zinatty ثـــــــــــــــائر متردد
الجنس : عدد المساهمات : 9 معدل التفوق : 25 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 18/12/2011
| | الشرعيّة الثوريّة " شعار لصناعة عهد جديد من الاستبداد | |
الثورة في اللغة : الهيج والغضب، الظهور والسطوع والارتفاع، الانتشار والتفرق وكثرة العدد. وَأَثَارَ الْأَرْضَ : قَلَبَهَا عَلَى الْحَبِّ بَعْدَمَا فُتِحَتْ مَرَّةً. والهيج في اللغة : الحركة، اشتداد الغضب، شدة الريح، القتال، الحرب .
فالثورة بحسب دلالة اللغة : ( حركة غضب علنية واسعة الإنتشار تهدف إلى قلب الأوضاع ) أو هي : ( اندفاع الجماهير الغاضبة لقلب الأوضاع القائمة ). وكل الثورات العربية هي ثورات غضب شعوب وليست هي ثورات نُخَب أو احتجاج جماعات أو تمرد أحزاب أو انقلاب ضباط في الجيش. والثورة في الإصطلاح لا تختلف في جوهرها عن المعنى المُستفاد من اللغة.
وأمّا الشرعيّة لغة فنسبة إلى الشرع، نقول " الأحكام الشرعيّة " بمعنى الأحكام المستنبطة من الشرع، ونقول " زواج شرعي " أي حسب أحكام الشرع. والشرع الإسلامي هو المرجع الذي ارتضاه المسلمون كمقياس للصح والخطأ في جميع مناحي الحياة. وفي الإصطلاح يُعتبر كل ما وافق القانون مشروعاً، فالمشروعيّة صفة للأحكام أو التصرفات الموافقة للقانون. وأمّا شرعيّة القوانين فتأتي من اتفاق الجماعة على مصدر القوانين. فالمشروعيّة تربط بين الأحكام والقوانين، وأمّا الشرعيّة فهي صفة لصلة القوانين باختيار الجماعة ورضاها. فالشرعيّة في الإصطلاح وصف لكل ما كان مستنداً إلى اختيار الجماعة ورضاها. وفي الإسلام شرعيّة الحاكم تستند إلى اختيار الأغلبية ورضاها. ففي الإسلام لا شرعيّة لمغتصب السلطة وإن حكم الأمة بالإسلام.
وعليه، فبما أن الثورة هي ثورة شعب، وبما أن وصف الشرعيّة ينطبق على ما كان مستنداً إلى اختيار الشعب ورضاه، فتكون الشرعيّة الثوريّة هي فقط المُستندة للإرادة الشعبية. فلا شرعيّة في تمثيل الثورة إلا برضا الشعب واختياره. ورد في معجم مقاييس اللغة لابن فارس : (( شرع ) الشين والراء والعين أصلٌ واحدٌ، وهو شيءٌ يُفتَح في امتدادٍ ) فلا شرعيّة للقيادة أو السلطة إن لم يكن لها امتداد شعبي . فالشرعيّة الثوريّة هي فقط الشرعيّة المُستمدّة من هذا الشعب الذي حول التظاهر إلى ثورة. والشعب قد عبّر عن إرادته عبر صناديق الاقتراع. هذا من جهة.
ومن جهة ثانية فإن ثورة الشعوب في منطقتنا ليست ثورة على المُستبِدّين فقط وإنما هي ثورة على الاستبداد نفسه بغض النظر عن أشخاص المُستبِدّين. فالشعوب قد ثارت على الاستبداد الذي أنتج كل مظاهر الانحطاط السياسي والتأخر الفكري والتخلف المادي كالتبعية والتشرذم وظهور الفتن وتحرك النعرات وشيوع الفقر وسيادة الظلم وامتهان كرامة الإنسان. والاستبداد هو صنو " استعباد الشعوب " والذي يتمثل في سلب إرادتها في ناحيتين، أولاهما سلب حق الشعب في اختيار نظام حياته وطريقة عيشه، وثانيهما سلب حق الشعب في اختيار حكّامه. فكيف تتحقق غاية الثورة في تحرير الشعوب من الأنظمة المُستبدة إذا أجازت فئة معينة لنفسها حق الاستبداد بالشعب بفرض نفسها ممثلاً له وبفرض وجهة نظرها في تقرير مصيره ؟! أم أن هذا الشعب قد ثار ضد الاستبداد لتتمخض الثورة عن عهدٍ جديدٍ من الاستعباد ؟!
الانقلاب العسكري على النظام الملكي في يوليو سنة 1952 تحول إلى نظام استبدادي لأن قادة الانقلاب تصوروا أن قيادتهم لِ " الثورة " تعطيهم الحق سواء في الاستمرار في حكم الشعب رغماً عن أنف الشعب أو في الاستبداد بتقرير مصيره بصياغة نمط حياته وتعيين طريقة عيشه ! | |
|