حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 الجدران اللامرئية: العنصرية ضدّ السّود(16) - تراجيديا الإنسان الملوّن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فؤاد
فريــق العــمـل
فريــق العــمـل
فؤاد


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 786
معدل التفوق : 2214
السٌّمعَة : 22
تاريخ التسجيل : 17/12/2011

الجدران اللامرئية: العنصرية ضدّ السّود(16) - تراجيديا الإنسان الملوّن Empty
27122013
مُساهمةالجدران اللامرئية: العنصرية ضدّ السّود(16) - تراجيديا الإنسان الملوّن

الجدران اللامرئية: العنصرية ضدّ السّود(16) - تراجيديا الإنسان الملوّن Arton3872-ba6dd
تقديم:
لا يمكنني إبداء ملاحظات عيانية ناتجة عن مشاهدات الاحتكاك اليومي ربما لقلّة الزنوج في سوريا وفي مدينتي التي أعيش فيها. لكن أذكر جيدا أنه منذ أواخر ستينات القرن العشرين، كان ثمّة مشهد أقرب للفولكلور اليومي يبدأ عصر كلّ يوم، على الكورنيش البحري القديم في طرطوس، حيث يقف رجل أسود متوسّط العمر، عرفت أنّه سوداني الجنسية، وأمامه محمصة بدائية صغيرة لِشيّ الفول السوداني، الفستق. لها مدخنة صغيرة الحجم. يبيع المارّة الفستق المحمّص وهو ساخن، وكان يشار له بالعبد وأحيانا بالعبد الأسود، وكانت التسمية الشائعة للفول السوداني المحمّص منذ مراحل طفولتنا“فستق عبيد”، لكن دون أن يعني ذلك مذمّة مقصودة واعية للشخص، رغم دلالاته الكبيرة في لاوعينا الجمعيّ الموروث، وإنما كتوصيف ظاهريّ ساذج للمشهد. طبعا اختفى هذا الشخص منذ مدّة طويلة، وغاب معه هذا المشهد.
بالمقابل فإنّه مع بدء تعميم استخدام جهاز التلفزيون على نطاق واسع في سوريا منذ بداية السبعينات، فإنّ مشاهد الاضطهاد العنصري للزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا، التي كانت تبثها نشرات الأخبار وبعض البرامج الرسمية الحكومية المعادية للسياسة الأمريكية في بلدي آنذاك، سمحت بظهور، على الأقلّ في محيطي الضيّق الذي كنت أعيش فيه، مشاعر تعاطف، ولو عن بعد، نحو الزنوج في العالم عموما. وربّما يعود ذلك أيضا لسبب أخر، وهو أنّ أغلب العائلات الفقيرة بل والمعدمة في طرطوس. وبشكل خاص في ريفها الجبليّ منذ خمسينات القرن العشرين، قبل كثافة الهجرة من الريف إلى المدينة، كانت ترسل بناتها بكثرة للعمل كخادمات في لبنان المجاور لدى الأسر اللبنانية الغنية والإقطاعية، وشبابها كعمال في المزارع وورشات العمل. وكثيرة كانت حكايا التنكيل والاغتصاب ونظرة الاستعلاء العنصريّ ضدّهم آنذاك. وأذكر أنّي أصبت مرة بصدمة قوية، وأنا شابّ في مقتبل العمر، عندما شاهدت بأمّ عيني صيف عام 1968، سيارة تاكسي لبنانية طويلة تقف فجأة أمام المنزل المجاور وعليها نعش خشبيّ بسيط للغاية، فهمت بعد ذلك أنّه يحوي جثمان ابنة جارنا، التي اغتصبت وقتلت في منزل مخدوميها في لبنان الذين استطاعوا تسوية الأمر مع أهلها في سوريا، وجلب جثمانها ودفنه بسرعة.
ومع ذلك فإنّ كثيرا من مفردات الاستهجان الشائعة في ثقافتنا الشعبية العامة مثل، أسود، عبد، زنجي. كانت وما تزال تطلق عموما على كلّ شخص نكرهه ونقصد ذمّه، أو نستهجن شكله أو نحتقره..إلخ. وأظنّ أن لذلك جذرا مزدوجا فينا كبشرٍ أوّلا، وفي ثقافتنا الموروثة كعرب ومسلمين ثانيا، كما في البنية الطبقية الإقطاعية ( ما قبل حداثية ) لمجتمعاتنا العربية. وهذا ما سأحاول مقاربته ثقافيا في السطور التالية.
في جذر التمييز العنصري عند الإنسان:
“هذه الرمال النقية، السابحة في الضوء كان يمكن أن تكون ذات جمال مطلق، لو لم تكن ملوّثة بالبشر”. ثمّ يتساءل العبد الأسير ( فارا )، بعد أن تردّدت أصداء آذان الظهر بين الكثبان الموحشة، وتوجّه مع جميع رجال القافلة صوب القبلة للصلاة “لماذا المساواة في الصلاة والقهر في الحياة؟ لماذا يكون حظّ الناس من الدّين مظاهره الشكلية، ويتجاهلون الجوهر الفاضل، ويعيشون في الظلم والجور؟”.
هكذا كانت تأمّلات وتساؤلات ( فارا ) الفتى الذي قطع مسافات طويلة في وديان وهضاب وصحراء إفريقيا، موثوق اليدين خلف جمل يقذفه ببوله المستمرّ أثناء المسير، لأنّ والده قايضه، بحيلة عليه، كعبد، مثل آخرين غيره، مقابل الحصول على قطعة صغيرة من الملح تساوي حجم مداس قدميه الصغيرين، مع قافلة تجارية مرّت بالبلدة. لكنّ فارا هذا ليس شخصية واقعية بقدر ما هو شخصية متخيّلة ترمز للملايين أمثاله، الذين سيقوا عبيدا فعلا، لسبب أو لأخر في القارّة الأفريقية، وكانوا يباعون ويشرون في أسواق النخاسة. إنّه الشخصية المحورية في الرواية الفاتنة ( مدينة الرياح ) للكاتب الموريتاني “موسى ولد إبنو”. والتي يمكن اعتبارها نصّا روائيّا تراجيديّا مفتوحا، بتقنية سردية مذهلة تجمع بين المتخيّل والواقعي بين التاريخي والراهن. وتلخّص تجربة الإنسان الإفريقي المقهور والمستعبد عبر أزمان عديدة. لست بصدد الرواية هنا ولكنها حضرت إلى ذهني فور قراءتي ملف المحور الجديد في موقع ( الأوان ) عن الجدران اللامرئية، التمييز العنصري ضدّ السود. ربما لأنّ أغلب شخصياتها والبيئة التي تتحرّك ضمنها هذه الشخصيات هي بيئة إسلامية بامتياز. فالأسياد المالكون أتقياء ويصلّون، ويستمدّون شرعية امتلاكهم لعبيدهم ليس من مالهم فقط، بل أيضا من تمسّكهم بدينهم وطقوسه. والعبيد المملوكون أيضا أتقياء ويصلون، وراضون بكراهية على ما هم عليه. وإذا ما فكّروا بالثورة والتمرّد، واجتمعوا سرا ليتناقشوا بالأمر، وشطّ عند بعضهم الوهم والخيال، أو التفكير بجذرهم الإنسانيّ الواحد الذي يجمعهم مع الأسياد، يختلفون فيما بينهم ويفضل الكثير منهم على أن يبقى عبدا، مؤمنا بدينه على أن يكون متمرّدا كافرا أو مشركا. ونتيجة اختلافهم يشي بعضهم بالأمر للأسياد وتبدأ رحلة عذاب جديدة للكثيرين منهم كما حدث لفارا الذي يباع من جديد بعد حفلة تعذيب قوية وتبدأ رحلة عذاب جديدة له في قلب الصحراء الأفريقية الكبرى.
في إحدى الحوارات المذهلة في الرواية يقول أحد الذين التقاهم ( فارا ) في واحدة من محطات الوصول، وهو شخص حرّ، قصير دميم الشكل لكنه جميل الفكر والروح والقلب: “في القدم كان الخير مهيمنا على العالم وحده، وكان ضجر. وفي يوم من الأيام فكّر الخير في ذاته، تساءل عمّا يمكن أن يكون نقيضه .. فكان أن تجسّدت تلك الفكرة، وتكون الشرّ.. ومنذ ذلك الوقت، ما زالت مملكة الشرّ تتسع ومملكة الخير تنقص يوما بعد يوم. والبشر هم آخر اختراعات الشرّ وأخطر حيله ...). لذلك يوجّه له النصيحة التالية:” إذا كنت رافضا للقدر، فاعتزل البشر، وانفرد في الصحراء، وانتظر أمر ربّك! “... وهذا ما فعله” فارا " في النهاية.
لا شكّ هي مخيّلة أديب روائي، لكنها مطعمة بنظرة فلسفية للإنسان والحياة، نظرة قد تكون مفرطة في تشاؤميتها، وفي عبثية المراهنة على الدور الإنساني في الحياة، إلا أنها لم تأتِ من فراغ عبثي، أو هي ناتج تهويم نظري مجرّد. فالثقافة الإنسانية عموما، بكلّ أفكارها وآدابها وفنونها، ما هي إلا ظلال باهتة للتجربة البشرية عبر التاريخ. فجرائم التمييز الطبقي والعرقي والعنصري والطائفي كانت حاضرة بقوّة، وما تزال، عبر التاريخ. لأنّ الإنسان ككائن بشريّ، على العموم، كان وما يزال محكوما بأنانية مفرطة، ورغبة جامحة بالتملك بدون حدود. رغم كلّ إنجازات العقل البشريّ الرائعة، فالذكاء لوحده لا يكفي بدون قيم إنسانية عليا تحكمه، لانتشال الإنسان من قاعه الحيواني الأوّل، بل غالبا ما يوظّف الذكاء البشريّ والتقدم التقنيّ الناتج عنه لصالح المزيد من الحيوانية ضد الإنسان الضعيف والمقهور. فالذكاء ـ على ما يبدو ـ كان ما يزال، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، منتصف القرن العشرين متقدما على القيم الإنسانية وأخلاقها النبيلة، رغم كل النظريات والأفكار الفلسفية التي أنتجها الإنسان قبل ذلك. وإلا لماذا يعتبر القرن العشرين من أكثر العصور دموية عبر التاريخ؟ ولماذا تكرست العبودية وتجارة الرقيق في العصور الحديثة، بأشد قساوة ووحشية مما كانت عليه في العصور القديمة؟.
دور العرب في تجارة الرقيق الإفريقية:
في بحثه الهامّ والموثّق يدقّق الباحث الأمريكي الجنوبي “د. والتر رودني” في كتابه ( أوروبا والتخلف في أفريقيا ) الصادر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية، كانون الأول “ديسمبر” عام 1988. ويكشف بالتحليل والأرقام عن حجم الكارثة التي ولّدتها تجارة الرقيق الأوروبية على القارّة الأفريقية بدءا من منتصف القرن الخامس عشر 1445 وحتى أواخر القرن التاسع عشر عام 1870، إنسانيا ومجتمعيا. إنسانيا من حيث عدد الضحايا الهائل في طريقة سبي أو شراء وسوق العبيد وأعداد المتبقين منهم سالمين الذي يقدّر عددهم بـ 10 ملايين من أصل ما يقارب 100مليون تم خطفهم وسوقهم. طبعا حسب تقديرات “الباحثين الأوروبيين المدافعين عن النظام الرأسمالي” كما يقول الباحث في كتابه. ومجتمعيا من حيث قوة العمل الهائلة التي خسرتها أفريقيا، وأدّت إلى إفقارها حتى اليوم. لأنّ الأوروبيين كانوا يختارون فقط سليمي البنية من الشباب ذكورا وإناثا، من سنّ الخمسة عشر وحتى سنّ الخمسة والثلاثين. ويذكر الباحث هنا أنّ تجارة الرقيق العربية كانت تتم في ( شرق أفريقي والسودان ) حيث ( قام العرب بأسر الكثير من الأفارقة وباعوهم لمشترين عرب) قبل أن تبدأ مرحلة شحن الأوروبيين للأفارقة وبيعهم لمشترين أوروبيين. ثم يشير إلى أنّ “تجارة الرقيق العربية” كانت في النهاية “تجارة رقيق أوروبية” أيضا و(لمصلحة الرأسمالية الأوروبية على وجه التحديد... فالأفارقة الذين يعملون كأرقّاء في بعض البلدان العربية، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، يخدمون جميعا في نهاية المطاف النظام الرأسمالي الأوروبي، الذي خلق طلبا على منتجات ما يزرعه الرقيق مثل التوابل التي كانت تزرع في زنجبار تحت إشراف سادة عرب ).
كل ذلك يلخص ـ كما أزعم ـ جذر وجهة نظر تاريخية في الثقافة العربية الإسلامية تشرعن تجارة الرقيق واستعباد الآخرين، مع أنّ الإسلام في منطوق الدعوة الأوّل حاول التخفيف من وطأة العلاقة بين الأسياد والعبيد، ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا). إلا أنّه لم يحرّم صراحة حقّ امتلاك العبيد أو تجارة الرقيق. بل إنّه في السياق التاريخيّ التالي تراجع منطوق هذه الدعوة الأول بالكامل لصالح المراتبية القبلية السائدة قبل الإسلام في الجزيرة العربية، لا سيما بعد دخول سادة قريش في الإسلام. ثمّ استفحل هذا التراجع بعد توسع الفتوحات العربية الإسلامية في كلّ الاتجاهات، والاحتكاك مع حضارات أخرى تكرس هذه المراتبية ويمارس ملوكها الاستبداد المطلق. فمع تكوين إمبراطورية عربية إسلامية واسعة، صار من غير الممكن الحفاظ عليها واستيعاب شعوبها التي دخلت الإسلام، إلا باستنساخ وإعادة إنتاج المراتبية الأرستقراطية لهذه المجتمعات والشعوب وشرعنتها فقهيا وإسلاميا من جديد، هذا عدا عن الكمّ الكبير من أسرى وسبايا الحروب والفتوحات الذين كان يتمّ تأهيلهم باستمرار كعبيد وخدم ومماليك..إلخ. ولذلك فالعرب والمسلمون منذ البداية كانوا متصالحين مع شرعنة تجارة الرقيق واستعباد الآخرين، لا سيما منذ فترة الخلافة العباسية وحتى نهاية عهد الخلافة العثمانية. خصوصا أنّ الأديان السماوية كافّة ومنها الإسلام، التي قامت فكرتها الرئيسة على عبودية الإنسان لإله مفارق. استطاع أتباعها الأقوياء ( حكام، ورجال دين ) إعادة استنساخ وتأهيل هذه العلاقة من جديد، بينهم وبين أتباعهم الضعفاء والفقراء، وشرعنتها دينيا وزمنيا.
العنصرية العربية الراهنة:
يبدو أنه ما يزال ثمّة ظمأ عربيّ راهن للعودة إلى زمن الاسترقاق والتمييز العنصري والعرقي يكشف عنه عصاب النظرة الضيقة تجاه الأقليات العديدة الموجودة في مجتمعاتنا العربية، عرقية، إثنية، ملوّنة. وثمّة دلائل كثيرة على ذلك، الأمر الذي يحتاج لبحث ميداني سوسيولوجي، أنتروبولوجي، كجزء من اهتمام وعمل مراكز أبحاث متخصصة على امتداد العالم العربي. إلا أنه من الممكن التقاط العديد من مفردات هذه العودة في الحياة اليومية العربية، ضمن صيغ نخبوية كما ضمن صيغ شعبية. وبما أنني لا أستطيع الكتابة إلا حول ما أراه وأعاينه في بلدي أو ما أسمع عنه في دول الجوار العربي. فإنّ بعض مفردات هذه العودة، كما تبدو لي، يمكن تلخيصها بالظواهر الراهنة التالية-:
1-: ظاهرة استخدام السريلانكيات الشائعة جدّا في سوريا ولبنان، وبعض الأقطار العربية الأخرى، بما تعنيه من طريقة استقدام وأسلوب تعامل فظ وغير إنساني معهنّ، كما نقرأ ونسمع في الكثير من وسائل الإعلام. بما يفصح عن جوهر عنصري تجاه الأخر واستعباده، موروث وواضح في العقلية العربية السائدة، تم إعادة إنتاجه وتأهيله في حياتنا اليومية الراهنة. فمفردة السريلانكي أو السريلانكية، صارت ذات دلالة تهكمية واضحة في الثقافة الشعبية السائدة، في أماكن استخدامهم، لدرجة صارت تعادل دلالة كلمات، زنجيّ، عبد، أسود. في أماكن أخرى.
2-: ظاهرة العصبية والعصبية المضادّة بين العرب والأقليات العرقية والإثنية الموجودة تاريخيا في مجتمعاتنا العربية، وما ينتج عن ذلك من استعلاء عنصري وتنكيل وأحيانا صراعات دموية.
3-: العصبيات الطائفية والعشائرية القبلية المستفحلة حاليا، وما ينشأ عنها من صراعات دموية عنيفة، في بعض مجتمعاتنا العربية. فالعصبية الطائفية أو العشائرية ينتج عنها موقف كراهية وتمييز عنصري ضدّ الطائفة الأخرى دون أيّ سبب عقلانيّ يبرّر ذلك، سوى إنكار حقوق الأخر، وهذا هو جوهر الموقف العنصري.
4-: ثمّة موقف حذر، عنصريّ، يختبئ في كتابات ونقاشات بعض المثقفين والكتاب العرب، لا سيما في سوريا خلال العقدين الأخيرين، أرى ضرورة الإشارة إليه. تكشف عنه مقولة ( ترييف المدينة )، التي تعكس حساسية تفوق عنصريّ مريض تجاه أبناء الريف. وكأنّ المدينة وجدت هكذا دفعة واحدة منذ البدء، وثمّة حاجز أبدي بينها وبين الريف الذي تتفوق عليه حضاريا!؟ مع أنه من المعروف أنّ مدن الزمن الحديث الكبرى، بكلّ عمارتها الضخمة ومعاملها وأسواقها وشوارعها الفسيحة، تشكّلت بفعل حراك ديمغرافي كبير نواته الرئيسة كانت الهجرة الكثيفة من الريف إلى المدينة.
ملاحظة أخيرة:
إذا كانت مرحلة الجموح الاستعماري الأوروبي للنظام الرأسمالي الغربي سجّلت أبشع جرائم تجارة الرقيق الجماعي والتمييز العنصري ضدّ السود، عبر التاريخ. إلا أنّ مظاهر هذا التمييز بدأت تتلاشى في مجتمعات الغرب عموما منذ منتصف القرن العشرين بعد تجارب مريرة ومروعة مع الحروب والقتل والاضطهاد والتمييز العنصري والعرقي، وبفعل أسباب عديدة أهمها انتصار الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان كائنا من كان. وظهور حركات سياسية ليبرالية ويسارية نشطة، استطاعت تحريك الشارع لعقود حول هذه المسائل. مع ظهور نظريات وأفكار فلسفية جديدة تتمحور حول مشاكل الإنسان المعاصر ونزوع الفرد المستقل فيه.
ببساطة حيث يتم إحراز تقدم مستمر في الحداثة المجتمعية، على مختلف الأصعدة والمستويات، تصير المجتمعات أكثر شفافية، ويتلاشى فيها وجود الجدران اللامرئية، المتمثلة بالعنصرية ضدّ السود أو غيرهم. وهذا ما تفتقده مجتمعاتنا العربية التي ما تزال تعيش بنيويا في ظلّ شروط القرون الوسطى، زمن ما قبل الحداثة، رغم كلّ مظاهر التحديث السطحية الجارية اليوم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الجدران اللامرئية: العنصرية ضدّ السّود(16) - تراجيديا الإنسان الملوّن :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الجدران اللامرئية: العنصرية ضدّ السّود(16) - تراجيديا الإنسان الملوّن

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: