حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 مأساة الرَّفض

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فؤاد
فريــق العــمـل
فريــق العــمـل
فؤاد


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 786
معدل التفوق : 2214
السٌّمعَة : 22
تاريخ التسجيل : 17/12/2011

مأساة الرَّفض Empty
20032017
مُساهمةمأساة الرَّفض

مأساة الرَّفض 6680810-317x430

هناك خصوم لأنواع معينة من الإبداع . هذا الإبداع  سماه أحد الباحثين بـ” الصحوة الروائية ” ونعته بـ ” خطاب الواقع الجديد ( الزهراني 2007 )  . من المفيد أن نصغي إلى هؤلاء الخصوم حين يتوجهون إلى الناس بالنصح ؛ لكي يتخلوا عن قراءة هذا الإبداع . إن ” أطباء الشعب “إذا ما استعرت ذلك من نيتشة (  2005 ، ص 38 )   ينبذون هذا النوع من الإبداع ، حتى أضحى مِن واجب مَن يبرر هذا الإبداع وقراءته ؛ أن يبين الأصول المعرفية والأيديولوجية لخطاب هؤلاء الذين يريدون  ألا يُنشر هذا النوع من الإبداع ، وألا يٌقرأ .
هذا السياق المعرفي هو ما سأركز عليه هنا ؛ فمن خلال متابعتي لما يُنشر من مقالات وكتب تذم هذا الخطاب الجديد عن الواقع ( الخطاب الروائي )، وتطعن في جدواه المعرفية ، ألمس الحاجة إلى تأمل ذلك الخطاب ، والمزيد من الجهد فيما يتعلق بهذا الجانب ، فإذا كان هذا الخطاب الرافض يتزايد باستمرار ، فإن النقد الذي يفترض تأمله وتحليله ما يزال غائبا .
ومن كل الخطابات الرافضة للإبداع لا بد أن يكون ذلك الذي يقف ضد خطاب الرواية عن الواقع  هو الأكثر أهمية . لماذا ؟ لأننا في زمن يُعبر عنه بـ ” بزمن الرواية ” ، ولأن هناك ارتباطا وثيقا بين كتابة الرواية وبين الظروف التي تعيش فيها مجتمعنا ، ولأن الرواية  عادة ما تحكي وتمثل تجربة حياة غنية بالمكونات ، متنوعة التعبيرات والموضوعات ، حد أن كل الخطابات يمكن أن تتقاطع وتتجاور وتتحاور فيها ، بل ربما في مشهد من مشاهدها( الزهراني ، 2004 )  وأخيرا لأن الرواية جزء من ثقافة المجتمع ، وهي كالثقافة مكونة من خطابات تعيها الذاكرة الجماعية ، وعلى كل واحد في المجتمع أن يحدد موقفه وموقعه من تلك الخطابات ( برادة ، 1987 ، ص 10 ) .
لقد عنونت هذه الدراسة بـ ” مأساة الرفض ” . تعني مأساة الرفض : حالة ذهنية تعبر عن أوضاع تعانيها بعض المجموعات البشرية ، وهي تواجه تنامي انفلات السلطة الاجتماعية التي تملكها . تعترف  بالتطورات ، وتعترف بعجزها عن إيقافها  ( حافظ ، 2002 ، ص 43 ) وما يمكنها فعله هو أن تفرض تصوراتها وشروطها ؛ لتقبل أي إنتاج أدبي جديد لكي يحظى برضاها .
الكتاب الذي سأشتغل عليه بوصفه نموذجا لهذا الخطاب الرافض للإبداع هو كتاب ” من عبث الرواية . نظرات في واقع الرواية السعودية ( العجيري ، 2008 ) . إن مما له دلالة  أن يصدر هذا الكتاب ضمن حملة أُطلق عليها ” حملة الفضيلة ” ، وأن يصدر عن مؤسسة رسمية عالمية هي “رابطة العالم الإسلامي ” وأن يتبنى نشره مركز دراسات رابطة العالم الإسلامي المهتم أصلا بإعمار المجتمعات العربية والإسلامية وتنميتها .
كل هذه المعطيات الرسمية ، تخول هذا الكتاب إلى أن يكون خطابا  رسميا مضادا لخطاب الرواية عن الواقع . ليس خطاب الرواية السعودي فحسب ؛ كما هو في عنوان الكتاب الفرعي ، إنما أيضا الخطاب الروائي في العالمين العربي والإسلامي .
هناك علامات بارزة تكشف سر هذا الكتاب الرسمي . فحرف الجر ( مِن ْ ) في عنوان الكتاب يعني التبعيض ؛ مما يشير إلى كلٍ لم يُرصد ، وأن ما ذُكر من العبث هو جزء من عبث أكبر يشير إليه هذا البعض الذي رُصد . كما أن المصدر ( عَبَثْ ) يشير إلى اللعب والخلط الذي لا فائدة منه .
من هذا المنظور ؛ يعلن عنوان الكتاب ” من عبث الرواية ” أن هذا الخطاب السردي الإبداعي عن الواقع ( الرواية ) لعب ولهو لا فائدة ترجى من تأليفه ونشره ، وبالتالي لا يستحق القراءة . يترتب على هذا أن تصبح قراءة الرواية، من باب تضييع الوقت وهدره . فقراءتها تضعف روح الأمة ، وتذبل الهوية . يلزم أن يتركز عمل القارئ اليومي من هذا المنظور في قراءة كتب ذات فائدة  لن تكون الرواية جزءا منها ؛ و بهذه الكيفية ينشغل الإنسان بما يعتبره الكتاب  ” نافعا ” .
بشكل عام ، يحتقر الكتاب  الرواية ، ويرفض إعطاءها أي صفة جمالية ، ويعتبرها نوعا أدبيا يفتقر لأي بناء خاص وأصيل ، ويتقبلها على أنها شكل معاصر للدعاية الأخلاقية المنحرفة للغرب، جرد الكتاب الرواية من أي أهمية أدبية ، وجعلها مجرد وسيلة للإبلاغ عن انحرافات خلقية وعقدية .  وفوق هذا نظر إليها الكتاب على أنها نوع أدبي دخيل حملته إلينا موجة التغريب . لم ينظر الكتاب إلى الرواية من حيث إنها فن أدبي ، بل نظر إليها من حيث هي تقدم قيم الآخر (الغرب ) وثقافته المتعارضة أصلا من وجهة نظر الكتاب مع قيمنا وثقافتنا .
باء على ما سبق فإن ما سأهتم به هنا وأنا أتأمل هذا الكتاب هو السؤال الرئيس التالي : ما الأصول المعرفية  والأيديولوجية التي تشكل خلفية كتاب مثل هذا ؟ . وفيما أنا أجيب سأبين ولو بصورة غير مباشرة الطريقةَ التي يدرك بها مؤلف هذا الكتاب الرواية ، و الطريقة التي بها يفكر ويفهم ؛ ذلك أن لطريقة فهمه جذورا معرفية ـ تتعلق بكيفية تفكيره لكي ” يشرعن ” إدعاءاته بمعرفة ” حقيقة ” خطر  قراءة وكتابة الرواية على المجتمع .
بفضل الفكر الحديث أصبحنا نعي أن أي منظومة فكرية تنتقي وتعين مفاهيمها المركزية . و ما إن تفعل حتى تقوم بحركة مزدوجة : تقصي المفاهيم المضادة ، وتختار مفاهيم أخرى بهدف دمجها ، وفي هذا الكتاب مفاهيم مهيمنة تبعد مفاهيم أخرى خارج الخطاب .
يتخلل الكتاب  مفهوم  مهيمن لا يولي اهتماما لتعبير الفرد ، وطرافة تجربته ( الرواية )  بقدر  الاهتمام بمساهمة الكاتب المنتمي إلى جماعة . لهذا المفهوم علاقة بالفرد الذي يقابل الجماعة ؛ فالمؤلف لا يرى الإنسان إلا في انتمائه إلى جماعة ، ولا يراه في فرديته . وقد ترتب على هذا أن الفرد يلزم أن ينخرط في جماعة ، وأن أي تعبير يصدر عنه يلزم أن يلبي وظيفة جماعية . وأن كل اختيار شخصي يظل ممنوعا ، ولا يقبل إلا إذا كان قابلا لأن يشمل الجماعة كله .
وفق هذا المفهوم الأدبي المسيطر  لا بد أن تُرفض الرواية التي لا تلبي وظيفة جماعية واجتماعية. تنشأ الرواية، وتستجيب ، وتتطور ، إذا بدأ الفرد يشعر بنفسه فردا أكثر مما يشعر بنفسه عضوا في جماعة ساكنة ، أو مجتمع ساكن ، عليه واجبات ، وله خصائص وهبها منذ الولادة ، تنشأ حين  يبدأ الفرد في التفكير على وفق مصالحه الشخصية أكثر مما يفكر بالمصالح الجماعية والاجتماعية ؛  ما يمنح الفرد شيئا ما يخفيه وهذا ما ينسف فكرة الجماعة والإجماع .
لقد ترتب على هذا المفهوم المهيمن  أن نظر مؤلف الكتاب إلى الروائي على أنه مصلح اجتماعي وأخلاقي ، وأن التزامه الرئيس يكمن في إنتاج عمل يجسد دعوته إلى الإصلاح والأخلاق . لا يريد المؤلف من الروائي  ينظر إلى نفسه على أنه فنان يطمح إلى كتابة عمل أدبي ، وهو لا يبالي بما يجعل من الرواية عملا أدبيا وجماليا ؛ فهو يعترف في الكتاب بأنه لا يدير بالا لجماليات الرواية ؛ لأن الأهم من وجهة نظره هو أن يجد فيها أفكارا ورؤى تتفق مع الجماعة والمجتمع .
يتضح هذا من البديل الذي يقترحه  :  رواية ” توجه  ” و ” ترد ” و ” تعالج ” و ” تطرح ، وكما نلاحظ فهذه الأفعال ” الأدائية ” تشير إلى تصور متعلق بوظيفة الرواية . فالرواية يلزم أن تنخرط في وظيفة اجتماعية إصلاحية وتوجيهية ، وهو تصور يذكرنا بالتصور القديم لوظيفة الخرافة . لم يحدث شيء سوى أن الحيوانات تحولت إلى بشر ، والحكيم تحول إلى روائي ، بينما بقي القراء مثلما هم جمهور يتكون في أغلبه من النساء وعامة الناس ودهمائهم ؛ لذا يجب أن تعرض عليهم رسالة التوجيه والإصلاح مغلفة بالسرد كي تسترعي انتباههم .
نحن نعرف أن الرواية تقاوم الوقائع والأشياء والأفكار والمثل، وتتناول الإنسان والمجتمعات الإنسانية. نعرف أن المجتمعات تدخل التاريخ ، وتفهم أن المجتمعات تعيش تاريخا هي صنعته ، وتلاحظ أن التاريخ البشري مصنوع من قبل البشر أنفسهم ، أو صنعه بعض المجموعات البشرية . يربك هذا التصور الإدراك الأيديولوجي للتاريخ الذي يتطابق مع أفكار الطبقة الحاكمة ومع منطقها ، والذي يتطابق بدوره مع إدراك هؤلاء الرافضين للخطاب الروائي .
في مقابل هذا ، يسيطر مفهوم التاريخ من حيث كونه ذا طبيعة فوق بشرية على الكتاب ، ويرتبط فيه التاريخ ارتباطا وثيقا بالدين ، ولكي تبقى هذه الصلة بين التاريخ وبين الدين لا بد من وجهة نظر المؤلف أن يختار الروائيون وقائع تبقى في ذاكرة الأجيال ؛ لكي تعتبر وتتعظ .
يجب على الروائيين من وجهة نظر المؤلف أن يختاروا موضوعات معطاة  من قبل التاريخ الإسلامي، وأن تكون تلك الموضوعات مشربة بروح الدين ، وأن ترزح تحت إيحاء واحد يبث الحياة في رواياتهم ، إيحاء يؤكد باستمرار القدر الإلهي الذي اختار المجتمع الإسلامي ليكون خير المجتمعات، وأفضل وسيلة لإعلان هذا هو كتابة هذا المجتمع الإسلامي .
يترتب على هذا تصور يجعل وفقه الروائيون  رواياتهم تاريخا للمجتمع الإسلامي ، وفي هذا المشروع التاريخي تبقى مصادره النصية حاضرة ، في تعبيراتها، وفي مفهومها للتدخل الإلهي الذي يغير مجرى الأشياء في كل لحظة . ففي النصوص المؤسسة للمجتمع الإسلامي طاقة متفردة تذكي النشاط الروائي ، فتجعل منه رواية ذات طابع خاص (الرواية الإسلامية ) .
إن ما يميز المجتمعات البشرية عن التجمعات الحيوانية ليس القدرة على الكلام ، ولا لأن البشر يستطيعون أن يحلوا مسائل رياضية معقدة . ما يميزها هو امتثالها لمجموعة من المعتقدات التي تحكم سلوك الأفراد. ولا نستطيع أن نتصور ثقافة مجتمع بشري من غير أن يوجد فيها فكرة الصواب والخطأ ، والحفاظ على الشرف ، العبادة ، والمحافظة على  الوعود .
يعني الواقع بوصفة مشكلة أخلاقية أن كل شرور المجتمع  وآثامه ورذائله وممارساته غير اللائقة من وجهة نظر المجتمع ( فكرة الخطأ ) يلزم أن تظل مستورة ومنسية ، ومن غير المناسب التعبير عنها . بثور و دمامل يلزم أن تظل تحت جلده . أما تصور الواقع بوصفه مشكلة اجتماعية فيعني أن تلك الشرور والآثام طبيعية في حياة أي مجتمع . بثور ودمامل تصل إلى مراحلها الأخيرة . تتقيح لكي تنفجر . في ذات يوم ، وفي لحظة ما ، يظهر  كل شيء ؛ لذلك يلزم أن يُعبر عنها .
تظهر تجليات الواقع بوصفه مشكلة أخلاقية  في الأسلوب الذي تُكتب به الرواية، يتجلى عند مؤلف الكتاب في اللفظة المهذبة، والنظيفة ، والعفيفة ، والتصوير البريء ، والإشارة اللطيفة المحتشمة ، التي لا تمس مقام الحياء والأدب ، والكلام اللطيف العابر، واللون الرفيع من البيان .
لا يتعلق  الأمر  بلغة الرواية فحسب ، بل أيضا بالروائي ؛ فالروائي من وجهة نظره يلزم أن يتصف بالذوق الرفيع والأدب الراقي . الروائي ذو الأصل النبيل ، والذي تلقى تربية حسنة يترفع عن الابتذال في الكتابة الروائية . إن كل إناء بما فيه ينضح ” . من وجهة نظره إذا رأى القارئ الروائي شغوفا بالبذاءة ، مولعا بصور الفجور ، مفتونا بكل قبيحة ورذيلة ( الأسلوب الوضيع ) ، فليعلم القارئ أن الروائي قد نضح بما فيه ، وأنه وقع على شاكلته ؛ فالطيور على أشكالها تقع .
ما الذي ينقص المؤلف ؟ عادات قراءة الرواية ؛ فالقراءة الحرفية تولد فهما حرفيا للمقروء يُعنى بالتقاط المعنى الحرفي الرئيس للكلمات والجمل ، ويتطلب مثل هذا الفهم الحرفي مهارات قرائية دنيا كالتعرف على دلالة الكلمات ، والبحث عن التفاصيل التي يمكن تذكرها ، والتقاط الفكرة التي صرح بها المقروء ، وهي كما نرى مهارات لا تساعد القارئ على قراءة نص معقد كالرواية.
لا يعرف مؤلف الكتاب العادات القرائية ، ولا الاستراتيجيات القرائية التي تتعلق بقراءة العمل الروائي،. لا تكفي معرفته باللغة العربية ، ولا تبحره  في الدين ، ولا خبرته بالعالم الذي نعيش فيه لجعله قارئا مدركا للعمل الروائي . يفتقد إلى الكيفية التي يُقرأ بها العمل الروائي . إن قارئا قرأ قدرا كبيرا من الروايات ، لهو أكثر استعدادا لأن يفهم رواية  من الشخص الذي لم يقرأ ، أو لم يقرأ كثيرا في هذا النوع الأدبي ، هذه مسلمة في الدراسات النقدية الحديثة المتعلقة  بالقارئ ، وبناء عليها فمؤلف الكتاب  أقل استعدادا لأن يتعاون أو يدرك الروايات التي رصدها في مؤلفه . .
ليس  هذا تبكيتا لمؤلف الكتاب ، ولا لأنه لا يفهم،  أو لا يدرك ، أو لقصور في لغته ، أو فهمه ، بل لابتعاده عن الرواية من حيث هي نوع أدبي ، وما ذكره في الفقرة التي خصصها لما سماه “عدم تحمل التبعات ، وسهولة التملص تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه قارئ غير خبير ، أو مدرب على قراءة هذا النوع الأدبي .
إن تجربة القارئ في قراءة الرواية ، وفكرته عن الرواية من حيث هي نوع سردي ، وفكرته عما يمكن أن يفعله الروائي وهو يكتب هما ما يمكن القارئ من قراءة الرواية  من غير أي تحيز .  واستشهاد المؤلف  بنماذج من العبارات ، وتحديده دلالتها ، يشير إلى أن خبرته في قراءة هذا النوع الأدبي قليلة ، وفكرته عن الكيفية التي  تكتب بها الرواية ضعيفة ، لذلك وجدناه يتوقف عند معاني الجمل لا معاني العمل، أي أنه يتوقف عند المعنى اللساني للرواية ، ولا يتعداه إلى المعنى الأدبي .
يكشف لنا معجم النعوت التي وصف بها المؤلف الروائيين ( كتبة السوء ، الشغف بالبذاءة ، الولع بالفجور ، الفتنة بالقبيح ، استرواح ذكر الفواحش ، تآلف أخبار المجون ، مرضى القلوب ) ، والأفعال التي تحدد أهدافهم ( يثبت ،  يعلن ، يريد ، يهزأ ، يمرر ، … ) أن  مفهوم معنى المؤلف يسيطر عليه . يترتب على هذا أن تصوره لطبيعة المعنى أنه ثابت ولا يتغير ، وأن هناك معنى واحد على غرار ” حقيقة واحدة ” ، وأن المعرفة ثابتة ، ولا تتغير في ضوء ما يستجد .
لذلك من المهم أن نميز هنا بين الطريقة التي يبني فيها القارئ المعنى ، وبين طرق أخرى يتحول فيها إلى وعاء يملأ  من قبل طبقة ( نقاد ، وعاظ ، مذكرين )  أو أن يتحول إلى خادم يبحث عن معنى المؤلف أو النص ، وحركات الإصلاح النظرية التي ظهرت في أوائل السبعينات كانت محاولة للتخلص من سلطة طبقة أو مؤلف أو نص ، من خلال تقديم مفاهيم تعرف القارئ بأن المعنى لا يكتشف كما يكتشف البترول ، بل يكون ويبنى كما تبنى الأهرامات .
إذا كان لي أن أستل خاتمة مما قلته إلى الآن ، فستكون المعتقدات القرائية . أعني  رصيد متراكم من الأفكار والمفاهيم  تبلورت في ذهن المؤلف ( الإجماع ، التاريخ ذو الطابع الإلهي ، الواقع في صورة مشكلة أخلاقية ، الأسلوب السامي ، الفهم الحرفي ، معنى المؤلف ) ، وشكلت استجاباته ، وخلفية فكره ، ومارسها بكل ثقة ، وآمن  بها من غير أدنى شك ، وتقبلها كحقائق ذات طبيعة فكرية مطلقة وهو يقرأ الروايات التي رصدها . إنها موقف المؤلف العقلي من حيث هو قارئ ، أفكاره ومفاهيمه ، أو وجهة نظره عن الرواية التي تؤثر في استجابته لهذا النوع السردي ، أي ما يولد عادات وسلوكات نحو قراءة الرواية . إن المعتقدات القرائية ليست مجرد أفكار ومفاهيم ، لكنها أيضا ” كائنات ” فكرية تتمتع بقوى الحياة ، ولديها من القوة ما يجعلها تستحوذ على القارئ .
 يمكن أن استشف من قراءة الكتاب مجموعة معتقدات قرائية تجلت في اتسام المؤلف بعادات وسلوكات غير إيجابية تجاه قراءة هذه الروايات ، مما جعلها لا تحظى بالقبول من حيث هي نوع أدبي . من وجهة نظره ، تُنسج مثل هذه الروايات من أوهام المؤلفين ، وهي مبتذلة وغير محترمة ، تعيش على التافه ومخالفة المألوف . خطر على الذوق والأخلاق العامة . لا علاقة لها بالحياة التي نعيشها ، ودعمها بالنشر والإعلام جزء من إستراتيجية لتفكيك قيم المجتمع الإسلامي ، وإذا إذا كان لا بد من الرواية ، فيلزم أن تخدم الدين ، وأن تتقيد بقيمه .
لقد ترتب على هذه المعتقدات القرائية أن سرد المؤلف قائمة بما أطلق عليه أوجه ” الانحراف ” في هذه الروايات . هذه القائمة تترجم معتقداته القرائية مثل تشويه الرواية الواقع ، وضرب الأصول الدينية ، ومهاجمة أحكام الدين، وعبثية الحياة وتناقضاتها، والمظاهر الشركية المنتشرة في والانحرافات العقدية ، والاستهزاء بالشرع ، والاستخفاف بالسنة النبوية، والأفكار التي تتضمنها عن عقيدة الولاء والبراء ، والموقف من الكفار ، وتشويه مفهوم الجهاد ، والموقف الذي تتخذه الروايات من العلمانية والعلمانيين ، وحكم الموسيقى ، وما يشيع فيها من انحلال خلقي ، والتهجم على قيم المجتمع ، والتغرير بالمرأة والعبث بقضاياها كالحجاب والاختلاط والعلاقات الجنسية قبل الزواج ، والسفر بلا محرم  وولاية الرجل وقوامته ، وقيادتها للسيارة ، ومهاجمة أهل الخير والمجتهدين ، ومهاجمة التيار الإسلامي والمؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

مأساة الرَّفض :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

مأساة الرَّفض

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» مأساة السوريين على حدود ليبيا
» كارثة إنسانية في السودان.. انفصل الجنوب فانتقم الشمال! مأساة حليمة
» الإسلام المتراجع (خواطر بعد مأساة المسجد الأحمر) بقلم: محمد الحداد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: الحــــــــــــــــــداثـــة-
انتقل الى: