حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 محددات إخراج مشاريع النهوض الحضاري في العالم العربي (1 من 2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابوشديد
ثـــــــــــــــائر
ثـــــــــــــــائر
avatar


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 111
معدل التفوق : 291
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 15/12/2011

محددات إخراج مشاريع النهوض الحضاري في العالم العربي (1 من 2) Empty
31012012
مُساهمةمحددات إخراج مشاريع النهوض الحضاري في العالم العربي (1 من 2)

محددات
إخراج مشاريع النهوض الحضاري في العالم العربي (1 من 2)


نصر
محمد عارف


كثيراً ما يشيع الاعتقاد عند ذكر مسألة
الدراسات المستقبلية أو الإشارة إليها أن مثل هذه الدراسات تنطلق من نوعٍ من الرجم
بالغيب أو التنبؤ العرفاني أو العلمي الخارج عن أطر المنهاجية وقواعدها . والحقيقة
أن هذه الدراسات إنما هي في جوهرها فحصٌ منهجيٌ وعلميٌ للامتدادات المستقبلي
للظواهر الحاضرة الوجود ذات التكوين الممتد في أعماق الماضي . ولذلك فالملاحظ أن
الفرنسيين يفضلون إطلاق مفهوم
Prospector الذي يعني (رؤية) بدلاً من مفهوم Futurology[1]
السائد في اللغة الانكليزية .



والدراسات المستقبلية تمثل كذلك بحثاً
عن الظواهر المستقبلية في تكويناتها الجنينية الموجودة في واقعنا المعاصر ، ذلك
أنه لابد أن تكون بيننا بذور لم تزل في طور الكمون ، كاحتواء البذرة على الشجرة
في الغيب المطلق
[2] . وستؤول تلك
البذرة وأمثالها إلى أشجار وظواهر كبرى لن نستطيع التحكم في نموها ما لم ندرك
وجودها ونفهم طبيعتها منذ كونها بذرة لم تتعهدها يد السقاية والرعاية .



وأخيراً فالدراسات المستقبلية ليست
ممارسةً علميةً جافةً أو ترفاً فكرياً يدعي الحياد ، وإنما هي عملٌ علمي يخلط بين
المعيارية والواقعية (أي بين استصحاب الواقع والسير على هدىً من المعيار) . ولذلك
فهي تحاول فهم المستقبل من حيث صورته الأساسية وقواه الفاعلة ليس لمجرد الفهم ،
وإنما أيضاً لممارسة عملية التحكم والتوجيه وتقوية العوامل المرغوب فيها والداعمة
للكيان الاجتماعي الحضاري الذي ننتمي إليه ، وإضعاف العوامل والقوى المضادة أو
القضاء عليها وهي لم تزل في حالتها الجنينية أو قبل ذلك إن أمكن .



وبناءً على ما سبق فإن استقراء طبيعة
المشروعات النهضوية العربية في القرن الحادي والعشرين وسبر أغوارها وتقويمها منذ
اليوم يصبح ليس فقط ضرورةً علمية ومنهجيةً ، وإنما ضرورةً عمليةً يمليها الاهتمام
بالمصير العربي المشترك ، وبمستقبل إنسان المنطقة العربية أياً كان انتماؤه .



غير أن الأمر الذي ينبغي التنبه إليه هو
ضرورة أن يكون ذلك الاستقراء محكوماً بالعديد من الضوابط المنهجية والمعرفية
التي تحدد إطار البحث وتوجهه الوجهة الصائبة التي تحافظ على جميع المكونات
والعناصر التي تمنحه صفته (العربية) . لكي لا تخرج مثل تلك المشاريع
بعيداً عن تلك
الضوابط المنهجية
بلا هويةٍ أو انتماء ، ولكي لا يتم تقزيمها إلى مشاريع قطرية أو
فئوية أو جهوية أو نخبوية .



ومن ناحيةٍ أخرى فإن وجود تلك
الضوابط يحفظ البحث من الانزلاق في هوة الإيديولوجيا التي تجعل الممارسة العلمية
لا تزيد عن ممارسة الهجاء "للآخر" والفخر بالذات
. ومن ثم تتحول
ساحات النقاش وقاعات الدرس إلى أسواق شعر جاهلية لا تبتغي معرفةً و لا تسعى إلى
إصلاح حال ، وإنما إلى مجرد تضخيم الذات من خلال تقزيم الآخر .



من هنا ، فإن هذه المقالة تحاول باختصار
تسليط الضوء على مجموعةٍ من المحددات المنهجية التي نعتقد أن الالتزام بها في معرض
طرح مشاريع النهوض العربي والحوار فيها يساعد على الالتزام بضوابط العلم ومنهجه
وعلى التخلق بأخلاق طالب العلم وآدابه ، الأمر الذي يعين على الوصول إلى أقرب نقطة
من الحقيقة أو على التماس قبسٍ من نورها المضيء .









أولاً. العقلية الشاعرية


لعل الناظر في طبيعة تكوين العقلية
العربية في معظمها يلاحظ غَلَبة فلسفة الشعر عليها . وذلك لأن "ثقافة
العربي" في تطوراتها الأولى تمحورت حول الشعر بوصفه أداة بيان ومجال إبداع
وتفاعل بين العقل الخالص والوجدان، ومن ثم تكونت لدى الإنسان العربي عقليةٌ
نموذجُها المثالي كامنٌ فيما ورائيات الشعر من رغبةٍ في صنع واقعٍ جديد وتجاوز
الواقع القائم انطلاقاً من الغوص في
أعماق الخيال
. وهذه العقلية مناقضةٌ في معظم أبعادها للعقلية الواقعية
القائمة على التركيز على الواقع و فهمه و تحليله و التعامل معه بغض النظر عن مدى
الرفض النفسي لأبعاده و مكوناته .



ومن هنا نلاحظ أن المثقف العربي ذا
المشروع النهضوي ، كثيراً ما يعبر عن حقيقته كشاعر
، وإن كان
شعره بلغة العلم وجفاف مصطلحاته ، وهو شاعرٌ يسعى إلى صناعة واقعٍ على مقاسه الخاص
، بل تراه يحاول أن يكتب تاريخاً يعطي امتداداً زمنياً لهذا الواقع . و فضلاً عن
خطورة هذا الأمر على التفكير العلمي السليم المنطلق من الواقع بأبعاده و تشابكاته
فإن مشكلته أنه يؤدي أيضاً إلى فقدان أرضية التحاور الفكري بين المنطلقين من رؤى
متباينة و متمايزة .



ولذلك فإن أول قواعد التعامل مع
المشروعات النهضوية العربية يتمثل في تجاوز تلك العقلية الشاعرية
والتأكيد على
الواقعية ، أي على فهم الواقع القائم بكل أبعاده ومتغيراته دون الغرق فيه أو
الانغلاق في حدوده أو اتخاذه حكماً ومعياراً وسوراً لا يمكن تجاوزه على الإطلاق .



ثانياً. فكر الثنائيات (Dualities)


وهو الفكر الذي لا يرى الأشياء إلا
في صورةٍ حدّية تقوم على الشيء ونقيضه دون أن يكون هناك ثالثٌ لهما
. وبذلك
تُفقد كل مفاهيم الوسطية التي عُرِفت بها الأمة الإسلامية وتحققت في الأمة العربية
والتي تتجاوز الثنائيات وترى الأشياء في صورةٍ متكاملة تمتزج فيها المتعارضات
وتذوب تماما ، كالمَلَك الذي رآه الرسول صلى الله عليه وسلم في مِعراجهِ "نصفه من الثلج ونصفه من النار لا
النار تذيب الثلج ولا الثلج يُطفئ النار"[3]
. تلك الوسطية التي حددت إطار الفكر والممارسة الإسلامية على مدى عصور ممتدة
عرفت فيها التنوع داخل الوحدة والتعدد في إطار التوحيد الحضاري والثقافي
والاجتماعي
، ولم تنزلق إلى ما انحدرت إليه القوى الثقافية والسياسية
والاجتماعية العربية في القرن العشرين من ثنائية حدّيةٍ جامدة واستقطابٍ مؤدلجٍ
يغذي عوامل التشتت والتفرق ويُضعف قواعد الوحدة والتجمع ، ويدفع إلى احتداد الصراع
الداخلي الذي يكاد يصل إلى تحقيق الوجود من خلال نفي الآخر ، حيث لاترى
"الذات" لنفسها وجوداً ما لم يتم نفي "الآخر" بصورةٍ وجوديةٍ
كاملة أو على الأقل على مستوى الفعالية والحضور .



وإن من أهم مزالق الثنائيات التي تؤدي
إلى تشويه المشروعات النهضوية واختزالها ونفيها خارج إطار البحث أو الوجود تلك
الثنائيات المنتشرة والتي أصبحت من قبيل المسلمات مثل : الأصالة والمعاصرة ،
التقليدية والحداثة ، الدين والدولة ، المحافظة والثورية ، القومية والإسلامية ،
الرجعية والتقدمية ، الإسلامية والعلمانية
تلك المتقابلات التي لا يمكن أن نجد
لها تحققاً واقعياً إلا عند النذر اليسير من المفكرين أوالباحثين ، ولا يمكن أن
تتحقق في أي مشروعٍ نهضوي على مدى التاريخ العربي المعاصر حتى وإن وصل إلى قمة
التطرف الأيديولوجي . ذلك أن قراءة الواقع تُظهر أنه لا يوجد مشروعٌ حداثيٌ بصورةٍ
كاملة أو آخر تقليدي بصورة كاملة ، كما لا يوجد مشروعٌ علماني بصورة كاملة ، أو
إسلاميٌ بصورةٍ تامة
... وإنما الموجود دائماً هو خليطٌ متفاعلٌ ومتداخل
، يؤكد أن هذه هي طبيعة الأشياء .



فعلى سبيل المثال يورد قاسم أمين الذي اعتُبر
رائداً لتحرير المرأة وعلمنة المجتمع
في كتابه "تحرير المرأة"
نصاً يقول: "لو أن في الشريعة الإسلامية نصوصاً تقضي بالحجاب على ماهو معروفٌ
الآن عند بعض المسلمين لوجب عليّ اجتناب البحث فيه ولما كتبت حرفاً يخالف تلك
النصوص مهما كانت مضرةً في ظاهر الأمر لأن الأوامر الإلهية يجب الإذعان لها بدون
بحثٍ ولا مناقشة"[4]
. وبغض النظر عن جوهر المسألة فإن مايهمنا هنا هو دلالة عبارته التي تُظهر التزامه
بالمشروعية الإسلامية ونيته الاجتهاد في إطارها .



ومن هنا فإن التحليل المستقبلي
للمشروعات النهضوية العربية لابد أن يتجاوز إطار الثنائيات واستخدام صفات
التكفير الديني أو العلمي وذلك عبر نفي الآخر خارج إطار الدين أو العلم . وفي
مقابل ذلك ينبغي التركيز على مفاهيم ما يمكن أن نسميه "ثقافة السفينة
"
(نسبةً إلى الحديث النبوي المشهور عن السفينة) وهي الثقافة التي تركز على قيم
الوحدة والتجميع وضرورة الإيلاف والائتلاف والتناصر والقبول بالتعدد والشعور - في
الوقت نفسه
بالخطر المشترك وبوحدة المآل والمصير[5]
.



وإضافةً إلى ذلك فإن من الضرورة بمكان
أن يتم الالتزام بقواعد المنهج التي تؤكد على ضرورة التعبير عن الأمور بأوزانها
النسبية في الواقع ، وعدم المبالغة في واحدٍ من أبعادها والتصاعد به إلى درجةٍ
تفوق واقعه أو تتخطى حدود وزنه الطبيعي ، لأن ذلك يؤدي إلى افتعال واقعٍ موهوم لا
علاقة له بالواقع الحقيقي ، وإلى تفجير أزماتٍ تكمن عواملُ تفجيرها في ذهن الباحث
أكثر من وجودها على أرض الواقع .






ثالثاً. طبيعة النشأة


إن طبيعة نشأة هذا الكيان العربي طبيعةٌ
معرفية ، فهو لم ينشأ من خلال حركةٍ قومية عنصرية سعت لتوحيد أبناء عرقٍ معين في
إطار دولةٍ واحدة ، مثلما حدث مع بسمارك في ألمانيا ، ولم ينشأ بفعل ثورةٍ طبقية
أو انقلابٍ عسكري، وإنما نشأ نتيجة فكرة وإطار معرفي ارتبط بظهور الإسلام وخروج
عرب الجزيرة ذوي الولاءات القبلية المتشرذمة يحملون رسالةً تحريرية استيعابية
تتجاوز حدود المطلق القومي أو العنصري ، من دون أن تمسخ الخصوصيات أو تنسخها ،
وإنما تستوعبها في إطارٍ كلي يقوم على الوحدة من خلال التنوع
. ولذلك كانت
وحدة العرب من المحيط إلى الخليج وحدةً ثقافية أنشأتها وحافظت عليها اللغة وما
صاحبها أو حملته من أنساقَ ثقافية تبلورت أساساً في إطار الإسلام بوصفه عقيدة
وحضارة وثقافة ، بشكلٍ أصبحت فيه الثقافة والعلم والتعليم عناصر هذه الوحة
ومكوناتها ، وإن تعددت الدويلات أو الأطر السياسية التي لم تعرف الحدود أو
الجوازات والجمارك والسيادات المصطنعة . وقد صحب ذلك توحيدٌ اقتصادي ارتبط
بالأسواق وتبادل المنتجات بين بلاد العرب قاطبة ، فأصبحت العوامل الثقافية ثم
الأبعاد الاقتصادية وبالتالي مجمل الفعاليات الاجتماعية أساساً لهذه الوحدة
وحافظاً لها في الوقت نفسه ، ومظهراً يدعم وجودها واستمرارها[6].



من هنا لم يعرف الكيان العربي نظما
للحكم تقوم على عنصرية معينة أو حدود جغرافية ثابتة ، ولم يكن نظاما فرضه غالبٌ
على مغلوب ، أو نظاما قوميا عنصريا
بالمعنى العرقي للقومية وإنما كان
نظاما استقطب ولاء الناس لأنه أعطاهم المزيد من الحريات المدنية إلى جانب ما حصلوا
عليه من حريات دينية واجتماعية واقتصادية ، وحمل من عناصر المرونة ما تفاعل مع
النظم والتقاليد القديمة لشعوب المنطقة فأبقى عليها وطورها[7].



وهذه الطبيعة تفرض منهجاً معينا في
التعامل مع المشروعات العربية للنهوض الحضاري ، إذ ينبغي البحث في ، والتركيز على
الأسس المعرفية لهذه المشروعات وتحليلها اعتماداً على الكامن المعرفي خلفها ، حيث
لا يمكن فهمها واستيعاب كلياتها دون الاقتراب منها من الزاوية المعرفية ، لأن
الفروقات بين أي مشروع وآخر لا تتجاوز كثيراً البُعد المعرفي المتعلق بالمُسلَّمات
والمُتضمَّنات والفروض المسبقة ورؤية العالم . وعند هذا المستوى التحليلي تبرز
الفروق الحقيقية بين مشروع وآخر إذا كانت هنالك فروق
، ومن ثم يصبح الاختلاف
في الأطروحات السياسية والاجتماعية إما اختلافاً حقيقياً مؤسساً على بُنىً معرفية
متناقضة ، وإما اختلافا صورياً فرضته صيغ التصارع السياسي ورسّخته الثنائيات
الجامدة في الخطاب الثقافي . وفي كلا الحالتين سيتم التعامل مع حقائق واقعية ،
وليس مع تصورات ظنية أو متوهّمة ، ومن ثم فإن الرؤية المستقبلية لها ستكون مؤسسةً
على قواعد سليمة من الواقع والوجود.



رابعا. منزلة "الدين"


لا يمكن اعتبار الدين في النسق العربي الإسلامي متغيراً من المتغيرات كالاجتماعي والثقافي والاقتصادي
والسياسي مثلما هو الحال في الأنساق المعرفية
الأخرى
، وذلك لأن الدين في تلك الأنساق كان عنصراً خارجياً مكتسباً أضيف إلى وجود
المجتمع في إحدى مراحل تطوره . أما في الخبرة العربية فيلاحظ أن الدين كان عامل
إنشاءٍ لهذا الكيان ، إذا ارتبطت نشأة الكيان الحضاري العربي بدعوةٍ دينية ، كانت
نتيجتها نشأة كيانٍ سياسي أوجد وحدةً فكريةً بين مكونات المجتمع العربي القائم
الآن . ومن ثم فالدين ليس متغيراً من المتغيرات يمكن فصله ، كالمتغير الاقتصادي
مثلاً ، وإنما هو القاطع المستعرض لجميع هذه المتغيرات وهو بمثابة العمود الأفقي
الذي تقوم عليه أعمدةٌ رأسية هي المتغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية
والاقتصادية ، بحيث يعطيها مضمونها وماهيتها بدرجةٍ أو بأُخرى ، وبشكلٍ تختلف معه
هذه الدرجة من فترةٍ زمنية لأخرى ومن مستوىً اجتماعي لآخر ، إلا أنها في كل حال
تظل موجودة ولو في حدّها الأدنى . ومن هنا فالتعامل مع الدين في المجتمع العربي
لا ينبغي أن يتم بالقياس إلى أي تجارب أخرى . فلقد كان الدين في تلك التجارب
عنصراً مكتسباً
تقمّصه المجتمع بعد اكتمال تكون وتبلور نموذجه الحضاري ،
كالدين المسيحي في الحضارة الرومانية . وربما كان الدليل على هذه الرؤية أننا لا
نكاد نجد ظاهرةً أو مشروعاً أو مفكراً أو مثقفاً أو إنساناً عادياً إلا وللدين في
جوهر ذاته ومكنون نفسه أثرٌ بصورةٍ أو أُخرى حتى لو كانت تلك الصورة فولكلورية ،
حتى أن أكثر العرب إلحاداً ورفضاً للدين لا يزال في نفسه أثرٌ للدين سواء على
المستوى الثقافي أو على مستوى العادات والذوق أو حتى الطعام والشراب .



خامسا. منزلة التاريخ


إن الحضور الدائم للتاريخ في الوعي
الجمعي العربي يمثل عنصراً أساسياً ينبغي إدراكه والتأكيد عليه عند التعامل مع
مجمل الظواهر المتواجدة في الواقع العربي، حيث لا يمكن الفصل الجازم بين ما هو
حديث وما هو تقليدي ، وما هو تاريخي وما هو معاصر
، لا يمكن التفريق بين ما هو
إسلامي وما هو عائد إلى الأطر
الثقافية فيما قبل الإسلام . ولذلك فإن تحليل المشروعات النهضوية العربية وتقويمها
ينبغي أن ينطلق من هذه الحقيقة سواء عند تجذير الأصول الفكرية لهذه المشروعات أو
عند دراسة تطوراتها المستقبلية .



وللتاريخ في النسق المعرفي العربي
الإسلامي تجليات متعددة فهو مخزون للتجربة البشرية تنعكس خلاصاته في الآثار
الشعبية والأمثال العامية والملاحم والقصص الشعبي . وهو مجال لاستنباط السنن
وإدراك القوانين
التي تحكم الظاهرة الاجتماعية وتعمل فيها آثارها سواء أدرك
الإنسان ذلك أم لم يدرك . وهو "مشتلٌ" بُذرت فيه ونبتت البراعم الأولى
لكثير من المسائل والأزمات والظواهر والأفكار التي نعيشها في عالمنا اليوم والتي
ستظهر ثمراتها في المستقبل القريب أو البعيد .



ومن هنا فإن رؤية أي مشروع في إطاره
التاريخي والبحث عن مكوناته وأفكاره الأساسية واطروحاته الكبرى في فترات تاريخية
سابقة يُعدّ أمراً ضرورياً لاستقامة الفهم وسلامة التحليل وإصابة التقويم .



ويمكن اعتبار الفترة من بداية القرن
التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين هي البوتقة الأساسية التي تم فيها تكوّن
البذور الأولى للمشروعات النهضوية العربية المعاصرة ، حيث شهدت هذه الفترة بداية
التلاقي بين النسقين الإسلامي والغربي ، تلاقياً كان فيه أحدهما في موضع الغالب
القاهر والآخر في موضع المغلوب المولع بتقليد الغالب في سائر أموره وأحواله
وعوائده
على حد تعبير ابن خلدون ومن هنا حدث نوع
من التخلخل الثقافي والفكري أدى إلى تعددٍ في المواقف والرؤى وتنوعٍ في المنطلقات
والمقاصد واختلافٍ في مصادر الاستلهام المعرفي والتأصيل الفكري كان من نتيجته
تبلور نسقين معرفيين متدافعَين ، وإن لم تكن قد ظهرت الفوارق بينهما وبرزت بصورة
واضحة حتى عشرينيات هذا القرن حين بدأت مع "الشعر الجاهلي" لطه حسين و
"الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق ، تظهر الهوة الواسعة والفجوة
المتسعة ما بين تيارين فكريين متعارضين ، وبعدها تأسست الفرقة وتأصل التعارض
وبُذرت نواة الاستقطاب .



ولذلك يمكن القول أنه عند دراسة
المشروعات النهضوية العربية المعاصرة فإنه لا يمكن تحقيق تمام الفهم لما ستكون
عليه هذه المشروعات في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين دون أن
يتم بدقة فهم وتحليل التحولات الفكرية والثقافية في العالم العربي في نهاية القرن
التاسع
عشر وبداية القرن العشرين ، حيث سنجد هناك التكوينات الجنينيّة لِما
نحن فيه أو سائرون إليه غداً ، وكأن بداية القرن الحادي والعشرين لا تُفهم إلا عبر
فهم بداية القرن العشرين .



سادساً. الفصام بين أيديولوجية الدولة
وثقافة المجتمع



فابتداءً من عصر محمد علي وسعيه لبناء
دولةٍ حديثةٍ في مصر اعتماداً على النسق الأوربي في التعليم والتصنيع والتنظيم
والتشريع ظهر ونما قاطعٌ يشقّ المجتمع إلى مجتمعين ، أولهما نخبةٌ مثقفةٌ على
الطريقة الأوربية
، تحيا حياتها وتتعاطى معرفها وقيمها ولغتها ، والثاني هو
عبارة عن شعبٍ كامل لم يزل على ثقافته الموروثة ، تُحقق له التوازن النفسي والعقلي
نخبةٌ من ذوي الثقافة العربية المتواصلة مع مصادر الأمة المعرفية
من خريجي
الأزهر أو الزيتونة أو القيروان أو غيرها . وأخذ هذا الوضع يتجذّر وينمو بنمو
التحديث والنقل عن الغرب في المؤسسات والتنظيمات والعلوم والمعارف . حتى أصبح هناك
نَسَقان معرفيان متجاوران متعايشان يقوم كلٌ منهما بإجهاض فعاليات الآخر
واستنزافها بشكل أدّى ويؤدي إلى استمرار تنافس المنهكين اللذين لا يستطيع أحدهما
الانتصار على الآخر أو الانفراد بالمجتمع دونه .



وقد أدى استمرار ذلك الوضع إلى فشل
المشروعات النهضوية منذ محمد علي إلى الآن ، حيث كان كل مشروع يحمل في طياته عوامل
تناقضه وبذور فنائه لعدم تحقيق الاتساق والانسجام بين ثقافة الأمة وأيديولوجية
النظام ، مما جعل المجتمع والدولة في حالة من التصادم الدائم ليس على المستوى
السياسي فحسب بل على المستوى الثقافي والمعرفي أيضاً ، بحيث لم تستطع الدولة تفعيل
طاقات المجتمع وتفجير فعالياته ولم يستطع المجتمع التكيف والانسجام مع أيديولوجية
الدولة[8]

. خصوصاً في ظل تمدد الدولة على حساب المجتمع وابتلاعها لمعظم فعالياته التي كانت
تحافظ على كينونته سابقاً ، وقضائها على استقلاله من خلال ربطها لجميع أطراف
الإنسان بآلتها الضخمة من خلال كونها الزارع والصانع والتاجر والمعلم والطبيب
ومالك شربة الماء والمتحكم في دورة الهواء والوسيط بين الرجل وزوجه ، ثم بتحوّلها
إلى دولةٍ سلطوية لم تقتصر على تفليس المجتمع بل اعتبرت التحكم فيه وتقييده غايةً
في حد ذاتها .



وقد تجلّى هذا التصادم في حالات الفشل
المتكرر للمشروعات النهضوية ولنفس العوامل والمسببات التي تعود جذورها إلى حالة
الفصام
التي سبق الإشارة إليها ما بين أيديولوجية الدولة وثقافة
المجتمع . وإن كانت مظاهر الفشل واحدةً في جميع هذه المشروعات ، فمشروع محمد علي
انتهى بالانهيار عام 1839 على يد القوى الأوربية ، ثم انتهى بعده وبنفس الطريقة
مشروع اسماعيل باشا عام 1882 بالاحتلال ، وكذلك كان مصير المشروع الليبرالي في حرب
عام 1948 والمشروع الناصري عام 1967 ، ولا نعرف ماذا سيأتي من رحم الغيب لما نحن
فيه .



ومن هنا فإنه لابد عند تناول
المشروعات النهضوية العربية
من تركيز الضوء على طبيعة العلاقة
بين ثقافة المجتمع وأيديولوجية النظام ، باعتبار هذا الأمر واحداً من المحددات
الأساسية لأي مشروعٍ نهضوي ، فضلاً عن كونه المحكّ الذي يتحدد
بناءً عليه مصير هذا المشروع
أو ذاك .



سابعاً. هشاشة مفهوم الدولة


ذلك أن التاريخ العربي لم يعرف مفهوم
الدولة بالمعنى الحديث الذي يعني الثبات والاستقرار والاستمرار والسيادة لشعبٍ
معين في إقليمٍ محدّد تحت إدارة سياسية معينة
، بل عرف على العكس من ذلك مفهوم
الدولة بمعنى تداول النخب الحاكمة وتغيرها وانتقالها ، بما يصاحب ذلك من توسيعٍ أو
تضييقٍ لنطاق الإقليم المحكوم واتساع أو انكماش قاعدة الشعب الخاضع للحكم ، لذلك
أُطلق مفهوم الدولة على نظام الحكم أو العهود السياسية أو النخب الحاكمة ، فكانت
الدول الأموية والعباسية والطولونية والإخشيدية والمرابطية والموحدية والأيوبية
والمملوكية[9]
ومن ثم فالدولة في الواقع العربي غير متجذرة في التاريخ بمعناها
القائم الآن ، وإنما هي كيانٌ مصطنع لا يعبّر عن حقيقةٍ جغرافية أو كيانٍ اجتماعي
محدد يمكن تحديده في تعريفٍ جامعٍ مانع وفصله عمّا يجاوره من أقاليم كما هو الحال
في الدول الأوربية . ومن ثم فإن الحديث عن مشروع نهضوي عربي لايعني أي نوعٍ من
الافتئات على حقائق الواقع أو محاولة إيجاد وحدةٍ بين كيانات متفرقة مختلفة اللغة
والأصل العرقي كالوحدة الأوربية ، وإنما هو محاولة للعودة إلى الحالة الطبيعية
للأمور في هذه المنطقة وتجاوز اصطناعات تاريخٍ قصير لم يتجاوز في معظمه نصف قرن من
الزمان
.



وإدراك هذه الحقيقة والتعامل معها يؤدي
إلى اختلاف منظور البحث في هذه المشروعات ، وكذلك إلى اختلاف معيار التقويم لها ،
حيث أنه من المنطقي أن تكون مشروعاتٍ للأمة كل الأمة من القصور أن تكون قطريةً أو
محليةً أو اقليمية .



تلك هي بعض أهم المحددات
المنهجية التي ينبغي التركيز عليها واعتمادها كإطار للتحليل والبحث في المشروعات
النهضوية العربية ، وذلك حتى لا يأخذ البحث فيها منحىً أيديولوجياً لا يُسهم إلا
في زيادة التشرذم والخلاف وتكريس ثقافة التفرق والتشتت والنفي المتبادل بأسانيد
مختلفة متناقضة ، لأن حال الأمة العربية في طورها الأخير يستدعي وضعية فكريةً
وثقافية مختلفةً ومغيرةً لما كان عليه الحال في العقد الماضي أو فيما سبقه ، حيث
أن الأمة يُعاد تشكيل وعيها وتتغيرُ بصورةٍ متسارعة مسلّماتها وقواعدها وغاياتها
ومقاصدها بل وبنيانها النفسي في مجمله . فعدوّ الأمس يصبح صديق اليوم وصديق
الأمس يصبح عدوّ اليوم ، وما كان يُعتبر تهديداً للأمن القومي أصبح أحد عناصره
وركناً أساسياً في الحفاظ عليه وترسيخه
وهكذا . ومن هنا
فإن مسؤولية الجماعة الثقافية جسيمةٌ ودورها خطيرٌ للغاية ، فإما أن تقود الأمة في
طريقها المستقل وتحافظ على قواعدها ومسلماتها ومصالحها وأمنها وتسلك بها طريق
المستقبل الواضح المعالم ، وإما أن تنقاد معها لرغبات ذوي المصالح السياسية أو
الاقتصادية قصيرة المدى ، وإما أن تتركها في تيه الصحراء لتعيش مرحلةً من الشتات
لا يمكن التنبؤ بعدها بِعودةٍ ولو بعد قرون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

محددات إخراج مشاريع النهوض الحضاري في العالم العربي (1 من 2) :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

محددات إخراج مشاريع النهوض الحضاري في العالم العربي (1 من 2)

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» محددات إخراج مشاريع النهوض الحضاري في العالم العربي (1 من 2)
» محددات إخراج مشاريع النهوض الحضاري في العالم العربي (1 من 2)
»  مشاريع التحديث وعوامل الإخفاق في العالم العربي
» ماذا يجري في العالم العربي ..؟؟!
» أسس الحداثة ومعوّقاتها في العالم العربي المعاص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: