بقلم: محمد الياسينلفهم كيفية استمرار الاحتلال والنفوذ الامريكي في العراق سأتوقف عند شرح
ما بات يعرف لدى الاوساط العسكرية الامريكية ” بمبدأ رامسفيلد ” ، القائم
اساسا على ان جوهر القوة العسكرية الامريكية هو بأستخدام قوى مشتركة خفيفة
وأسهل حركة في الحرب تدعمها المعلومات الاستخباراتية وقدرات القيادة
والسيطرة بما في ذلك مضاعفات القوة ، مثل الأجهزة الفضائية والطائرات غير
المأهولة .
وقد شرح رامسفيلد ذلك للجنود المتواجدين في بغداد عقب الحرب على العراق
قائلاً بالنص : إننا لسنا بحاجة لأن نسرع على أقدامنا ، إن ما نحتاجه هو
إنجاز الأشياء خلال ساعات وأيام بدلاً من الأسابيع والأشهر ، وبأقل قدر من
آثار أقدامنا على الأرض .
وكرر هذا المعنى نفسه قائد القوى المشتركة الجنرال ” ريتشارد مايرز ”
فقد أكد على أن هذه الطريقة الأمريكية الجديدة في الحرب فيها قوات مشتركة
مرنة الحركة قادرة على رؤية الأعداء والتخطيط والتصرف وتقييم حالة ساحة
المعركة بأسرع من ذي قبل .ونتيجة لذلك فإن التأخر الزمني الذي كان مرتبطاً
بمعرفة مصدر إطلاق النار والذي كان يستغرق ساعات أو أيام تناقص إلى دقائق .
وفق مبدأ رامسفيلد فقد حل تعبير فضاء المعركة محل تعبير ساحة المعركة إذ
أن الاشتراك بين المجال الجوي والأرضي والبحري والفضائي أصبح ارتباطاً
وثيقاً للغاية ويسمح بإستخدام تشكيلات أصغر يمكنها أن تستخدم قوة مبيدة أو
غير ذلك بأسرع ما يمكن وبشكل منظم حيث يتحكم بها نظام ضبط ومراقبة ديناميكي
مرن .
وفق هذا المبدأ لا اجد انتهاءا لاحتلال العراق ولا يتعدى انسحاب القوات
العسكرية التقليدية كونه تغييراً تكتيكياً اتبعته الادارة الامريكية وفق
الاستراتيجية العامة إتجاه العراق و المنطقة .
عمليا نترجم مبدأ رامسفيلد واشاراته على أرض الواقع ، بالمهام والأهداف
الحقيقية للشركات الأمنية ” الأجنبية و العراقية ” العاملة في الساحة
العراقية ، و خاصة تلك التي دخلت البلاد بعقود أبرمتها مع السفارة والجيش
الأمريكيين ، فهي تعد بديل ” ذكي وقذر “لإستمرار الإحتلال ، لجأت إليه
النخبة الامريكية كغطاء لجيش مُحتل من نوع أخر . فهذه الشركات التي يقدر
قوام افرادها وعناصرها بالالاف تتمتع بميزات تختلف عن أفراد وجنود الجيش
التقليدي ، من حيث تلقيهم تدريبات قتالية على حرب الشوارع والعصابات ،
وكيفية التخفي بين المواطنين وجمع المعلومات الاستخباراتية ، وقيامهم
بمهام” قذرة ” كالاغتيالات بالقنص ونصب العبوات اللاصقة والخطف ، ونوعية
تجهيزاتهم متطورة واوزانها خفيفة واحجامها صغيرة ، لا تشكل عبئ كما هو
الحال بالنسبة لافراد وعناصر الجيش التقليدي ،ما يُعينهم على سرعة الحركة
والمناورة والرد على مصادر النيران والاستجابة بسرعة فائقة بتنفيذ المهام
الموكلة اليهم ، لارتباطهم بمنظومة مركزية شبكية معقدة مرنة ، تُصدر
اوامرها بالتنفيذ بناءا على معلومات استخبارية دقيقة ، عكس الحال بالنسبة
للجيش التقليدي الذي يتطلب وقت طويل لاصدار اوامره الى الوحدات العسكرية
بالتحرك .
الفكرة تنطلق من مفهوم عدم تكافئ القدرة العسكرية والتجهيزات التكنلوجية
بين الجيش العراقي مع الجيش الامريكي آبان الحرب الأخيرة ، أعقبه بعد
الإحتلال عدم تكافئ من حيث حجم خسائر جيش الأحتلال الأمريكي مع المقاومة
العراقية ، التي أعتمدت في بداية الامر أسلوب ” الحرب الشبحية ” ثم أنتقلت
لأسلوب ” حرب الشوارع او ” حرب العصابات ” كما يسميها البعض ، بكلا
الحالتان فأن جيش الإحتلال أستُنزف استنزافا عظيما ،فلا يخفى على احدا من
المتابعين و المختصين بشأن مجريات وأحداث الساحة القتالية في العراق ، بأن
المقاومة المسلحة قد تمكنت على مدى سنوات من تحقيق نجاحات باهرة ومثالية في
كثير من الاحيان ضد قوات الإحتلال وإنزلت بهم خسائر بشرية ومادية ونفسية
فادحة ، تستحق أن تدخل موسوعة جينس للأرقام القياسية .!
فأستوجبت تلك الحالة بحث النخبة الأمريكية عن وسائل وأساليب أخرى تُجنب
قواتهم الخسائر ، وتمكنهم من الاستمرار بأرض المعركة ، وتُحقق أهدافهم بأقل
كلفة وأسرع وقت ، وايضا توهم العالم والشعب الأمريكي بأنهاءهم الحرب بسحب
قواتهم التقليدية من العراق.
المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع الثورة السورية وإنما تعبر عن رأي مؤلفها