ليست الحداثة مجموعة مميّزات طبعت حقبة تاريخية بعينها يمكن أن نعيّن لها مكانا، ونحدّد لها زمانا داخل يومية تتقدمها حقبة “الماقبل”، لتعقبها حقبة “المابعد”. وليس التحديث وقوفا عند تحولات كبرى ظهرت في وقت بعينه بهدف نقلها واستنساخها.
التحديث ليس استنساخا لحقبة زمنية أو لحظة حضارية، وما ذلك إلا لأنه ليس أصلا دورا تاريخيا وحقبة من الأحقاب، و إنما هو عصر. و ليس العصر فترة زمنية تمتد بين تاريخين. انه علاقة، و بالضبط علاقة متفجرة للماضي بالمستقبل. عند كل عصر ينكشف عالم من العوالم، أي ينكشف بالنسبة لإنسان ذلك العالم علاقة جديدة للماضي بالمستقبل.
الحداثة هي ألا يغدو الماضي في انسجام مع تطلعات المستقبل، أو لنقل على الأصح إن المستقبل هو الذي يعيد النظر في الماضي، لا ليلغيه و يتنكر له، وإنما ليقيم معه علاقة مغايرة.
ليس التحديث إذن تقنيات مستوردة، أو تجديدا في طرق الملبس والمأكل والتنقل، وتحويلا للعلاقة بالمكان. التحديث انتقال من زمنية إلى أخرى. وهو أساسا وعي بالحركة المتقطعة للزمن، من حيث أنها قطيعة مع التقليد و“إحساس بالحيرة والنشوة بما يمر الآن”.
إنه عدم ارتياح للراهن. و هو أساسا انتقال إلى الإيمان بزمنية انفصالية لا تقول بالدوام والثبات، وإنما ترصد القطائع والانفصالات لتؤمن بـ“أن كل صلب لا بد أن يتبخر”