حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 فرويد والعرب : المتّهم الذي لن تثبت براءته بقلم: رجاء بن سلامة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسين
فريــق العــمـل
فريــق العــمـل
حسين


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 473
معدل التفوق : 1303
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 18/12/2011

فرويد والعرب : المتّهم الذي لن تثبت براءته  بقلم: رجاء بن سلامة   Empty
19122013
مُساهمةفرويد والعرب : المتّهم الذي لن تثبت براءته بقلم: رجاء بن سلامة

فرويد والعرب : المتّهم الذي لن تثبت براءته  بقلم: رجاء بن سلامة   Arton532-fb812

تناقلت بعض الصّحف والمواقع العربيّة سنة 2003 رسالة لفرويد أبدى فيها تحفّظه على المشروع الصّهيونيّ، وظلّت نتيجة لذلك محجوبة عن الأنظار طيلة سبعين عاما ونيّفا. كتب فرويد هذه الرّسالة سنة 1930 مخاطبا بها حاييم كوفلر، عضو “مؤسّسة إعادة توطين اليهود في فلسطين”، ليعتذر له عن عدم توقيعه النّداء الذي وجّهه إليه من أجل دعم القضيّة الصهيونية في فلسطين ومساندة حقّ اليهود في إقامة شعائرهم بحائط المبكى.
إليكم نصّ هذه الرّسالة، وقد اجتهدت في ترجمته من الفرنسيّة، مستفيدة من ترجمة سابقة يبدو أنّها من الإيطاليّة، آملة أن تصدر ترجمة أخرى لها من لغتها الأصليّة، تكون أكثر دقّة واقترابا من ألفاظ فرويد وتعابيره :
“لا يمكنني النزول عند رغبتكم. لا يمكنني أن أقاوم تحفّظي على لفت انتباه الجمهور إلى شخصي، لا سيّما أنّ الظّروف الحرجة الحاليّة لا تشجّعني على ذلك. من يريد التّأثير في الجموع عليه أن يقول لهم شيئا مدوّيا وباعثا على الحماسة، وهذا ما لا يسمح لي به رأيي المتحفّظ على الصّهيونيّة. إنّني بلا ريب أتعاطف مع كلّ الجهود التي تبذل من تلقاء النّفس، كما أنني فخور بجامعتنا في أورشليم، وأبتهج عند رؤية الازدهار الذي تشهده منشآت مستوطنينا. لكنّني من ناحية أخرى، لا أظنّ أنّ فلسطين يمكن أن تصبح يوما ما دولة يهوديّة، ولا أظنّ أنّ العالمين المسيحيّ والإسلاميّ على حدّ سواء سيبديان في يوم ما استعدادا لجعل أماكنهم المقدّسة في عهدة يهود. كان من الأجدى، فيما يبدو لي، بناء وطن يهوديّ على أرض غير مشحونة تاريخيّا. لكنّني أعرف أنّ فكرة عقلانيّة من هذا القبيل لا يمكن أن تستدرّ حماسة الجموع ولا معونة الأثرياء. وأقرّ أيضا، وبكلّ أسف، أنّ تعصّب مواطنينا غير الواقعيّ يتحمّل نصيبه من المسؤولية في إثارة الارتياب لدى العرب. لا يمكن لي أن أبدي أيّ تعاطف ممكن مع تديّن مؤوّل بطريقة خاطئة، يحوّل جزءا من حائط هيرودوت إلى شيء عتيق مقدّس، ويتحدّى بسبب هذا الشّيء مشاعر سكّان البلد. ولكم النّظر فيما إذا كنت بمثل هذا الموقف النقديّ، الشّخص المؤهل لمواساة شعب يزعزعه أمل لا مبرّر له.”
ورغم أنّ هذه الرّسالة لم تسرّ الصّهيونيّين من معاصري فرويد إبّان كتابتها، واتّخذها بعضهم بعد صدورها دليلا على خطإ تشكيك فرويد في إمكان قيام دولة يهوديّة على “أرض الميعاد”، فإنّها لم تسرّ العرب إلاّ من حيث هي وثيقة إدانة للصّهيونيّة. يقول مقدّم الرّسالة في نصّ غير مُمضى تناقلته مواقع عديدة: “وحكاية هذه الرسالة يمكن اعتبارها حدثاً ليس بسبب مضمونها فحسب، والذي من شأنه أن يبلبل خواطر أوساط يهودية كانت تجيز لنفسها إشراك مؤسس التحليل النفسي في عملية الكفاح من أجل إقامة دولة إسرائيل والذود عن حياضها، بل كذلك وخصوصاً بسبب حجبها واحتجازها الطويلين كما لو أنها تنطوي على أسرار تطاول المصلحة العليا والقصوى لدولة أو لمشروع دولة.”
لا شكّ أنّ في مصادرة الرّسالة مظهرا من مظاهر الجهاز السّلطويّ الذي ضغطت وتضغط به الحركة الصّهيونيّة على كلّ من يشكّك في المشروع الصّهيونيّ، بمن في ذلك المفّكرون اليهود أو من ذوي الأصول اليهوديّة. ولكنّ الإشكال الأوّل يكمن في ضيق الرّؤية التي وَضعت أفكار الرّسالة وما تنطوي عليه من مواقف إيطيقيّة بين قوسين، واكتفت باعتبارها وثيقة إدانة للصّهيونيّة أو محاكمة فجّة لفرويد. والمطّلع على سياقات إيراد هذه الرّسالة والتّعاليق التي كتبت عليها في مواقع الإنترنت يفاجأ بأنّ هذه الوثيقة لم تبرّئ ساحة فرويد من الصّهيونيّة التي يتّهمه بها العرب، بل حملت المزيد من الإدانة. فكأنّ العرب في تعاملهم مع هذه الوثيقة أرادوا أن يعرفوا ما يعرفون، ويزدادوا إدانة لما يدينون، وارتيابا في من يرتابون فيه من المفكّرين ذوي الأصول اليهوديّة. حجب الصّهيونيّون الرّسالة لمدّة سبعين عاما. وعندما ظهرت الرّسالة، أخضعها العرب إلى المحاكمة، ليحجبوا مضمونها على نحو من الأنحاء.
من منطلق المحاكمة هذا، لم يتأمّل المعلّقون العرب موقف فرويد النّقديّ من فكرة إقامة دولة يهوديّة على الأراضي الفلسطينيّة، ولم يتدبّروا معاني صونه نفسه عن الإثارة الجماهيريّة، وعدم توظيفه علمه ومركزه العلميّ لخدمة الإيديولوجيا، وعدم تقمّصه دور الضّحيّة المطاردة المضطهدة، رغم أنّه اضطهد فعليّا بسبب أصله وحرم طويلا من بعض المناصب العلميّة قبل أن تحرق كتبه ويضطرّ إلى الهجرة إلى بريطانيا. ولم يكن بوسع قرّاء الرّسالة وهم أسرى لنرجسيّاتهم القوميّة والدّينيّة أن يقرؤوا فيها نقد فرويد للنّرجسيّة الجماعيّة التي استسلم إليها الكثير من اليهود، ورفضه لمجاراة الانغلاق على الهويّة ورفضه للأوهام التي تتبنّاها الجموع، وللتّعصّب غير الواقعيّ، وللأمل “الذي لا مبرّر له”.
لم يقرأ المعلّقون هذه المعاني، ولم يتحمّسوا أيضا لها، لأنّهم ربّما كانوا يتمنّون لو لم يكتف فرويد بإبداء تحفّظه إزاء الصّهيونيّة، ولم يبد تعاطفه مع اليهود الذين استوطنوا فلسطين في زمنه. كان عليه أن يتنبّأ أو يكون فوق التّاريخ من أجل إرضاء العرب. كان عليه أن لا يتملّص من الصّهيونيّة فحسب، بل ومن كلّ اليهود، وأن يناصر القضيّة الفلسطينيّة بالطّريقة نفسها التي يناصر بها العرب اليوم القضيّة الفلسطيّنيّة. فعندما كتب إدوارد سعيد منتصفا لفرويد، وعندما ذكّر بالبديهيّات، قائلا إنّ الرّجل: “لم تكن لديه أية فكرة على الإطلاق عما كان يمكن أن يحدث بعد عام 1948”، كتب أحدهم مشكّكا: “هل صحيح أنه لم تكن لديه أية فكرة على الإطلاق عما كان يمكن أن يحدث بعد عام 1948 كما يذهب ادوارد سعيد في محاضرته المذكورة أعلاه (...)؟ تلك أسئلة يصعب أن نتكتمها على الرغم من محبتنا الكبيرة لفقيد الفكر الإنساني ادوارد سعيد.”
هكذا توجّه صاحب المقال باللاّئمة على إدوارد سعيد، واعتبر ما كتبه عن فرويد من باب “كبوة الجواد”، لأنّه حسب رأيه ارتكب خطأ الدّفاع عمّن لا يمكن الدّفاع عنه.
توفّي فرويد سنة 1939، ولكنّ العرب يطلبون منه إدانة ما حصل سنة 1948. لم يكن فرويد مناصرا للفكرة الصّهيونيّة، ولم يكن مؤمنا بالعقيدة اليهوديّة، وكان أكثر ما يزعجه اعتبار التّحليل النّفسيّ علما يهوديّا وخاصّة بعد ترويج النّازيّين لهذه الفكرة، وكان يناهض النّسبويّة الثّقافيّة التي اتّجه إليها خصمه يونغ... ومع ذلك، فكلّ هذا لا يكفي. لأنّ على فرويد لكي يحظى بثقة العرب أن يعلن تملّصه التّامّ من اليهود واليهوديّة، أو أن يتنبّأ بمصير القضيّة الفلسطينيّة ويتبنّاها كما تبنّاها العرب بعد موته بعدّة عقود. يضع هؤلاء العرب فرويد على الميزان، ولكنّ الميزان هو ميزانهم الخاصّ، والمنظار منظارهم الخاصّ، ولا يريدون أن يروا شيئا من خارجه.
ويقول أحد المعلّقين المتحيّرين على الرسالة وقد نشرت في أحد منتديات الإنترنت: فرويد "كان يعتبر نفسه منعتقاً من الأديان جميعاً ولكنه في أماكن أخرى كان يعتزّ بجذوره اليهودية ، من وجهة نظر خاصة لم يفصح عنها . كيف سنوفّق بين القولين؟ لا أعلم وحده الله
من يعلم" .
وهنا أيضا تتواصل عمليّة القراءة بالمنظار الخاصّ جدّا: لا يعرف المعلّق كيف يمكن التّوفيق بين الإلحاد والاعتزاز بالجذور، لأنّه يُسقط على العالم عجز المسلمين الحاليّين عن التّمييز بين الانتماء إلى الإسلام باعتباره دينا، والانتماء إليه باعتباره حضارة أو ثقافة أو ذاكرة. فلا يوجد في العربيّة مقابل لمفهوم الانتماء الثّقافيّ لليهوديّة والنّصرانيّة، أي لما يعبّر عنه في الفرنسيّة بـjudéité وchrétienté، وهما لفظتان تعنيان طريقة الإنسان في أن يكون يهوديّا أو نصرانيّا بقطع النّظر عن عقيدته وعلاقتها بالمعتقد المكرّس. إنّها خانة فارغة في ثقافتنا ولغتنا لسبب بسيط هو أنّ الدّين الإسلاميّ لم يتعرّض إلى حركة الإصلاح التي تسمح للمسلم بأن يكون له انتماء ما إلى ثقافة الإسلام وأن يكون في الوقت نفسه ملحدا أو لاأدريّا، في حين أنّ هذه النّقلة حصلت في الدّيانتين الأخريين. المسلم عندنا يولد مسلما وإذا لم يعد مؤمنا بعقيدة الإسلام، فإنّ له وضعا واحدا يواصل الوصاة على الدّين فرضه، هو وضع المرتدّ الذي يجب أن يقتل. المسلم إمّا أن يكون مسلما أو مرتدّا أو في حكم المرتدّ الذي نجا من القتل نتيجة تعطيل حدود اللّه، ولا يمكن له أن يعتزّ بجذوره الإسلاميّة أو يبدي تعاطفا مع المسلمين وهو غير مؤمن بعقيدة الإسلام. و
لا مكان في الإسلام الحاليّ لمن يولد مسلما ويصبح ملحدا، ولكنّه يبقى على صلة ما بثقافة الإسلام وحضارته، ويظلّ قارئا لبعض نصوصه ومسائلا إيّاها.
وعندما أردت البحث عن ترجمة عربيّة لهذه الرّسالة، وأنا أعدّ دراسة مطوّلة عن تقبّل العرب للتّحليل النّفسيّ، عثرت على مقالات وتعليقات هالتني من فرط ما تنبني عليه من كره لمؤسّس التّحليل النّفسيّ، وجهل بأبسط ما كتب، وحقد على اليهود لمجرّد أنّهم يهود. فقد نسب الكتّاب والمعلّقون العرب لفرويد الدّعوة إلى انتهاك تحريم نكاح الأقارب، ونسبوا إليه التّآمر على العرب والرّغبة في إثبات حقّ اليهود في الاستيطان بمصر، نتيجة فرضيّته الجريئة عن الأصل المصريّ للنّبيّ موسى.
وأنا متأكّدة أن هذا الكمّ من تشويه فرويد ومن الجهل بحياته وكتاباته لا نجده في أيّ لغة وأيّ ثقافة من الثّقافات.
لم يغتفر الكثيرون لفرويد اكتشافه لأهمّيّة الدّفع الجنسيّ، وللحياة الجنسيّة بالمعنى الواسع للأطفال، ولم يغتفروا له اكتشافه للاشعور في علاقته بالكبت، أمّا نحن فلم نغتفر له كلّ هذا، رغم أنّنا لم نكد نترجمه ولم نكد نقرأه، ولم نغتفر له أمرا آخر على غاية البساطة هو أنّه يهوديّ الولادة والمنشأ. فنقدنا إيّاه يقع في دائرة ما قبل العلم وما قبل الأخلاق وما قبل كلّ شيء... فاليهوديّ مهما كان موقفه من الصّهيونيّة ومن دولة إسرائيل، ومهما كان دوره في بناء المعارف والقيم الكونيّة يظلّ غريب الوجه واليد واللّسان في عالم العرب المسلمين.
مرّة أخرى يثبت العرب أنّهم لا يرون أبعد من قيد أنملة، ولا ينظرون إلى العالم إلاّ باعتبارهم ضحايا مطلقين وجرحى نازفين، ويثبتون أنّهم أقدر على المحاكمة والإدانة منهم على التّفكير والاحتكام إلى القيم الإنسانيّة، وأقدر على البحث عن النّوايا منهم على تحليل الأفكار. ثقافة “فلان في الميزان” أو “تحت المجهر”، أو “أمام المنظار” أو “هذا على الحساب قبل قراءة الكتاب”... ما زالت متواصلة، والميزان الذي وضعوا فيه فرويد ليس ميزان التّفكير في النّفس البشريّة، وليس ميزان المعرفة التي تهتمّ بالألم البشريّ، بل ميزان القضيّة الفلسطينيّة وقد تمّ مزجها بشيء من الإسلام وشيء من العروبة، وشيء من العنصريّة، وكثير من الجهل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

فرويد والعرب : المتّهم الذي لن تثبت براءته بقلم: رجاء بن سلامة :: تعاليق

الرّسالة، وقد اجتهدت في ترجمته من الفرنسيّة، مستفيدة من ترجمة سابقة يبدو أنّها من الإيطاليّة، آملة أن تصدر ترجمة أخرى لها من لغتها الأصليّة، تكون أكثر دقّة واقترابا من ألفاظ فرويد وتعابيره :
“لا يمكنني النزول عند رغبتكم. لا يمكنني أن أقاوم تحفّظي على لفت انتباه الجمهور إلى شخصي، لا سيّما أنّ الظّروف الحرجة الحاليّة لا تشجّعني على ذلك. من يريد التّأثير في الجموع عليه أن يقول لهم شيئا مدوّيا وباعثا على الحماسة، وهذا ما لا يسمح لي به رأيي المتحفّظ على الصّهيونيّة. إنّني بلا ريب أتعاطف مع كلّ الجهود التي تبذل من تلقاء النّفس، كما أنني فخو
ساحة الحرية
رد: فرويد والعرب : المتّهم الذي لن تثبت براءته بقلم: رجاء بن سلامة
مُساهمة الجمعة ديسمبر 20, 2013 12:08 am من طرف ساحة الحرية
]مراجعة مسائية لهذه الرسالة


فريق العمل[/u][/b]
؟ من الذي طرح مشكلة العلاقة بين الوحي والحقيقة والتاريخ من خلال أعمال الغزالي؟ من الذي درس مسألة العلاقة بين الوحي والحقيقة والعنف بشكل جديد كليا من خلال تحليله لسورة التوبة أو سواها؟ فكل الأديان وكل أنواع المقدسات استخدمت في لحظة ما من لحظات التاريخ لتبرير العنف أو لخلع المشروعية الإلهية عليه. من هنا جرأة الجهاديين على القتل والذبح وارتكاب التفجيرات والمجازر الجماعية. فمن يعتقد بانه يمتلك الحقيقة المقدسة المطلقة المتعالية يحق له أن يقتلك بل ومن واجبه أن يقتلك لأنك تقف خارج هذه الحقيقة بمجرد انتمائك إلى دين آخر أو حتى عدم انتمائك إلى أي دين أو مذهب. انك كافر في نظره وبالتالي فحياتك كلها لا تساوي حشرة أو بهيمة. وإذن فالمسألة ليست محصورة بالإسلام فقط وان كان هو الذي يشغل العالم حاليا. انظروا الى ما فعلته المسيحية عندما كانت لا تزال أصولية متعصبة أيام الحروب الصليبية أو محاكم التفتيش أو الحروب الأهلية الطائفية الكاثوليكية البروتستانتية. ولا أقول ذلك لتبرير ما يحصل حاليا وإنما من اجل المقارنة والفهم والنظر.
وأركون يدعونا دائما للمقارنة لكي نفهم. إنه يقارن دائما بين الانظمة اللاهوتية الثلاثة، اليهودية فالمسيحية فالإسلامية، ويكشف عن أن آلياتها في النبذ والاستبعاد تبقى واحدة على الرغم من اختلاف مضامينها وعقائدها وطقوسها. إنه يدعونا للخروج من الجدران الضيقة لتراثاتنا الخاصة التي ولدنا فيها أو تربينا عليها لكي نتعرف على تراثات أخرى ونفهم الظاهرة الدينية من أوسع أبوابها.. إنه يدعونا لتوسيع عقولنا ولو قليلا لكي نخرج من طوائفنا ومذاهبنا ونتنفس الهواء الطلق في الخارج. من الذي سلط أضواء العلوم الإنسانية والاجتماعية على النص المؤسس للإسلام فأضاءه بشكل لم يسبق له مثيل من قبل؟ وكان ذلك من خلال كتابه: قراءات في القرآن، حيث قدم برنامجا كاملا لتجديد الدراسات القرآنية وربطها بحركة العلم والعصر. وقد استفاد مما حصل للتوراة والإنجيل من نقد تاريخي مضيء على يد علماء أوروبا.
أنظر بشكل خاص تحليله الرائع لسورة أهل الكهف حيث ربطها ليس فقط بالأديان التوحيدية السابقة على الإسلام كاليهودية والمسيحية، وإنما أيضا بأديان الشرق الأوسط القديمة السابقة على الأديان التوحيدية بكثير. فالعهد القديم مثلا، أي التوراة، استفاد كثيرا من حكايات وادي الرافدين والقصص الحثية والأناضولية والأوغارتية والكنعانية والمصرية. هذا في حين أن القرآن عكس ذلك بشكل غير مباشر من خلال التأثر بالتوراة والإنجيل. ولكن عظمة القرآن تتجاوز النقل الحرفي والتأثر المباشر على عكس ما يزعم بعض المستشرقين.. فقد صهر كل العناصر السابقة وقدم تركيبة عبقرية جديدة. هذا ما برهن عليه أركون من خلال أبحاثه الريادية. وبالتالي فهو لم ينقص من عظمة التراث الإسلامي أو القرآني، على العكس.
وهكذا تضاء الأمور من جذورها، من أعماقها، من أعماق أعماقها.. على هذا النحو يكون التحرير الفكري أو لا يكون. من الذي كتب نقد العقل الإسلامي وليس العقل العربي لان المشكلة الأساسية في هذا العصر بالنسبة للعرب والمسلمين ككل هي العقل الديني أو كيفية التحرر من لاهوت القرون الوسطى ولا شيء آخر؟ المشكلة الأساسية هي في كيفية الانتقال من مرحلة العقل الديني إلى مرحلة العقل العلمي أو العلماني الفلسفي. فالعرب لم يتجاوزوا بعد المرحلة اللاهوتية القروسطية من مراحل التطور إذا ما استعرنا مصطلحات أوغست كونت في نظريته عن المراحل الثلاث من التطور البشري.
المشكلة الأساسية هي: كيف يمكن تعزيل التراث من أوله إلى آخره لكيلا يظل عالة علينا، عبئا على كاهلنا، لكيلا يعرقل إلى الأبد تقدمنا، انطلاقتنا، نهضتنا. فنحن سجناء أنفسنا شئنا أم أبينا..المشكلة الأساسية تكمن في كيفية تفكيك كل الرواسب التراثية والطائفية: أي كل اليقينيات المطلقة التي لا يتجرأ أحد على مساءلتها مجرد مساءلة حتى ولو خلعت المشروعية الإلهية على التفجيرات العمياء وقتلت آلاف البشر في الداخل والخارج على حد سواء.
المشكلة الأساسية تكمن في كيفية توليد لاهوت ليبرالي تحرري قادر على مواجهة هذا اللاهوت الظلامي الذي يتحكم برقابنا منذ ألف سنة على الأقل. وبالتالي فأركون لا يريد القضاء على الدين وإنما توليد فهم آخر، حر ومتسامح للدين. من الذي ساعدنا على ذلك وقام بأكبر عملية تعزيل داخلية لتراث الإسلام المتراكم الجبار؟ من الذي فتح لنا آفاق الفكر الحديث على مصراعيها عندما عرفنا على أعظم مدرسة تاريخية في هذا العصر: أقصد مدرسة الحوليات الفرنسية؟ وعلى هذا النحو رحنا ننخرط في قراءة المؤلفات الكبرى للوسيان فيفر ومارك بلوخ وفيرنان بروديل وجورج دوبي وجاك لوغوف وعشرات غيرهم..على هذا النحو رحنا نفهم كيف تمت عملية تجديد الدراسات التاريخية أو نفضها من أساسها رأسا على عقب. وأركون ليس إلا سليل هذه المدرسة وتلميذها المباشر. ولهذا السبب برع في تطبيق المنهجية التقدمية التراجعية على التراث العربي الإسلامي. بمعنى أنه عرف كيف يسلط أضواء الحاضر على الماضي والماضي على الحاضر لكي يفهم الماضي والحاضر على حد سواء. فكل مشكلة في الحاضر لها جذور في الماضي ولا يمكن حلها إلا بالنبش عن جذورها تماما كما يفعل التحليل النفسي. لقد عرف أركون كيف يموضع كل ذلك ضمن منظور المدة الطويلة للتاريخ لكي تتضح الأمور وتنجلي على حقيقتها. وهو المصطلح الشهير الذي بلوره المؤرخ الكبير فيرنان بروديل.
هناك مشاكل لا تفهم إطلاقا إذا موضعناها ضمن منظور المدة القصيرة فقط أو حتى المتوسطة. لنضرب على ذلك مثلا محسوسا لكيلا يظل كلامنا تجريديا معلقا في الفراغ. لنطرح مشكلة الطائفية أو المذهبية التي تنخر الآن في أحشاء العراق وغير العراق من بلدان المشرق العربي بل وحتى أفغانستان والباكستان وكل مكان. كم هو هزيل كلام معظم المثقفين العرب عن هذا الموضوع الخطير الذي يهدد بلدانا بأسرها بالحروب الأهلية والمجازر والتقسيم. أكاد اخرج عن طوري عندما أقرأ مقالات الصحف عن الموضوع. فهم يتحدثون عنه وكأنه ولد البارحة في زمن صدام حسين أو سواه، أو كأن المسؤول عنه فقط هذا النظام أو ذاك. هذه نظرة سطحية جدا للأمور. ولا يمكن أن تحل مشكلة الطائفية بهذا الشكل. الطائفية أقدم من ذلك بكثير، من هنا صعوبة مواجهتها.
إنهم يموضعونها ضمن منظور المدة القصيرة للتاريخ كما يقول بروديل وبالتالي فلا يمكن أن يفهموها على حقيقتها. أما أركون فيموضعها ضمن منظور ألف سنة أو حتى أكثر عندما يكشف لك عن كيفية تشكل المذهب السني لأول مرة وكيفية تشكل المذهب الشيعي في مواجهته وكذلك بقية المذاهب الإسلامية الأخرى التي تصارعت بحد السيف على مفهوم الإسلام الصحيح باعتبار أن كل مذهب يدعي احتكاره لنفسه من بين الجميع. وهذا ما حصل في المسيحية أيضا بين المذهب الأرثوذكسي والمذهب الكاثوليكي ثم المذهب البروتستانتي بعد القرن السادس عشر..ثم يقلب أركون المنظور التقليدي الذي رسخته كتب الفرق أو الملل والنحل رأسا على عقب ويقول: لا يوجد شيء اسمه إسلام صحيح أو إسلام خاطئ. هذه أسطورة سالت من أجلها الدماء أنهارا..كل المذاهب هي عبارة عن إسلامات صحيحة من وجهة نظر أتباعها. والمؤرخ الحديث ينبغي أن يأخذ مسافة متساوية عنها بدون أي تحيز مسبق أو تمييز وإلا فسوف يقدم خطابا طائفيا مثله في ذلك مثل بقية البشر بدلا من أن يقدم خطابا تاريخيا علميا موضوعيا. كلها متفرعة عن الرسالة الأصل: أي القرآن الذي يحتمل عدة معان ودلالات كبقية الكتب الدينية الكبرى التي تستخدم لغة مجازية عالية في معظم الأحيان. وبالتالي فالحل لا يكون في التعصب للإسلام السني أو الشيعي كما يفعل الكثيرون حاليا وإنما في الخروج من التسنن والتشيع على حد سواء. الحل يكون في الخروج من الإسلام التقليدي كله جملة وتفصيلا. ولكننا لا نستطيع الخروج منه إلا إذا موضعنا الأمور على أرضية البحث التاريخي المحض وتحررنا من مسلمات اللاهوت السني والشيعي.
ولكن كيف يمكن أن نتحرر منها إذا كانت راسخة في أعماق وعينا منذ الطفولة كحقائق مطلقة لا تناقش ولا تمس؟ نحن جميعا أسرى السجون الطائفية المقدسة.. ولا فكاك منها إلا بتفكيكها علميا وتاريخيا وإبستمولوجيا. وهذا ما يفعله محمد أركون منذ نصف قرن تقريبا. منذ خمسين سنة وهو يحفر أركيولوجيا على العقائد الإسلامية الأكثر رسوخا وقداسة ويكشف عن تاريخيتها، عن بشريتها، عن كيفية احتكاك الوحي بالتاريخ لأول مرة.
من هنا الطابع الانقلابي أو الثوري الراديكالي لصاحب مشروع نقد العقل الإسلامي. ولكن بما أنه سابق لعصره فان أحدا لا يهتم به أو قل إنه لا يحظى بالاهتمام الكافي حتى الآن. يضاف إلى ذلك صعوبة فكره وتعقيده وامتلاؤه بالمصطلحات الجديدة لعلوم الإنسان والمجتمع. فلكي تفهمه ينبغي أن تفهم كل نظريات الفكر الحديث في مجال علم الألسنيات والسيميائيات وعلم الأديان المقارنة وعلم النفس التاريخي وعلم الأنثربولوجيا وعشرات العلوم والاختصاصات الأخرى.. ولكن وقته سيجيء.
لا أزال أذكر كيف ألقى محمد أركون محاضرة عصماء في السوربون كشف فيها عن مدى ضعف كتاب هشام جعيط “الفتنة الكبرى” قياسا إلى أبحاث كبير مستشرقي الالمان جوزيف فان ايس عن نفس الموضوع. فالباحث التونسي المعروف ظل تقليديا ولم يستطع زحزحة المشكلة عن أرضيتها القديمة قيد شعرة. أما الباحث الألماني الذي طبق المنهجية الفيلولوجية بكل تمكن واقتدار فقد أضاءها من كل الجوانب وقدم التشخيص الناجح والناجع. ومعلوم انه نشر كتابا ضخما عن كيفية تشكل الفرق والمذاهب في الإسلام. وبلغ ستة أجزاء مطولة. وهو مشروع عمره ورائعته الكبرى وقد اتخذ العنوان التالي: “اللاهوت والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة. تاريخ الفكر الديني في بدايات الاسلام”. من يريد أن يعرف كيف تشكلت الطائفية أو المذهبية لأول مرة في التاريخ ينبغي أن يعود إلى هذا الكتاب الذي لا يتوانى أركون عن تشبيهه بجبال الهمالايا بالنسبة للدراسات الاستشراقية والإسلامية ككل. انه قمة القمم. انه فتح فكري لا مثيل له. ويا ليت العرب يترجمونه لكي يعرفوا كيف يمكن الخروج من العصبيات الطائفية التي تفتك بهم فتكا ذريعا الآن. وقد سمعنا بان الفرس يترجمونه وكذلك الأتراك فهل سيكون العرب آخر من يعلم؟
كنت أتمنى لو استطيع أن أكتب كتابا عن هذه المنهجية وعن كل فكر أركون تحت العنوان التالي: الحفر الأركيولوجي في الأعماق. في الواقع ان كل مشروعه، مثل فان ايس، ما هو إلا عبارة عن عودة إلى الجذور الأولى لمعرفة كيف انبثقت العقائد الإسلامية لأول مرة. انه عبارة عن أرخنة شاملة لتراث الإسلام الذي يقدم نفسه وكأنه فوق التاريخ ككل التراثات الدينية المقدسة أو التي خلع عليها الزمن المتطاول حلة التقديس لاحقا. أنظر ما فعله فلاسفة أوروبا بالنسبة للمسيحية. أركون لا يفعل شيئا آخر. أركون ليس معجزة ولا أسطورة..انه باحث كبير، مقتدر، وكفى..
كل الحداثة بالمعنى النبيل والقوي للكلمة هي وليدة هذه الحركة التحريرية الهائلة التي كشفت عن تاريخية كل ما كان يقدم نفسه وكأنه مقدس، معصوم، يقف فوق التاريخ. هنا يكمن جوهر الحداثة ولبها.. لا حداثة بدون تعرية، بدون تفكيك لموروث الماضي. أنظر البحث عن يسوع التاريخي من لحم ودم فيما وراء المسيح الأسطوري الإلهي الذي يتعالى على التاريخ. وكذلك أنظر البحث عن القرآن التاريخي فيما وراء القرآن غير المخلوق، أو البحث عن محمد التاريخي فيما وراء محمد الأسطوري الذي شكلته كتب السيرة النبوية، أو علي التاريخي فيما وراء علي الأسطوري أو بقية الصحابة والأئمة.. وهذا لا يعني إطلاقا النيل من عظمة النبي أو علي أو الصحابة والأئمة... من يستطيع ان يفعل ذلك؟ وإنما يعني أن عظمتهم ستتضح أكثر من خلال الكشف عن تاريخيتهم، أو من خلال فرز ما هو تاريخي في شخصيتهم عما هو مضخم أسطوري مشكل لاحقا من قبل الأتباع والمؤمنين. ولكن بما إن المسلمين لا يستطيعون تقبل هذا العمل حاليا، بما أنه يصدم الوعي الإسلامي في الصميم فإن أركون يتخذ احتياطات كثيرة لكي يخفي مقاصده البعيدة..أو قل انه يراعي الحساسية التقليدية كثيرا لكيلا يجرحها وبخاصة عندما يكتب مباشرة بالعربية.
فهو يعرف أن المسلمين غير مهيئين حتى الآن لتقبل الحقائق التاريخية عن أنفسهم وتراثهم الذي شكلوا عنه صورة مثالية عذبة تتعالى على التاريخ كما فعلت بقية الأمم. هذا لا يعني بالطبع أن تراث الإسلام ليس عظيما ورائعا ولكنه يعني أن عظمته تتجلى في تاريخيته أكثر مما تتجلى في نزع التاريخية عنه. يضاف إلى ذلك أنه تراث ديني من جملة تراثات أخرى وليس التراث الديني الوحيد في العالم. إنه إحدى تجليات الظاهرة الدينية، ظاهرة المقدس أو الحرام، وليس كل الظاهرة الدينية كما يتوهم المسلمون المنغلقون داخل جدران دينهم فقط. لقد آن الأوان للتخلص من التصورات الطفولية عن أنفسنا وتراثنا. آن الأوان لأن نبلغ سن الرشد عقليا.. وإلا فان بقية الأمم سوف تظل تضحك علينا وتنظر إلينا بازدراء ولا تأخذنا على محمل الجد.
ما هي مكانة العرب أو حتى المسلمين ككل على الساحة العالمية من الناحية العلمية أو الفلسفية او المخترعات والإبداعات؟ لا شيء تقريبا..هذا في حين أنهم كانوا في الطليعة أيام العباسيين والفاطميين والأندلسيين.. هذا يعني أن زمن المواجهة الكبرى للذات مع ذاتها قد اقترب. ولن يستطيع المسلمون أن يؤجلوا إلى ما لا نهاية لحظة المصارحة الكبرى التي ابتدأت تباشيرها ترتسم على الأفق. فالعالم كله أصبح يطالبهم بها. وهناك نداء صادر من الأعماق يطالبهم بها أيضا. والحاجة الماسة أصبحت تفرضها علينا.
لطالما طرح علي هذا السؤال: لماذا أمضيت كل هذه السنوات في ترجمة مفكر واحد هو محمد أركون؟ وكنت دائما أستغرب السؤال لأني أعتبر المسألة بدهية ولا تحتاج إلى سؤال أو جواب. فهل هناك عمل أهم وأجل شأنا من ترجمة بحوث عقلانية نقدية جريئة عن التراث العربي الإسلامي؟ أليست هي مسألة المسائل بالنسبة لعصرنا؟ ألا نحتاج إلى تحرير عقولنا من التحجر الفكري والتصورات الخاطئة والتعصب والإكراه في الدين؟ في الواقع إن هذا الجواب لم يكن بدهيا إلى مثل هذا الحد عندما ابتدأت العمل في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات: أي قبل أكثر من ربع قرن. فالكثيرون من المثقفين العرب كانوا يعتقدون بأن مسألة التراث القديم قد حلت وأننا تجاوزناها بعد أن أصبحنا ماركسيين تقدميين قوميين الخ... ثم انفجرت الحركات الأصولية بعدئذ في وجوهنا كالقنابل الموقوتة وأصبح الجميع يشتغل في قضايا الإسلام والتراث.
وأذكر بهذا الصدد النكتة التالية: كنت ذاهباً في إحدى المرات لحضور درس أركون الأسبوعي في السوربون فاستوقفني أحد الأصدقاء الذين أعزهم في أحد المقاهي المجاورة للجامعة وقال لي: اقعد معنا يا رجل إلى أين ذاهب؟ قلت لحضور درس أركون. فأجابني وماذا تفعل في درس عن الدين: هذا شيء قديم بال عفى عليه الزمن... هذه مسألة محلولة منذ زمن طويل ولم تعد تهم أحدا. نحن، المثقفين العرب، تجاوزنا هذه القضايا.. بعدئذ بفترة قصيرة انفجرت مشكلة الأصولية المتزمتة وأصبحت قضية القضايا بالنسبة لكل المثقفين العرب.. وقبل أن أدخل في صلب الموضوع أكثر اسمحوا لي أن أروي نكتة أخرى. عندما تعرفت على أركون لأول مرة عام 1977 لكي أطلب منه الإشراف على أطروحتي للدكتوراه لم أكن قد سمعت باسمه قط من قبل. وقد قبل بعد نقاش طويل نسبياً. ولكني حاولت تغييره ما إن أتيح لي الالتقاء بأندريه ميكل على هامش إحدى الحفلات في الكوليج دو فرانس. فقد تقدمت منه بكل احترام وسألته إذا كان يقبل بالإشراف على أطروحتي بدلا من أركون فنظر إلي نظرة استغراب واندهاش قائلا: ولماذا تريد تغيير أركون؟ إنه أهم مني يا رجل.. وانتهى الموضوع عند هذا الحد.
ينبغي العلم بأننا نحن السوريين خريجي قسم اللغة العربية لم نكن نسمع إلا باسم أندريه ميكل كأستاذ كبير يشرف على الأطروحات الجامعية العربية في باريس. وكنا نعتقد أننا إذا ما نِلنا شهادة الدكتوراه على يديه فسوف تكون أهم وأعظم شأنا. وسوف نفتخر بها حقيقة عندما نعود إلى بلادنا. يضاف إلى ذلك عقدة الخواجة كما يقول إخواننا المصريون. فنحن نعتقد أن الأستاذ الأجنبي أهم في كل الأحوال من الأستاذ العربي أو المسلم.. بعدئذ أتيح لي أن أكتشف أن محمد أركون هو أحد الأساتذة النادرين الذين يستطيعون أن يتناقشوا مع كبار أساتذة السوربون من موقف الند للند. بل وربما كان الوحيد الذي يستطيع أن يفحمهم ويعطيهم دروسا في المنهج والعلم. وكان مدعاة اعتزاز وفخر لي أنا العربي السوري أن أجد مفكرا جزائريا يرتفع إلى مستوى كبار المفكرين الأجانب إن لم يكن يتفوق عليهم.. لا أعرف فيما إذا كنا نمتلك مفكرا آخر من هذا النوع أو بهذا الحجم. وما عدا المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد لا أعرف اسما آخر وأرجو أن أكون مخطئا.
كان ينبغي أن تحضر دروس محمد أركون في بداية الثمانينات من القرن المنصرم وهو يحلل التراث الإسلامي من خلال أحدث المنهجيات والمصطلحات لكي تعرف معنى الفكر وأهمية الفكر وعظمة الفكر.كنت أخرج أحيانا من الدرس وأنا مذهول عن نفسي وكنت بحاجة إلى بعض الوقت لكي أسترجع مداركي وإمكانياتي. كنت أشعر بأن تاريخ الإسلام كله أخذ يتوضح أمامي وأن إضاءات ساطعة ألقيت عليه من كل الجهات. وعرفت عندئذ أن هذا الدرس يشكل حدثا تاريخيا غير مسبوق بالنسبة لماضي الإسلام وحاضره على السواء. كنا نخرج أحيانا ونحن دائخون من الدرس بعد أن زلزل كل يقينياتنا التقليدية التي تربينا عليها أو ورثناها أبا عن جد منذ مئات السنين. ووجدت ضالتي. كل ما كنت أبحث عنه قبل الوصول إلى باريس وجدته هنا. كل الأسئلة التي كانت تضج في نفسي وأنا لا أزال في سوريا وجدت الأجوبة عليها هنا.. كل التساؤلات الحارقة التي حملتها معي من سوريا إلى باريس عام 1976 والتي كنت أعتقد أنها مستعصية على الجواب وجدت أن مفكراً جزائرياً كبيراً كان قد حفر عليها حتى أعماق جذورها وحلها.
لهذا السبب ابتدأت بترجمة محمد أركون بعد أن قلت بيني وبين نفسي: لماذا لا أجعل الآخرين في العالم العربي يطلعون على ما اطلعت عليه؟ لماذا تبقى هذه الكشوفات المعرفية والإضاءات الساطعة المسلطة على التراث الإسلامي محبوسة بين جدران السوربون ونحن الأحق بها والأحوج إليها؟ واستغربت كيف أن أحدا لم يسبقني بعد إلى ترجمة هذا الباحث المقتدر الذي يدشن ثورة فكرية في تاريخ الإسلام لا أكثر ولا أقل..في الواقع أنهم سبقوني الى ذلك ولكن بشكل متقطع وجزئي. فالدكتور عادل العوا، رئيس قسم الفلسفة في جامعة دمشق سابقا، ترجم له قبلي. وربما كان هناك آخرون أيضا وبخاصة في المغرب. ولكن لم يركز أحد على ترجمته مثلما فعلت أنا. فقد وجدت فيه مشروعا فكريا كاملا شديد الأهمية والخطورة. ثم يسألونني بعد كل ذلك: لماذا كل هذا الاهتمام بترجمة محمد أركون؟ في الواقع إنهم ما عادوا يطرحون علي هذا السؤال كذي قبل لأن فكره تحول الآن إلى تيار عريض في العالم العربي. فبيننا وبين البدايات الأولى مسافة ربع قرن على الأقل. وبالتالي فموسم الحصاد كان على مستوى الزرع والبذور.. ولم تخب آمالي. ولولا العيب والخوف من أن أتهم بالنزعة الانتفاخية والغرور الفارغ لقلت باني استبقت على حركة التاريخ وحصول ضربة 11 سبتمبر. كان هناك هاجس غامض يختلج في أعماقي ويقول لي: هنا تكمن المشكلة الكبرى للعصر فاهتم بها وأنس كل ما عداها، جيش لها طاقاتك ما استطعت. فالتاريخ سوف يحسم هنا. من هنا ارتباطي الشديد بمشروع أركون. ولا ريب في أني كنت أتوقع نجاحه عندما ابتدأت الترجمة. وعندما راهنت على هذا الفكر كنت واثقا من النتيجة سلفا. فالبحوث العلمية الحقيقية عن التراث لا بد أن تجد مكانتها يوما ما. نقول ذلك وبخاصة إذا كانت الحاجة إليها ماسة. الشيء الوحيد الذي أتأسف له هو أنني لم استطع أن أترجم إلا جزء محدودا من أعمال أركون على عكس ما يظن معظم الناس الذين يعتقدون باني ترجمت كل شيء. وهذا خطأ كبير بالطبع.
الرجوع الى أعلى الصفحةتشغيل/تعطيل الإقتباس المتعددرد مع اقتباس نص المساهمة
مواضيع مماثلة-
» خواطر الشيخ محمد الشعراوى
» دليل الهاتف الفلسطيني 2007
» عظات نهضة صوم العذراء بكنيسة العذراء مريم ببهجوره 2007
» كلمات البوم محمد فؤاد الجديد 2007 (ولا نص كلمه حلوة )
» ســـيـــارة فـــورد 2007
مُشاطرة هذه المقالة على: TwitterExcite BookmarksDiggRedditDel.icio.usGoogleLiveFacebookSlashdotNetscapeTechnoratiStumbleUponNewsvineFurlYahooSmarking


رد: ثورة فكرية في تاريخ الاسلام: قراءة في مشروع محمد أركون(1) الثلاثاء 12 حزيران (يونيو) 2007 بقلم: هاشم صالح
مُساهمة في الخميس ديسمبر 19, 2013 2:01 am من طرف هرمنا
+
----
-
مفكر جزائري كبير؟ فأنا أبحث عن حل أو خلاص في هذه الظروف المدلهمة.أنا أنطلق في كل دراساتي وبحوثي من المسلمة التالية: نحن بحاجة إلى تحرير فكري لم يسبق له مثيل في التاريخ. نحن على مفترق طرق. نحن في مهب الريح.. وربما نكون قد دخلنا في متاهة، في داهية دهياء لها أول وليس لها أخر. فنهاية النفق المظلم لا تزال بعيدة والفجر ليس غدا..والعالم العربي والإسلامي ككل لن يخرج من المغطس الذي يتخبط فيه حاليا إلا بعد دفع الثمن الباهظ.
من الذي طرح مشكلة الوحي بشكل تاريخي وأنثربولوجي مقارن يشمل جميع الأديان التوحيدية وحررنا بذلك من رهبة النصوص المقدسة إن لم يكن إرهابها؟ م
الرجوع الى أعلى الصفحةتشغيل/تعطيل الإقتباس المتعددرد مع اقتباس نص المساهمة

رد: ثورة فكرية في تاريخ الاسلام: قراءة في مشروع محمد أركون(1) الثلاثاء 12 حزيران (يونيو) 2007 بقلم: هاشم صالح
مُساهمة في الجمعة ديسمبر 20, 2013 1:10 am من طرف ساحة الحرية
+
----
-
]مراجعة مسائية لهذه الرسالة


فريق العمل[/u][/b]
الرجوع الى أعلى الصفحةتشغيل/تعطيل الإقتباس المتعددرد مع اقتباس نص المساهمة
« استعرض الموضوع السابق · استعرض الموضوع التالي »
إرسال موضوع جديدإرسال مساهمة في موضوع

رسالة سريعة

خط عريض
خط مائل
خط في الأسفل
خط في المنتصف
انحياز الى اليسار
توسيط
انحياز الى اليمين
ملأ السطر
إدراج اقتباس
إدراج أكواد برمجة
إخفاء الرد
إخفاء مُقترن بالمساهمات
رفع الصور
إدراج صورة
إدراج رابط
إدراج رابط فيديو من موقع Youtube
حجم خط الكتابة
لون خط الكتابة
نوع خط الكتابة
إزالة تنسيق النص
تاريخ اليوم
التوقيت الحالي
تغيير نمط نافذة الإرسال



ثا على الحماسة، وهذا ما لا يسمح لي به رأيي المتحفّظ على الصّهيونيّة. إنّني بلا ريب أتعاطف مع كلّ الجهود التي تبذل من تلقاء النّفس، كما أنني فخور بجامعتنا في أورشليم، وأبتهج عند رؤية الازدهار الذي تشهده منشآت مستوطنينا. لكنّني من ناحية أخرى، لا أظنّ أنّ فلسطين يمكن أن تصبح يوما ما دولة يهوديّة، ولا أظنّ أنّ العالمين المسيحيّ والإسلاميّ على حدّ سواء سيبديان في يوم ما استعدادا لجعل أماكنهم المقدّسة في عهدة يهود. كان من الأجدى، فيما يبدو لي، بناء وطن يهوديّ على أر
 

فرويد والعرب : المتّهم الذي لن تثبت براءته بقلم: رجاء بن سلامة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: الحــــــــــــــــــداثـــة-
انتقل الى: