي لم يوزع الخيرات
بالقسط على الجميع.



5. تقشّع الأوهام



ما هو الفكر المعزّي للبشرية؟ من الذي يُقشّع عن الناس المخاوف ويَغرس
فيهم الأمل في الحياة ويخلّصهم من أوهامهم، ويُصالح بينهم وبين طبيعتهم؟
ليس لدي ش
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

شقاء المؤمنين (2) الاحد 25 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: محمد المزوغي :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

شقاء المؤمنين (2) الاحد 25 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: محمد المزوغي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» شقاء المؤمنين (1) الاحد 18 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: محمد المزوغي
» المادّة في الفيزياء الاحد 11 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: معاذ قنبر
» المادّة في الفيزياء الاحد 11 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: معاذ قنبر
» لماذا فشل المثقف في التنبؤ بالثورات العربية؟ الخميس 29 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: محمد ديبو
»  لعنف ضد الأنثى في الحكاية الشعبية الفلسطينية الخميس 13 أيلول (سبتمبر) 2012 بقلم: علي أبو خطاب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: