بقلم: سنا السوريةفي الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ لم يحتاج وزير الدفاع حافظ الاسد لتسليم
الجولان لإسرائيل الا لتصريح واحد يعلن فيه استيلاء الجيش الاسرائيلي على
مدينة القنيطرة قبل سقوطها ليصبح الامر هزيمة عسكرية مدوية وساحقة وفقدان
السيطرة بالكامل على الجيش والانسحاب الكيفي من منطقة الجولان حتى وصلت
بعض القطع العسكرية لحدود العاصمة دمشق، الامر هذا لم يستغرق سوى ساعات
ليعلن بعدها الهزيمة الكاملة للجيش السوري بدون خوض حربٍ فعلية مع العدو
الاسرائيلي.
في عام ٢٠٠٥ اضطر الجيش السوري للانسحاب من لبنان خلال ثمانية وعشرون
ساعة مدة المهلة المعطاة له، وكان الانسحاب بشكل كامل ولكل قواته المسلحة
وأجهزة مخابراته من لبنان انصياعا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559،
ليجبر جيش بشار الاسد وشبيحته واجهزة مخابراته للخروج صاغرين مرغمين في
صورة تشبه الهزيمة الكاملة ولكن لم يتم نشرها اعلامياًً ولم يكن احداًً
يرغب ان يصور الامر في الاعلام بهذا الشكل.
في عام ١٩٩٨ بعد الإنذار الحاسم من القيادة التركية لرئيس النظام
السوري آنذاك حافظ الاسد بتسليمه أوجلان وإغلاق جميع قواعد تدريبه في
البقاع اللبناني والكف عن دعم حزب العمال الكردستاني بشكلٍ كامل، التزم
حافظ الاسد بتطبيق بنود الإنذار بالكامل وسلم أوجلان بطريقة مسرحية
للسلطات التركية وأغلق المعسكرات وامتنع عن دعم أوجلان وجماعته تلبية
للإنذار التركي، وكان الوسيط لتطبيق هذه البنود هو الرئيس المصري المخلوع
حسني مبارك.
أيضاً اثناء الحرب الاهلية اللبنانية وفي تهديد عسكري كامل، قامت
البارجة الامريكية نيو جرسي مرتين عامي ١٩٨٣و ١٩٨٤ بقصف القوات السورية
والقوات المتحالفة معها في منطقة البقاع رداًً منها على العمليات العسكرية
التي تقوم بها وخاصة تفجير مقر المارينز في بيروت في سابقة للتدخل المباشر
الامريكي العسكري في لبنان لتوقف الجيش الأسدي من إتمام مهمته واحباطها
نهائياًً.
وفي المقابل تم تغطية اجتياح القصر الجمهوري من الجيش السوري في بعبدا
اثناء اعتصام العماد ميشال عون في السلطة بلبنان في تشرين الاول عام ١٩٩٠
بعد الصفقة التي تمت بين جيمس بيكر وزير خارجية الامريكية وحافظ الاسد
والتي تتضمن الموافقة على اشتراك لواء من الجيش السوري في تحرير الكويت
مقابل اطلاق يد السوريين في لبنان وتحكمهم في قيادته، حيث بات انتخاب رئيس
الحمهورية اللبنانية يتم بقرارٍ من سوريا، وما التمديد للرئيس السابق اميل
لحود الا مشهداًً منفراًً من هذه التبعية الكاملة.
-
اذكر بعض الحالات التي تم اجبار الجيش وقيادة النظام في سوريا على
الانسحاب القسري بخلال فترة زمنية قصيرة وتطبيق الانسحاب بالقوة والامتثال
للشروط المفروضة وتطبيقها بدون النكوس عنها وبدون وضع اية شروط لتطبيقها،
بينما في الحالة السورية الحالية وبعد مرور اكثر من سنة على الاحتجاجات
الشعبية ضد حكم الاسد وعصابته لازالت المهل والمدد الزمنية تعطى للنظام كي
يتمكن من سحق الانتفاضة او القيام باصلاحات يرضى بها الشعب السوري، وكلا
الحالتين لم يتحقق منهما اي تطور ولازال الامركما هو يراوح مكانه رغم
تجاوز عدد القتلى العشرة الاف والمهجرين في الداخل والخارج بلغوا مئات
الالاف.
-
الوضع الحالي في سوريا اصبح مشكلة حقيقية تأرق الجميع فالجوار الداعم
لبشار الاسد أبدى قلقه من تصاعد الأزمة ودخولها في وضع اقرب فيه للحرب من
الحل السلمي، وباتوا فعلياًً قلقين من تحول الوضع إلى حربٍ حقيقية وفقدان
النظام الاسدي لنفوذه و دوره في المنطقة، وياتي تصريح لافروف وزير خارجية
روسيا والموجه اصلا لأمريكا والدول المطالبة بتسليح المعارضة في نفس
السياق والخوف على مصير النظام، هذا التصريح المتضمن بانه لايمكن هزيمة
الجيش الأسدي حتى لو تم تسليح المعارضة بالأسلحة المطلوبة الا تأكيداً على
التحول الذي طرأ على مسار الثورة السورية، فهو قد اعترف بدور الجيش الحر
وتسليحه ولكنه استمر في حماية بشارالأسد وأعلن عن دعمه اللامتناهي لبقائه
كي لا يسقط ولو اضطر للتدخل بقواته وآساطيله الحربية التي تجول قبالة
الساحل السوري اللبناني منعاًً لوصول الاسلحة للجيش الحر.
-
الاصطفاف الدولي بلغ مداه واصبح كل طرفٍ يجاهر بدعمه علناًً بدون مواربة،
وتغيرت تحالفات وتشكلت تحالفات جديدة في المنطقة واصبح الوضع في سوريا هو
صراعٍ دولي حقيقي على النفوذ في المنطقة، وان مفتاحه هو السيطرة على
سوريا، وكل طرف مشترك فيه لايقبل بالخسارة لأنها تعني خروجه من الصراع
وخسارته لنفوذه فيها، عراق المالكي الموجه ايرانياًً بعد ان كان يهدد
باللجوء للأمم المتحدة لوقف دعم الاسد لجماعة القاعدة في العراق اصبح
يجاهر بعدم امكانية هزيمة الاسد عسكرياًً، وبات يدافع عن النظام الأسدي
وكانه الحليف الذي ساعده في إسقاط نظام صدام، وحزب الله صنيع ايران بعد ان
كان النظام القائم في سوريا هو حاميه وداعمه انقلب الوضع ليصبح حسن
نصرالله هو الناطق باسم الاسد وعصابته واصبح الحامي لخاصرته الغربية،حماس
من جهتها كانت اكبر الخاسرين في هذا الاصطفاف فهي فقدت معيلها وحاضنها ولم
تجد بديلاًً آخر عنه حتى الآن.
ايران لم تكتفي بدعمها اللامحدود للنظام الأسدي فقط بل انتقلت للمجابهة
مع دول الخليج العربية وتركيا بشكلٍٍ غير مباشر، فبعد ان كان التنسيق مع
تركيا هو نقطة التقاء السياسة الايرانية التركية وخاصة حول الملف النووي،
تغيرت العلاقة لتفتح صفحة جديدة من التصارع على النفوذ بطلبها عقد
مفاوضاتها حول تخصيبها لليورانيوم في بغداد بدلاًً من استانبول، في تحول
استراتيجي للعلاقة مع تركيا.
بالمقابل دول الخليج العربي وتركيا أحرقت سفنها مع النظام كما صرح بذلك
المسؤولون الاتراك لبعض أطراف المعارضة، والسعودية وقطر اعلنتا عن دعمها
لتسليح الجيش الحر علناًً بل طالبتا مؤتمر أصدقاء سوريا المنعقد باسطنبول
بتبني هذه السياسة عملياًً، فرنسا وبريطانيا وأمريكا من خلفهم صرحوا عن
استعدادهم لتقديم المساعدة غير الهدامة للمعارضة بما فيها تقديم اجهزة
اتصالات، وان لم يكن هذا دعماًً عسكرياًً مباشراًً الا انه يتجه نحوه بقوة.
دعم الجيش السوري الحر اصبح واقعاًً لايمكن تجاهله والهدف من دعمه
تحقيق بعض التوازن والوقوف بوجه آلة القتل في سورية، وذلك بالعمل على
تكبيد الجيش الأسدي بعض الخسائر التي تجبره على الانسحاب والانكفاء الى
الجنوب والغرب، وان فقدان السيطرة على بعض المناطق او تحريرها وخروجها عن
سيطرة النظام الأسدي هو اول ملامح التغيير المحتمل في سوريا، ولن يستطيع
النظام ومؤيدوه بعد ذلك الافتخار بانتصارات عسكرية كبيرة مشابهة لانتصارهم
الافتراضي في منطقة باباعمرو وخاصة بعد تصريح وزير خارجية امريكا هيلاري
كلينتون ان النظام لن يستطيع هزيمة المعارضة.
-
باتت مهمة عنان الفرصة الاخيرة للحل السلمي، فبالرغم من التشكيك بالتزام
الجانب الأسدي بتطبيق شروطها الستة، إلا أن المجتمع الدولي مازال متمسكاً
بها كي لا تضطر الدول المؤثرة الكبرى باتخاذ مواقف نهائية من الازمة
المتصاعدة في سوريا، النظام يعلم من جهته بانها الفرصة النهائية له قبل
تشديدالعقوبات عليه وانشاء مناطق عازلة والتي قد تؤدي الى فقدان السيطرة
على بعض المناطق الشمالية الغربية والوسطى وبعض المناطق الشرقية وتقلص
نفوذه ليبقى متمركزاً في منطقة الساحل السوري والعاصمة دمشق، وتصبح
المنطقة العازلة او الآمنة هي بداية التحرك الدولي والعملي والتي من
المفترض انشائها في شمال غرب سوريا والمحمية مباشرة من تركيا.
في حال الالتزام بخطة عنان فان النظام السوري سوف يكون اكبر الخاسرين
فحجم الانشقاقات العسكرية سوف تتزايد بشكل كبير وايضاًً سيطرته الأمنية
على البلاد سوف تنحسر او في طريقها للاضمحلال، وجهوده لوقف الانتفاضة
والتمرد على حكمه سوف تفشل وستعم المظاهرات و تنتشر في كافة أرجاء سوريا
ولن تبقى بقعة من سورية الا سوف تنتفض عليه، النظام بطبيعة الحال لن يقف
متفرجاًً ويسمح بحصول ذلك وسوف يعود لاستخدام القتل والتفجير للانقضاض على
خطة عنان ولكن بشكل متواري، ليعود العالم ويكتشف مجدداًً ان النظام يتهرب
من استحقاقاته ولم يطبق خطة عنان ليعودوا لنفس النقطة التي انطلقوا منها
في الحل السلمي.
-
في غضون ذلك من الممكن أن يتطور الوضع في سوريا نحو حربٍ داخلية بين الشعب
السوري وآلة الاسد القمعية، وسوف نلمس دعماً كاملاً من ايران الملالي وحزب
الله ودخولهم في الحرب بشكلٍٍ سافرٍٍ وعلني، ومن نتائج هذا الصراع انه
يمكن ان يحدث تبادل للسيطرة وخروج وإعادة السيطرة على بعض المواقع
والمناطق في حربٍ كلفتها تدفع من دماء السوريين أنفسهم من الطرفين للأسف،
وسوف يكون اكبر الخاسرين هم المواطنون العاديون في سوريا، بينما الاسد
وعصابته سوف يبقوا محصنين مرفهين في قصورهم وحين تزف ساعة الرحيل سوف
يهربوا بما خف وزنه وثقل ثمنه ويتركوا مؤيديهم والمدافعين عنهم ليلاقوا
مصيراًً غير مأسوفاًً عليه.
-
الثورة السورية المتقدة في صدور الثائرين لن يخبت أوارها ويخفت لهيبها حتى
سقوط نظام بشار وعصابته ومهما حاول داعموا الاسد من تقديم مساعدات له الا
ان نظامه سقط فعلياًً ولم يعد احداًً يقبل بوجوده ولو بشكلٍ صوري، بشار
الاسد انتهى غير مؤسوفاًً عليه والى غير رجعة ولكن ثمن رحيله سوف يدفعه
السوريون بدمائهم وأموالهم وممتلكاتهم.