السباكة السياسية في سوريا!
في المسألة السورية لا بد من «ربط» الأمور ببعضها لفهم الصورة بشكل أوضح،
فاليوم بعد تصريح وتقرير مندوب الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية
المشترك كوفي أنان بأن النظام في سوريا لم ينصَع كاملا ليطبق شروط وخطة
عنان واستمر في إرسال قواته للمناطق المختلفة وإطلاق النار على المتظاهرين
بشكل قمعي واضح، وهو استمرار لنفس النهج الدموي الذي اتبعه منذ انطلاقة
الثورة السورية لأكثر من عام الآن مما استدعى أن يطلب من الأمم المتحدة أن
ترسل مجموعة من المراقبين للتأكد من التزام النظام السوري بالتطبيق الفعلي
والحقيقي لمبادرة كوفي أنان كاملة.
وهنا عادت السياسة لتتدخل في خطوات تنفيذ هذا الأمر على الأرض ليكون نافذا
وفعالا ومؤثرا ومجديا، فالطلب الأساسي كان أن يكون نوعية المراقبين الذين
سيتم إرسالهم عسكريين، إلا أن روسيا (طبعا وكالعادة) أبدت اعتراضها الشديد
على هذه النقطة، وطلبت أن يكون المراقبون مدنيين واكتفت بأن يكون عدد
المراقبين المرسلين 25 مراقبا فقط، علما وللتذكير والتاريخ وخلال أزمة
كوسوفو (وهي منطقة تبلغ مساحتها نصف مساحة محافظة حمص فقط) تم إرسال عدد
ثلاثة آلاف مراقب لها.
في عوالم «السباكة السياسية» تلعب روسيا دور السباك الفني التنفيذي الأول
للنظام السوري، فلافروف وزير خارجيتها أصبح هو فعليا المتحدث الرسمي الأول
عن النظام السوري وسياساته، وبات ما يصدر منه وعلى لسانه أهم بكثير مما سوف
يقوله وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، بل وحتى أهم مما سيصرح به
رئيس النظام بشار الأسد نفسه، الذي فقد مصداقيته المرة تلو الأخرى في مواقف
وتصريحات سابقة.
واليوم تلجأ روسيا إلى فتح «صمامات» الملف الإيراني النووي لتنفيس الضغط
وتسريب الهواء الساخن منه لصالح الموقف الدولي ضد نظام بشار الأسد ودمويته
المرعبة بحق شعبه، ويبدو جليا أن هناك تناغما ملعوبا و«مهضوما» في لغة
الإشارات بين إسرائيل وروسيا وإيران، فمنذ تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو أنه وحكومته قررا «تأجيل» أي ضربة عسكرية ضد إيران إلى
السنة المقبلة «لمنح» الفرصة للدبلوماسية الدولية أن تحقق نتائج ملموسة في
هذا الأمر، وخلف الكواليس كانت مجاميع من «الخبراء الشرق أوسطيين»
المحسوبين وبقوة على الحكومة الإسرائيلية وهم من التنفيذيين السابقين في
الخارجية والأمن القومي والأكاديميين الحاليين يحذرون من السقوط الخطير
لنظام بشار الأسد وتحول سوريا من منطقة محسوبة «المخاطر» على إسرائيل إلى
منطقة مفتوحة الاحتمالات، يتعرض وقتها الأمن الإسرائيلي لشتى أنواع المخاطر
بشكل غير محسوب ومخيف.
وبدأ الخطاب الأميركي يتحول ويهدأ ليركز على الجوانب الإنسانية والإغاثية
بدلا من إنهاء شرعية بشار الأسد ونظامه وإزالته من المشهد السياسي، وفتحت
روسيا المشهد بشكل أكثر درامية بتنسيقها مع الحليف الإيراني لالتقاط مبادرة
المباحثات مع الأطراف الدولية عن برنامجها النووي والتخصيب وحجمه وهل
سيعقد في إسطنبول أو في بغداد، وهل تغضب تركيا أم شعب بغداد، وكانت السباكة
السياسية الروسية تحقق نتائجها في تخفيف «الضغط» على بشار الأسد ونظامه،
وتم «دوليا» من أميركا وروسيا تحديدا تجريم أي محاولة لتسليح «الجيش السوري
الحر» بينما كانت روسيا وإيران والعراق وحزب الله يواصلون جهودهم بدعمهم
المستمر في تسليح نوعي للجيش الأسدي وآلة القمع الأكثر دموية في العالم
اليوم، دون أن يكون لهذا الأمر أي اعتراض أخلاقي أو سياسي عليه ليكشف
العالم أن ازدواجيته ما هي إلا نفاق دنيء ورخيص، وبذلك يستوي النظام
«المقاوم» الأسدي في نفس الخانة مع النظام الإسرائيلي، كلاهما يتم النفاق
من أجله بازدواجية فجة، وكيل بمكيالين دنيء لا يكسبهما في أعين العالم أي
نوع من الجدارة ولا المصداقية ولا أي نوع من الشرعية أبدا، بل على العكس
يؤكد مكانتهما «الشيطانية» وأهمية وضرورة الخلاص منها.
لم يكذب أو يخطئ رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد حين زل لسانه بأصدق ما صرح
به النظام خلال أحداث الثورة السورية، وقال: «إن أمن سوريا من أمن
إسرائيل»، ولكنه كان يقصد أن أمن نظام الأسد تحديدا وليس أمن سوريا!
السباكة السياسية مهما كانت الفهلوة فيها ذكية واستثنائية إلا أن الحلول
ستنفذ إذا لم يتم معالجة أصل المشكلة، لأن «الانفجار الكبير» يتأخر ولا
يتأجل!
حسين شبكش