حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

  القراءة الإبستمولوجية لفلسفة ديكارت (1من 2) الشروط النظرية المهيئة لظهور فلسفة ديكارت الجمعة 24 شباط (فبراير) 2012 بقلم: عاصم منادي الإدريسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هشام
ثـــــــــــــــائر
ثـــــــــــــــائر
avatar


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 77
معدل التفوق : 207
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 26/01/2012

 القراءة الإبستمولوجية لفلسفة ديكارت (1من 2)  الشروط النظرية المهيئة لظهور فلسفة ديكارت الجمعة 24 شباط (فبراير) 2012 بقلم: عاصم منادي الإدريسي Empty
24022012
مُساهمة القراءة الإبستمولوجية لفلسفة ديكارت (1من 2) الشروط النظرية المهيئة لظهور فلسفة ديكارت الجمعة 24 شباط (فبراير) 2012 بقلم: عاصم منادي الإدريسي

 القراءة الإبستمولوجية لفلسفة ديكارت (1من 2)  الشروط النظرية المهيئة لظهور فلسفة ديكارت الجمعة 24 شباط (فبراير) 2012 بقلم: عاصم منادي الإدريسي Arton10922-a4b62



أ:المنهج الإبستمولوجي:


تقديم: في طبيعة النسق النظري


في
كل مقاربة تهتم بتاريخ الفلسفة، وتسعى لتحقيق موضوعيتها أو الاقتراب على
الأقل، تحتاج إلى استحضار البعد التاريخي في هذه العملية فلسنا هنا أمام
تحصيل حاصل، فالمقصود بالتاريخ هنا ليس رواية الأخبار وسرد تواريخها
والأحداث وصانعيها، فهذا النوع من التأريخ يفسد الفكر ويضلله، لأنه ينتهي
إلى حصر تاريخ الفلسفة والعلم في مجرد تسجيل نتائج وإسهامات الأشخاص،
وعندما يظل التاريخ في هذا المستوى يكون ضيقا وعقيما. إن المعنى الحقيقي
للتاريخ هو إلزام المقاربات باحترام السياق النظري والتاريخي الذي ظهرت
فيه الأفكار، ذلك لأن عزل الأفكار عن سياقها النظري يفقدها طابعها المتميز
وقوتها الحجاجية، وهذا يلزمنا بضرورة مراعاة تاريخية الأفكار، والتي تكشف
على أن هناك ترابطا بين الفكر الفلسفي ونظيره العلمي فلا فلسفة تظهر إلا
لأن علما جديدا قد ظهر، ولا فلسفة تنهار إلا بانهيار دعامتها العلمية.


من
هذا المنطلق نصادر على أن الفكر الفلسفي لا يظهر نتيجة للعطالة الإجتماعية
أو الصراعات والعوامل السياسية والاقتصادية، لأن هذه الأخيرة ذات طبيعة
عملية لا يمكنها أن تفرز مشاكل نظرية، قد تحضر في سياق تاريخ الفكر
النظري، لا كأسباب وإنما كعوامل مساعدة، ومن ثمة فإن الفكر الفلسفي اشتغال
نظري لا يمكنه أن ينطلق إلا بوجود دواعي نظرية.


ب: في الفرق بين النظر والعمل:
وقبل
أن نمضي في نقاشنا لابد من التمييز بين الفكر العملي الذي ينصب على مشاكل
الحياة اليومية وصعوباتها، فيجعل من البعدين السيكولوجي والسوسيولوجي
مجالا لاشتغاله، أما النسق النظري فلا يشتغل فيه الفكر إلا على ذاته فقط،
وفي هذا المستوى لا يحتاج إلى العوامل المادية المحايثة لينطلق ويتطور.
فقوانين النظر بهذا المعنى متمايزة تماما عن قوانين المجتمع، ومشكلات
الحياة اليومية تحتاج إلى حلول مباشرة عملية. وبما أنها على هذا النحو،
فهي ضيقة الأفق، ولا يمكنها أن تسمح بتطور النسق النظري، ذلك لأن النظر لا
يستطيع أن يتطور إذا ظل حبيس هذا النوع من المشاكل، لأن التفكير في ما هو
عملي ينتهي بمجرد الوصول إلى حل له. بينما النظر لا يعرف نهاية ولا نقطة
توقف، فهو فكر من أجل الفكر، لا من أجل غايات عملية، وبالتالي فمنطق النظر
بعيد كليا عن منطق الحياة، وعندما يحصل التفكير في النظر بمنطق الحياة، لا
ينتج عن ذلك نسق نظري، بل أشكال من التفكير فقط.


انطلاقا
من التمييز بين النظر والعمل، واعتمادا على خاصية الترابط بين ما هو فلسفي
وما هو عملي، كمكونين أساسيين للنسق النظري، لابد من التأكيد على أن عدم
مراعاة هذا الترابط في أية مقاربة لتاريخ الأنساق النظرية يسلب عنها صفة
الموضوعية والمصداقية، ويحول بينها وبين الوصول إلى فهم دقيق لحركة
الأفكار، بل ويجعلها تقدم لنا فكرا مفككا ومعزولا يفتقد إلى الرابطة بين
أجزائه، مما يؤدي إلى ربط النظريات بالأشخاص والمفكرين، وهذا بطبيعة الحال
يمنح مشروعية الحديث عن مقولات العبقرية والإبداعية، فتصبح النظريات
العلمية والتصورات الفلسفية نتاجا لعبقرية الأشخاص، ويغدو تاريخ النظر هو
ذلك المبحث الذي يسجل إسهامات العلماء المتعاقبة. وهكذا يصبح من السهل
الحديث عن أمم مبدعة وأخرى عقيمة، قول كهذا يسقط أسير منظور عرقي وعنصري
لا يلامس حقيقة ما جرى في تاريخ النظر.


تجنبا
لهذه المآزق لابد من تفادي المقاربات ذات النزعة السيكولوجية
والسوسيولوجية للأفكار الفلسفية، لأن هذه القراءات تشوه الصورة الحقة
للنسق النظري، لأنها لا تقدم سوى مبررات وتسويغات عقيمة،، لا يعني هذا أن
هذه القراءات خاطئة، بل إن المراد هو أن استحضارها لا يتم بصورة أولية،
وإنما يتم استدعاؤها عندما يستنفذ التفسير الإبستيمولوجي لكل إمكانياته،
فالأفكار لا تفسر بأصحابها وإنما بأفكار أخرى.
من هنا، نصل إلى
أن القراءة الإبستيمولوجية وحدها تمكن من فهم الدلالات الحقيقية للفكر
الفلسفي الحديث على سبيل المثال، إذ تكشف عن ذلك التداخل العميق بين ما هو
علمي وما هو فلسفي في هذه المرحلة، فهي تقدم منظورا يكاد يخلو من رواسب
الفهم الوضعي الذي يحضر في معظم المحاولات التي اهتمت بالفلسفة الحديثة،
وهو بطبيعة الحال فهم ضيق ينظر إلى الفلسفة كلها على أنها مجرد كلام فارغ
من الدلالة، وأشباه قضايا خالية المعنى ناشئة أساسا عن التوظيف السيئ
لمنطق اللغة( ).


دعوى كهذه تسقط عندما يتم
الإمساك بذلك الخيط الناظم بين الفلسفة والعلم، والذي يكشف على أن تولد
المفاهيم والأفكار الفلسفية، كان بغاية حل مشاكل معينة في مرحلة ما، وبهذا
يتم التأكد من أن الفلسفة ليست ميتافيزقيا خالية من المعنى، بل هي قول له
من الحجة والبرهان ما للعلم نفسه، وهذا ما سنحاول الكشف عنه من خلال
الوقوف عند بعض المفاهيم والتصورات الديكارتية، لرؤية علاقتها في
تاريخيتها مع علوم العصر الحديث.


على أن غاية
هذا الموضوع، ليست عرض مضامين فلسفة ديكارت التي توفرها كتبه بشكل أفضل
وأدق، وإنما هي محاولة لوضع هذا النسق في تاريخيته للوقوف عند الدواعي
النظرية التي كانت وراء ظهوره، وأيضا لمعرفة تداعياته وامتداداته في
مجالات أخرى، خاصة منها مبحث التربية الذي يجد إرهاصاته الأولى وأسسه
النظرية في هذا النسق، سنقتصر في الفصل الأول على تبيين العلاقة بين النسق
الديكارتي والعلوم الموازية، ونختمه باستخلاص أهم العناصر التربوية
والإنسانية وبسطها، والتي ستشكل مضمون الفصل الثاني.


ج:من الثورة الكوبيرنيكية إلى الكوجيطو الديكارتي
1- دواعي الكوبيرنيكية:
قبل
القرن السادس عشر كان القول بحركة الأرض ودورانها هراء وحماقة، فعقلية هذه
المرحلة لم تكن لتستسيغ هذا الرأي الصادم، لأن قولا كهذا كان يعني اختلال
نظام العالم وفساده. هنا لابد أن نستحضر ما يسمى بالممكن المعرفي، والذي
يعني مجموع الشروط النظرية التي تلعب الدور الحاسم في قبول فكرة ما من طرف
النسق النظري القائم أو رفضه لها. وفي هذه اللحظة لم تكن هذه الشروط قد
نضجت بما يكفي لتسمح بمرور هذه الفكرة، لأن المنظومة النظرية القائمة
(الأرسطية) التي يستند إليها الفكر في هذه المرحلة تتأسس على القول بثبات
ومركزية الأرض للكون.


عندما تستمر نظرية ما
صالحة كنموذج تفسيري، فهذا يعني ببساطة أنها لم تواجه وقائع مكذبة، أي
ظواهر لا سوية تخلخلها، غير أن أي نظرية مهما طال وجودها فلابد أن تزول
يوما ما عندما تعجز أطرها وقوالبها عن استيعاب واستدماج ظواهر جديدة، فقدر
النظرية هو الفناء، وبالنسبة للمنظومة الأرسطية فقد استمرت قائمة لمدة
تتجاوز ألفي عام، هذا يدل على قوة اتساقها، لأنها لم تواجه مكذبات تزعزعها
إلا خلال القرنين السادس والسابع عشر، غير أن هذا لا يعني أن الأرسطية
كانت خالية من كل المشاكل، فبالرغم من أنها أصبحت براديجما أوعلما معيارا
إلا أنها كانت تحمل معها مشكلات كبرى منذ ظهورها، أي في عهد أرسطو، ولم
يجد لها المعلم الأول حلا، ولم تكن هذه المشكلات تمثل أولوية في هذه
المرحلة، ومع ذلك لم يتم إقصاؤها، بل ظلت حاضرة في النسق النظري المتطور،
تنتظر الفرصة المواتية لتظهر، وكانت هذه المشكلة تتعلق بحيرة أو تحير
الكواكب.


تعود هذه المشكلة الفلكية إلى
أفلاطون، وتتعلق بتفسير الاختلالات في ظواهر السماء، فمسارات الأفلاك غير
دائرية تماما، واستجابة لمطلب المعقولية يجب أن تكون متسقة ومنتظمة
ودائرية بشكل دقيق، لكن الواقع يثبت أن هناك تفاوتا بين المطلوب، وهو
الدوران الدائري والواقع الملاحظ الذي يعيش الاختلال، لأن الدائرة هي
الشكل الهندسي الذي يدل على الخلود، والسماء يجب أن تكون نموذجا للنظام،
ولا مجال فيها للخطأ، هذه مشكلة حيرت أفلاطون، فالكواكب لا تسير بطريقة
دائرية تماما، كما أن حجمها يبدو صغيرا حينا، وكبيرا حينا آخر، ثم إن قوة
لمعانها تظهر قوية تارة وتضعف تارة أخرى.
" لقد سلم أفلاطون
مبدئيا بأن الأجسام السماوية تتحرك حركة دائرية ومنتظمة على نحو ثابت،
لهذا وضع على عاتق الرياضيين مهمة الإجابة على السؤال التالي: ما هي
الحركات الدائرية والمنتظمة التي يمكن افتراضها ليصبح بالإمكان إنقاذ
الظواهر التي يعرضها مشهد الكواكب المتحتارة. " . بالنسبة لأفلاطون ومن
خلال نظرة المثل، سيدعي أن السماء المختلة التي نراها ليست السماء كما هي
في ذاتها، بل هي السماء كما تظهر فقط. لذا يجب تجاوزها نحو الحقيقة، وذلك
بإضفاء معقولية عليها، في هذا الإطار تأتي دعوته إلى إنقاذ الظواهر،
فالاختلال ظاهري وغير حقيقي، ومهمة الفلكيين هي تحويل هذا الاختلال إلى
معقولية من أجل إنقاذ الظواهر.


استمر هذا المشكل
قائما في النظرية الأرسطية، واستمرت معه دعوة أفلاطون إلى إنقاذ الظواهر،
اجتهد الفلكيون كثيرا لحل المسألة ومنهم بطليموس، ذهب هذا الفلكي إلى أن
الكواكب لا ترسم مسارات دائرية كما يقول أفلاطون وأرسطو، بل تقطع مسارا
دائريا كبيرا سماه"بدائرة الإسناد"، إلا أنها لا تقطعه بسرعة منتظمة، بل
بحركة لولبية راسمة بذلك دوائر صغرى متصلة الحلقات، سماها "بأفلاك
التدوير" ، هذا الحل الذي قدمه بطليموس لم يزد المشكلة إلا تعقيدا لأنه
خرج عن التقليد القائم الذي يطلب الدوران الدائري، كما أن هذا النوع من
الحركة لا يتلاءم مع النسق الكوسمولوجي القائم على مركزية الأرض وعلى خلو
العالم الفوقي من كل الإختلالات.


ولم يكن حل هذه
الأزمة ممكنا إلا بتحريك الأرض، وهذا ما لم يفكر فيه بطليموس، كما أن هذا
القول لم يصبح ممكنا إلا في القرن السادس عشر، عندما توفرت شروط نظرية
بدأت منذ القرن الرابع عشر، وذلك من خلال رفع الاعتراضات البطليمية على
حركة الأرض، رفع هذه الاعتراضات كان رهينا ببلورة مفهوم جديد للحركة، لأن
الفهم الأرسطي للحركة كان مشوبا بثغرات، وكانت الثغرة مرتبطة بالحركة
القسرية.
صنف أرسطو الحركة إلى حركة طبيعية وأخرى قسرية، مؤدى
هده الأخيرة أن كل ما يتحرك من الأشياء الجامدة، فهو مدفوع بقوة خارجية
ملامسة له، ففي حالة الحركة القسرية يجب على الجسم المحرك أن يظل ملامسا
للجسم المتحرك ومصاحبا له ليمنعه عن العودة إلى مكانه الطبيعي، فإذا رمى
الإنسان بحجر، (حركة قسرية) يجب على اليد أن تظل ملامسة له تمنعه من
السقوط. لكن الواقع يكذب هذا القول، لأن الجسم يظل متحركا رغم انفصاله عن
الجسم المحرك له، إلى أن يسقط بعيدا، فما الذي يجعله يستمر في الحركة؟ .


يجيب
أرسطو غير مقتنع أيضا أن الهواء هو من يحمله، وبعد أن يتعب من حمله يتركه
يسقط، أو تسترد الطبيعة حقها فيسقط الجسم أرضا، كانت هذه هي الثغرة
الأرسطية الكبرى.


كان أول من رفض هذا لتبرير
الأرسطي هو يوحنا النحوي، وفكرته ستساعد على بلورة الشروط النظرية للتخلي
عن الأرسطية. رفض فكرة أن يكون الهواء حاملا للجسم، فالجسم المرمي به لا
يحمله الهواء، وإنما تنطبع فيه قوة حيوية لا مادية من طرف الرامي. هاته
القوة الغير مادية تكون قوية بدءا، ثم تضعف شيئا فشيئا نتيجة لمقاومة
الهواء، فالهواء ليس محركا، بل هو مقاوم للحركة، وعندما تندثر هاته القوة
يسقط الجسم، كان هذا التفسير خروجا عن الأرسطية القائلة أن الحركة القسرية
لا يكون محركها إلا خارجيا وماديا، فأصبح لا ماديا وداخليا.


هذه
القوة الحيوية التي تحدث عنها النحوي وطبقها في عالم الكون والفساد، طبقها
أبو إسحاق البتروجي على عالم ما فوق فلك القمر، في هذا الصدد اعتبر أن
دوران الكواكب والأفلاك السماوية يعود إلى أنها تحمل معها تلك القوة
الحيوية التي طبعت فيها منذ الأزل، وهي لا تتوقف، لأنه ليس هناك سبب لتضيع
هذه القوة، لأنها تسبح في عالم الأثير، وهذا الأخير لا احتكاك فيه، لذا
ستظل تدور إلى ما لا نهاية.
كانت هذه ثورة داخل الأرسطية، لأن
البتروجي طبق الحركة العنيفة على الأفلاك السماوية، على عالم الأثير،
والعنف لا يأتي إلا من فعل إنساني، إذ لولا تدخل الإنسان لكانت كل الحركات
طبيعية.


ونظرا لأن الغرب لم يعرف هذه الأفكار،
لأن من ترجموا كتب العرب والمسلمين حذفوا منها عن قصد أو غير قصد، هذه
الأفكار، لأنها تشوش على النظام الأرسطي، وهدا ما وقع لابن سينا الذي دافع
عن فكرة يوحنا النحوي، إذ قفز المترجمون على هذه الفكرة أيضا، لهذا لم
يعرف الغرب نظرية القوة الحيوية، وسيبلورها في نهاية القرن الرابع عشر في
جامعة باريس، وكان قطباها جان بوريدان J. Buridan . ونيكولا أوريم N.
D’Oresme . هذان بلورا هذه النظرية تحت مسمى نظرية الإندفاع L’impetus ،
لم يكن فهمهما لهذه النظرية مختلفا عن الفهم الذي قدمه البتروجي. يقول
بوريدان:"إن الله وبعد خلق العالم طبع في كل جسم سماوي حركة منتظمة فظل
محتفظا بها". أوريم طبق هذه النظرية على الأرض واستطاع من خلالها أن يرفع
الاعتراضات البطليمية على دوران الأرض.


حجج
بطليموس كانت ذات طابع حسي، أهمها أنه لو كانت الأرض تدور لتاهت الطيور
وضلت طريقها إلى أعشاشها، ثم إنه لو كانت تدور فعلا لما سقط الجسم الساقط
من صومعة بطريقة عمودية، وإنما بطريقة منحرفة وهذا ما يكذبه الواقع.


رفعا
لهذه الاعتراضات ذهب أوريم إلى أنه لو كانت سفينة تسير بسرعة هائلة، فكل
ما يجري داخل السفينة لا يتأثر بحركتها، ومادامت السفينة في عرض البحر،
ولا تحيط بها أية يابسة، فمن الصعوبة معرفة حركة السفينة، سيبدو كما لو
أنها واقفة لا تتحرك، لأن معرفة الحركة يتطلب وجود نقطة ثابتة هي التي
نستند عليها للحكم، هذا ينطبق على الأرض. فإذا كانت الأرض تدور، فإن الأمر
لن يحدث اختلالا في الظواهر، وسيتم كل شيء، كما لو أنها ثابتة، ومعرفة
حركة الأرض يتطلب الخروج منها، لأنها يمكن أن تدور دون أن ندري ذلك.


بهذا
المعنى تكون اعتراضات بطليموس خاطئة، فعندما يتحدث عن سقوط الجسم من
الصومعة، فهو يجهل أن هذا الجسم لا يسقط من نقطة ثابتة، بل من حركة مطبوعة
فيه هي حركة الأرض، ومن ثمة فإنه يحتفظ بحركة الأرض ويتم الأمر كما لو أنه
انطلق من ثبات ووصل إلى ثبات، فالجسم الساقط يحتفظ في ذاته بحركة الأرض.
مع أوريم وصلت المنظومة النظرية إلى شروط نظرية باتت معها حركة الأرض
ممكنة، ولم تعد خيالا أو حماقة، فالخيالي أصبح مكافئا للواقعي. هذا هو
الإرث النظري الذي وصل إلى كوبرنيك.


مع انتهاء
اعتراضات بطليموس على الدوران صرح كوبرنيك بالدوران، لأنه كان هناك داع
نظري يتطلب هذا القول، فلو لم تكن هناك شروط نظرية ملحة لما تم قبول
الكوبيرنيكية، لكنها تحولت إلى نظرية علمية لأنها حلت مشاكل نظرية.
ففي
عام 1543 ظهرت نظرية كوبيرنيك، من خلال كتابه:"دوران الأفلاك السماوية"،
استطاع هذا الرجل أن يشوش على الأرسطية بجعله الأرض تدور حول الشمس، بقيت
الكوبيرنيكية فرضا رياضيا لعل مشكلة رياضية، كانت تفتقد إلى أساس فيزيائي،
ولكنها مع ذلك استطاعت زعزعة العقليات، وقد استمدت قوتها من كونها استطاعت
رياضيا أن تحل مشكلة تحير الكواكب، وذلك عندما اعتبر كوبيرنيك أن تحريك
الأرض سينهي هذه المشكلة تماما.


فبما أن الأرض
تدور، ولا توجد في مركز الكون، فإنها وهي تدور، تصل إلى نقطة يكون الملاحظ
فيها يسير بسرعة أكبر من سرعة المريخ، وهذا يجعل الكوكب يبدو كما لو كان
ثابتا، وعندما يقترب الملاحظ من بعض الكواكب تبدو له حجمها كبير وتكون
لماعة بقوة، وعندما تبتعد مسارات الدوران يصغر حجمها وتضعف قوة لمعانها،
فالكواكب لا تحتار، بل إن مشكلة التحير ناجمة عن وهم بصري لا أكثر، لأن
الأرض التي يوجد عليها الملاحظ ليست نقطة ثابتة، بل هي متحركة أيضا.
والمشكلة تجد حلها في حركة الملاحظ، وما التقهقر والتراجع إلا وهم.


من
التداعيات الخطيرة الكوبيرنيكية، وفي نفس الوقت موطن قوتها، أنها أثبتت
استحالة البرهنة على ثبات الأرض فالقائلون بثباتها تكذبهم الملاحظة
الفلكية، والتي تثبت أن تنبؤات الفلك القديم لا تستقيم مع الملاحظة
المباشرة، هكذا لم يعد هناك تفوق لفرضية المركزية والثبات. وما كان واقعا
مقبولا يحظى بالإجماع، بات في مأزق حقيقي، وما كان حماقة وخيالا (الدوران)
أصبح مكافئا للواقعي، بل أثبت نفسه نظريا ورياضيا كحل للأزمة.


كان
من نتائج إزاحة الأرض عن مركز الكون، وإحلال الشمس محلها، أن انهار مفهوم
الحقيقة المطلقة والمعرفة الدقيقة بنظام العالم ومكوناته، ومن ثمة فقدان
الثقة في المعرفة الحسية، فإذا كانت الأرض تدور وتتحرك، فهذا يعني أن
الإنسان الملاحظ والمراقب لا يقف على مركز ثابت وقار كما كان يتوهم،
وبالتالي فما كان يراه لم يكن حقيقية الواقع كما شكلتها قدرة الإله، بل
كان يرى العالم كما يظهر وفقا لزاوية نظره تلك، وبهذا فالمعرفة نسبية.


لقد
كان ثبات الأرض يضمن للمعرفة الإنسانية صدقها وصلاحيتها المطلقة، أما وقد
كفت الأرض عن أن تكون في المركز فإن المعرفة ينقلب حالها ويتحول إلى
النسبية والتغير بدلا من اليقين المطلق، هكذا أثبت النسق النظري الجديد أن
الأرض ليست سوى كوكب تابع للشمس، وهي مجرد موقع ممكن للملاحظة إلى جانب
مواقع أخرى.
كان التصور الكوسمولوجي الأرسطي وسليله البطليمي
يعتبر الكون فضاء مغلقا ومتناهيا، وفي كون كهذا كان مشروعا أن يكون هناك
مركز، وكان الإنسان مؤهلا ليشغل هذا المكان، لأنه يحتل منزلة وسطى بين
الصورة الخالصة (المحرك الذي لا يتحرك) والهيولي (المادة الخالصة)، فهو
مادة وصورة ومن ثمة فهو في مرتبة أدنى من الإله وأرقى من بقية الكائنات
الأخرى، وفي مركز كهذا بمقدوره أن يبني معرفة مطلقة بالعالم وأن يدرك نظام
الكون وتراتبيته.


كل هذه التصورات تداعت بعد
ظهور الكوبرنيكية، خاصة بعد أن تعززت بكشوفات تيكو براهي Tycko Brahé،
وجاليلي Galilée وكبلر Keepler والتي فتحت الكون على اللامتناهي. فثبت أن
هذا العالم الشاسع اللامتناهي لم يخلق من أجل غايات إنسانية، وإلا فلم
توجد أماكن لا يمكن بلوغها ومعرفتها، لقد أعطت هذه النظريات الجديدة
منظورا جديدا للعالم مغايرا تماما للمنظور المألوف، وقد تأتي لها ذلك
عندما استندت إلى إطار نظري جديد هو الكوبيرنيكية، وبما أن هذه الأخيرة
تحولت إلى أساس نظري للعلم الحديث، فقد تلخصت دعواها في ضرورة بناء
الفلسفة والعلم الحديثين على العقل بدلا من الحواس، فحركة الشمس كانت
تستمد مشروعيتها من الحواس، وهذه الأخيرة خدعت الإنسان، طويلا حينما
أوهمته أن يتموقع في مركز الكون، والأشياء تدور حوله.


كانت
المشكلة التي فجرتها الكوبيرنيكية متعلقة بتهافت الحواس، وكانت دلالتها
الإبستيمولوجية، تقتضي بناء العلم والفلسفة على العقل، فإدراك الحقيقة لم
يعد يتطلب المشاهدة الحسية، بل يقتضي من الإنسان أن يتموقع بفكره، لا أن
يبقى سجين الوضعية الحسية، فالشك في الحواس يستمد جذوره من كوبيرنيك،
ولهذا لا غرابة أن يستبد الشك بالجميع في هذه المرحلة، لأن كبرى اليقينيات
كانت تنهار، وفي جو كهذا استولى الشك على العقول، ولم يكن ديكارت أول
الشكاك أو الشاك الوحيد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

القراءة الإبستمولوجية لفلسفة ديكارت (1من 2) الشروط النظرية المهيئة لظهور فلسفة ديكارت الجمعة 24 شباط (فبراير) 2012 بقلم: عاصم منادي الإدريسي :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

القراءة الإبستمولوجية لفلسفة ديكارت (1من 2) الشروط النظرية المهيئة لظهور فلسفة ديكارت الجمعة 24 شباط (فبراير) 2012 بقلم: عاصم منادي الإدريسي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: