حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

  أيّة علمانية للمجتمع المدني في الثقافة العربية؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فؤاد
فريــق العــمـل
فريــق العــمـل
فؤاد


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 786
معدل التفوق : 2214
السٌّمعَة : 22
تاريخ التسجيل : 17/12/2011

 أيّة علمانية للمجتمع المدني في الثقافة العربية؟ Empty
17042017
مُساهمة أيّة علمانية للمجتمع المدني في الثقافة العربية؟

أيّة علمانية للمجتمع المدني في الثقافة العربية؟
د. عثمان بن طالب 
أستاذ بالجامعة التونسية - كاتب عام اتحاد الكتّاب التونسيين
ليس لنا، في هذا الوضع الرهيب الذي يعيشه العرب، إلا أن نفكر بصوت مسموع. ومجال تفكيرنا في هذه الورقة يتمحور حول إشكالية المجتمع المدني وموقع هذه المسألة في قدرتنا على تشخيص أزمة الواقع الاجتماعي السياسي العربي من ناحية وبلورة البديل الثقافي المنشود لهذا الواقع من ناحية أخرى.
إننا لا ندعي امتلاك الحقيقة أمام مشهد معقّد متناقض يتطلب منهج التفكير النسبي والاجتهاد العقلاني. ولسنا هنا بصدد تلقين الدروس أو رفع الشعارات الحماسية.. إننا نفكر انطلاقا من احساسنا القوي بالانتماء الى هذه الأمة المفجوعة في وجودها الحضاري أمام أشرس هجمة استعمارية عرفتها في تاريخها.. نحاول فهم أسباب أزمتها انطلاقا من مرجعيات فكرية تنتمي الى المدرسة الإصلاحية التونسية المتصلة الحلقات منذ قرن ونصف، وما توصلت إليه هذه التجربة من رصيد متجسّد في مشروع ثقافي له إجابات واضحة لأسئلة الحداثة الاجتماعية السياسية واستجابات واقعية واستشرافية لتحوّلات الثقافة الكونية وانعكاسات العولمة وهيمنة "دولة العالم" على مفاهيم السيادة والحق في الاختلاف والشرعية الدولية.
إن المسؤولية الفكرية للمثقف العربي لم تعد تسمح اليوم بالصمت أو بالحلول التلفيقية أمام سريالية الأحداث وجمود الأنظمة وسياسة المكاييل المختلفة وانحسار فضاء الحرية واختراق مقومات الهوية. من احتلال الكويت الى احتلال العراق وتدميره ونهب ثرواته، سقطت كل الأقنعة وتبينت للإنسان العربي هشاشته التاريخية التي سوّقها فوكوياما وجسّدها البيت الأبيض بمنطق التحرير ومقاومة الإرهاب وتصدير الديمقراطية الغربية كعلب الكوكاكولا والهمبرغر.
تبين لنا جميعا أن الأسباب الحقيقية لمأساتنا ليست أسبابا خارجية تتعلق بالآخر، بقدر ما هي أسباب داخلية تتعلق بدكتاتورية التخلف التي عطلت المهمات التحديثية رغم ما تزخر به مجتمعاتنا من طاقات. يشترك المجتمع السياسي والمجتمع الثقافي في مسؤولية هذا الجمود التاريخي.. لأن الحسم في عديد القضايا المصيرية لم يحصل بالقدر المطلوب من الاجتهاد والوفاق.. وأدى هذا الوضع الى تغييب العقل وتنامي الفكر الخرافي الظلامي وتعميق القطيعة بين خطاب القوة وقوة الخطاب لدرجة أصبحت تنذر بالانفجار مع غياب البدائل الكفيلة بمصالحة الفكر مع العقل والموجود مع المنشود.
إننا نعتبر أن المجتمع المدني، كثقافة جديدة وكمشروع أساسي للدولة الاجتماعية المعاصرة، هو المدخل السليم ليستعيد المثقف العربي المبادرة الفكرية والاجتماعية على أساس علماني قادر على تسويغ العقلانية والحرية لنظرية سياسية تشكل خطا ثالثا بين قطبي ثقافة الفكر الواحد المكرسة في المؤسسات وثقافة الدولة الدينية المرفوضة من حيث المبدأ.
يمثل المجتمع المدني تحديا مفهوميا ومعرفيا لثقافتنا السائدة، لا فقط لغياب تقاليد الحرية والاختلاف والتسامح والمواطنة في الفضاء العمومي، ولكن أيضا لأخطاء بعض المنظرين لهذا المفهوم ولعل من أبرزها سعيهم الى إسقاطه على الواقع العربي بمنطق غربي لا يأخذ بالاعتبار خصوصية العلاقة بين السياسة والدين وجدلية المراحل في بناء الديمقراطية الوطنية على أسس دستورية مؤسساتية.
إن المجتمع المدني الذي نعنيه هو سلطة المجتمع في فرض مشروعية الدولة والفصل بين السلطات لتكون السلطة تعبيرا عن إرادة الناس، وهو أيضا ثقافة التعددية وحرية التعبير والفكر والمعتقد وحرمة المواطن. ولكن هذه السلطة المجتمعية لا تتكرس إلا في مؤسسات وقوانين (جمعيات ـ إعلام وأحزاب) يضمن وجودها دستور وآليات تشريعية تعبر عن وفاق تاريخي في كتلة تاريخية بين مكونات المجتمع.
إن شروط تحقيق هذا الواقع في حياتنا المدنية يمكن توفيرها إذا توفقنا الى مقاربة شاملة لمعضلة الحكم ومعضلة الدين ومعضلة المواطنة.
كلما تأخر المجتمع المدني في التشكل والوجود والفعل في التصدي لاشكاليات الديمقراطية والايديولوجية الدينية وحقوق الإنسان العربي في المواطنة الحرة، تفاقمت هذه المعضلات في عالم لا يرحم المتخلفين عن ركب الحداثة والمعرفة والقوة.
إن المجتمع المدني هو قبل كل شيء مطلب تاريخي لا مفر منه يتحمل فيه المثقفون المسؤولية الأولى إذا تخلصوا من عقدة الاستقالة من الشأن العام ولوثة الايديولوجيا الطوباوية ونزعة التبعية للسلطة السياسية. ومسؤوليتهم في واقعنا العربي هي قبل كل شيء مسؤولية فكرية لطرح أسئلة جوهرية تتحكم في قدرتنا على صياغة مستقبل شعوبنا.
من أوكد هذه الأسئلة، نستحضر هنا سؤالين أساسيين:
أولا: ما هي أسس وحدود التسويغ العقلاني لعلمانية عربية قادرة على عقلنة السلطة وحسم العلاقة بين الدين والسياسة؟
ثانيا: ما هي أسس العقد الاجتماعي المطلوب لتجذير ثقافة المجتمع المدني على أرضية الوفاق التاريخي؟
نعتقد أن الإجابة السليمة عن هذه الأسئلة هي مسؤولية ثقافية لا تفصل الاجتماعي عن السياسي وتتطلب من نخبنا قدرا كبيرا من النقد الذاتي والمواجهة والتخلص من الأجوبة الجاهزة التي يوفّرها الانبهار الحضاري بالغرب من ناحية، والانجذاب الايديولوجي للخطاب الديني المتنامي لمنظري الأصولية، النزعة الأولى تصطدم بالبنية الاجتماعية العربية، والنزعة الثانية تقود حتما الى استحواذ الدين على الدولة وتولّد نظاما كليانيا متناقضا مع المجتمع المدني وترسيخ التسامح العقدي دينيا وفكريا.
إن هشاشة التجارب العلمانية في الحقل الثقافي العربي ترجع لأسباب عديدة من أهمها غياب الفهم المتطور لطبيعة السياسة والاجتماع والخلط بين علاقة الدين بالسياسة وعلاقة الدين بالدولة. هذا من جانب السؤال الأول المتعلق بعقلنة السلطة والمؤسسات المدنية، أما من ناحية السؤال الثاني المتعلق بمفهوم العقد الاجتماعي والوفاق التاريخي، فهشاشة التجارب العلمانية ترجع الى الفجوة الحاصلة بين المنظور الفلسفي بأبعاده الابستمولوجية والمنطقية والمفهومية، والمنظور الاجتماعي الذي يتطلب انخراط المثقفين في مختلف جبهات التحديث الاجتماعي (الجمعيات ـ المؤسسات الإعلامية ـ المنظمات المهنية ـ الأحزاب).
إن التأسيس الفلسفي للعلمانية لا يعني أي شيء إذا لم يتجسد هذا التأسيس في ديناميكية اجتماعية مدنية، أولا لأن السلطة السياسية المتحكمة في الفضاء العام غير قادرة عربيا على الإقرار بفشلها في الاستجابة للمهمات التحديثية، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، التي تعهدت بها، وثانيا لأن منظري الأصولية الإسلامية المعادية للعلمانية لا يكتفون بالتنظير الديني لمشروعهم الكلياني، بل يعملون على كل المستويات، وخاصة المستوى الاجتماعي والمستوى الثقافي، على اختراق الفضاءات المتروكة والمهمشة لتوجيهها وتجنيدها لخدمة مشروع مرفوض من حيث المبدإ، لا فقط لاعتبارات تاريخية أو اجتماعية كما يلجأ الى ذلك أغلب الدارسين العرب في مقاربتهم للعلاقة بين الدين والسياسة بل لاعتبارات ابتسمولوجية جوهرية تتعلق بالفصل بين الدولة والدين وإعادة ترتيب لعلاقات الأرض والسماء واستقلال السياسة عن الدين. هذه الاعتبارات تؤكد أن الموقف العلماني أصبح موقفا لا مفر منه منظ ور عقلاني، وهو موقف يتحكم في مطلب المعرفة ومطلب الحرية كخيار لا بديل عنه.
إن التسويغات التاريخية والاجتماعية للعلمانية العربية، التي اكتفت برفع شعار فصل الدين عن الدولة، على غرار الفصل الغربي بين الدولة والكنيسة، لم تتمكن من تجاوز الشروط التاريخية والاجتماعية للمجتمع التقليدي وإنتاج فكر تنويري جديد يشتغل من خارج الفكر الديني. فالذين دافعوا عن مبدإ الفصل بين الروحي والزمني في الإسلام (علي عبد الرازق (1) ـ محمد أحمد خلف اللّه ـ محمد سعيد العشماوي) لم يخرجوا عن نطاق التأويل لنصوص المرجع الديني لمحاولة التمييز بين "الإسلام الديني" و"الاسلام الحضاري".
هذا الاجتهاد العلماني لفصل الدين عن الدولة يقول بعدم وجود نصوص شرعية تدعو لعدم الفصل ويعتبر أن العلاقة التي قامت في التاريخ العربي الإسلامي (الخلافة مثلا) لا علاقة لها بجوهر الاسلام. فكأننا هنا أمام تواصل واستنفاد للمشروع الفكري الرشدي في محاولة التوفيق بين الدين والعقل، والحال أن الظروف التاريخية تغيرت في كل مستويات البنى الثقافية والاجتماعية والسياسية. والمقاربة الابستملوجية لهذه القضية أصبحت اليوم تتطلب، من زاوية حتمية عقلانية العلاقة بين المجتمع المدني والدولة، نظرة جديدة للارتباط بين الدين والدولة في الإسلام. هذه النظرة تقوم على الطبيعة التاريخية الموضوعية لهذا الارتباط وليس على مبدإ العلاقة المفهومية الضرورية التي تبرّرها أو لا تبرّرها نصوص شرعية.
فالقول بوجود علاقة تاريخية وعوامل سوسيولوجية تفسر ظهور الدولة الدينية لا يعني بالضرورة وجود علاقة معيارية. وهذا ما فسّر العلمانية الغربية منذ عصر النهضة. ولكن القبول بالاختلاف التاريخي (عدم ازدواجية السلطة كما حدث في الغرب مثلا) لا يجب أن يسوّغ الموقف الثقافوي الذي يتذرع بنسبية المقاربة للقول برفض العلمانية باعتبارها معطى ثقافيا خارجيا، والحال أن أزمات الفكر العربي المتراكمة تقود كلها اليوم الى الإقرار بحتمية العلمانية من منطلق عقلاني صرف مع اعتبار خصوصية فهمنا لتجسيداتها الاجتماعية والسياسية في فكرنا وسلوكنا ومؤسساتنا.
إن السؤال الجوهري الذي يطرحه عادل ظاهر (2) في الرد على تناقضات منظّري الدولة الدينية و"الصحوة الإسلامية" من ناحية، وعلى دعاة "العلمانية الهشة" أمثال فؤاد زكريا وصادق جلال العظم، هو سؤال مصيري يتحكم في أسس المشروع الثقافي العربي برمته. هذا السؤال هو: ما هو نوع المعرفة المطلوبة لتنظيم المجتمع؟ إن الإجابة الأصولية على هذا السؤال، والمتمثلة بالقول بأن هذه المعرفة لا يمكن أن تكون مستقلة عن المعرفة الدينية بل هي مشتقة منها تقود الى فكر لا تاريخي يحكم على العقل العربي بعدم القدرة على انتاج المعرفة المعيارية المطلوبة من دون توجيه خارجي لتحديد القيم المدنية. هذا التفكير/التكفير الرافض لوجود استقلال منطقي بين المعرفة المنشودة لتنظيم المجتمع والمعرفة الدينية هو مأزق تاريخي حضاري نتائجه نشاهدها في جمود الحكم العشائري الولائي (حتى وإن تزيّن بالحزبية والجمهورية الوراثية)، ونشاهدها أيضا في منطق المواجهة بالعنف والإرهاب بنفس المنطلقات التدميرية لإرادة تشكل المجتمع المدني الحر الضامن لتوازن الحياة المدنية وقدرتها على الإبداع والحوار وصياغة المعرفة العملية لتحديد الغايات والقيم المطلوبة للشؤون الدنيوية. فهل الإنسان العربي أصبح عاجزا، لأسباب ابستيمية تخص بنيته البيولوجية والعقلية، على تحديد الغايات والقيم المتحكمة في مصيره، بدون وصاية الحكام وتوجيه الناطقين باسم الإله؟
لا مجال لعدم الإقرار بأن ثقافتنا في أوكد الحاجة اليوم الى إعادة النظر في العلاقة بين الأخلاق والسياسة من ناحية بالسؤال في مشروعية السلطة و ليات المعرفة العملية لتنظيم المجتمع، وفي العلاقة بين الدولة والدين، والسياسة والدين بالسؤال في المعرفة المعيارية التي تضبط الغايات القيمية لمجتمع التسامح والاختلاف والمواطنة الحرة في مجتمع مدني متحرك ككتلة تاريخية مؤمنة بهويتها ومصيرها وقدرتها على الإضافة للحضارة الإنسانية.
من هذا المنظور العلماني العقلاني لترتيب العلاقة بين الدين والحكم والمجتمع، لا نعتقد أن إسقاط العلمانية الغربية على الواقع التقليدي العربي هو الحل السحري الجذري، بل نعتقد أن الخصوصية التاريخية لا تبرر نسبية المفاهيم المعيارية والغايات حتى وإن فسرت اختلاف المقاربات في مستوى المعرفة العملية لتحقيق الغايات العقلية وتأسيس مبدإ الالزام الخلقي لمعيار ما يصلح للبشر من خير على أساس الضرورة العقلية. فإذا كان الإنسان قادرا لوحده على معرفة الله (وهذا ما تقره كل الديانات ويسلّم به الأصوليون أنفسهم)، فهو قادر أيضا، منطقيا، على تحديد قيم المعرفة المعيارية وغاياتها لتنظيم مجتمعه.
إن استعادة العقل العربي لوظيفته المعيارية الجوهرية هي المطلب التاريخي المتحتم الآن مجتمعيا ومؤسساتيا. وانطلاقنا من سؤال العقد الاجتماعي (الميثاق الوطني التونسي نعتبره نموذجا في هذا الاتجاه) وضوابط العلاقة بين الدولة والدين والسياسة والدين، يقودنا الى الإقرار بفكرتين أساسيتين في طرحنا لإشكالية المجتمع المدني. أولا، أن العلمانية المخصوصة بواقعنا الاجتماعي تتطلب مرجعيات إصلاحية عقلانية تؤسس لوفاق تاريخي بين المجتمع الثقافي والمجتمع السياسي وصياغة عقد اجتماعي لا يلغي العامل الديني الروحي، بل يعقلن ويدستر علاقة هذا العامل الديني الروحي، بالحياة المدنية (فصل الدين عن السياسة بقانون يضمن التساوي في الحقوق وحرية المعتقد ويرفض المعيارية الأصولية والدولة الدينية).
إن شجاعة هذا الموقف الحضاري في مواجهة المؤسسة الدينية بالحجة التاريخية هو من مسؤولية المثقف العربي والسياسي العربي على حد سواء. وهذا يقتضي الإقرار بعضوية العلاقة بين المسؤوليتين خارج منطق الصدام الحتمي وافتكاك السلطة، وخارج منطق الاحتواء والولاء وتوارث الفكر الواحد والحزب الواحد والدولة الكافلة بأجهزتها البيروقراطية والأمنية والعسكرية بايجاد الحلول لكل المشاكل.
هل هناك فرق كبير بين من يدعي النبوة وامتلاك الحقيقة وهو متربع على كرسي الحكم الوراثي، وبين من هو متربص به مدعيا امتلاكه للحقائق الدينية من وحي اللّه وأسبقية النقل على العقل؟
لقد قدم الفكر العقلاني العربي تنازلات عديدة وخطيرة للخطابات الايديولوجية التي تدعي التحديثية (قومية واشتراكية وليبرالية على حد السواء) وللخطابات الأصولية التي تدعي امتلاك الحلول المصيرية الجاهزة. وفي كل الحالات أدت الأزمات الى ضعف... قوة البرهنة بفعل غياب الوفاق التاريخي بين إرادة التغيير وصياغة الأجوبة الممكنة لمفاهيم المجتمع المدني والديمقراطية الناشئة، في إطار أخلاق المحاورة والمجادلة بين النخب المسؤولة على مسار الحياة الاجتماعية لاستنباط الحلول المخصوصة بواقعها.
أدت هذه التنازلات الى استحكام نفوذ فكر الألوهية السياسية التي شرّعت التدخل الأجنبي باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أدت الى دكتاتورية التخلف الاجتماعي وعدم القدرة على مجابهة انعكاسات فكر العولمة وآلياتها الثقافية والاقتصادية. في هذا المشهد العربي المستفحل، تغيب المواطنة وتصعب صيغ التوافق والمؤسسات العادلة وقيم الحوار والتسامح والتعددية، وفي غياب سلطة العقل والفكر التنويري من المعرفة المعيارية والعملية المتحكمة في هذا الواقع، يقف المثقف على هزائمه خارج دائرة الفعل الحقيقي في نسق الأحداث المحيطة به. فمشروع الحداثة الذي فتح به فكر الأنوار آفاق التغيير للإنسانية انبنى أساسا على فكرة المجتمع المدني دفاعا عن العلمانية والدور الطلائعي للمثقف فيه بالانتماء التاريخي الى الشأن العام وباليقظة النقدية الملتزمة برفض الدكتاتورية والحاكمية على حدّ السواء.
هناك توجه علماني عربي يتميز بالمهادنة والتوفيقية والخجل وعقدة السياسة لأن الارضية الفلسفية التي تسنده غير ثابتة في مبدإ العقل وغير قادرة على صياغة البديل المدني التوافقي العملي والواقعي لمشكلات الحكم والدين والمواطنة، في إطار مشروع الحداثة الاجتماعية والدولة. ومشروعيتها التاريخية في واقعنا لا تستند فقط على مبدإ الطبيعة الجوهرية للإنسان المستمدة من الطبيعة العقلانية والأخلاقية للبشر. هذا معطى كوني ندخل من خلاله حضارة الكون وفكر الأنوار باعتبارنا بشرا لا نقل قيمة أو ذكاء عن البشر الآخرين، بل إن هذه المشروعية للعلمانية أصبحت شرطا تاريخيا لا مفر منه للاستجابة لتعقيداتنا المجتمعية ومتطلبات هويتنا ومؤسساتنا.
وحتى لا نكون في صف الطوباوية العربية المتميزة بالقفز على الاختلافات الهيكلية في أنماط التفكير والمؤسسات من قطر الى آ خر من الخليج الى المحيط، نرى أن درجة تحقيق مهام المجتمع المدني تشكو من تفاوت خطير من مجتمع لآخر، لاختلاف الموقف والمقاربة من مبدإ العلمانية ولاختلاف طبيعة المؤسسة المتحكمة في الموقف والمقاربة.
إن شعار الوطنية الديمقراطية من أجل القومية الديمقراطية هو شعارنا في تونس لتجاوز هذه الطوباوية برؤية استراتيجية تراهن على الجبهة الفكرية العربية. وهذا هو المعنى الاساسي الذي نعطيه لالتزامنا، كمثقفين وطنيين عرب.
إن انخراطنا في مشروعنا الوطني للحداثة والتغيير وانتماءنا لثقافتنا القومية لا ينطلق من موقع عقائدي أو مذهبي روحي لأن العلمانية التي ندعو إليها ليست دينا جديدا وليست مذهبا معاديا للدين.
بل هي تصور وسلوك ومساحة للفكر النقدي على اساس التنظيم المدني الذي يسمح بالتعايش والتعبير والمشاركة في مسار الديمقراطية على أساس مشروعية الحكم ووظائف المواطنة.
لا ندعو الى معركة صدامية بين العقلانية والدين كما دعت الى ذلك العلمانية الإطلاقية الغربية لفلسفة الأنوار الغربية، بل الى مشروع ثقافي مدني يتوفّق الى التسويغات العقلانية للعلمانية العربية المطلوبة، في إطار "صيغ من القرار التوافقي"" ( Décision consmensuelle ) المتدرج. وهذا النوع من القرار لا يمكن تأسيسه في المطلق الفلسفي، "لأنه بحكم طبيعته الجمعوية التعبوية لا يتولد إلا عن تفكير مُتروّ ( délibération ) لمجموعات بشرية معينة في إطار تاريخي محدد" (3)، فالتسويغ العقلاني للعلمانية من منظور فلسفي صرف (الكانطية الجديدة) يصبح بدوره اطلاقيا لأنه يتجاهل المعرفة العملية بتعقيدات العلاقة بين العقيدة والثقافة الشعبية السائدة في المجتمع العربي الإسلامي مما يلغي كل إمكانية للقفز على العامل الديني في إعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والدين دون التنازل عن مبدإ رفض الدولة الدينية.
إن تعددية المجتمع لا يمكن اختزالها في منظور فئة معينة، وتفشي العامل الديني في ثقافة المجتمع لأسباب تاريخية لا يمكن تجاوزه بقرار علماني، مهما كانت مبرراته العقلانية الفلسفية وعقيدة المجتمع، هذا لم يحصل حتى في بدايات النهضة وبعد الحرب العالمية الثانية وتنامي ايديولوجية التحديث القومي.
ولا يمكن أيضا أن نكتفي اليوم بموقف غامض وعقيم لا يقبل العلمانية كمنهج إرادي شامل، ويقرها كمحرك مقنع (علمنة) لواقع التحديث التكنوقراطي يحركه الفكر الليبرالي الغربي على الشاكلة التي تسوقها الايديولوجية الامريكية، حسب تعبير عزيز العظمة
إذ يرى أن العلمنة "هي تحصيل لحاصل عملي، عماده منحى تكنوقراطي ينطوي على فكر نفعي وتطوري حداثي، وعلى قدر كبير من الهندسة الاجتماعية"(4).
إن معايير المجتمع المدني وغاياته لا تتحقق بمجرد تحقيق التحديث التكنوقراطي والديكور الديمقراطي الذي تسوقه أجهزة الدعاية العربية للمواطنين وللمؤسسات الغربية. وتجاربنا المجتمعية المختلفة تقودنا حتما الى الإقرار باختلاف السياقات في تحقيق العلمانية المناضلة على أسس عقلانية مدنية مؤثرة في طبيعة مؤسسات الحكم والمجتمع، ولو قارنا سياقات العلمانية في العالم حتى المتقدم اليوم لشاهدنا تنوعا واختلافا. ولكن اللافت في واقعنا الثقافي العربي هو أن هذا الاختلاف في السياقات لا يتوفر على الحد الأدنى من التلاقي والوفاق حول شروط تحقيق القطيعة الابستمولوجية لعلمانية مجتهدة في صلب التاريخ المخصوص لهذه الأمة دون السقوط في فخاخ التصور العقائدي لعلمانية فوقية والموقف الليبرالي من علمانية مستوردة كتكنولوجيا سياسية جاهزة للتطبيق (5). "من الوهم ان نتصور ان التجربة العلمانية يمكنها ان تنضج وتصبح قيما ايجابية مقيمة في عقول الناس ومؤسسات المجتمع بمعزل عن الثقافة والممارسة الديمقراطيّتين بكل ما تحملانه من قيم التعددية والتسامح وتقاليد التوافق"" (6).
وحتى لا تؤدي العلمانية الى أوهام خطابية تنضاف الى الأوهام الأخرى في الخطاب الثقافي العربي، وحتى لا تحل إرادة السلطة محل إرادة المعرفة، أكدنا على ضرورة النقد المزدوج لمرجعيات الفكر ومؤسسات الحكم، ليكون التسويغ العقلاني لديناميكية المجتمع المدني مشروعا واقعيا ملزما بمعايير العقل وملزما لمكونات المجتمع.
لا نعتقد أن هناك بديلا آ خر للثقافة العربية في سياق حوار الحضارات والثقافات ولا يمكن ان نواجه العالم ونحل مشاكلنا بثقافة سلفية أسطورية قضت منذ القرن الثامن أو التاسع على طاقة الفكر من فلسفة وعلم كلام ومعتزلة وباطنية، وحتى على هوامش التصوف الفلسفي، ثم أدت الى المأزق الحضاري لكل مؤسسات المعرفة والمجتمع والسلطة. ولا يمكن ان نكتفي بالتبشير للعقلانية في ندواتنا وكتاباتنا بل أن نعمل على إعطاء مضامين ملموسة لها في الفكر والسياسة والتنظيم الاجتماعي ومختلف مجالات الحياة...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

أيّة علمانية للمجتمع المدني في الثقافة العربية؟ :: تعاليق

سوسية
رد: أيّة علمانية للمجتمع المدني في الثقافة العربية؟
مُساهمة الثلاثاء أبريل 18, 2017 10:11 pm من طرف سوسية
استمر ولاتحرمني من ابداعك
 

أيّة علمانية للمجتمع المدني في الثقافة العربية؟

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: الحــــــــــــــــــداثـــة-
انتقل الى: