سيكولوجية طواغيت العرب!
الرأي العام الكويتية
GMT 22:11:00 2011 الجمعة 9 ديسمبر
محمد العوضي في عام 1895 ألّف غوستاف لوبون كتابه
الشهير «سيكولوجية الجماهير» وقامت دار الساقي بترجمته للمرة الاولى عام
1991 وأعادت هذا العام 2011 طبعته الثالثة.
في الكتاب يركز لوبون على الخاصية الجمعية للجماهير التي تذيب الخصائص
الذاتية لكل فرد على حدة، لتصب الصفات الشخصية في بوتقة العقل الجمعي الذي
يأخذ طابعا كليا يضحي فيه الافراد ببعض المنطق العقلي من اجل غريزة القوة،
ويحلل «لوبون» سمات حركة الجماهير كتراجع ملكة النقد والتمحيص وغلبة روح
التعصب... الخ.
النقاد والمختصون في علم النفس الاجتماعي يعتبرون كتاب «سيكولوجية
الجماهير» متواضعا بتشخيصه للظاهرة وقديما يصلح في الدراسات التي ترصد تطور
العلوم، أما اليوم فالبحوث والدراسات قفزت خطوات هائلة في دراسة السلوك
الجمعي والجماهيري.
واذا كانت دار الساقي اعادت اصدار الكتاب مواكبة للثورات العربية فإني ارى
ان اصدار كتاب عن سيكولوجية الحكام الطواغيت والديكتاتوريات اولى، اذ ان
الوعي لدى الجماهير وحركتهم اكبر مما عرفه العالم بالصور والتصريحات
والخطابات التي اصابتنا بالذهول والغثيان من حكام العرب وطواغيتهم!
ولقد اصدر المجلس الوطني للفنون والاداب بالكويت سلسلة «عالم المعرفة»
كتابا جادا لرئيس قسم الفلسفة السابق في جامعة الكويت امام عبدالفتاح امام
المصري ابو الفلسفة المثالية الهيجلية في عالمنا العربي، وعنون كتابه
(الطاغية) لكن ما نحتاجه مزيد من البحث في البعد السيكولوجي لهؤلاء.
اذ من البداهة بمكان ماتؤكده الشواهد من ان هؤلاء الحكام - او بعضهم -
يظنون انهم خالدون، ولهذا فهم يعيشون حالة اغتراب عن الواقع والمرحلة وحركة
تطور شعوبهم التي يحكمونها.
واذا كانت اكبر نزعات الانسان واعظم حاجاته النفسية هي «الخلود والملك»
اللذان عزف على وترهما ابليس في استدراجه لادم «هل أدلك على شجرة الخلد
وملك لايبلى» فإن ادم استجاب لهاتين الغريزتين رغم عدم وجود شعب ولا جماهير
غفيرة، اما حكام اليوم فإن نزعة الملكية الممزوجة بالخلود يعززها ملكية
البشر الى جانب ملكية الاشياء.
لهذا نجد كلمات الطواغيت وغيرهم من اصحاب السلطان والملك تكون ذات دلالة
نوعية ساعة زوال ملكهم، وعند انقضاء ايامهم، ورد في (مختصر تاريخ دمشق) أن
الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان شاهد آخر ايامه غسَّالا بدمشق فقال:
ليتني كنت غسالا آكل من كسب يدي يوما بيوم، ولم آل من امر الدنيا شيئا،
فعلق الامام «ابا حازم» - سلمة بن دينار - وقال: «الحمدلله الذي جعلهم اذا
حضرهم الموت يتمنون ما نحن فيه، واذا حضرنا الموت لم نتمن ما هم فيه»،
وتأملوا كلمات طواغيت العرب في الثورات القائمة تجدوا عجبا بعد ان يشعروا
انهم ليسوا آلهة وغير خالدين، انهم مرضى بالعظمة والخلود والملك.