حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 الإنجيل برواية القرآن: موت عيسى بقلم: فراس السواح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
باسل
ثـــــــــــــــائر محــــرض
ثـــــــــــــــائر محــــرض
باسل


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 259
معدل التفوق : 770
السٌّمعَة : 21
تاريخ التسجيل : 15/12/2011

الإنجيل برواية القرآن: موت عيسى بقلم: فراس السواح   Empty
19122013
مُساهمةالإنجيل برواية القرآن: موت عيسى بقلم: فراس السواح

لقرون عديدة أخذت مسألة موت يسوع على الصليب الحيز الأكبر من الجدال اللاهوتي بين المسلمين والمسيحيين. فاللاهوت المسيحي يضع مسألة موت يسوع على الصليب في مركز البؤرة من العقيدة، ويقول اعتماداً على وضوح نصوص الأناجيل، بأن يسوع قد أسلم الروح بعد ظهر يوم الجمعة الحزينة، ثم قام من بين الأموات في صبيحة اليوم الثالث، يوم الأحد؛ وبعد أن ظهر للتلاميذ عدة مرات، وتناول معهم الطعام ليثبت لهم حقيقة بعثه بجسده، ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الآب في انتظار اليوم الأخير عندما يعود على سحاب المجد ليدين العالم. أما علم التفسير الإسلامي، فيقول اعتماداً على تفسير وتأويل الآيات القرآنية المتعلقة بوفاة عيسى، بأن عيسى لم يمت على الصليب، لأن الله أنجاه من مكيدة اليهود وجنَّبه الموت على أيديهم، فرفعه إليه حياً بجسده في انتظار عودته في اليوم الأخير ليقتل الدجَّال ويجعل العالم كله مِلَّةً واحدةً.
فإلى أي حدّ تختلف الروايتان الإنجيلية والقرآنية، إذا نحن تفحصناهما بدقة وفق منهج استقرائي لا يصدر عن المواقف الفكرية المسبقة، وخصوصاً فيما يتعلق بتفسير آيات القرآن الكريم التي لم يفلح علم التفسير في اعتقادي حتى الآن في حل إشكالاتها بقدر ما زادها غموضاً.
موت يسوع في الرواية الإنجيلية
سوف نتتبع فيما يلي مشاهد موت يسوع اعتماداً على الأناجيل الإزَّائيَّة (= المتشابهة) الثلاثة متَّى ومرقس ولوقا، مبتدئين من انتهاء المحاكمة وسوق يسوع إلى الصلب.
“فأخذ عسكر الوالي يسوع إلى دار الولاية، وجمعوا عليه كل الكتيبة، وألبسوه رداءً أرجوانياً، وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه، وقصبة في يمينه، وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين: السلام يا ملك اليهود، ويضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه. وبعدما استهزئوا به نزعوا عنه الأرجوان وألبسوه ثيابه ثم خرجوا ليصلبوه. وفيما هم خارجون، وجدوا رجلاً قيروانياً آتياً من الحقل اسمه سمعان، فسخروه ليحمل صليبه (وقد ورد في إنجيل يوحنا أن يسوع خرج وهو يحمل صليبه). ولما أتوا إلى موضع يقال له جلجثة، الذي تفسيره موضع الجمجمة، أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب، ولما ذاق لم يرد أن يشرب. ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها ماذا يأخذ كل واحد. وكانت الساعة الثالثة (= التاسعة قبل الظهر)، فصلبوه وصلبوا ومعه لصين واحداً عن يمينه وآخر عن يساره.
”وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلّص نفسك وانزل عن الصليب. وكذلك رؤساء الكهنة وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا: خلَّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها، إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به. واللذان صُلبا معه كانا يعيرانه.
“ولما كانت الساعة السادسة (= الثانية عشر ظهراً) كان ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة (= الثالثة بعد الظهر). ونحو الساعة التاسعة، صرخ يسوع بصوت عظيم: إيلي، إيلي، لما شبقتني؛ أي إلهي، لماذا تركتني. فقوم من الواقفين هناك قالوا: إنه ينادي إيليا. وللوقت ركض واحد منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه. وأما الباقون فقالوا: اترك لنرى هل يأتي إيليا يخلصه؟ فصرخ يسوع بصوت عظيم أيضاً وأسلم الروح. فلما رأى قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا قال: بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً. وكان أيضاً نساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب الصغير ويوسي، وسالومة، اللواتي صعدن معه إلى أورشليم.
”ولما كان المساء، جاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف، وكان هو أيضاً تلميذاً ليسوع، فتجاسر ودخل إلى بيلاطُس وطلب جسد يسوع. فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً، فدعا قائد المئة وسأله: هل له زمان قد مات؟ ولما عرف من قائد المئة وهب الجسد ليوسف. فأخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقي ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة، ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى. وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر تنظران أين وُضع.
وبعدما مضى السبت، اشترت مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب، وسالومة، حنوطاً ليأتين ويدهنه. وباكراً جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس، وكن يقلن فيما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عند باب القبر؟ فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج لأنه كان عظيماً جداً، ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء فاندهشن. فقال لهن: لا تندهشن، أنتنَّ تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام. ليس هو ههنا، هوذا الموضع الذي وضعوه فيه. لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه كما قال لكم. فخرجن سريعاً وهربن من القبر لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن، ورجعن وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله.“(متَّى: 27- 28، ومرقس: 15- 16، ولوقا: 23- 24). وعقب ظهوره الأخير للتلاميذ، يقول لوقا:”وفيما هو يباركهم، انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء.“(لوقا 24: 51).
موت عيسى في الرواية القرآنية
لدينا ستة مواضع في القرآن الكريم تتحدث عن موت عيسى. ولسوف نوردها فيما يلي مع ارتأيناه في تفسيرها:
1- وسلامٌ عليَّ يوم ولدتُ ويوم أموتُ ويومَ أبعثُ حياً.” (19 مريم: 33).
استخدم القرآن الكريم التعبير نفسه في الحديث عن النبي يحيى (= المعمدان)، حيث ورد في سورة مريم: “وسلام عليه يوم ولدَ ويوم يموتُ ويوم يبعثُ حياً.” (19 مريم: 15). وبما أن يحيى قد عاش ومات مثل سائر بني البشر، فإن عيسى أيضاً قد عاش ومات بعد أن استوفى أجله الطبيعي. ولا يوجد لا في هذه الآية ولا في غيرها من آيات القرآن أي إشارة ظاهرة أو مبطنة إلى رفع عيسى إلى السماء بجسده العنصري قبل الموت، أو إلى موته المستقبلي في نهاية الزمن عقب قدومه الثاني، على ما شاع بين المفسرين.
2- “ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، وأمه صدِّيقان كانا يأكلان الطعام.” (5 المائدة: 75).
استخدم القرآن التعبير نفسه في وصف النبي (ص) عندما خاطب أصحابه قائلاً: “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرُسُلْ، أفإن مات أو قتل انتقلبتم على أعقابكم؟” والمقصود هنا نفي التوهم بأن مكانة أي إنسان عند الله يمكن أن تحول بينه وبين الموت. وفي موضع آخر خاطب الله رسوله قائلاً: “فإنك ميت وإنهم ميتون.” فمحمد سوف يموت كما مات غيره من الأنبياء، ومنهم المسيح ابن مريم.
ثم أردف تعالى قائلاً: “وأمه صِدِّيقة، كانا يأكلان الطعام.” يعني بذلك أن حياتهما الجَسَدانية التي تحتاج إلى الطعام سوف تنقطع لا محالة، لأن كل من يأكل الطعام سوف يؤول إلى موت. ولذلك خاطب تعالى رسوله في موضع آخر فقال له: “وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم... وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام، وما كانوا خالدين.” (21 الأنبياء: 8). أي أن كل من سبق محمد من الأنبياء كان عرضة للموت، ولم يخلد منهم أحداً بما في ذلك ابن مريم.
3- “لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم. قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يُهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً. ولله مُلك السماوات والأرض وما بينهما، يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير.” (5 المائدة: 17).
إن الله هو الكائن الحي الوحيد الذي لا يموت، وله القدرة على إهلاك المسيح، لأن المسيح ليس إلهاً، وهو ميت لا محالة مثل بقية رجال الله.
4- “إذ قال الله: يا عيسى ابن مريم، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ قال: سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق... ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم. وكنتُ شهيداً عليهم ما دمتُ فيهم، فلما توفيتني كنتَ أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد.” (5 المائدة: 117).
يسأل الله هنا عيسى سؤال العارف عندما يقول له: “أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟” فيجيبه عيسى: “ما قلتُ لهم إلا ما أمرتني أن اعبدوا الله ربي وربكم. وكنتُ شهيداً عليهم ما دمتُ فيهم، فلما توفيتني كنتَ أنت الرقيب عليهم.” إن صيغة الماضي التي يستخدمها عيسى بقوله: “توفيتني”، تدل على أن وفاته قد حصلت في زمن الناس السابق لا في زمن رجوعه الثاني. ونلاحظ هنا التقابل بين الجملتين “ما دمت فيهم” و“لما توفيتني”، الذي يدل على أن عيسى كان مسؤولاً عن اعتقادات جماعته مادام معهم، ولكن عندما توفاه الله انقطعت مسؤولية الرقابة عليهم، وهو لم يزل غافلاً عما جرى لهم منذ أن توفي إلى ساعة الخطاب المذكور.
وقد ورد في صحيح البخاري حديث يشبِّه فيه الرسول نفسه بعيسى في موقفه من جماعته، حيث يقول: “يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال، فأقول: أصيحابي. فيقال: إنهم ما زالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. فأقول كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم: وكنتُ شهيداً عليهم ما دمتُ فيهم، فلما توفيتني كنتَ أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد.”
5- “إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ، ومطهرك من الذين كفروا، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، ثم إليَّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون.” (3 آل عمران 31: 55).
هنا نأتي إلى القضية المركزية في مسألة موت عيسى، ألا وهي بعثه بعد موته ورفعه بجسده القائم من بين الأموات إلى السماء. ولكن قبل أن نأتي إلى بسط تفسيرنا لهذه الآية، لابد من التذكير ببعض عناصر الرواية الإنجيلية. فقد تنبأ يسوع خلال حياته بموته وقيامته في اليوم الثالث: “وفيما هم يترددون في الجليل، قال لهم يسوع: ابن الإنسان سوف يُسلَّم إلى أيدي الناس فيقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم.” (متَّى 17: 22). “وابتدأ يُعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً، ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل، وبعد ثلاثة أيام يقوم.” (مرقس: 8: 31). وخلال مشهد المحاكمة قال يسوع في ارتفاعه إلى السماء بعد قيامته: “وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة (= الله) وآتياً على سحاب السماء.” (متَّى 26: 64). وأيضاً: “منذ الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله.” (لوقا: 22: 69). وبعد موته على الصليب وقيامته وظهوره للتلاميذ يقول مرقس في ارتفاعه إلى السماء: “ثم إن الرب بعدما كلم التلاميذ ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الآب.” (مرقس 16: 19). ويقول لوقا: “وأخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء.” (لوقا: 24: 50- 51).
هناك ثلاثة آراء رئيسية تداولها المفسرون بخصوص هذه الآية. الرأي الأول لم يلقَ تأييد معظم المفسرين، ومفاده أن الله قد أمات عيسى مدة ثلاثة أيام ثم بعثه من الموت بعد ذلك. وقال بعضهم ثلاث ساعات فقط. وهذا الرأي يقترب كثيراً من وقائع الرواية الإنجيلية. أما الرأي الثاني فيقول بأن الوفاة المذكورة هنا هي وفاة النوم لا وفاة الموت، والتي يشير إليها تعالى بقوله: “وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار.” (6 الأنعام: 60). وعلى ذلك يكون الله قد رفع عيسى إلى السماء بجسده العنصري وهو نائم وخلصه من كيد بني إسرائيل. وأما الرأي الثالث، فيرى أن في قوله تعالى: “متوفيك ورافعك” نوعاً من التقديم والتأخير وأن المقصود هو “إني رافعك إلى السماء ثم مميتك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا في نهاية الزمن.
وفي الحقيقة فإن هذه الآية هي من الآيات الواضحة التي لا تتطلب التأويل للتوصل إلى حقيقة معناها. فالنص يقول:”متوفيك ورافعك“أي مميتك أولاً ثم رافعك إليَّ. ولا مجال هنا لافتراض التقديم والتأخير، أو افتراض وفاة النوم. وبما أن الموتى لا يرفعون إلى السماء بل يسقطون ولا يقومون، فمن المنطقي أن نفترض حدوث البعث بين الوفاة والرفع. فالله قد بعث عيسى من بين الأموات ثم أصعده إليه بجسده القائم من الموت، في انتظار قدومه الثاني في نهاية الزمن وبذلك تتطابق العناصر الرئيسية في الروايتين الإنجيلية والقرآنية، وهي الموت والبعث والرفع.
6-”فبما نقضهم ميثاقهم (أي اليهود)، وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم قلوبنا غُلفٌ، بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً؛ وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً، وقولهم إنَّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله. وما قتلوه وما صلبوه، ولكن شُبِّه لهم؛ وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه، ما لهم به من علمٍ إلاَّ اتِّباع الظن. وما قتلوه يقيناً، بل رفعه الله إليه، وكان الله عزيزاً حكيماً. وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننَّ به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً.“(4 النساء: 155- 159).
لقد طرح هذا المقطع على المفسرين إشكاليات لم يوفقوا إلى حلها. فقد اعتقدوا أن مؤدَّى جملة”وما قتلوه وما صلبوه“هو أن عيسى لم يمتْ، وأنه مازال إلى اليوم حياً في السماء. وهذا استنتاج غير منطقي، لأن نفي القتل والصلب لا ينفي الموت مطلقاً، وإنما يقرر عدم حدوث الموت بواسطة القتل أو الصلب؛ وهذان السببان ليسا الوحيدين لحدوث الموت. فقد يحصل الموت عن طريق الشيخوخة أو المرض أو الغرق أو غير ذلك من الأسباب. وفي الحقيقة، فإن ما تود هذه الجملة قوله هو أن المسيح لم يمتْ قتلاً ولا صلباً على يد اليهود، وأن الله لم يكن ليسمح لمسيحه أن يموت على يد”قتلة الأنبياء“بهذه الطريقة الشنيعة، فأنقذه من مكرهم.
وفيما يتعلق بجملة”ولكن شُبِّه لهم“فقد اعتقد المفسرون أن الضمير المستتر بعد”شُبِّه“يعود إلى المسيح، فجعلوه أولاً المُشبه به، واعتقدوا أن المُشبَّه المقتول مكانه صار على هيئته وشكله، وأن هذا المشبه هو المقتول والمصلوب. وكان لهم في ذلك آراء شتَّى. فالبعض يقول إن الله ألقى شبه المسيح على خائنه يهوذا الإسخريوطي الذي صُلب بدلاً عنه، خصوصاً وأن يهوذا قد اختفى بعد خيانته، وقالت الأناجيل أنه قتل نفسه ندماً على ما فعل. والبعض يقول إن عيسى لمَّا أحس باقتراب الجند للقبض عليه، قال لتلاميذه: يا معشر الحواريين، أيكم يحب أن يكون رفيقي في الجنة حتى يُشَبَّه للقوم في صورتي فيقتلوه في مكاني؟ فقال واحد منهم: أنا يا روح الله. قال: فاجلس في مكاني. فجلس فيه، ورُفع عيسى عليه السلام، فدخلوا عليه فأخذوه وصلبوه وشُبه لهم به.
والرأي الذي نراه هو أن الضمير المستتر (نائب الفاعل) بعد كلمة”شُبِّه“إنما يعود على القتل والصلب. فلقد شُبه للناس صلب المسيح وموته على الصليب. وبما أن فريقاً من المسيحيين وهم الغنوصيون ينفون موت المسيح على الصليب، ويقولون بأن موته قد”شُبِّه“للناس الذين ظنوا أنهم يرون المسيح مصلوباً وماهو بالمصلوب، فقد أردف تعالى قائلاً:”وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه، مالهم به من علم إلا اتباع الظن.“أي إن الذين اختلفوا في مسألة موته على الصليب لفي شك من ذلك، وما يتبعون إلا ظنونهم. والحقيقة هي أن اليهود”ما قتلوه يقيناً“، أي متأكدين من ذلك، وإنما رفعه الله إليه. وهذا الرفع قد حصل بعد موت يسوع موتاً طبيعياً بعد أن استوفى أجله، على ما قلناه في تفسير الآية السابقة (رقم 5):”إني متوفيك ورافعك إليَّ.“أي مُصعدك إليَّ بعد موتك وبعثك.
”وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً.“أي لا يموت يهودي من أهل الكتاب قبل أن يؤمن بعيسى عند قدومه الثاني، عندما يجعل الأديان كلها ملّة واحدة تؤمن بإله واحد. ذلك أن رجوع عيسى هو من علامات وأشراط”الساعة“على ما يقوله تعالى في موضع آخر:”وإنه (أي عيسى) لعلْمٌ للساعة فلا تمترن بها.“
ومع ذلك تبقى في النص ثغرات لا نستطيع ردمها إلا باتباع الظن، والنص القرآني لا يقدم لنا أي معونة في جهدنا العقيم هذا. فكيف تراءى للناس موت يسوع على الصليب بينما كان في مكان آخر؟ كيف أنجاه ربه من الصلب وبأي طريقة؟ أين كان عيسى بعد نجاته من الصلب؟ أين توفي ومتى؟ أسئلة لا يمكننا محاولة الإجابة عنها إلا بالخروج عن المنهج الذي اتبعاه حتى الآن، وهو منهج المقارنة الحيادية الموضوعية. كل ما يمكننا قوله، هو أنه باستثناء واقعة الموت على الصليب، فإن الروايتين الإنجيلية والقرآنية تتفقان في بقية عناصرهما. فعيسى قد مات في الرواية القرآنية كما مات في الرواية الإنجيلية، ثم إنه بُعث من بين الأموات ورفع بجسده إلى السماء. وهو سيأتي في آخر الزمن كعلامة من علامات الساعة.
على أنه لابد من الإشارة إلى الشبه الواضح بين موت عيسى الذي تراءى للناس على غير حقيقته في الرواية القرآنية، ومفهوم الموت الشبحي للمسيح في الكتابات الغنوصية التي تقول بأن موت المسيح قد تراءى للناس وما هو بالحقيقة الفعلية وبعض هذه الكتابات يستخدم فكرة إلقاء شبه يسوع على شخص آخر صُلب في مكانه. نقرأ في نصوص نجع حمادي المعروف بعنوان”أطروحة شيت الكبير“على لسان يسوع:”فاعلم إذاً أني لم أُسلَّم إلى أيديهم كما ظنوا، ولم أتألم أبداً... لم أمتْ في الحقيقة وإنما في المظهر فقط... لم أتجرع الخل والمرار كما رأوني أفعل، بل هو شخص آخر، لم أكن من ضربوه بالعصي، بل هو شخص آخر. لم أكن من وضعوا إكليل الشوك على رأسه، بل هو شخص آخر. ولقد سخرتُ في الأعالي من جهلهم ومن تبجحهم.“[1] وفي نص”أعمال يوحنا“نجد التلميذ يوحنا الحبيب يلجأ إلى جبل الزيتون بعض أن أُسلم يسوع إلى الصلب، وهناك يظهر له يسوع ويقول له:”بالنسبة لهم هناك في الأسفل، أنا مصلوب في أورشليم، وأتجرع الخل والمرار وأُطعن بالحراب... ولكنني لست ذلك المعلق على الصليب، ولم أعانِ أياً من تلك الآلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الإنجيل برواية القرآن: موت عيسى بقلم: فراس السواح :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الإنجيل برواية القرآن: موت عيسى بقلم: فراس السواح

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: الحــــــــــــــــــداثـــة-
انتقل الى: