حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 فلسطين الهندية الحمراء: قراءة في السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابوشديد
ثـــــــــــــــائر
ثـــــــــــــــائر
avatar


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 111
معدل التفوق : 291
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 15/12/2011

فلسطين الهندية الحمراء: قراءة في السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية  Empty
19022012
مُساهمةفلسطين الهندية الحمراء: قراءة في السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية

محمد شعبان صوان


فلسطين الهندية الحمراء: قراءة في السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية  Shaban-sawan



دراسات





فلسطين الهندية الحمراء: قراءة في السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية  EmailButton


فلسطين الهندية الحمراء: قراءة في السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية  PrintButton


فلسطين الهندية الحمراء: قراءة في السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية  Pdf_button






كان العداء نحو عالم الإسلام
جزءً من الثقافة الأمريكية قبل التورط الأمريكي في سياسات الشرق العربي
بأمد طويل، وقد وصف أحد الباحثين هذا العداء بأنه أمريكي كفطيرة التفاح
التي عدت جزءً من مكونات هذه الثقافة،(1) ويعود هذا العداء بجذوره إلى
أوائل المهاجرين الأوروبيين الذين حطت رحالهم





على شواطئ أمريكا في القرن
السابع عشر وحملوا معهم التصورات السلبية التي كانت الثقافة الأوروبية
تزخر بها عن الإسلام وأهله ثم رسخت نتيجة الحروب التي دخلتها الولايات
المتحدة الوليدة مع الولايات العثمانية في شمال إفريقيا التي كانت قد دخلت
في صراع مرير مع الغرب الأوروبي منذ سقوط الأندلس ومجيء العثمانيين لدرء
خطر إسبانيا والبرتغال عن هذه البلاد، ولم يكن من العجيب أن يكون الانطباع
الأمريكي العام عن الشرق سلبيا في زمن كانت مصادر الثقافة عن بلادنا
محصورة في إنجيل الملك جيمس وكتاب ألف ليلة وليلة.(2)






وقبل أن يقوم الكيان الصهيوني في
بلادنا ويطابق نفسه بتجربة المستوطنين الأمريكيين في بلاد الهنود الحمر
بزمن طويل، أتى الأمريكيون رحالة وتجارا ومبشرين إلى الشرق العربي
العثماني وطابقوا بين تجربتهم وتجربة سكان الحدود الذين دخلوا في صراع مع
السكان الأصليين في تخوم الولايات المتحدة، ورسخوا الصورة السلبية التي
انطبعت في الذهن الأمريكي عنا، وفي زمن كان السكان الأصليون من الهنود
الحمر هم العدو الرئيس للأمريكي حين احتدمت الحروب الهندية بين الطرفين
بعد نهاية الحرب الأهلية، كان الشرقي العثماني يحمل نفس المعنى السلبي
للهندي الأحمر، حتى أن صحيفة أمريكية قومية شبهت السلطان العثماني عبد
العزيز (حكم بين 1861- 1876) بزعيم المقاومة الهندية "الثور الجالس"
Sitting Bull (1831-1890) (3) الذي كان يجسد للأمريكان مثال الإرهاب
والتوحش والبدائية نتيجة دفاعه عن استقلال وحرية وحقوق قومه بالمقاومة
المسلحة، وقد قامت شخصيتان مهمتان ممن حاربوا الهنود وقمعوا حريتهم، وهما
الرئيس الأمريكي يوليسيس غرانت وقائد الجيش الأمريكي وليام شيرمان، بزيارة
الشرق العثماني (مصر وفلسطين واستانبول) في سبعينات القرن التاسع عشر
وأسفرت الزيارتين عن تثبيت الرؤى الاستشراقية التي ترى بلادنا مرتعا
للتخلف والظلم والطغيان، وقد صرح شيرمان بأن أهل مصر "عرق يبدو ويتحدث
ويتصرف تماما كالهنود الحمر"،(4) وقد علق مايكل أورين على النقد الأمريكي
للشرق بأنه يبدو لنا اليوم نفاقا إذ كان الأمريكيون يغضون النظر عن عيوبهم
في استعباد الأفارقة وطرد الهنود ومظاهر الفساد في بلدهم وينتقدون
الآخرين.(5)




ومع أن اليهودي اكتسب صورة سلبية
عند الأمريكان واقترنت معاداته بمعاداة الإسلام منذ البداية، فإن اتساع
عالم الإسلام و صغر الوجود اليهودي من جهة، والدور اليهودي في ملحمة
الخلاص البروتستانتي من جهة ثانية، وأخبار المحرقة النازية وقيام الكيان
الصهيوني برعاية غربية في مواجهة الشعوب العربية من جهة ثالثة، كل ذلك قلص
من معاداة اليهود في الوقت الذي استمرت شيطنة العرب والمسلمين، وفي خضم
هذا الصراع استحضر الأمريكيون قبلنا التشابه بين الاستيطان الأمريكي في
مواجهة الهنود الحمر، والاستيطان الصهيوني في مواجهة عرب فلسطين، وكان هذا
التطابق من دواعي الألفة الشعورية بين الكيانين على المستويين الرسمي
والشعبي.




وبعد أن انتبهنا إلى هذه النقطة،
كتب باحثونا عن أوجه التشابه بين التجربة الاستيطانية الأمريكية والتجربة
الاستيطانية الإسرائيلية، وما أريد إضافته هنا أن هذا التشابه لم يقتصر
على احتلال أرض الغير بالقوة واستبدال شعب مكان شعب بمبررات دينية مستقاة
من التوراة، بل يمتد على طول هذين الصراعين إلى تفاصيلهما سواء من جانب
المعتدي الغازي أم من جانب الضحية المستباحة، حتى أنني أذهب إلى القول
بأنه لو كانت لنا دراية موسعة بالتجربة الأمريكية عندما غزانا الصهاينة،
لكنا عرفنا كيف نتعامل مع تجربة مماثلة يحميها ويدعمها أصحاب التجربة
الأولى نفسها، وربما لم نكن لنحقق الانتصار في ظل تفاوت كفتي ميزان القوى،
ولكننا بالتأكيد كنا سنجنب أنفسنا كثيرا من التجارب العبثية التي أدخلتنا
في دوامات من الأخطاء الكارثة والصراعات الجانبية التي نتجت عنها والتي لم
تحقق في النهاية أكثر مما كان معلوما منذ البداية.




1- التشابه العقائدي: قارن
الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله بين الفكرة البيوريتانية التي أسست
الاستيطان في أمريكا والفكرة الصهيونية التي أسست الاستيطان في فلسطين
ووجد بينهما نقاط التلاقي الآتية: 1) رفض التاريخ: فالمتطهرون يطالبون
بالعودة للبساطة الأولى ويرفضون التاريخ المسيحي والصهاينة يرفضون تاريخ
الشتات ويطالبون بالعودة إلى البساطة الأولى في فلسطين، 2) ولهذا نظر كل
منهما إلى كيانه بصفته كيانا روحيا يحقق النبوءات المقدسة، 3) استخدام
الحجج الدينية لتبرير الوحشية تجاه السكان الأصليين، 4) سيطرة عقلية
"الريادة" على أصحاب العقيدتين الذين يرون أنفسهم أنهم "اكتشفوا" أرضا
"خالية" بما فيها من عقبات يتم الانتصار عليها بالفعل الذي يرجح على الفكر
النظري، 5) ممارسة العنف العنصري للتغلب على السكان الأصليين، 6) اتباع
اقتصاد جماعي في المستعمرات وهو ما يفسر الصبغة "الاشتراكية" التي اتخذتها
المستعمرات الصهيونية الأولى حيث لا يصلح الاقتصاد الرأسمالي الفردي
القائم على المصلحة الذاتية لإدارتها.(6)




2- استعمار إحلالي: التجربة
الأمريكية تجربة استيطانية اعتمدت على تفريغ الأرض من أصحابها لإحلال شعب
آخر مكانهم تماما كالتجربة الصهيونية، وإذا كان الصهاينة قد أضمروا منذ
البداية الاستيلاء على كل فلسطين وربما أفصحوا عن نيتهم في بعض المناسبات
التي يسميها الدكتور المسيري اللحظات الإدراكية، فإن هذا حدث نتيجة وجود
المخزون البشري الذي سيملأ الأرض، أما في التجربة الأمريكية فإنه لم يكن
واضحا منذ البداية حجم القارة المكتشفة ولا حجم الكتلة السكانية التي
ستنتقل إليها، ولكن بدا واضحا منذ أيام الاستيطان الأولى أنه لا مكان
لشعبين في نفس الأرض، فالاستعمار الاستيطاني مختلف عن الاستعمار التقليدي
الذي يهدف إلى استنزاف البلد المحتل اقتصاديا واستغلال أهله لمصلحة البلد
المستعمِر، فحيثما زرع الأوروبيون أنفسهم في أمريكا اختفى السكان
الأصليون، وكان هذا باديا في نوايا المستعمرين الاستيطانيين الذين ادعوا
منذ البداية أن ربهم منحهم هذه الأرض الموعودة وعدوا اختفاء أهلها
بالأوبئة على الساحل الشرقي نعمة إلهية مهدت لقدومهم واستعمارهم، ولو كانت
نيتهم طيبة لما فرحوا بموت الهنود وزوالهم من طريقهم.




3- زيف الأعذار: ولأن الأرض هي
محور الصراع في التجربتين، فإن كل الأعذار التجميلية التي تكلم بها
المستعمرون عن هداية السكان الأصليين أو تحضيرهم، كانت شعارات جوفاء اعترف
أصحابها في لحظات إدراكية بأنها مجرد هراء، ولكن هذا لم يمنع من تكرارها
لخداع الضحية زمن ضعف المعتدي أو لخداع رأي عام يرفض وحشية الاستيلاء أو
ربما لخداع النفس التي ربما ترفض الإقدام على سلب الآخرين لولا أساطير جلب
الهداية والحضارة إليهم، وقد استخدم الأمريكيون هذه الأعذار وادعوا جلب
الحضارة والزراعة والهداية إلى السكان الأصليين، ولكنهم قتلوا الهندي
المسيحي كما قتلوا غيره، ودمروا القبائل التي مارست الزراعة كما دمروا
القبائل المرتحلة، وضربوا تجارب قطعت شوطا كبيرا في طريق تبني حياة الرجل
الأبيض كالقبائل الخمس التي اعترف الأمريكيون أنفسهم بتحضرها وسموها
المتمدنة، وذلك كما ادعى الصهاينة أنهم آتون لتحسين حياة سكان بلادنا فكان
التهجير والقتل والسلب هو ما أصابنا منهم، وقد كانت حقيقة الموقف بادية
للقائمين على المشروعين، فاعترف بن غوريون بأن كلامه عن التحضر أجوف
ومضحك(7) كما اعترف كثير من القادة الأمريكان بهامشية تحضير الهنود مقابل
مركزية الحصول على أراضيهم، وقد صور الرئيس جورج واشنطن نفسه منذ البداية
حقيقة الموقف وأن الهندي سيتراجع أمام تقدم الأبيض،(8) أي لن يندمج ولن
يتحضر ولن يهتدي، بل هو عند واشنطن كالذئب وإن اختلف معه في المظهر، وأن
الهدف من الحرب معه هو الحصول على أرضه التي يحيا عليها، أي ليس تحضيره،
وفي أية لحظة تعارض الهدفان، وما أكثر ما تعارضا، كان الخيار هو إبعاد
الهنود نحو الغرب للحصول على أرضهم وتدمير كل ما أنجزوه في طريق "التحضر"
كما حدث مع القبائل الخمس المتمدنة التي ضربت تجاربها مرتين، في ولايات
الجنوب وفي أوكلاهوما، رغم أنها حصلت على الاعتراف الأمريكي بإنجازاتها
على طريق تبني حياة الرجل الأبيض.




4- عدم أهمية الحضارة: ولو بحثنا
في التاريخ الأمريكي لوجدنا أنه حتى من تبنى من الهنود النموذج الحضاري
الأمريكي بقياساته الضيقة، وهو ملكية أرض خاصة لممارسة الزراعة والتخلي عن
حياة القبيلة المشاعية، سواء بالرضا أو بالإجبار، فإنهم كانوا يجابهون عدم
مبالاة بل معاداة وطمع الرجل الأبيض، فإما أن تكون الأرض المخصصة لهم
قاحلة وغير صالحة للزراعة، أو عرضة للجفاف والجراد، هذا بالإضافة إلى عدم
اهتمام الحكومة بتزويدهم بالمساعدات من أدوات وإرشادات زراعية كانت قد
وعدتهم بها عندما تنازلوا عن أراضي القبيلة ووافقوا على الاستقرار وممارسة
الزراعة، ولو كانت الأرض المخصصة جيدة فإنهم سرعان ما سيحيط بهم الطامعون
من البيض لسرقتها كما اعترف بذلك قائد الجيش الأمريكي الجنرال شيرمان الذي
عرف المحمية بأنها أرض خصصت للهنود ومحاطة باللصوص،(9) كل هذا أدى إلى فشل
تجارب التحضير وكشف في الوقت نفسه أن الغاية الأمريكية من تبني شعار
الحضارة بهذا المقياس كان الاستيلاء على أراضي القبائل لصالح مستعمريها
وأنها استبعدت الهنود من دائرة رعايتها، حتى اعترف أحد الجنرالات
المشهورين في الحروب الهندية وهو جورج كروك بأن الهندي مستعد لقبول
الحضارة أكثر من استعدادها لقبوله،(10) ولهذا استنتجت باولا ماركس أن
المطلوب من الهندي لم يكن التكيف الخلاق مع الحضارة بل طاعة الأوامر،(11)
وهذا ما حدث في فلسطين حيث لم يكن الفلاح الذي يجيد استعمال الجرار
(التراكتور) هو الفلسطيني الإيجابي عند الصهاينة جالبي الحضارة، بل كان
الفلسطيني الذي يبيع أرضه،(12) وفي هذا السياق يبدو الإسفاف والعبثية في
تصريح مسئول فلسطيني مؤخرا لإذاعة صهيونية مفاخرا ومتوسلا لها بالفتاة
الفلسطينية التي كانت محجبة فأصبحت تكشف ساقيها في الألعاب الرياضية وكأن
المشروع الصهيوني قام لتعليمنا الرياضة، وها قد اتفقنا أخيرا! وكذلك في
مشروع نادي القمار في أريحا الذي كان أول ما أنعمت به علينا الحضارة
الصهيونية بعد اتفاق أوسلو وهو بالمناسبة مشابه لنوادي القمار التي انتشرت
في محميات الهنود في الولايات المتحدة منذ ثمانينات القرن العشرين وأصبحت
أفضل مورد اقتصادي منذ وصول الرجل الأبيض كما قال أحد زعماء الهنود سنة
1995.(13)




5- استخدام الدين في تبرير
المشروع: استخدم التبشير بين الهنود لجعلهم أكثر طواعية لتنفيذ أوامر
الرجل الأبيض، ولم يكن للهداية أهمية تذكر خارج هذا الإطار، بل ربما تعرض
الهندي المسيحي إلى القتل والاضطهاد كغيره إذا دعت الحاجة، وقد تحالف
الساسة مع المبشرين لإقناع الهنود بالتخلي عن أراضيهم، وسار التبشير
والاستعمار يدا بيد، وهذا يشبه إلى حد ما استخدام المشروع الصهيوني الدين
في حشد التأييد له بين اليهود وبين أبناء الطوائف المتصهينة، وإن كان
يختلف معه في عدم التبشير بين السكان الفلسطينيين وذلك لأن المشروع يجب أن
يظل غريبا عن أبناء المنطقة ليستمر ارتباطه بالغرب الحامي مقابل حماية
المصالح الغربية في منطقة معادية كما يقول الدكتور المسيري رحمه الله.




6- الاعترافات: وقد اعترف
المسئولون في كلا المشروعين بأن السكان الأصليين ضحايا وليسوا مشاريع تحضر
أو هداية، فقد قال الجنرال وليام شيرمان الذي قام بدور محوري في إخضاع
الهنود بعد الحرب الأهلية الأمريكية: "لقد استولينا على أرضهم ومصادر
معيشتهم، ودمرنا أسلوب حياتهم، وعاداتهم، وأدخلنا الأمراض والاعتلال
بينهم، وكان هذا هو السبب وضد كل هذا أعلنوا حربهم علينا، هل من الممكن أن
يتوقع أحد أقل من هذا؟"(14) وربما كان بن غوريون يردد صداه حينما قال: "لو
كنت زعيما عربيا فلن أتفق أبدا مع إسرائيل، هذا طبيعي: لقد أخذنا أرضهم،
طبعا لقد وعدنا بها الرب، لكن ما قيمة ذلك بالنسبة لهم؟ ربنا ليس هو
ربهم... لقد مررنا بمعاداة السامية والنازيين وهتلر وأوشويتز، ولكن هل ذلك
بخطأ منهم؟ إنهم لا يرون إلا شيئا واحدا: لقد جئنا هنا وسرقنا بلادهم.
لماذا عليهم القبول بذلك".؟(15)




7- الحجج التاريخية: ربما يظن أن
حجة الحقوق التاريخية من خصوصيات المشروع الصهيوني في فلسطين، وقد نعجب
إذا علمنا أن الأمريكيين ابتدعوا هذه الحجة لوجودهم في أمريكا واستيلائهم
عليها، واتخذوا من وجود بعض القبائل الهندية التي تتميز ببياض البشرة
دليلا على وجود أسلاف أوروبيين في القارة!(16) ولهذا لن يعدم الكيان
الصهيوني حجة حتى لو لم يكن للهيكل ذكر في التاريخ.




8- أهمية الثروات الطبيعية: رغم
أن الأرض هي الثروة الرئيسة وهي محور الصراع في الكيانات الاستيطانية
الإحلالية، وهي التي توجه السياسة، فإن بقية الثروات الطبيعية والمعدنية
تساهم في عملية التمدد وتوجيه الاستيطان، وهذا ما فعله الذهب والفراء في
الولايات المتحدة، وكم قامت من حروب ونقضت معاهدات في الصراع على هذه
الثروات، وهذا ما فعلته المياه والنفط والغاز في الكيان الصهيوني.




9- مكانة السكان الأصليين في
المشروع: رغم أن المشروع الاستيطاني يتطلب تفريغ الأرض من سكانها
الأصليين، فإنه ينحو أحيانا نحو استخدام قوة عملهم في الأعمال الدنيا التي
يتطلبها المشروع، هذا ما فعله الأمريكيون حين استعبدوا وتاجروا بالآلاف من
سكان الساحل الشرقي قبل أن يتجهوا إلى الرق الإفريقي، وهذا ما فعله
الصهاينة في فلسطين حين استخدموا العمال الفلسطينيين من الضفة والقطاع،
وهو أمر تكلم عنه هرتزل نفسه وكان واضحا منذ البداية أن الفرصة المتاحة
أمام أهل البلد هي العمل في الحمل والحطب وسقاية الماء كما تصور ذلك
مستشار الحكومة الصهيونية في خمسينات القرن العشرين أوري لوبراني (فيصل
الشيخ، هل إسرائيل كيان عنصري3) وكما هو مصور في الأدب العبري كما يقول
الباحث نواف الزرو.




10- التفاوت التقني مع الأهالي:
واجه المشروع الأمريكي سكانا أصليين أقل منه في المستوى الحضاري التقني،
كما واجه المشروع الصهيوني سكانا أقل منه في نفس المجال، مما أعطى
للمشروعين ميزة التفوق في ميزان القوى وجعل الطرف الآخر في الحالتين في
موضع المتلقي لما يفرض عليه وأعطى الطرف القوي مسئولية المصير الذي سيؤول
إليه الطرف الضعيف، وفي الحالين لم يكن الطرف القوي على قدر المسئولية
الأخلاقية التي وضعته الظروف بها مما ألف تراجعا عن إنجازات حضارات سابقة
استوعبت الأطراف المهزومة تحت شعار لهم ما لنا وعليهم ما علينا كالحضارة
الإسلامية.




11- الحصرية: رغم التشدق
الأمريكي بجلب الحضارة لسكان القارة الأصليين، فقد كان للمستوطن حقوق علت
على حقوق الهندي، ورغم النوايا الحسنة والشعارات التي رفعها رؤساء
أمريكيون عن تقديم نموذج لسعادة جميع السكان، كانت الدولة تتصرف كممثلة
للعنصر الأوروبي الذي لم يكن معنيا بقيم التنوير التي ادعاها عندما تصطدم
مصالحه مع العنصر الأصلي، وتفضل استخدام القوة لقمع الهندي للتخلي عن حقه
بدل إجبار الأمريكي على الالتزام بالقانون أو المعاهدة التي وقعتها الدولة
نفسها مع القبائل الهندية، وهو نفس النموذج الذي رأيناه في الكيان
الصهيوني الذي عد نفسه ممثلا لليهود معليا "حقوقهم" على حقوق الفلسطيني
الذي تمارس الدولة معه انتهاكات استيطانية لا يتصور ممارستها مع اليهودي
كمصادرة الأراضي والإبعاد وهدم البيوت والاستيلاء عليها ومحاولة محو الأثر
التاريخي وطمس المعالم التاريخية والطريف أن هذا يحدث باسم التسامح!




12- تدمير الاقتصاد المحلي:
أثناء محاولة إخضاع السكان الأصليين في أمريكا قام الأمريكيون بقطع مصادر
الرزق ووسائل المعيشة للتضييق على الهنود وإجبارهم على الاستسلام، ولعل
أبرز هذه المحاولات عملية إبادة جواميس البيسون التي كان الهندي في منطقة
السهول العظمى يعتمد عليها كليا في معيشته إذ يأكل لحمها ويستخدم الفراء
والجلد والعظام وغير ذلك في تأمين المسكن وأدوات المعيشة، وكانت هذه
الجواميس تجوب السهول بأعداد ضخمة جدا قدرت بستين مليونا وحكيت قصص مثيرة
عنها مثل أن قطارا اخترق 120ميلا يغطيها قطيع واحد، كما استغرقت فرقة من
الجيش ثلاثة أيام لتخترق قطيع آخر، ولما استعرت آخر الحروب الهندية بعد
نهاية الحرب الأهلية (1865) شن الأمريكيون حرب إبادة ضد جواميس البيسون
لقطع أرزاق الهنود، وفي هذا قال الجنرال فيليب شيريدان عن الصيادين:
"دعوهم يقتلون ويسلخون ويبيعون حتى ينقرض الجاموس، إذ أنها الطريقة
الوحيدة لإحلال سلام دائم والسماح للمدنية بالتقدم"(17) وبالفعل لم يأت
عام 1883 إلا وهذه الأعداد الضخمة قد تم قتلها وفسد جو الإقليم من رائحة
الجثث ولم يلبث أن امتلأت البراري بالعظام، وهو أمر مهد بحسم لهزيمة
المقاومة الهندية، وعلى الجانب الآخر نرى أن التجربة الصهيونية عملت على
قطع أرزاق الفلسطينيين من بلدهم لإجبارهم على المغادرة، وفي هذا قال هرتزل
في يومياته: "سنحاول أن نشجع فقراء السكان على النزوح إلى البلدان
المجاورة وذلك بتأمين أشغال لهم هناك، ورفض إعطائهم أي عمل في بلدنا"(18)
وقد طبق أتباعه هذه الوصايا بشعارات العمل العبري واحتلال العمل واقتحام
العمل التي تحض على تشغيل اليهودي واستبعاد العربي وشعار اقتحام الإنتاج
الذي يحض على شراء المنتج اليهودي ومقاطعة العربي، كما استمر الحرمان من
وسائل المعيشة في مصادرة الأراضي مصدر رزق الفلسطيني وتجريفها وحرق
الأشجار وتدمير المحاصيل، حتى لقد استخدم التعليم العالي في هذه الحرب
وسمح الاحتلال بإنشاء جامعات في الضفة والقطاع لتكون الشهادة العليا دافعا
لحاملها على الهجرة من أرضه نتيجة ندرة الأعمال المناسبة.(19)




13- السلام أرخص من الحرب:
وبعدما حرم الهنود من مصادر الرزق أصبحوا عالة على المساعدات الحكومية
التي دفعت لهم ثمنا لبيع أراضيهم والقبول بالحجز في محميات كان عنوانها
تعليمهم التحضر والسير في طريق الرجل الأبيض، واشتهر القول آنذاك بأن
إطعام الهندي أرخص من قتاله الذي قد ينفق فيه مبلغ مليون دولار، على
ضخامته في تلك الأيام، لقتل هندي واحد،(20) وكانت هذه المساعدات مرتعا
للفساد الذي استفادت منه حلقات التجار والوكلاء والسياسيين الذين نهبوا
أموال الهنود وأطعموهم فاسد الطعام ورديئه أو تركوهم يجوعون إلى حد
الثورة، ويلاحظ أن اللاجئين الفلسطينيين أصبحوا معتمدين على المساعدات
الدولية الشحيحة بواسطة وكالة الغوث بعد طردهم من بلادهم، وهو أمر تساهم
فيه نفس الدول التي ظاهرت على طردهم وذلك خوفا على استقرار الكيان الذي
قام على أنقاضهم، إذ يبدو أيضا أن إطعام الفلسطيني أرخص من قتاله، كما
يلاحظ أن أهل فلسطين أصبحوا بعد قيام السلطة الوطنية معتمدين على
المساعدات الدولية التي تدفعها السلطة على شكل رواتب ينذر انقطاعها بخطر
جسيم وتكاد القضية الفلسطينية تختزل فيها.




14- المفاوضات وسيلة انتزاع
التنازلات: في بداية الاستعمار الاستيطاني الأمريكي، كان الطرف الهندي هو
الأقوى، وقد منح المهاجرين أراض بصفتها هبة لضعيف محتاج، ولكن ميزان القوى
تغير مع ازدياد المستعمرين، وأصبح الحصول على الأرض ضرورة حيوية لهم، ومن
هنا أصبحت المفاوضات الذراع السياسي للقوة الأمريكية التي تسعى لفرض
مطالبها بأقل التكاليف الممكنة مستخدمة أية وسيلة لتحقيق الهدف بما فيها
الرشوة والضغط والخداع وتجاوز إرادة المجموع وتبديل الزعماء الرافضين، كما
يحدث اليوم تماما، وكانت القبيلة الهندية تعلم أن قوة هائلة تقف خلف لجنة
المفاوضين الذين جاءوا "لشراء" الأرض، ونتيجة لذلك لم يكن قرار البيع
اختياريا لأنه في حالة الرفض فإن القوة جاهزة لانتزاع الأرض عنوة، وبهذه
الطريقة ضاعت معظم أراضي القارة من الهنود، ولم يسجل التاريخ في مرحلة
الصراع مفاوضات أملى فيها الهندي شروطه إلا إذا كان مدعوما بقوة المقاومة
كما فعل الزعيم "الغيمة الحمراء" Red Cloud في حربه مع الجيش الأمريكي
(1866- 1868) في شمال السهول العظمى، وقد شاهدنا هذا الشريط نفسه في
المشروع الصهيوني: تمسكن في البداية حتى إذا اشتد عوده فرض مطالبه بالحرب
وأصبح اليوم يستخدم التفاوض وخلفه قوة ماحقة لفرض مطالبه، أما الطرف
الضعيف فإنه يرى أرضه تتآكل ولا يملك سوى المقاومة حتى الموت أو التنازل،
وهذا هو حال أية مفاوضات مختلة الميزان.




15- الديمقراطية: قام الكيان
الأمريكي على قيم ديمقراطية استثني الهنود منها بل كان قمعهم وطردهم
وإبادتهم والاستيلاء على أراضيهم شرطا لقيام هذه الديمقراطية، أو كما يقول
البروفيسور ريتشارد سلوتكن: "لم يكن الاستيلاء الانتهازي على أراضي التخوم
مجرد جشع، بل كان وسيلة طبيعية وحتمية لتأسيس مورد كاف لإعاشة ديمقراطية
متكسبين. وإن مبادئ الأرض الحرة الخالية من الرق لم تكن عائقا لمشاريع
الاستيلاء على واستعمار أراض أجنبية، بل على العكس تماما، فإن توفر أراض
رخيصة كان الشرط الاقتصادي للعمل الحر والأرض الحرة"،(21) وقال أيضا إن
الاعتقاد بأن "توزيع الأراضي الرخيصة على الجميع كان ضمانا للتقدم
والديمقراطية، ظل في قلب المعتقد السياسي العام"،(22) كما كان الاستيلاء
على أراضي الفلسطينيين وطردهم شرطا لإقامة صرح ديمقراطية يهودية كما أن
استمرار استبعادهم ومنعهم من العودة هو شرط لازم لاستمرار هذه الديمقراطية
الحصرية، ودون ذلك سينهار المشروع من أساسه، وكما تجاوز الغرب الإرادة
الديمقراطية الفلسطينية في انتخابات لم تعجبه نتائجها سنة 2006، كثيرا ما
تجاوز الأمريكان المبادئ الديمقراطية عندما أهملوا الإرادة الحرة للهندي
في اختيار مصيره ببيع الأرض أو عدمه، وهو شرط أكدت عليها المعاهدة مع
الحكومة الأمريكية نفسها، فيتم التحايل على الديمقراطية باللجوء إلى تعطيل
إرادة المجموع لصالح قلة من الزعماء المطواعين، أو باللجوء إلى التهديد
بقطع المساعدات التي يعتمد الهندي عليها بعد فقدان أرضه وموارده، أو
بالتلاعب بعدد الأصوات وتزوير التصويت، أو بتقديم الرشاوى وغير ذلك مما
يؤكد حصرية ديمقراطية الكيانات الاستعمارية الاستيطانية.




16- محاولة الإبهار: وبسبب
التفاوت التقني بين حضارة الأمريكي وحضارة الهندي، اعتمد المشروع
الاستيطاني الأمريكي على إبهار الهندي بالتقدم التقني وفارق القوة لدفعه
إلى الاستسلام والخضوع، ولهذا كانت السلطات الأمريكية ترتب لزعماء الهنود
زيارات للعاصمة والمدن الأمريكية لإطلاعهم على مدى قوتها وبالفعل يعود
الزعيم وقد قرر الاستسلام، إلا ما ندر، وهذا يشبه في قضيتنا انبهار البعض،
ومنهم زعماء، بالتقدم التقني الغربي والصهيوني، وقبولهم مشاريع الشرق
أوسطية التي تقوم على العقل الصهيوني والمال والعمالة العربيين، وقد اشتهر
عن رئيس عربي مخلوع قوله لمن يناوئ الولايات المتحدة: "دي أمريكا"!




17- تراجع السكان الأصليين: كما
تقلصت الممتلكات الهندية في القارة الأمريكية، ما تزال الممتلكات العربية
في فلسطين والجولان في تقلص مستمر، والناظر إلى خريطتين للموقعين (23)
سيرى مدى التشابه بينهما، ولا عجب، فعندما وضع الدستور الأمريكي لم يحدد
حدودا للدولة، وهي سابقة طالب بن غوريون بالسير على نهجها ليتوسع كيانه
كلما زاد عدد سكانه (24).




تمثل الخريطتان مقارنة بين تضاؤل
أملاك عرب فلسطين (1947-2005) وتضاؤل أملاك هنود أمريكا بين وصول
الأوروبيين (1492) ونهاية الحروب الهندية (1890) (23)




18- الوعود بالدولة المستقلة:
تكررت وعود ومحاولات إقامة دولة هندية أو ولاية خاصة ضمن الاتحاد، وفي كل
مرة تتدخل العوامل السياسية لإفشال المحاولة، حدث هذا أثناء الثورة
الأمريكية حين حاول كل من بريطانيا والثوار الأمريكيين اجتذاب القبائل
الهندية ووعدت الحكومة الأمريكية الثورية قبائل ديلاوير ومن ينضم إليها في
مساعدة الثورة بالحق في تكوين ولاية خاصة بهم وإرسال مندوبيهم إلى
الكونجرس، ولما انتصرت الثورة لم تف بوعدها لمن ساعدها في حربها ضد
بريطانيا، بل كان ما أصاب القبيلة بعد قبول بعض أفرادها الديانة المسيحية
أن هاجم رجال الحدود قريتهم وارتكبوا فيها مجزرة بشعة في سنة 1782 مما حول
القبيلة إلى معاداة الولايات المتحدة، وقامت محاولة أخرى لإنشاء ولاية
هندية عندما اجتمعت القبائل الخمس المتمدنة التي اعترف الأمريكيون بأنفسهم
بقبولها التحضر وفق مقاييسهم فأطلقوا عليها هذا الوصف، وحاولت إعلان ولاية
هندية في المقاطعة التي خصصها الأمريكيون للهنود سنة 1905 ولكن الكونجرس
الأمريكي لم يأبه بهم وبمطالبهم وأعلن ضم المقاطعة إلى ولاية أوكلاهوما
سنة 1907، ولسنا بحاجة إلى تذكر الوعود المتكررة بالدولة الفلسطينية منذ
إعلان الانتداب مرورا بقرار التقسيم وعملية سلام مدريد ثم أوسلو إلى وعود
بوش الابن وحل الدولتين الموعود.




19- استغلال الخلافات الداخلية:
استغل الأوروبيون وخلفاؤهم الأمريكيون الخلافات الداخلية التي كانت تحتدم
بين القبائل وتمزق القبيلة الواحدة، فاستخدموا قبيلة ضد أخرى وزعيما
مهادنا ضد آخر مقاوما، وكانت هذه الانقسامات تساهم في إخضاع الأرض للغزاة
ولم تعد بأية فائدة حتى على من وقف إلى جانبهم وتم اجتياح الجميع وإيقاع
الدمار بهم، ولم يكن مصير المتعاونين أفضل من المقاومين، وهذا ما حدث في
فلسطين عندما خدع البريطانيون واليهود قسما من أهلها ولعبوا على وتر
الخلافات الداخلية وانقسام الأحزاب بين مجلسيين ومعارضين حتى أتت ساعة
الحقيقة فجرفت النكبة الجميع بلا تمييز، ويتكرر الانقسام اليوم بخدع
مماثلة لخدع الماضي، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.




20- الوثائق المبهمة: استخدم
الأمريكيون أسلوب الإبهام في عقد المعاهدات مع الهنود لانتزاع أكبر قدر من
المكاسب منهم، وكثيرا ما شكي الزعماء من أن ما وقعوا عليه لم يكن مطابقا
لما طولبوا به فيما بعد، ولعل هذا يذكرنا بالجدل القائم إلى اليوم حول
مراسلات الحسين مكماهون: هل كانت فلسطين من المنطقة الموعودة بالاستقلال
أم لا؟ وبالجدل القائم أيضا حول القرار 242: هل يطالب بالانسحاب من
الأراضي أم من أراض!!




21- نقض العهود: عقدت الولايات
المتحدة حوالي 800 معاهدة مع القبائل الهندية على امتداد القارة، ولم
يصادق الكونجرس إلا على أقل من نصفها , ولم يلتزم الجانب الأمريكي بأي
منها، ورغم قرارات المحكمة العليا بوجوب تفسير البنود وفق ما فهمه الجانب
الهندي عند العقد وبتفسير الاختلافات لصالح القبائل، فإن هذه المعاهدات ما
تزال قيد المطالبة الهندية بتطبيق ما جاء فيها إلى هذا اليوم، وقد علق أحد
كبار السن من الهنود أمام أحد رجال الدين الأمريكيين: "لقد وعدنا البيض
وعودا كثيرة ولكنهم لم يفوا إلا بوعد واحد: وعدونا بالاستيلاء على أرضنا
وأخذوها فعلا" (25)، وهذا يذكرنا بمئات القرارات الدولية التي ضمنت حقوق
عرب فلسطين ولم يطبق منها شيء، وبالوعود الكثيرة التي أطلقها المجتمع
الدولي والدول العظمى بحل مشكلتهم، وبالاتفاقات العديدة التي وقعت ولم
تنفذ، ويعود هذا الإرجاء في الحالتين إلى اختلال ميزان القوى وعدم وجود
قوة لدى الجانب الضعيف لفرض مطالبه وحقوقه.




22- العملاء: لتحقيق أهداف
سياستهم، كان الأمريكيون يفضلون التعامل مع الزعماء المسالمين الذي يقبلون
بالإملاءات الأمريكية، وإذا اعترضهم نفوذ أحد الزعماء المقاومين، كانوا
يحاولون جهدهم تحطيم نفوذه و"تحرير" القبيلة من "طغيانه" بالإتيان بزعماء
مطواعين بتركيز التعامل معهم وإهمال المقاومين، وإسباغ الهيبة عليهم أمام
قومهم-فترة الحاجة إليهم فقط- واحتقار الرافضين، أو بالتعامل مع رؤوس
العائلات أو أفراد القبيلة بشكل مباشر لتفتيت إرادتهم الجمعية، أو بتعيين
وكلاء حكوميين- مثل المندوب السامي في تجربتنا العربية- لتسهل السيطرة على
القبيلة بواسطتهم، وإذا لم تفد كل هذه الوسائل تلجأ السلطات إلى الاغتيال،
وكل هذا ليس بعيدا من تجاربنا الحديثة مع الكيان الصهيوني والغرب
الاستعماري عندما يقف زعيم في طريق مطامعهم.




23- المساعدات: استخدمت السلطات
الأمريكية الرشاوى والضغوط السياسية لعقد المعاهدات الهندية لغير صالح
القبائل وللاستيلاء على أراضيها، وربما وقع الزعيم على التنازل وهو سكران
غير منتبه لما وقع عليه، وهذه الأساليب تذكرنا بالرشاوى التي أعطيت
لزعمائنا لعقد معاهدات السلام تحت عنوان المساعدات، وبالضغوط التي مورست
عليهم لابتزاز أكبر قدر من التنازلات في هوة لا نقع فيها على قرار.




24- التهجير: استخدم الأمريكيون
سياسة التهجير للاستيلاء على أراضي الهنود، وكانت القبائل تنقل مسافات
شاسعة بعيدا عن أوطانها، في البداية من شرق القارة إلى غرب نهر المسيسبي،
ثم إلى المقاطعة الهندية في أوكلاهوما، وقد نشأت مآس كبرى في عمليات
التهجير هذه لعل أبرزها رحلة درب الدموع التي هجرت فيها قبيلة شيروكي من
ولاية جورجيا إلى أوكلاهوما - حوالي 1200ميل-باستخدام الجيش ومعسكرات
الاعتقال سنة 1838 وقد مات في الرحلة ما يقارب أربعة آلاف شخص يمثلون ربع
القبيلة من الجوع والأمراض حتى أن جنديا عاصر أهوال الحرب الأهلية
الأمريكية فيما بعد (1861-1865) أصر على أن رحلة الدموع هي أكثر المشاهد
الوحشية التي شاهدها في حياته (26)، وقد سجل التاريخ الأمريكي مآس مشابهة
كمشوار النافاجو الطويل (1862) وهروب الأنوف المخرومة (1877) وخروج
الشايان (1878)، وهي رحلات تشبه إلى حد كبير نكبة فلسطين وهجرة أهلها سنة
1948 ثم هجرتهم الثانية سنة 1967.




25- التخلي عن العميل وازدراؤه:
لم يكن الزعماء المسالمون بمنأى عن العدوان الأمريكي، فربما حصل الزعيم
الهندي على ميدالية تقدير من الرئيس الأمريكي نفسه أو شهادة صداقة تثبت
ولاءه، ومع ذلك يقتل برصاص الجيش الأمريكي لأن ما قدمه غير كاف للجم قومه
(نفس الحجة الحديثة عند الكيان الصهيوني!)، أو لأن المصالح اقتضت ذلك، أو
لأن الرئيس الأمريكي غير قادر على ضبط جنوده بكل أسف!، وقد قُتل كثير من
الزعماء المسالمين برصاص الأمريكيين، ولعل أوضح مثل على هذا قصة زعيم
قبيلة الشايان "الإبريق الأسود" Black Kettle الذي قضى عمره في البحث عن
السلام وإتباع أوامر الرجل الأبيض وسلوك سبيل الأمان مضحيا بحقوق قومه
وموافقا على تقديم الأرض مقابل الحصول على السلام، فكانت النتيجة أن تعرض
قومه لمذبحتين من أبشع مذابح التاريخ الأمريكي في نهير الرمل Sand Creek
(1864) وواشيتا (1868) وقتل تحت سنابك الجيش الأمريكي بكل وحشية هو ومئات
من أفراد قبيلته، وكم من زعيم سلام لاقى الترفع والاستكبار من الرجل
الأبيض، فهذا يعرض خدمات للقتال إلى جانب الجيش فيلاقي الإعراض والرفض
بازدراء، وهذا يمد يده للسلام على الجنرال الأمريكي فيرفض الجنرال مس يده
(مقارنة مع مصافحة اتفاق أوسلو في البيت الأبيض)، ولعل هذه الصور تعيد إلى
أذهاننا صورا معاصرة عن كيفية معاملة الذين ساروا في درب عملية السلام.




26- المجازر: ينتشر استخدام
المجازر في عملية غزو أمريكا على طول تاريخها، ولم تكن معاداة الهنود
للبيض هي المحفز على ارتكابها، فكم من قرية كانت آمنة وفي صداقة مع الأبيض
تعرضت للهجوم وكم من قرية اتبعت طريق الرجل الأبيض وديانته هاجمها
الطامعون، ومنذ مجزرة البيكوت (1637) ارتكبت عدة مجازر وعمليات تطهير عرقي
إلى أن اختتمت حروب الهنود بمجزرة ارتكبت عند نهير الركبة الجريحة Wounded
Knee (1890) في ولاية داكوتا ما تزال ذكراها عالقة في أذهان الهنود إلى
هذا اليوم كذكرى مجزرة دير ياسين في ذاكرتنا والتي ارتكبت ضد قرية مسالمة
عقدت مواثيق الصداقة والأمان مع المستعمرات الصهيونية حولها لتأمن أهوال
الحرب ولم تشترك في المعارك ضدهم ومع ذلك اقتضت المصالح العسكرية للعدو
بإفنائها وجعلها عبرة لغيرها فلم يتردد الصهيوني في ذبحها، ولا ننسى بقية
المجازر الصهيونية في النكبة وقبية وكفر قاسم وبحر البقر وصبرا وشاتيلا
وغيرها وغيرها.




27- رعاية الدولة الكبرى
والاستقلال عنها: رعت دولة كبرى هي بريطانيا الاستعمار الاستيطاني في
أمريكا، ولكن أي كيان استيطاني عندما ينمو تتضارب مصالحه مع مصالح البلد
الأم، فيسعى للاستقلال عنها، وقد كانت العلاقة مع الهنود والاستيلاء على
أرضهم من ضمن أسباب الثورة الأمريكية على الحكم البريطاني، إذ سعت الحكومة
البريطانية إلى تقييد الاستيطان برسم حد فاصل لا يجوز تجاوزه بين
المستعمرات وأرض الهنود بعد الثورة التي قاموا بها سنة 1763، وأصدر الملك
جورج الثالث إعلانا بذلك مما أغضب الأمريكيين المتطلعين نحو مزيد من
التمدد في أرض الهنود ودفعهم لإعلان الثورة على التاج البريطاني، وقد كان
انتصار الثوار كارثة على الهنود (27) بمجيء حكومة تتبنى أطماع المستوطنين
الذين ظلوا رأس حربة في العلاقة مع الهنود فيما بعد وسببا رئيسا للتوترات
في مناطق التخوم كما اعترف بذلك قائد الجيش الأمريكي وليام شيرمان بعد
الحرب الأهلية الأمريكية،(28) ومع ذلك اختارت الدولة قمع الهنود حتى عندما
يكون المستوطن هو المعتدي لأن السيطرة عليهم أسهل من السيطرة على
المستوطنين (29) الذين تستمد الدولة الشرعية من تمثيلهم، ولعل هذه الصورة
تماثل ما حدث عندنا عندما رعت بريطانيا الاستعمار الاستيطاني الصهيوني
الذي تمرد عليها لما اشتد عوده وأرادت وضع قيود عليه بعد ثورات العرب
المتكررة واستجابة لحساباتها الإمبراطورية الخاصة، وكانت"حرب الاستقلال"
الصهيونية نكبة على أهل فلسطين كما كانت حرب الاستقلال الأمريكية نكبة على
الهنود، وتمدد الاستعمار الاستيطاني بعدها بشكل سرطاني وظل يلتهم الأرض
تدريجيا إلى أن يصل إلى درجة التغير النوعي الذي يوجد حقائق على الأرض
يصعب تغييرها وترسخ وجودا جديدا للاحتلال تتراجع أمامه حقوق أهل فلسطين،
فمن وطن قومي إلى تقسيم سنة 1937 إلى تقسيم سنة 1947 إلى حدود الهدنة إلى
حرب 1967 وما تزال الدولة الصهيونية ترعى المستعمرين الاستيطانيين خارج
حدودها رغم خرقهم القوانين والاتفاقات وعبثهم وعربدتهم فيما يشبه مناطق
الحدود في السابقة الأمريكية.




28- عندما نشأت سياسة المحميات
في الولايات المتحدة لإسكان القبائل الهندية بعيدا عن الاستعمار
الاستيطاني الأبيض بداية من سنة 1787، تركت للهنود "الأراضي التي لا يرغب
بها أحد"، فكانت أراض فقيرة وقاحلة، ولكن ثروات طبيعية كالنفط واليورانيوم
اكتشفت بها في القرن العشرين بعدما كانت قد ضمنت ملكيتها للهنود، مما أدى
إلى تجدد الهجوم عليها فيما وصفه أحد المؤلفين الهنود بغزو الرأسمالية
الأمريكية لأرض الهنود في القرن العشرين طمعا في الموارد الطبيعية
للقبائل،(30) وهذا يذكرنا بطريقة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الذي كان
ينتخب الأراضي الخصبة والمواقع الحساسة والمهمة، حتى إذا وقع التقسيم سنة
1947 كانت خلاصة البلاد بأيدي الصهاينة، ثم بنهب الكيان الصهيوني ثروة
الضفة الغربية من المياه وسعيه لنهب الثروات التي اكتشفت في بحر لبنان.




29- عبثية سلاح القانون في
استعادة الحقوق: حاول الهنود قبلنا اللجوء إلى السلاح القانوني لحماية
حقوقهم طبقا لقانون الرجل الأبيض، ولكن هذا الأسلوب لم يغير من مسيرة
الصراع ولا من نتائجه الكبرى، ومن الأمثلة الطريفة على ذلك قيام زعيم
قبيلة البونكا المسالمة برفع قضية سنة 1879 في المحاكم الأمريكية ليثبت
أنه "شخص" له حقوق كأي فرد أمريكي ولا يجوز حجزه خلافا لرغبته في محمية
تحددها الحكومة، ورغم اتخاذ القضية بعدا شعبيا وشغلها الرأي العام، ورغم
حكم القضاء بأن الزعيم تنطبق عليه صفة "شخص"، فقد منعت السياسة امتداد
الحكم حتى لأفراد قبيلته لأن ذلك سيدمر نظام تعامل الحكومة مع الهنود
وسياسة المحميات من جذورها، وظل الهنود في نظر القانون ليسوا "أشخاصا"!،
ومن الأمثلة الغريبة أيضا لجوء هنود ولاية داكوتا للقضاء لاستعادة منطقة
التلال السوداء المقدسة لديهم والتي سلبت منهم عنوة بعد معاهدة ضمنت
ملكيتهم لها سنة 1868، وكان ذلك نتيجة اكتشاف الذهب فيها، ومنذ أكثر من
قرن والقضية تراوح في المحاكم لإثبات حق الهنود الذين رفضوا التعويض
وفوائده رغم أنه فاق المليار دولار لأن القضية عندهم تتعلق بقدسية المكان
لا بثمنه ويصفونه بأن قدس الهنود، وهذا يماثل لجوءنا للقانون الدولي
لإنصافنا ورغم ذلك لم نستعد حقا واحدا به رغم كثرة القرارات والمواد التي
تدعم حقوقنا، ويبدو أن علينا إثبات كوننا "أشخاصا" ابتداء لنحظى بالحقوق
الغربية!




30- لجان التحقيق: ومثل القوانين
أدت لجان التحقيق دورا سلبيا في علاقة الهنود بالأمريكيين، وكثيرا ما
استخدمت هذه الوسيلة للكشف عن ملابسات مجزرة أو جريمة، ولكنها لم تؤد إلى
إعادة حق لصاحبه، ومن أمثلة ذلك عدم معاقبة العقيد تشيفنغتون الذي ذبح
العشرات من الهنود الأبرياء في مجزرة نهير الرمل (1864) رغم قرار لجنة
التحقيق بإدانته، ولكن كونه أصبح خارج الخدمة عند صدور القرار، أعفاه من
العقوبة، ورغم قرارات لجنة دوليتل (1867) التي فصلت الحالة المزرية التي
وصل الهنود إليها من نقصان في أعدادهم وقلة مواردهم وتضاؤل أراضيهم
وإفسادهم بعيوب البيض كالخمر وغيره وتعديات المستوطنين عليهم، فإن هذه
المعلومات لم تغير مسار الأحداث واستمر العدوان واستعرت الحروب حتى انتهت
المقاومة الهندية المسلحة في سنة 1890، ويذكرنا هذا بلجان التحقيق
البريطانية التي زارت فلسطين واحدة تلي الأخرى، لجنة بيل ولجنة وودهيد
ولجنة شو ولجنة سمبسون وغيرها وغيرها، لتجيب عن أسئلة ساذجة عن سبب
الاضطرابات وتفصل الحقائق الواضحة ولكن مسار الأحداث ظل على ما هو عليه
حتى وقعت النكبة بأهل فلسطين ولم تفدهم نتائج التحقيقات بشيء، بل ما زالت
اللجان ترسل إلينا كلجنة غولدستون الذي انقلب علينا!




31- الشرطة الوطنية لضبط السكان
الأصليين: استخدمت السلطات الأمريكية شرطة هندية لضبط الأمن والسيطرة على
الهنود في المحميات في سبعينات القرن التاسع عشر، وكانت هذه الشرطة تأتمر
بأوامر الوكيل الأمريكي الذي تعينه الحكومة، وقد أدت هذه الشرطة أدوارا
حيوية إلى جانب الحكومة ضد شعبها من ذلك اغتيال زعيم المقاومة "الثور
الجالس" سنة 1890، ولا ننسى هنا الشرطة الفلسطينية التابعة للوكيل
الأمريكي التي أنشأتها اتفاقية أوسلو لضبط الفلسطينيين والسيطرة على
مقاومتهم، وأدت في هذا المجال خدمات جلية للجانب الصهيوني.




32- أهمية المؤسسة العسكرية: أتى
كثير من الرؤساء الأمريكيون بعد الثورة من المؤسسة العسكرية واعتمادا على
سجلهم الحربي ومنه المواجهات مع السكان الأصليين، وكان تسجيل "البطولات"في
الحروب الهندية من الوسائل التي يسلكها المرشح نحو منصب الرئاسة، وهذا هو
حال الكيان الصهيوني الذي أتى زعماؤه من المؤسسة العسكرية استنادا
لأمجادهم في المعارك مع العرب، وهذا بسبب أن المشروعين الأمريكي والصهيوني
تبنيا العنف تجاه السكان الأصليين، كما ورد في قول جورج واشنطن السابق
وكما قال الجنرال شيرمان بعد الحرب الأهلية: "كلما قتلنا أكثر هذه السنة،
قل عدد من سنقتلهم في الحرب القادمة... يجب أن يتم قتلهم جميعا أو إبقاؤهم
جنسا من العالة"(31) وهو قول يشبه ما كتبه حاخام في الجيش الصهيوني: "يجب
قتلهم تحت أي ظروف، لا نستطيع أن نثق في عربي، حتى وإن كان يبدو متحضرا في
الحرب، عندما تشن قواتنا هجوما نهائيا، فإن الشريعة تسمح لهم بل تأمرهم
بقتل حتى المدنيين الخيرين" (32) ولهذا ليس من العجيب أن تنتشر في الكيان
الصهيوني مقولة أن العربي الجيد هو العربي الميت كما اشتهرت في الولايات
المتحدة من قبل مقولة أن الهندي الجيد هو الهندي الميت.




33- شراء الأوطان: تبنى
الأمريكيون نظرة داروينية ترى أن كل شيء يباع ويشترى بما فيه الأوطان
والذكريات والروابط الإنسانية والمقدسات بل والإنسان نفسه، ولهذا لم
يكونوا يفهمون منطق الهندي وهو يتحدث عن أرضه، وقد قال الجنرال أوليفر
هاورد في سنة 1877 لقبيلة الأنوف المخرومة أثناء محاولته تنفيذ الأوامر
بتهجيرهم من أرضهم: " لا أريد أن أتعدى على دينكم، ولكن عليكم التحدث عن
أمور عملية، لقد سمعت منكم عشرين مرة حتى الآن أن الأرض هي أمكم وحول
زعامتكم الموروثة من الأرض، لا أريد أن أسمع شيئا من هذا القبيل بعد الآن"
(33)، وهذا يشبه الحيرة التي يجد الصهاينة أنفسهم بها نتيجة رفض اللاجئين
الفلسطينيين أي تعويض عن وطنهم رغم البؤس والحرمان والشقاء الذي يعيشون
فيه.




34- صحوة الضمير بعد فوات
الأوان: تتميز المجتمعات الغربية، وبخاصة الاستعمارية الاستيطانية منها
بصحوة الضمير ولكن بعد زوال الخطر وفوات الأوان، وهذا لا يعود إلى تطور
القيم كما يدعي بعض الباحثين الأمريكيين المدافعين عن مجتمعهم، لأن تجريم
ما حصل للهنود لم يكن مقتصرا على المصلحين وأصحاب التوجهات الإنسانية
ولجان التحقيق المحايدة، بل ظهر أيضا في اعترافات ساسة العصر وكبار
العسكريين الذين أخضعوا الهنود وقضوا على حريتهم، والانفصال بين القلب
والسيف معروف منذ بدء الخليقة، والقضية لا تتعلق باختلاف القيم بين العصور
بقدر ما تتعلق بسهولة الندم بعد فوات الأوان، وهذا يفسر الاعتدال الذي
ينتاب الجمهور الأمريكي تجاه السكان الأصليين اليوم وكثرة الأبحاث والكتب
التي توثق الجرائم التي ارتكبت ضدهم، ولكن هذا منقطع عن أي أثر عملي
باستثناء قرار هنا أو هناك بتحسين ظروف معيشية، ولو تجدد الصراع على ثروة
ما مرة أخرى لرأينا الخندقة تعود من جديد كما حدث فعلا في الصراع على
ثروات المحميات في القرن العشرين، وقد بدأ الشعور المتعاطف مع الهنود في
الساحل الشرقي بعد اندثارهم منه وزوال خطرهم، وصار من السهل على سكانه
محاسبة سكان الغرب الأوسط المنهمكين في الصراع بمعايير لم يكونوا يقبلونها
لأنفسهم عندما كانوا هم في خضم المعارك الهندية (34)، وقد تنبه الأديب
الصهيوني عاموس عوز إلى هذه المسألة وقال في حديث مع مسئول كبير من
الصهاينة: "ماذا لو قتلنا مليونا من العرب، أو حتى ستة ملايين؟ إن التاريخ
سينسى ذلك، ويأتي أدباؤنا ويكتبون روايات عظيمة عن المذابح التي ارتكبناها
في حق العرب ومشاعر الذنب التي تنتاب الجيل الجديد، ويحصلون على جوائز
نوبل في الأدب" (35)، وهذا بالضبط ما يحدث للكتاب الأمريكيين الذين رفضوا
اضطهاد الهنود في زمنهم ويحتفى بأعمالهم اليوم ويصبحون، مثل هيلين هنت
جاكسون (1830-1885)، رصيدا للمجتمع الذي ذبح الهندي ومع ذلك انطلقت منه
أصوات حرة لترفض الجريمة!، وهذا ما يريده الصهاينة لو انتصر مشروعهم لا
سمح الله ليحتفوا بأعمال المؤرخ إيلان بابيه مثلا بصفته دليلا على مدى
الحرية في المجتمع الديمقراطي الصهيوني! ولأن المجتمع الصهيوني لم يفرغ من
الصراع بعد فمن الصعب أن نجد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

فلسطين الهندية الحمراء: قراءة في السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

فلسطين الهندية الحمراء: قراءة في السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: