بقلم: د. أحمد بن فارس السلومنؤمن أن كل شيئ عند الله بأجل مسمى، ولا ينتابنا شك أن كل شيئ مخلوق
بقدر فالإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان، هذا كله معلوم عندنا
وعند الثائرين على ارض الشام المباركة. ولكن من الإيمان بالقضاء والقدر أن
يأخذ العبد بأسباب النصر، فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ظاهر بين
درعين في إحدى غزواته ولم يتكل على ما هو مكتوب في أقدار الله..
واليوم بعد عام من الثورة نتساءل لماذا تأخر النصر؟
هناك أسباب كثيرة، لكن الذي أريد أن أركز عليه في هذا المقال جانب واحد لا
غير، ألا وهو الجانب الخارجي. الثوار حين انطلقوا في أرض الشام لم يألوا
جهدا ولم يوفروا سعيا في سبيل تحقيق مبتاغاهم، وبذلوا في هذه الثورة
الدماء الزكية، والأرواح الأبية، فثورة سوريا بحق هي ثورة الشهداء.. ومن
يجود بروحه لا يلام ولا يتهم بالتقصير، فالجود بالنفس أسمى غاية
الجود.. هناك عامل خارجي أثر على الموقف، وضاعف من ضريبة الحرية، وأسهم في
حصد المزيد والمزيد من أرواح الأبرياء في أرض الشام المباركة، وهو جانب
سبق به النظام، وتميز به عن الثوار.
إنه جانب الدول المؤيدة لطرفي المعركة..
فالنظام الشبيحي تدعمه أطراف دولية وتؤمن له حاجته للاستمرار في حملته
الدامية لقمع المظاهرات، فإيران تزوده بالأسلحة علنا وعبر أراضي العراق،
فقد تحول الأسطول الجوي السوري لرحلات متوالية بين دمشق وطهران، ما إن
تنزل طائرة في دمشق حتى تعاود أدراجها لطهران، محملة بشحنات ضخمة من
الذخيرة.
بل ذهبت إيران أبعد من ذلك، من خلال المجاهرة بتسليح النظام عبر البارجتين
التين رستا في موانئ سوريا، جهارا نهارا، ودون اعتبار لأحد ولا خوف من أحد.
وأبعد من ذلك، فقطعان الشبيحة والمرتزقة من إيران يصولون ويجولون ويقنصون
أبناءنا وبناتنا في أطراف سوريا. وروسيا تؤمن الدعم السياسي العلني بدون
خجل ولا مواربة، مع تسليحها للنظام وتزويدها له بالمعلومات السرية
الاستخباراتية، والخبراء الروس الذين تزايد عددهم في الآونة الأخيرة أضعاف
أضعاف ما كانوا عليه. أما حزب اللات فحدث ولا حرج، ذلك لأنه يعتبر نفسه
الخاسر الأكبر لسقوط النظام فهو مستعد بأن يخوض المعركة بالنيابة عن
النظام الشبيحي. وأخيرا الدولة العبرية، تلك الدولة التي لأجلها قامت
مملكة آل أسد، فما زالت تضغط على المجتمعات الغربية ليخففوا من ضغوطهم على
نظام الأسد ، وقد طفح بهم الكيل مرة فصرحوا بذلك علنا كما نقلته وسائل
الأعلام المختلفة.
في الجانب الآخر:
نجد أن الدول التي تزعم أنها تؤيد الثورة لا تزيد الثورة إلا قتلا..ولا تنصرها إلا بجعجعة لا تغني ولا تسمن من جوع..
وسأكتفي بمثالين:
الأول: تركيا، وقد اختصر موفقها أحد أصدقائي حينما شبهها ببائعة الهوى
الأسدي، وهكذا هي تركيا، لم يستفد الثوار منها إلا كلاما يغيض النظام
فتزداد وطأته على الثوار، ثم لا شيء من تركيا، ويزداد القتل والإرهاب من
النظام.
الثاني: فرنسا، ذهبت فرنسا بعيدا في الثورات السابقة، ولكنها في الثورة
السورية لم تذهب إلى ما يلائم حجم الماساة إلا من حيث التصريحات والكلام،
لكني فوجئت في الآونة الأخيرة من تحذير الان جوبيه من خطر تصليح المعارضة،
وأنه سيجر البلاد إلى حرب..
لا أدري إن كان هذا الأقلف يتابع الأخبار ويرى ما الذي يحصل في سوريا، ولا أدري أيضا إن كان في كامل قواه العقلية لما صرح بذلك..
هذا هو الفرق بين الدول المؤيدة للنظام والأخرى التي تزعم أنها مؤيدة للثورة.
الأولى دول تفعل ولا تتكلم، والثانية تتكلم وتجعجع ثم لا تفعل شيئا.
بالآونة الأخيرة ظهر موقف السعودية وقطر أقوى من كل المواقف، وسمعنا
دعوتهم لتسليح الثورة والثوار، وهذا واجبهم تجاه إخوانهم في الدين والنسب،
ولكن الذي أخشاه أن يتحول هذا الموقف
باتجاه الموقف نفسه للدول المؤيدة للثورة، وذلك إذا ما انتظرت دول الخليج
موافقة دولية على تسليح الثوار..تلك الموافقة التي لن تكون ..
لذلك اقول:
إن كانت دول الخليج راغبة في نصرة الثورة فيجب عليها التقدم بفعل دون
انتظار اذن من أحد، فروسيا وإيران والعراق تدعم الأسد دون التفات لأحد.
اليوم استنكرت خارجية امريكا تزويد ايران للنظام السوري بالأسلحة، ولكن
تعلم امريكا وغيرها أن هذا الاستنكار لم يحل دون وصول الأسلحة له.
وعلى دول الخليج أن تفعل لا أن تقول، وأن تمد يدها لتقطع اليد الإيرانية،
فإن اليد الإيرانية إذا انتصرت في سوريا – لا قدر الله – ستصبح أو تمسي في
الخليج..هل يعي الخليجيون ذلك؟!!