حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 من إصدارات رابطة العقلانيين العرب: وجها لوجه مع الفكر الأصولي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سيكل
ثـــــــــــــــائر
ثـــــــــــــــائر
avatar


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 55
معدل التفوق : 131
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 19/02/2012

من إصدارات رابطة العقلانيين العرب:  وجها لوجه مع الفكر الأصولي Empty
10052012
مُساهمةمن إصدارات رابطة العقلانيين العرب: وجها لوجه مع الفكر الأصولي



من إصدارات رابطة العقلانيين العرب:  وجها لوجه مع الفكر الأصولي Arton5019-03723

نظرية علي عبد الرازق في شأن الإسلام والدولة


يشير عبد الرازق إلى أنّ جوهر ما تضمنه كتابه يدور حول أنّ
الإسلام لم يقرّر نظاما معيّنا للحكومة، كما لم يفرض على المسلمين نظاما
سياسيّا محدّدا يحكمون بموجبه، بل على العكس، ترك الإسلام الحرية الكاملة
للشعوب التي تلتزمه أن تحدّد نظام حكمها انطلاقا من المحدّدات الاقتصادية
والاجتماعية والفكريّة السائدة في زمنهم. في المقابل
يحسم عبد الرازق بكون الخلافة ليست نظاماً دينيّاً، مشيراً إلى أنّ القرآن
لم يأمر بها أو حتى لم يتطرّق بالإشارة إليها، مما يعني أنّ الدين
الإسلاميّ بريء كلّيا من نظام الخلافة. هذه الخلافة التي لم تكن في يوم من الأيّام سوى نظام من العسف والقهر ومصدراً لانحطاط الشعوب الإسلاميّة وعاملاً أساسيّاً في منع تقدّمها. وفي الآن نفسه، لم يكن النبيّ محمّد ملكاً في يوم
من الأيّام، كما ليس معروفاً عنه إنشاء حكومة أو دولة، فهو رسول بعثه الله
ليهدي الشعوب إلى الإيمان بقيم الإسلام ومبادئه الروحية والإنسانيّة،
وابتعد طوال حياته عن تكريس نفسه زعيماً سياسيّاً. تلك خلاصة لما تضمّنه
كتاب على عبد الرازق، وهو يحوي ثلاثة أقسام، الأوّل يتناول فيه "الخلافة والإسلام"، والثاني يتحدّث فيه عن "الحكومة والإسلام"، أمّا الثالث فيكرّسه إلى "الخلافة والحكومة في التاريخ".


في القسم
المتّصل بـ"الخلافة والإسلام"، يستحضر عبد الرازق التاريخ الإسلاميّ
وأقوال المسلمين وخصوصاً منهم "ابن خلدون" ليشير إلى تعيينهم لدور الخليفة
الذي يعتبرونه "مقيّدا في سلطانه
بحدود الشرع لا يتخطّاها، والى أنّه إذا جار أو فجر انعزل عن الخلافة"
(ص13)، كما فرّقوا بين "الخلافة والملك، حيث سبق أن ذهبت معاني الخلافة ولم
يبق إلاّ اسمها، وصار الأمر ملكاً بحتاً وجرت طبيعة التغلّب إلى غايتها
واستعملت في أغراضها من القهر والتقلّب في الشهوات والملاذ" (ص 14). ويشدّد عبد الرازق أيضا على أنّ القرآن لم يأت في مجمل
سوره وآياته على أيّ ذكر للخلافة أو الإمامة العامة، كما أنّ السنّة أيضاً
لم تتطرّق إلى هذا الجانب. أمّا اللجوء إلى الأحاديث لإثبات مسألة الخلافة
فهو أمر يتطلّب نقاشاً أوّلاً في مدى صحة الأحاديث، رغم أنّه ليس فيها "ما ينهض دليلاً لأولئك الذين يتّخذون الخلافة عقيدة شرعية، وحكماً من أحكام الدين" (ص27).


وبالعودة إلى التاريخ المتحقق في شأن
الخلافة، يشير عبد الرازق إلى أنّ مقام الخلافة منذ أبي بكر كان "عرضة
للخارجين عليه والمنكرين له، ولا يكاد التاريخ الإسلاميّ يعرف خليفة إلاّ
عليه خارج، ولا جيلا من الأجيال مضى من دون أن يشاهد مصرعاً من مصارع
الخلفاء" (ص33). كما يظهر التاريخ كيف أنّ هذه الخلافة كانت تستند دائماً
إلى الغلبة، "ولا يذكر التاريخ لنا خليفة إلاّ اقترن في أذهاننا
بتلك الرهبة المسلّحة التي تحوطه" (ص35)، وهو أمر بدأ من عليّ بن أبي طالب
إلى معاوية وامتدّ إلى سائر الخلفاء على مدى التاريخ الإسلاميّ حيث كان
القهر طابع الخلافة، وإنّ "العرش لم يكن يرتفع إلاّ على رؤوس البشر، ولا
يستقرّ إلاّ فوق أعناقهم" (ص 36). ويذهب عبد الرازق بعيداً في اعتبار
أنّ مقام الخليفة "يدفع المرء إلى الاستبداد والظلم، ويسهّل عليه العدوان
والبغي..وهل غير حبّ الخلافة والغيرة عليها ووفرة القوّة دفعت يزيد بن
معاوية إلى استباحة دم الحسين.. وهل بغير تلك الأسباب صار أبو العبّاس
سفاحاً، وما كانت إلاّ دماء المسلمين، وما كان بنو أمية إلاّ من قومه" (ص
39). ومع استغرابه كيف أنّ علم السياسة عند المسلمين شبه معدوم، وأنّ
القليل الذي أتى به علماء السياسة المسلمون كان يشدّد على الاستقامة في إدارة شؤون الأمّة وعلى دور الحكومة التي تنشد العدل في الحكم،
إلاّ أنّه يشدّد على رفض تلك الحكومة التي ابتدع الفقهاء اسمها تحت عنوان
"الخلافة" التي يرى أنّه "ليس من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا
ودنيانا..فالخلافة كانت ولم تزل نكبة على الإسلام وعلى المسلمين، وينبوع
شرّ وفساد" (ص 46).


في القسم الثاني المخصّص لـ"الحكومة والإسلام"، ينفي عبد الرازق وجود نظام قضائيّ في الإسلام، وأنّ ما كان موجوداً في هذا الجانب يكتنفه الكثير من الغموض والإبهام. أمّا القضاء بمعنى "الحكم في المنازعات
وفضّها، فقد كان موجوداً زمن النبيّ كما كان موجوداً عند العرب وغيرهم قبل
مجيء الإسلام" (ص 51). والقضاء من أعمال الحكومات ووظائفها، وهو أمر لا
دلالة تاريخية على وجوده، فالنبيّ "لم يعيّن في البلاد التي فتحها ولاة لإدارة شؤونها وتدبير أحوالها وضبط الأمر فيها"
(ص57). تنسحب هذه المسألة على الوقائع التاريخية والوثائق التي وصلت إلينا
التي لا تظهر أيّ واقعة على طبيعة أو وجود حكومة نبوية.


في التمييز بين الرسالة والحكم، يظهر عبد الرازق الفارق الجوهريّ بينهما، فيشير
إلى أنّ "الرسالة هي غير الملك.. فالرسالة مقام والملك مقام" (ص62). صحيح
أنّ المسلم العامّيّ "يجنح غالبا إلى أنّ النبيّ كان ملكاً رسولاً، وانّه
أسّس بالإسلام دولة سياسيّة مدنية كان هو ملكها وسيّدها" (ص63) وهو رأي
عزّزه الفقهاء لاحقاً بالتشديد على وحدة السياسة والدين في الإسلام، وهو أمر لا تشهد عليه حقائق التاريخ ولا النصوص الدينيّة الأصلية في آن. رغم هذا الحكم القاطع لدى عبد الرازق، إلاّ أنّه لا ينفي أنّ "الحكومة النبوية" كان فيها ما يشبه بعض مظاهر الحكومات السياسيّة وآثار السلطنة والملك، منها على سبيل المثال مسألة الدعوة إلى الجهاد الذي بانت أهدافه في تثبيت السلطان السياسيّ وتوسيع الملك. وفي محاججة متصاعدة في هذا الجانب، يتساءل عبد الرازق عمّا "إذا كان رسول الله قد أسّس دولة سياسيّة، أو شرع في تأسيسها، فلماذا خلت دولته إذن من كثير من أركان الدولة ودعائم الحكم؟ ولماذا لم يعرف نظامه في تعيين القضاة والولاة؟ ولماذا لم يتحدّث إلى رعيته في نظام الملك وفي قواعد الشورى؟". يصل إلى جواب عن تساؤلاته بالقول إنه "لا حرج على نفوسنا أن يخالطها الشك في أننا نجهل كثيراً في شؤون التاريخ النبويّ، بل الواقع أنّنا نجهل منه ومن غيره أكثر مما نعرف" (ص70).


يكمل عبد الرازق سجاله حول هذه النقطة بالتأكيد أنّ
"محمّداً ما كان إلاّ رسولاً لدعوة دينيّة خالصة للدين، لا تشوبها نزعة ملك
ولا حكومة، وأنه لم يقم بتأسيس مملكة، بالمعنى الذي يفهم سياسة من هذه
الكلمة ومرادفاتها" (ص78). صحيح أنّ النبيّ محمد تميّزت رسالته بكثير مما
لم يعط لغيره من الأنبياء والمرسلين، لجهة اعتبار دعوته للعالم أجمع وليس
لفئة من الناس، إلاّ أنّ ولاية الرسول على قومه "كانت في الأصل
ولاية روحية، منشؤها إيمان القلب" (ص82)، وهو أمر مختلف عن ولاية الحاكم
التي بطبيعتها "ولاية مادية". وللتدليل على ذلك، يؤكّّد عبد الرازق أنّ
"ظواهر القرآن تؤيّد القول إنّ النبيّ لم يكن له شأن في الملك
السياسيّ، وآياته متضافرة على أنّ عمله السّماويّ لم يتجاوز حدود البلاغ
المجرّد من كلّ معاني السلطان.. كما أنّ القرآن يمنع صراحة أن يكون النبيّ حفيظاً
على الناس ولا وكيلاً ولا جبّاراً ولا مسيطراً.. وأنه لم يكن له الحقّ على
أمّته غير حقّ الرسالة" (ص84-85). يخلص عبد الرازق من هذه الإشارات
الدالّة إلى القول إنّ "الإسلام دعوة دينيّة إلى الله ومذهب من مذاهب
الإصلاح لهذا النوع البشريّ وهدايته..هو وحدة دينيّة أراد الله بها أن يربط
بين البشر أجمعين" (ص89).


في القسم الثالث من الكتاب حول "الخلافة والحكومة في التاريخ" يتابع عبد الرازق محاججته حول ما يعتبر سائداً من فكر سياسيّ- دينيّ في هذا المجال، فيؤكّّد
مجدّداً على إن "الإسلام دعوة سامية أرسلها الله لخير هذا العالم كله، ولا
فضل لأمّة على أخرى إلاّ بالتقوى" (ص97). وإذا كان الإسلام قد انتشر زمن
الرسول بين قبائل وشعوب متعددة، فإنّ الرسول لم يتعرّض لشيء من سياسة تلك
الأمم أو من أساليب الحكم عندها، بل ترك لكلّ أمّة أن تدير شؤونها وفق
عاداتها وتقاليدها ونظمها. وعندما توفّي النبيّ لم يسمّ خليفة من بعده ولا
أشار إلى من يجب أن يقوم مقامه، وهو في الأصل لم يشر في حياته
إلى ما يسمّى"دولة إسلاميّة أو دولة عربيّة". تؤكد هذه الوقائع على كون
"زعامة النبي كانت زعامة دينيّة جاءت عن طريق الرسالة لا غير. وقد انتهت
الرسالة بموته
فانتهت الزعامة.. فإن كان لا بدّ من زعامة بين أتباع النبي، فإنما تلك
زعامة جديدة غير التي عرفناها للرسول ..من نوع لا دينيّ" (ص107). ويختم عبد
الرازق أطروحاته بالتأكيد مجدداً على أنّ لقب الخليفة هو "من أسباب الخطأ
الذي تسرّب إلى عامة المسلمين، فخيّل إليهم أنّ الخلافة مركز دينيّ"
(ص119)، وهو أمر عززه السلاطين وروجوا له في سياق اتخاذ الدين درعاً وسلاحاً في أيديهم
لحماية عروشهم وتشريع سلطانهم . "فالدين الإسلاميّ بريء من تلك الخلافة
التي يتعارف عليها المسلمون وبريء من كل ما هيئوا حولها من رغبة ورهبة"
(ص121).


في الردود الفقهية والسياسية على أطروحات علي عبد الرازق


أثارت أطروحات علي عبد الرازق ردود فعل صاخبة داخل مصر انخرطت فيها
أوساط المؤسّسة الدينية والبلاط الملكيّ والأحزاب السياسية، بين مؤيّد
مدافع عنها، ورافض لها مستنكر ومتّهم وصولاً إلى مطالبة صريحة بعقوبات ضدّ
الشيخ الأزهريّ. لم تخلُ بعض الردود غير المتوافقة مع عبد الرازق من
الموضوعية في السّجال
معه من موقع دينيّ رسميّ، وعلى الأخصّ ما أتى به السيّد محمد الطاهر بن
عاشور مفتي المالكية بالديار التونسية الذي أصدر كتيّبا في الفترة نفسها ساجل فيه الشيخ عبد الرازق في كلّ
قسم من أقسام الكتاب، عنونه بـ "نقد علميّ لكتاب الإسلام وأصول الحكم"،
نعرض أهمّ القضايا التي جادله بها، لكون سائر الردود عليه ابتعدت عن النقد
العلميّ والنقاش الخلافيّ
الموضوعيّ البعيد عن الاتهامات والتخوين.
يؤكّد ابن عاشور أنّ الله "حدّد قوّة الخليفة وجعلها لخدمة مصلحة الأمّة
وجعل اختيار وليّ أمرها بيد الأمّة ولم يقل أحد إنّه يستمدّ من الله تعالى
بوحي ولا باتّصال روحانيّ ولا بعصمة" (ص4). يتّهم بن عاشور عبد الرازق بأنّ
الكتاب والسنّة لا ينصّان على وجوب نصب الخليفة ويرى كلام عبد الرازق
مجاراة لمذهب الخوارج، فما يؤكّّد شرعية منصب الخليفة كون "الإجماع
والتواتر وتظاهر الشرعية هي دلائل قاطعة تربو على دلالة الكتاب والسنة"
(ص5). ويكمل بن عاشور: إنّ القرآن "شرّع أحكاماً كثيرة ليست من الأفعال
التي يقوم بها الواحد فتعيّن أنّ المخاطب بها ولاة الأمور نحو قوله تعالى
"فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي " (ص6).
ونحو قوله "فابعثوا حكماً من أهله وحكما من أهلها"(ص6) وقوله "ولا تؤتوا
السفهاء أموالكم"(ص6). يدلّل بن عاشور بذلك على أنّ هذا الإجماع خير شاهد
على "قواطع الشريعة".


في ردّه
على قول عبد الرازق بأنّ مقام الخلافة كان منذ الخليفة الأوّل عرضة
للخارجين عليه والمنكرين له، يعتبر بن عاشور أنّ هذا الكلام يحمل تزييفا
للتاريخ والحديث والفقه في آن،
حيث أنّه "دام خضوع المسلمين للخليفة مدّة الخلفاء الثلاثة حتى خرج أهل
مصر على عثمان، وليس ذلك الخروج إنكاراً للخلافة ولكنه خروج عن شخص الخليفة
"(ص10). أمّا قول عبد الرازق بأنّ الخلافة لم ترتكز إلاّ على أساس القوّة
الرهيبة، فيرى
بن عاشور أنّ استخدام القوّة أمر طبيعيّ وأنّ الرسول نفسه يؤيّد استخدام
القوّة للذود عن الدين. ويتابع أنّه إذا كان التاريخ أثبت أنّ من "الأمراء
من استعمل القوّة لنوال الإمارة، إلاّ أنّ ذلك لا يقدح في ماهية الخلافة لأنّ العوارض التي تعرض للشيء في بعض
الأوقات لا تقضي على الأصل بالبطلان"(ص10). يستشهد بن عاشور بالإمام
الرازي الذي يقول إنّ الخلافة الإسلامية "هي خلافة شخص للرسول في إقامة الشرع وحفظ الملّة على وجه يوجب إتباعه على كافّة الناس"(ص11)، فيستنتج
بن عاشور من هذا الكلام أنّ "حكومة الملّة الإسلامية هي ولاية ضرورية لحفظ
الجامعة وإقامة دولة الإسلام على أصلها"(ص11). ويذهب بن عاشور في مخالفة
كاملة لما يقوله عبد الرازق بالتأكيد على "أنّ الإسلام دين معضد بالدولة
وكون مرجعهما واحداً هو ملاك قوام الدين ودوامه ومنتهى سعادة البشر في إتباعه…والخلافة بهذا المعنى ليست لقباً يعطى لكبير ولا طريقاً يوصل الروح إلى عالم الملكوت، أو يربط النفوس في الدين بأسلاك نورانية، بل هي خطّة حقيقية تجمع الأمّة الإسلامية تحت وقايتها بتدبير مصالحها والذبّ عن حوزتها"(ص11).
في نقاشه للقسم المتعلّق بـ"الحكومة والإسلام"، يرفض بن عاشور ما قال به عبد الرازق من أنّ الدعوة إلى الدين تنافي استعمال
القوة والإكراه، ويرى هذا الكلام خاطئاً ومردوداً، لأنّ "الدعوة إلى الدين
يقصد منها حمل الناس على صلاح أمرهم، فالابتداء بالدعوة ظاهر ثم إنّ هم
عاندوا وجحدوا ولم تقنعهم الدعوة فلا جرم أن يكون استصلاحهم هو القوة
"(ص15). وفي ردّه
على قول عبد الرازق بأنّ الإسلام "رسالة لا حكم، ودين لا دولة"، يشدّد بن
عاشور على أن "الإسلام وحدة دينية جامعة وشريعة وسلطان، ولا معنى للحكومة
إلاّ مجموع هاته الأمور"(ص18). وينتقد عبد الرازق على استشهاده بحديث
للرسول يقول فيه
"انتم أعلم بأمر دنياكم" ليقول إنّ عبد الرازق "حذف من الحديث جذره
وسببه"(ص21)، مؤكداً أنّ النبي "أقام للناس أمر دنياهم، إذ المقصود من
الدين صلاح العاجل والآجل، ولا يتم صلاح العاجل إلاّ بإقامة من يحمل الناس
على الصلاح بالرغبة والرهبة"(ص24)، مستشهدا بالنص القرآني على ولاية الأمر
"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"(24).
يبقى بن عاشور على إصراره بأنّ النبيّ قد "أسّس بيده أصول الدولة الإسلامية
وأعلن ذلك بنص القرآن "وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لما بين يديه
من الكتاب ومهيمنا عليه"(ص25)، ليكمل في ما بعد بتساؤل "كيف يستقيم أن يكون الإسلام شريعة ثم لا يكون له حكومة تنفذ تلك الشريعة وتحمل الراعي والرعية على العمل بها"(25).


كما جرت الإشارة، أثار كتاب عبد الرازق عاصفة من الردود حمل قسم منها دفاعاً عن الرجل وحقه في التعبير فيما اتسمت ردود أخرى من قوى سياسية ومن رجال دين بمنتهى السلبية والرفض والدعوة إلى محاكمة الرجل وصولاً إلى حدود تكفيره وإهدار دمه. في الردود الداعمة، يمكن تصنيفها في إطارين، الأوّل حملته النخب المثقفة من مفكرين ليبراليين صنفوا الكتاب في خانة النقاش الموضوعي لقضية جوهرية في التاريخ الإسلامي القديم منه والحديث، وإلى كون الكتاب اعتمد الأساليب العلمية في السجال
عن طريق استخدامه لوسائل "الاستدلال والاستشهاد والاستنتاج". كان من أبرز
مؤيّدي عبد الرازق محمد حسين هيكل الذي أشاد بالكتاب، وعباس محمود العقاد
الذي انطلق من انتصاره لحرية الرأي والتفكير فكتب في صحيفة
البلاغ بتاريخ 20/7/1925 يقول :"نخشى أن تكون الروح الاستبدادية قد سرت
إلى بعض جوانب الرأي العام فنسينا ما يجب لحرية الفكر من حرمة، وما ينبغي
للباحثين من الحقوق". كما شكّلت الصحافة المصرية آنذاك الميدان الذي اندلعت فيه الردود المدافعة والردود المهاجمة، وكانت جريدة السياسة المصرية في طليعة المدافعين عن عبد الرازق.


على صعيد الحركة الحزبية والحياة السياسية، يمكن القول باقتران الدفاع عن عبد الرازق بالصراعات السياسية الدائرة آنذاك في مصر
بين الأحزاب والبلاط والبريطانيين أيضاً. حمل "الأحرار الدستوريون" العبء
الأكبر من المعركة، فدعوا إلى تأييد ما قاله عبد الرازق ووقفوا إلى جانبه في وجه الاتهامات المكالة له، وشكّل الحزب عنوان الدفاع عن الكتاب وصاحبه في جميع الميادين الفكرية والسياسية والقضائية. في السياق نفسه، اتخذ حزب "الوفد" موقفا مؤيّداً لعبد الرازق انطلاقاً من الانتصار لحرية الرأي والحقّ في التفكير والتعبير، كما وضعوا محاكمته والحكم عليه في الإطار السياسيّ والصراعات الدائرة والمواقف المناهضة للسلطة.


لكن الهجوم الأكبر الذي طال عبد الرازق هو الآتي من المؤسّسة
الدينية التي ينتمي إليها أي الأزهر. قاد المعركة هيئة كبار العلماء وعلى
رأسهم محمد رشيد رضا الذي لعب دوراً مركزياً في تحريض الأزهر، فنشر في جريدته "المنار" مقالاً هاجم فيه عبد الرازق وكتابه قائلاً :"أول ما يقال في وصف هذا الكتاب لا في الرد عليه إنّه هدم لحكم الإسلام وشرعه من أساسه وتفريق لجماعته وإباحة مطلقة لعصيان الله ورسوله في جميع الأحكام الشرعية الدنيوية من أحكام شخصية وسياسية ومدنية وجنائية وتجهيل للمسلمين كافة..لا نقول في شخص صاحبه شيئا فحسابه على الله تعالى، وإنّما نقول إنّه لا يجوز لمشيخة الأزهر أن تسكت عنه، فيجب عليهم أن يعلنوا حكم الإسلام في كتابه
لئلاّ يقول هو وأنصاره إنّ سكوتهم عنه إجازة له أو عجز عن الرد عليه".
واستتبع تحريض رشيد رضا تجييش حملات شعبية جابت الأزهر وطالبت بمحاكمة عبد
الرازق، وهو ما قامت به هيئة كبار العلماء في الأزهر
فجرّدته من شهاداته العلمية وعزلته من منصبه الديني وسحبت كتابه من
الأسواق. لم يكن الحكم على عبد الرازق سوى أحد التعابير عن فقدان الأزهر
لاستقلاليته عن السلطة السياسية، بل إنّ المعركة أتت تثبت مقدار العلاقة
التبادلية بين المؤسسة الدينية والسياسية ودعم كل واحدة للأخرى في المحطات الفاصلة، وهو أمر يثبت نظرية عبد الرازق من التحاق المؤسسة الدينية بالمؤسسة السياسية وتشريع ما تقول به هذه السلطة. في جواب
لعلي عبد الرازق أدلى به إلى إحدى الصحف بعد صدور حكم الأزهر عليه، يقول
جواباً عن سؤال هل يخرجك هذا الحكم من زمرة الإسلام :"كلا على الإطلاق، لقد
أخرجني الحكم من هيئة علماء الأزهر وهي هيئة علمية أكثر منها دينية، ولم
ينشئها الدين الإسلامي ولكن أنشأها مشرّع مدني لم تكن له أية صفة دينية
ولأغراض إدارية، وعلى هذا فإنّي لن أكون في حسن الإيمان والإخلاص للإسلام أقل من أولئك العلماء الذين قضوا بإخراجي" (حديث نقلته جريدة السياسة بتاريخ 14/8/1925).


في الضفة
السياسية المعادية لعبد الرازق، شكّل الملك فؤاد طليعة المتصدّين لما
تضمنه الكتاب واعتبره موجّها مباشرة ضدّه وتحريضاً لمنع تطويبه خليفة على
المسلمين. وقد وصفت الصحافة كتاب عبد الرازق بأنّه زلزال "هز عرش الملك
فؤاد". وبالنظر لما يملكه الملك من سلطان ونفوذ، أمكن له أن يجنّد من
الأحزاب والصحافة ما جعل أنصار عبد الرازق في موقع
دفاعي صعب، وكان "حزب الاتحاد" رأس حربة هذه المعركة، وهو حزب من صنيعة
القصر ويضم الإقطاعيين وكبار الملاك. لكنّ الموقف الذي أثار استغراب الكثير
من القوى السياسية والفكرية كان موقف سعد زغلول الذي وقف ضدّ الكتاب، وهو
القائد المعروف بتصدّيه للاستعمار ولاستبداد القصر في آن. جارى زغلول موقف علماء الأزهر باعتباره الكتاب "شكّّل طعناً في الإسلام"،
ورفض كلّ أطروحاته وانتقد بشدّة صاحبه. فسّر مراقبون موقف زغلول بأنّه
موقف سياسيّ مباشر غير قائم على قناعات فكرية بمقدار ما هو تغليب لنزعات
جمهور متعصّب وهائج ومتوتّر بعد الحملة التي قادها الأزهر ضدّ الكتاب.


لماذا أجهض مشروع التنوير ؟


اختتمت قضية علي عبد الرازق بهزيمة للفكر التنويريّ الذي حاول عبد الرازق إطلاقه من خلال إعادة الدين إلى موقعه الحقيقيّ وعدم توظيفه في السياسة واستخدامه للوصول إلى السلطة. أتت الهزيمة لتشكّل انتصاراً للتيارات المحافظة والسلفية
التي تملك بالأصل مقوّمات القوّة التنظيمية والدّعم الرسميّ ناهيك عن
التأييد الشعبيّ من جمهور إسلاميّ تمثّل الرمزيات الدينية وعلى رأسها قضية
الخلافة موقعاً مهمّاً في وجدانه، بحيث يصعب للأفكار الليبرالية الصاعدة في مصر
أن تخترق ذلك "الجدار المسلح" وتعدّل مفاهيم وعادات وتقاليد موروثة
ومتأصّلة بقوة. أثيرت تساؤلات عن الأسباب والعوامل التي منعت تحوّل إرهاصات
النهضة التي شكل كتاب عبد الرازق تتويجاً لمسار كان بدأه الأفغاني وعبده،
من أن تنحو المنحى الذي سارت عليه حركة الإصلاح الأوروبي في القرن
السادس عشر. يأتي التساؤل من كون العنوانين متشابهين عربياً وأوروبياً، أي
نزع سلطة المؤسسة الدينية عن السلطة السياسية بما يعني فصل للدين عن
الدولة ووضع كل واحد في موقعه الحقيقي، إضافة إلى تشابه الواقع العربي مع أوروبا في القرون الوسطى لجهة هيمنة اليقينيات المطلقة وسيادة الغيبيات والالتزام الحرفي بالنص والوقوف ضدّ الاجتهاد في هذا النص الديني. كانت دعوة "لوثر" والمصلحين الأوروبيين إلى تحرير السياسة من ربقة وهيمنة اللاهوت الطائفي تصبّ في المجرى نفسه الذي قال به عبد الرازق عندما نفى وجود الخلافة في النص الديني وأكّّد أنّ الإسلام دين لا دولة ورسالة لا حكم.


تفاوتت التفسيرات في تبيان أسباب النجاح الأوروبي والإخفاق العربي في المقابل، رأى دارسون أنّ السبب الفعليّ للإخفاق العربيّ في أن تسجّل الليبرالية نجاحات إنما يعود إلى ضعف الحركة الليبرالية في مصر وسائر أنحاء العالم العربيّ، وعلى اقتصار الأفكار الليبرالية على مجموعة من النخب المثقفة ذات الموقع الإجتماعيّ الهامشيّ، فيما يقبع الجمهور الشعبيّ الواسع في لجّة
التعصّب الدينيّ وجهل بحقيقة الأفكار التي تدعو لها النخب المثقفة
الإصلاحية، وهو الأمر الذي تمكّنت من خلاله المؤسسة الدينية من حسم المعركة
لصالحها عبر استخدام الموروثات الدينية ورمزياتها في إجهاض وتسفيه الأفكار الجديدة ووضعها في موقع دفاعي قاس. على أهمية هذه التفسيرات وصحتها، إلاّ أنّ الأسباب الفعلية تكمن في غياب
القوى الحاملة لهذا المشروع الإصلاحيّ على غرار ما شهدته أوروبا. هذا
الغياب هو وليد عوامل التخلف الإقتصاديّ والسياسيّ والإجتماعيّ والثقافيّ وغيرها من العوامل الفاعلة، بحيث انعدم وجود الطبقات الحاملة للأفكار الإصلاحية والمقارعة في سبيلها. عندما انطلقت حركة الإصلاح في أوروبا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كان سبقها حجم من التطوّر الإقتصاديّ لم تعرفه أوروبا مسبقا تسبّبت به الإكتشافات الجغرافية خصوصاً منها اكتشاف أميركا، وتوفّر ازدهار اقتصاديّ، وحركة علمية صاعدة واكتشافات جديدة في هذا المجال، رافقه تطوّر في السياسة نحا من جانب الأمراء والإقطاعيين إلى الإستقلال عن سلطة الكنيسة التي كانت تشكّل مصدر المشروعية لأيّ حاكم أوروبي. هكذا تضافرت جملة عوامل جعلت أفكار الإصلاح الديني في أوروبا تنطلق على حاملة قوى سياسية واقتصادية واجتماعية شكّلت الأساس في خوض
الصراع ضد سلطة اللاهوت وتكريس مبادئ الحرية الفكرية والسياسية وقيام
الدولة القومية المستقلة. وهي مقارنة يصعب القول أنّ المجتمع المصري خصوصاً
والمجتمعات العربية عموماً كانت تمر في حالة شبيهة لحالة أوروبا في تلك العصور.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

من إصدارات رابطة العقلانيين العرب: وجها لوجه مع الفكر الأصولي :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

من إصدارات رابطة العقلانيين العرب: وجها لوجه مع الفكر الأصولي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المدونات العامة-
انتقل الى: