الطيب طهوري ثـــــــــــــــائر متردد
الجنس : عدد المساهمات : 40 معدل التفوق : 74 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 12/03/2012
| | القانون في خدمة من؟ المحاكم-السلطة-المجتمع | |
يهتم مؤلّف ناثان براون "القانون في خدمة من؟ المحاكم-السلطة-المجتمع" (تعريب وتعليق: د. محمد نور فرحات، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2007) بدراسة دور القانون والمحاكم في الحياة الاجتماعية والسياسية في العالم العربي. كما يركّز على مصر بصورة خاصة على اعتبار أنها من أكثر البلدان العربية التي اقتربت من إنشاء أنظمة قانونية مستقلة لازمة لسيادة القانون وحكمه. وفضلا عن ذلك، يولي الكتاب أهمية كبرى لشرح كيفية تأسيس النظام القانونيّ الحديث في العالم العربيّ، وظهور الشرعية الليبرالية، وعمل السّلطات على أسس من حقوق قانونية محدّدة وقابلة للتعيين.وضمن تضاعيف الكتاب نلاحظ اهتماما عاليا بتأثير إنشاء نظام قضائيّ مستقلّ على وضعية كلّ من: المحاكم، السلطة، والمجتمع. بالإضافة إلى بحث دور النظم القانونية في المجتمعات العربية المعاصرة، وتاريخ إنشاء النظام القانوني المصري الحديث ونفاذه في الفترة من 1876 إلى 1937 على وجه الخصوص. إذ ثبت تاريخيا أنه منذ بدايات القرن التاسع عشر أقام محمد علي هياكل قضائية متعدّدة إلى جوار المحاكم الشرعية، ولاحقا تم تأسيس المحاكم المختلطة نتيجة لتزايد وجود عدد الأجانب في مصر، ثم جرت فيما بعد إصلاحات قضائية خلال حقبة السبعييات والثمانينات من القرن التاسع عشر ترتّب عليها حدوث تغييرات أساسية فيما يتعلق بإدارة العدالة في مصر.كما يتناول براون وضعية المحاكم المصرية خلال الفترة من 1937 إلى 1971، مسّلطا الضوء على الأنماط المتعددة للتصادمات التي حدثت وقتذاك ما بين القضاء والنظام الحاكم وظهور الشرعية الاشتراكية. مثلما يعرض أيضا لمنعطفات الإصلاح القانوني في دول الخليج وبصفة خاصة، النظام القانونيّ وحكم القانون في كل من الكويت وقطر.المحاكم العربية: بؤرة صراع سياسيّلعلّ من أهم الملاحظات الواردة في الكتاب، هي تلك التي بدأ بها المؤلف مقدمته حين قال: "في عام 1995 اتخذت السلطة الفلسطينية أولى خطواتها الواضحة في اتجاه بناء الدولة بإنشاء محاكم أمن الدولة للنظر في قضايا العنف (خاصة الموجّهة ضد أهداف إسرائيلية). وفي نفس الوقت، في مصر المجاورة، كانت مجموعة من الحركات الإسلامية منخرطة في صراع مسلّح مع سلطات الدولة. وكان ردّ فعل النظام هو استخدام كل الوسائل المتاحة، بما في ذلك أكثرها إثارة للجدل، وهي المحاكم العسكرية، لمحاكمة المدنيين".حيث تعكس هذه الملاحظة بالغة الأهمية مدى التوظيف السياسيّ المتنامي لحكم القانون في مجتمعاتنا العربية، والتي لا تستدعي سلطاتها العمل بالقانون إلا بما يخدم مصالحها الشخصية. ومن ثمّ، أصبحت المحاكم، كما الشأن في النظام القضائي برمته، بمثابة بؤرة صراع سياسيّ مكثف احتدم لمدة تزيد عن القرن في بعض البلدان العربية. حيث ارتبط القضايا القانونية، بحكم طابعها الفني والغامض معا، بتحديد القوى السياسية وأدائها في المجتمع السياسي. أما على المستوى الجماهيري، فمن الملاحظ كذلك أن أغلب السكان في العالم العربي يقيمون وزنا كبيرا للمحاكم والنظام القانوني في كثير من شئونهم الحياتية. وآية ذلك، أنهم يلجؤون إليها بمعدلات عالية جدا تثير كثيرا من الحيرة والدهشة في آن. وتاريخيا، لم تصبح المحاكم، ومنذ إنشائها أواخر القرن التاسع عشر، جزءا هاما من الساحة الاجتماعية والثقافية فحسب، بل أصبحت نموذجا تم احتذاؤه في مختلف أصقاع العالم العربيّ. لكن، ورغم ذلك، تبدو المحاكم المصرية الحديثة غير ذات جاذبية لكل من الحكام والمحكومين على حدّ سواء!!وفي هذا السياق، تطفو على السطح تساؤلات شتّى من قبيل: لماذا أقدم القادة السياسيون المصريون على إنشاء نظام يبدو للنظرة الأولى على الأقل أنه يحدّ من سلطاتهم؟ ولماذا حافظوا على فاعليته واستقلاله طوال فترات زمنية واسعة؟! والأهمّ من ذلك، كيف أمكن لنظام ذاتي الإدارة، بطيء في إجراءاته، أن يزكي نفسه أمام الحكام العرب خارج مصر دون أن يصيب المراقبين العرب بالصدمة؟! ولماذا يختار هذا العدد الكبير من المصريين الذهاب بمنازعاتهم إلى المحاكم؟!هنا ينزع براون إلى التأكيد على أنه في ظل المحاكم المصرية التي برأت ساحة المتطرفين السياسيين، وقوّضت دعائم برلمان البلاد مرتين، يُنظر إلى النظام القضائيّ المصريّ على أنه يتمتع باستقلال وتكامل ملحوظين، رغم أنه يُنظر إليه أيضا على أنه نتاج الإملاء الأوربي. وبحسبه أيضا، فإنّ النظام القانونيّ المصريّ يتمتع بصيت ذائع في كونه نظاما مربِكا، مُثقلاً بالأحمال، ومُنفِرا في آن!! وأنه رغم الشكوى المتزايدة من بطء الإجراءات القضائية، فإنّ المحاكم المصرية لم تتمكن فحسب من البقاء، وإنما أصبحت، وبصورة متزايدة، قبلة المصريين في كل مسارات الحياة.وفي كل الأحوال، يمكن القول بصفة عامة: إنّ النظم القانونية في العالم النامي المؤسسة تاريخيا على نماذج غربية، هي في الكثير من الأحيان بمثابة القاعدة أكثر منها كاستثناء. ومن ثمّة، لم يُكتب لتأثير هذه النظم أن تزول بزوال الاستعمار. أضف إلى ذلك، أنه مع انهيار أحد الاتجاهات القانونية البديلة بانهيار الشيوعية، تاركا الكتلة السوفيتية السابقة مندفعة نحو إجراء إصلاحات مماثلة تماما لتلك التي بدأت في مصر منذ قرن مضى، تبدو البواعث وراء الإصلاح القانوني في العالم العربيّ وردود الأفعال الناتجة عنها وكأنها ذات دلالات كونية.فعلى خلاف كل من: أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية، وأجزاء أخرى من العالم النامي، تم استحداث النظم القضائية العربية بوعي في فترة تاريخية قصيرة نسبيا. فمن جهة، تشترك أغلب بلدان العالم العربي في وجود تقنيات شاملة ذات طراز أوربي Continental تجمع عناصر من القانون الفرنسي والشريعة الإسلامية. ومن جهة ثانية، تتشابه إلى حد بعيد نظم القضاء بهذه البلدان من حيث قيامها على النماذج القانونية الفرنسية Civil Law Models ذات الطابع المركزيّ الهرميّ. تطور النظام القانوني وسياقاته ثمة توجهات ثلاثة تطرح نفسها عند تتبع ودراسة تطور النظام القانوني بصفة عامة. فمن ناحية أولى، قد يكون النظام القانوني مفروضا من الخارج لبواعث تتصل بمصالح القوة الاستعمارية. ومن ناحية ثانية، قد ينشأ النظام القانوني ضمن سياق ليبرالي بهدف تنظيم، أو حتى تقييد، السلطة القائمة، وتأمين المِلْكية، وجعل العلاقات الاقتصادية قابلة لأن تكون محلا للتنبؤ. أخيرا ومن ناحية ثالثة، يتم تصوير النظام القانونيّ الحديث على أنه توّلد عن جهود تهدف إلى إكساب السلطة طابعا مركزيا، كما تهدف إلى كفالة سيادة جماعات أو طبقات خاصة.وفي الواقع، تم طرح هذه التأويلات الثلاثة، ليس فحسب بالنسبة لمصر والعالم العربيّ، وإنما أيضا في سياق تحليل نشأة وتطور الأنظمة القضائية في العالم غير الغربيّ وعلى نطاق واسع. ففيما يتعلق بطرح مسألة فرض القانون بواسطة القوى الاستعمارية، طرحت وجهة النظر التفسيرية هذه في الغالب باعتبارها المفسّر الأساسيّ لنشأة الأنظمة القانونية الحديثة في البلدان المستقلة. وقد وجهتْ هذه الرؤيةُ العديدَ من الدراسات المتعلقة بتاريخ النظام القانوني المصري بصفة خاصة.أما التفسير الثاني المتعلق بظهور الشرعية الليبرالية، فينطلق من القول بأنها (الشرعية الليبرالية) تنظر إلى القاعدة القانونية على أنها الضمان الأكيد في مواجهة الحكومات المتسلطة، وأنه يتوجب على النظام القانوني السليم أن يكون عاصما ضد الحكم الطاغي المستبد وأن يكبح جماح سلطة الحكام ويجبرهم على الالتزام بالقانون وفقا لقواعد وإجراءات معينة. وبالتالي، يمكن أن يُفْهمَ الإصلاح القانوني في مصر، والعالم العربي، على أنه كان محاولة لتقييد، أو على الأقل لتنظيم، السلطة غير المقيدَة للحكام المصريين.أيضا من الأمور المحورية في الرؤية الليبرالية، القول بأن فكرة سيادة القانون تجد مكانها في الدستور وتقارير حقوق الإنسان في العالم العربي حيث لا تسمح الشرعية الليبرالية بأي عقاب من دون أسانيد قانونية واضحة. هذا على المستوى الجنائي، أما على المستوى المدنيّ فتحمي سيادة القانون حقوق الملكية إذ لا تسمح بالتدخل فيها (الملكية) حتى لو كانت تفتقر إلى الأساس القانوني الواضح. أما السلطات، فيتوجب عليها أن تعمل على أساس من حقوق قانونية محددة وقابلة للتعيين والتنبؤ أكثر من استنادها إلى التقدير الشخصيّ. كما يتعين عليها أيضا أن تعمل على تطبيق القانون في سياق المنازعات وأن تتمتع السلطة القضائية بالاستقلال والتحرر من التبعية والتدخل التنفيذيّ وبما يضمن تحقيق العدالة والإنصاف للكافة على قدم المساواة، وبما يتضمن أيضا خضوع الحكام بطريقة كاملة لنصّ القانون، مثلهم في ذلك مثل باقي المواطنين. ومع أنّ سيادة القانون ليس بوسعها أن تؤَّمن وجود المجتمع الكامل والعادل، إلا أنّ ثمة فوائد، مادية ومعنوية، تنتج عن الاقتراب من الأهداف المثالية لسيادة حكم القانون لا يمكن بحال من الأحوال إنكارها.أما الرؤية الأخيرة، تصوير النظام القانوني الحديث على أنه توّلد عن جهود تهدف إلى إكساب السلطة طابعا مركزيا، كما تهدف إلى كفالة سيادة جماعات أو طبقات خاصة، فتأتي على النقيض تماما من الرؤية السابقة حيث تركز بشكل أساسي على الدور القويّ الذي بوسع النظام القانوني أن يلعبه في تدعيم سلطة الجماعات المسيطرة. أي إمكانية توظيفه سياسيا لإضفاء طابع المشروعية على نظام غير شرعي في الأساس. وفي بعض الأحيان، يتم تصوير القانون على أنه يخدم فقط مصالح جماعات الضغط والطبقات المسيطرة عن طريق تعمّد إحداث عدم المساواة. وفي هذا السياق، ينسِب توماس هاي إلى القانون في المجتمعات ذات التفاوت الطبقي أنه يدفع إلى الأمام السيطرةَ الطبقية عندما يخفيها بالأقنعة. وهو يقول في ذلك: "إن المساواة أمام القانون في مجتمع من البشر غير المتساوين إلى حدّ كبير هو أمر مستحيل. فالحقيقة يُحتفظ بها مدفونة برفق تحت بناء التشريع ومهارة القضاء وقدرته على الالتفاف". وهو أمر ينطبق كثيرا على منطقة الشرق الأوسط، والتي غالبا ما يلاحظ المراقبون فيها المنافع الاقتصادية التي يوفرها الإصلاح القانوني للجماعات المسيطرة (يكفى للدلالة على ذلك الإشارة إلى طبقة رجال الأعمال في مصر وإفادتها من مراحل الإصلاح الاقتصادي الذي يتم وفقا لقوانين صادرة عن هيئات إدارية وقضائية).القانون والسياسةيعيد براون طرح تساؤلاته السابقة بعد عرض المداخل التفسيرية الثلاثة، خاصة ما يتعلق منها بهدف النظام القانوني. وتبعا لذلك، يأتي الجزء الأول من كتابه (الفصول: 2،3،4) ليركز على بحث العلاقة الكائنة بين القانون والنظام السياسي، وكيف يمكن لشكل وطبيعة الحكومة أن يفسرا طبيعة النظام القانوني، وما إذا كان بالإمكان أن يُفهمَ النظام القانوني على نحو أفضل باعتباره فرضا أو إملاءً من الحكومات الامبريالية، أو كمحاولة لتنظيم السلطة السياسية، أو كعنصر في السيطرة السياسية غير الليبرالية، أم لا ؟، إلى غير ذلك من الأسئلة.أما الجزء الثاني من كتابه (الفصلين: 5، 6) فيركز فيه الباحث على تشريح وضعية حكم القانون في دول الخليج، لأنها تحولت، تاريخيا، إلى نفس النماذج القانونية الأوربية رغم الفروق المهمة عن مصر من النواحي التاريخية والثقافية، الاقتصادية والسياسية. وهنا يؤكد براون أن مثل هذا التحول ليس من قبيل الصدفة التاريخية حيث استخدمت أغلب الدول الخليجية، وعند مباشرة مهامها في القرن العشرين، مصريين لكي يشيروا عليها ولكي يصوغوا تقنياتها ولكي يعملوا في محاكمها. غير أن المؤلف، وفي إطار سعيه لبحث إشكالية العلاقة بين القانون والسياسة، فضّل أن يختار مصر كحالة لاعتبارات شتى من بينها: * أنّ التاريخ القانوني المصري موثق بطريقة قلما نجدها في القوانين العربية الأخرى. * أنّ التركيز على مصر يسمح بفهم حصيف للعلاقة بين النظام السياسيّ والنظم القانونية في باقي الدول العربية نظرا لسيادة النظم القانونية المصرية عليها وتأثيرها في باقي هذه الأنظمة. * لأنّ مصر المعاصرة خبرت تنوعات هائلة في النظم السياسية خاصة، في تلك المجالات ذات الدلالة الأكبر في تفسير نظامها القانوني. ومن ثم، فإنّ كلا من: الحكم الاستعماري، والأشكال الليبرالية للحكم، والأنظمة الاستبدادية التسلطية، أطلت كلها على مصر وفارقتها أيضا خلال القرن التاسع عشر. ويخلص براون إلى القول بأنه على مدار هذا القرن كان الإصلاح القانونيّ والمحاكم مركزا للسياسة العربية الداخلية. فعلى المستوى التاريخي، نكتشف أنّ دور الاستعمار، رغم كونه ذا مغزى، إلا أنه اقتصر في الغالب على تأكيد وتعديل الاتجاهات الموجودة سلفا. وبالمثل، لعبت الليبرالية دورا ملحوظا، رغم أنّ طبيعتها كانت شديدة التنافر مع العامل الأساسي المتمثل في الرغبة ببناء دولة مركزية قوية، وهو ما يبدو واضحا من خلال استعراض المؤلف لمراحل نشأة وتطور النظام القانوني المصري الحديث ونفاذه خلال الفترة 1876-1937 بصفة خاصة.ففي الربع الأخير من القرن التاسع عشر عمل حكام مصر على بناء قضاء مستقل ووضع قانون مصاغ في قالب مقنن. وعلى الطريق نحو ذلك تحولوا عن وعي عن المصادر الإسلامية والعثمانية باتجاه القوانين الأوربية (من المجالس القضائية المتعددة، إلى المحاكم الشرعية، ومرورا بإنشاء المجالس القضائية التجارية في كل من القاهرة والإسكندرية، وليس انتهاء بالمجالس المحلية في عهد خلفاء محمد علي الذين أنشاوا أيضا المحاكم القنصلية للنظر في أغلب التهم الجنائية والقضايا المدنية التي كان المتهمون أو المدعى عليهم فيها من غير العثمانيين. وليس انتهاء أيضا بالمحاكم المختلطة التي اقترحها نوبار عام 1867 وبدأ العمل بها في عام 1876، ثم المحاكم الوطنية سنة 1883).وفيما يتعلق بمرحلة ما بعد الاستقلال (1922-1937)، يمكن القول أنه لم تحدث تغييرات فورية في النظام القضائي لكنه قوّض نهائيا وضع الامتيازات والمحاكم المختلطة بعد أن تزايدت المعارضة بشأنهما. كما أحدث الاستقلال بعض التغييرات الطفيفة في المحاكم الأهلية، حيث اتسع نظامها بإنشاء محاكم الاستئناف بأسيوط 1926. إلا أن مراجعة شاملة للتقنيات القضائية لم تحدث لمدة عقدين من الزمان بعد الاستقلال، حيث لم تتوطد دعائم الرقابة القضائية حتى أواخر الأربعينات من القرن العشرين. وكنتيجة لذلك، لم يكن لدى المحاكم الراغبة في بلورة فقه دستوريّ أيّ أساس قويّ للبناء عليه.بعد أن عرض المؤلف لموقع القوى الاستعمارية من الإصلاحات القضائية وبيّن هشاشة دورها، أخذ يتساءل عن إمكانية تصويرها (الإصلاحات) بدلا من ذلك على أنها بداية لسيادة القانون في مصر؟! مؤكدا أن الإصلاحات القضائية تحركت بكل تأكيد في اتجاه الشرعية الليبرالية حيث: * تمّ أولا فصل السلطة القضائية عن الإدارة. * كما تمتعت المحاكم بدرجة معينة من الاستقلال. * أيضا تمت في التقنيات الجديدة صياغة القانون بطريقة أكثر تحديدا وقابلية للتنبؤ. * وبالمثل أصبحت الحقوق مكفولة بأسلوب أكثر ضمانا في كل من المحاكم المختلطة ونظيرتها الأهلية. * كما أصبح بوسع المواطنين أن يلجأوا بحرية كاملة إلى القضاء دون قيود في القضايا المدنية. * وتمّ أيضا الحدّ من العقاب دون محاكمة إلى درجة كبيرة. * كما استمرت عملية إضفاء الطابع المؤسسيّ، حيث تمكن واضعو أول دستور مصري نافذ من كفالة المساواة أمام القانون واستقلال القضاء بعد أربعة عقود من إنشاء المحاكم الأهلية. وختاما، اكتسبت جهود الإصلاح القانوني لهذه الفترة سمتا ليبراليا، حيث كان الإيمان بالشرعية الليبرالية صفة مميزة للقيادة المصرية وقتذاك. لكن هذه الشرعية كانت في الوقت نفسه جانبا ملازما لبناء دولة قوية ومركزية، مثلما كانت مقيدة داخلية بما تستطيع إنجازه في ظل الوجود الاستعماري. ورغم أن استقلال القضاء كان أمرا حقيقيا، إلا أنه كان محدودا في نطاق الممارسة الفعلية. ومع ذلك، جرت ممارسة الرقابة القضائية على عمل الإدارة بصورة واضحة في بعض الأحيان بحيث كان القضاة من الشجاعة بمكان لكي ينقضوا قرارات الحكومة الإدارية. فيما اتسمت الفترة من 1937 إلى 1971 بالمركزية والسلطوية والاشتراكية، مما أحدث تغييرات ذات مغزى في الدور السياسي للقضاء، ولكن دون أدنى تغيير يذكر في بنيته الأساسية. | |
|