داود ناسو :الثورة السورية وآفاق الخلاص

الثورة السورية وآفاق الخلاص
داود ناسو

كلما طال أمد الثورة الشعبية، كلما
زاد القلق من إنزلاق سورية إلى منعطفات، ليس اقلها خطورة نشوب حرب أهلية،
لن تبق ولن تذر. المعطيات تؤشر للأسف في المستوى المنظور إلى هذا المنزلق
الخطير. فالنظام مازال معانداً وممعناً في منهج القمع والقتل، مازال يرى
في نفسه ذلك الجبار شمشون ، لم تتمكن لا الجامعة العربية ولا مهلها ولا
تقارير المنظمة العالمية لحقوق الإنسان من هز شعرة من رأسه، ما زاد من
تجبره واستكباره على الناس البسطاء العزل. بالمحصلة برهن النظام على
عدوانه، وبرهن على عدم قدرته من الخروج من عنق الزجاجة، وبالنهاية برهن
على حتمية الرحيل.

ولكن، من يمكنه قيادة المرحلة.
فالمعارضة الخارجية منقسمة على ذاتها للأسف، لا تملك رؤية إستراتيجية
محددة ، تضع افقاً لحل الأزمة. لم تتمكن حتى الأن من اكتساب الشرعية
والإعتراف الدوليين. هذه المعارضة منشغلة بإرضاء هذا الطرف أو ذاك ببيانات
وبيانات لبيان البيان. لم تتمكن حتى الآن من محاكاة الداخل الثائر،
والتفاعل مع مطالب الجماهير، ووقف أنهار الدماء. أما المعارضة الداخلية،
فهي أشد بؤساً. فأغلب الأحزاب ، التي تحاول الآن سرقة الثورة من أبنائها،
كانت ومازالت أدوات وبيادق شطرنج،يلجأ إليها النظام حينما تدعو الحاجة إلى
ذلك. إذن والحال، لم يعد للثورة من يقودها سوى أبنائها، بصدورهم العارية.
هذه الثورة الجماهيرية ستؤسس ذات تاريخ لقيم تاريخية جديدة، على غرار قيم
الثورة الفرنسية (1789-1799).

النظام، ورغم مروراكثر من 8 اشهر
على اندلاع شرارة الثورة ، مازال قوياً و متماسكاً في المستوى القيادي.
مازال ممسكاً بأدوات اللعبة في الداخل والخارج. في الداخل تقدم له فروض
الطاعة و الولاء من القيادات العليا في الجيش والأمن. كما أن طبقة
المتنفذين من التجار ورجال الأعمال أسست ومنذ زمن بعيد لحالة الفساد
والإفساد الممنهج القائمة على التزاوج بين السلطة والمال. خارجياً، مازال
النظام ممسكاً بقواعد اللعبة الإقليمية. فإذا كانت الثورة قد حققت في
بدايتها نتيجة مهمة، بفضحها لشعارات السلطة الكاذبة المناوئة لإسرائيل،
تلك الشعارات التي استغلها النظام لنهب البلاد والعباد تحت مسميات مختلفة
( ضريبة المجهود الحربي وتدوير ميزانية وزارة الدفاع) ، فمازال سيفاً
مسلطاً على رقبة الشعب، و مازال يملك في يديه كافة الأدوات اللازمة لتفجير
المنطقة برمتها.

النظام محسوب على الطائفة العلوية
الكريمة،والعكس صحيح، شاء من شاء وأبى من أبى ، هذه هي الحقيقة المرة. من
السذاجة بمكان القول ان النظام هو الرئيس فقط، فالأخير هو جزء من النظام،
الذي تحول إلى مؤسسة كبيرة وقوية . كافة المراكز الحساسة في الدولة والجيش
يشغلها أبناء هذا الطائفة الكريمة. لذلك فكلهم يدركون عاقبة رحيل رأس
السلطة،ما سيجلب لهم الويل والخراب. سلطة البعث، وعكس شعاراتها بالقضاء
على الطائفية والعشائرية، إنما قامت في واقع الأمر بتغذية التفريق
الطائفي، بغية خلق حالة من الخوف والقلق بين الطوائف.

إذن فالصورة قاتمة، ولابد من أيجاد
صيغة للخلاص، يحفظ البلاد والعباد من روحية الانتقام والاستلاب. أعتقد أن
أمعان النظام في التمسك بالسلطة يكمن في الأساس في تأمين أبناء الطائفة
العلوية، وضمان حمايتهم من الإنتقام. وهذا لن يتم من دون منحهم ضمانات
إقليمية ودولية. وقد يكون منحهم إقليماً يتمتع بسلطة الادارة الذاتية أحد
هذه الضمانات. وعليه قد يتم إعلان منطقة الساحل السوري (محافظتا اللاذقية
وطرطوس وريفيهما) إقليماً مستقلاً خاصاً، بدرجة دولة. للعمل على خلق
علاقات أخوة وجيرة مع الدولة السورية.

فالكل مدعوٌ إذن إلى حقن الدماء وتجنيب البلاد والعباد أوزار حرب أهلية، يخسر فيها الجميع

داود ناسو :الثورة السورية وآفاق الخلاص

داود ناسو :الثورة السورية وآفاق الخلاص :: تعاليق

داود ناسو :الثورة السورية وآفاق الخلاص