قد يبدو السؤال
افتراضيا محضا, كما قد يتبادر إلى إذهان البعض , خصوصا و أن الرئيس
التونسي المنصف المرزوقي كان قد تقدم باقتراح في مؤتمر أصدقاء سورية في
الشهر الماضي عاد وكرره اخيرا يتضمن توفير فرصة منح اللجوء السياسي للرئيس
السوري وعائلته وأركان نظامه كجزء من حزمة حل دولية للمسألة السورية بشكل
سلمي وبعيد عن الحلول الدموية وكان قد تردد سابقا عن رغبة بعض الأطراف
الدولية في ترشيح العاصمة الروسية موسكو كمكان للجوء رئيس النظام السوري
رغم أن الرئيس الروسي بوتين نفى جملة و تفصيلا أي رغبة روسية بذلك سادا
الطريق على ذلك الاحتمال , و الواقع أن الحديث عن توفير مكان للجوء الرئيس
السوري وعائلته و أركان نظامه هو بمثابة أحاديث اللغو التي لا تتناسب أبدا
مع حجم الجرائم المريعة التي ارتكبها النظام ومع تاريخ ذلك النظام الدموي
الشنيع و المتأصل و المتوارث والذي لا يعرف أنصاف الحلول رغم تغير الزمن و
كل المعادلات الإقليمية و الدولية , الأنظمة الفاشية بمنهجها العائلي و
المافيوزي ليست على استعداد للانحناء أو الركوع و الخضوع لإرادة الشعب أو
التنازل عن الامتيازات المقدسة التي يحظون بها , فالدكتاتور متعود على
إصدار الأوامر و توجيه الناس نحو إرادته التي يتصور أنها لاترد, جميعنا
يتذكر حكاية صدام حسين في أيامه الأخيرة وكيف حاول العالم العربي من خلال
مبادرة الشيخ الراحل زايد بن سلطان إلقاء حبل النجاة له وترك الباب مواربا
للانسحاب السلمي من السلطة عبر ضمان توفير اللجوء له ولعائلته وكبار قادة
نظامه , كما أننا لا زلنا نتذكر الزيارة الشهيرة لوزير الخارجية القطري
وقتذاك الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني لبغداد ولقائه بالرئيس العراقي
السابق وتقديمه لمبادرة يتنحى بموجبها عن السلطة مقابل ضمان سلامته
وعائلته وذلك قبل أيام من الاحتلال الأميركي ولكن رده المباشر كان في طلب
توصيل الشيخ حمد للمطار وعدم مناقشة الموضوع. إلى أن حصل ماحصل ليخسر صدام
حسين السلطة وحياته أيضا فيما بعد ولتتشرد عائلته لتكون الدوحة بالذات
إحدى نقاط تشتت العائلة الرئاسية العراقية السابقة.
بشار الأسد لن يختلف رد فعله عن رد فعل الرئيس العراقي السابق , فالنظام
السوري لايقاتل من أجل التخلص من عصابات مندسة كما يقولون , بل من أجل
الحفاظ على السلطة العائلية التي ورثها ضمن إطار الجمهورية المملوكية
البعثية الطلاء الطائفية الواقع, ثم أن بشار الأسد تربى وعاش و تثقف ضمن
واقع حياتي وسياسي معين وفي ظل نظام استبدادي صارم يعتبر وجوده في السلطة
ملاصقا تماما لوجود وحياة الوطن السوري نفسه, فإذا كان صدام حسين يقول بأن
صدام هو العراق, فإن العائلة الأسدية الحاكمة لا ترى سورية إلا كونها واحة
تابعة لممتلكات العائلة الحاكمة و لا تتصور الوطن السوري بإمكانه العيش
بعيدا عن سطوة و انفاس العصابة الحاكمة لذلك فإن أي تصور لإمكانية انسحاب
العائلة الحاكمة السورية من السلطة بعيد عن الواقع ولا يقرأ جيدا حقيقة
وتركيبة السلطة ذات الولاءات العصابية , فالنظام السوري يقاتل اليوم وظهره
نحو الحائط قتالا مصيريا في معركة المصير الواحد وهو لا يتورع عن ارتكاب
أية جريمة مهما كانت تكاليفها و ابعادها بل انه يستنكر الدور الدولي و
العربي في مراقبة تصرفات نظامه و يعتبر ذلك مؤامرة دولية واسعة الأبعاد
وتدخلا فجا في شؤونه الداخلية!, لا مكان في التفكير الجمعي للنظام السوري
لأية إمكانية حقيقية لانعزال رئيس النظام السوري لطلب اللجوء السياسي لأنه
يعلم بأن تكاليف وفاتورة عام كامل من القمع الدموي المباشر للثورة السورية
و التورط في المباشر في دماء عشرة آلاف شهيد غير الجرحى و المعوقين و
المشردين وحجم الدمار المادي لايمكن أن يفلت من استحقاقاتها الدولية
والوطنية , نظام الرئيس السوري لايملك أصلا سوى واحد من طريقين إما
الانتصار في معركته المفتوحة ضد الشعب السوري وهو امر لا يمكن ضمانه فضلا
عن تحقيقه, أو مواجهة مصير الأنظمة المشابهة لنظامه وهو مصير اسود على
مختلف المستويات , من الواضح إن من يدعو لتوفير اللجوء لرئيس النظام
السوري وعصابته يعيش في عوالم الأوهام.