شتروا من دكّان الثورة انتصاراتكم الإدارة | يونيو 30، 2011 | التعليقات: 1
عقيلة بن طويلةمجموع المنحنيات البيانيّة التي تُصور أحوال الأمم وترسم إحداثيات فترات
نهضتها وسقوطها ما هي إلّا تبيانٌ لوجهِ التاريخ الذي تُبرزه ملامح الشعوب
وأفعالها خلال الزمن الممتد منذ فجر بزوغها وبالمرتبط بجغرافيّةٍ تُحددها.
وفي بلدٍ كبلدي يبلغُ منحناه البيانيّ أوج تقلباته وتغيّراته، إذ لا
يلبث أن يشهد ثباتا إلا وتعصفُ به أزمة أو تصدحُ به صحوة أو تعتلي كَتفيه
نعمةٌ أو نقمة، المنحنى البياني الممتد من أوج حضارة البربر إلى أول الفاتح
من نوفمبر، يستوقف التاريخ بعد استعادة استقلاله في مرحلة الاستعمار ونيل
الحريّة متسائلًا: بأيّ اتجاه؟ وما الطريق للاستقلال في زمن البناء؟
إلّا أن وطني استوقف التاريخ طويلا فغدت أفراح الاستقلال التي أريدَ بها
أن تمحُوَ من ذاكرته أيام حرب خاضها بدمه سُرعان ما تتحول إلى قنبلة
موقوتةٍ لتنفجر المأساة وتجرّ معها عشريّةً سوداء تقتلعُ بها نشوة الفرح
وتعيقُ استكمال الشعب لمهام الثورة التي فجّرها لتحقيق الجزائر الشعبيّة
ذات المبادئ الإسلامية.
الثورة التي اغتيلت في الجزائر قبل أن تبلغ نصابها وهي لا زالت تحبُو
على أطرافها بعد أن خرجت من مهب معركة الاستعمار ومسخ الهويّة خارجًا،
لأحادية الحزب والعشريّة الحمراء لتتفجّر الفتنة بين أبنائها داخلاً..
فتضيع البوصلة من أيادي الأجيال القادمة ويندثر منهج باديس والبشير وتتسربل
النهضة أحلامًا وأمانيّ نفس.
هكذا تجهضُ الثورات عندما يُتاجر بالقيم الثوريّة ويُعتلى بالسلطات السياسيّة كأداة تحكميّة مسلّمة.
لم تكُ ثورة الفاتح من نوفمبر ثورة شعبٍ ملّ الظلم ولم تكُ ثورة أكتوبر
ثورة شعبٍ جاع أو عطش وإنما جاع، نعم ولكن ليُشبع الثورة، الثورة التي تحمل
محتوى التغيير وجوهر الإنسانيّة الخالصة، الثورة التي تزلزلُ العقُول من
المفاهيم المجرّدة الجامدة، الثورة التي لا تكتفي بنشر العدالة الاجتماعية
بين المجتمع وإنما تعلّمه كيف يستعيدُ ذاته وهويّته وتلقنه معنى الكرامة،
الثورة التي تحيى على الأخلاق والروح وتستنير بنور العقيدة والمبادئ،
الثورة التي تثبتُ أن “صوت الشعب هو صوت اللّه”، الثورة التي لا تنتهي
بمجرّد مضي فترة أو حقبة وإنّما يضل الخطّ الثوريّ لها ولمكتسباتها وقيمها
يشق مساره في نهر الزمن ويُنبث في الأرض بذور الحضارة.
فالثورة الجزائريّة مثالٌ مقارب للثورة الفرنسيّة إذ تضمّنت في عهد ما
قبل الثورة أفكار عبد الحميد بن باديس وثلة العلماء والمفكّرين إلّا أنها
بعد أن عَبرت مرحلة ما بعد الثورة اتضح خلل المسار الذي انتهجه أبناء جلدتي
في ذاك الحين فسعدُوا بانتصارات وهميّة ونَسوا أن الثورة لم تُحقق إلّا
حقّ الحريّة ولا زال هنالك واجبُ النُهوض الذي يحتّم ضرورة الحفاظ على
الخطّ الثوريّ.. فتغاضينا عن الخطأ ومضينا، فأصبحنا على قول مالك بن نبي:
“أما الحقيقة فهي تخص فلسفتنا الثورية أجمعها فالثورة حين تخشى أخطاءها
ليست بثورة وإذا هي اكتشفت خطأ من أخطائها ثم التفتت عنه فالأمر أدهى
وأمّر” أو كما يقُول ماركس “يجب دائما أن نكشف الفضيحة عندما نكتشفها حتى
لا تلتهمنا”.
وذلك لأن الثورة التي تقف في منتصف الطريق خلال إنجاز مهماتها أو تخشى إصلاح أخطائها فإنها تنتحر (2).
فالثورة ليست حقًا وإنما واجب لا لانسحاب جيوش الاستعمار أو إعادة صياغة
الدُستور أو تغيير العُملة أو الاقتصاد القوميّ إنما هي قضيّة تصفية
العقول لتتضمن شموليًّا مفهوم الثقافة والحضارة وبعث الإنسان ليس بضمان
حقوقه فقط وإنما موازنته الدقيقة لمفهوم الواجب وبناء الأوطان بثلاثيّة
شروط النهضة.
“وتكبر الأمم بقدر ما تكبر المحن التي تواجهها والصعاب التي تعترضها
فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وبحجم التحدي تكون الاستجابة” (3).
فمحنتنا ليست لعنة أو سحرًا وإنما نتاجُ تفاعلات عديدة تمخّضت عنها، وإن
كنّا اليوم أحرض على البناء والتعمير والتنمية التي تتطلّب عرق وجهد وكدّ
الأحياء منّا في عملهم المشترك إذ هو يتكفل بها لمواصلة الكفاح من مقتضيات
التحرير إلى متطلبات البناء وفاءًا للدّم القاني في كلّ التراب الوطنيّ.
وعلى قول لينين: “إذا وجب علينا أن نسير إلى النصر زحفا على البطون..
فليكن” فنصر الجزائر بنهضتها وفجرها ببزوغ فكر باديس وأمثاله فكرًا يسري
بالأرض، يرفع الجدب ويُعلى راية “الجزائر المنشودة”
فلينهض ضمير كل مواطن وليستفتِ نفسه حول واجبه الخالص اتجاه الوطن؟ فإن
أردت سيّدي المواطن أن تصلح أمر الوطن فأصلح نفسكَ ابتداءً وقم بتأديّة
الواجب قبل أن تطلبَ الحق فالمرء عندما يقوم بواجبه فإنّ حقوقه ستأتي إليه،
إن لم تكن في الأرض فستنزلُ من السماء..
ولا تنسوا أنّ هنالك جسرًا يصلُ الشعب بالثورة الحقّة فينتفض.. فاشتروا من دكّان الثورة انتصاراتكم.